غاية خلق الإنسان.. البحث عن الذات الإلهي
  • الثبات لدى الابتلاءات وعدم قطع الصلة مع الله.
  • غاية حياة الإنسان البحث عن الذات الإلهية، والقرب من الله يعمر قلبه بالسكينة.
__
سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ (الرعد: 25)

التفسـير:

أي أن الملائكة سوف يزورونهم قادمين من كل باب قائلين لهم: “سلام عليكم” بمعنى أنهم سوف يخبرونهم أنكم بسبب كذا من الأعمال دخلتم من هذا الباب، وكذا من الأخلاق يتمثل لكم بصورة ذلك الباب وهكذا. ويسلمون عليهم تذكيراً لهم بأنكم سوف تتمتعون الآن بسلام شامل  جزاءً على حسناتكم، وكما أنكم أحرزتم الحسنات من كل نوع، كذلك تنعمون بالسلام من كل خطر.

وأما قولهم سلام عليكم ففيه دلالة على دوام هذا السلام. وبقولهم بما صبرتم بينوا لأهل الجنة سبب دوام هذا السلام، حيث قالوا: بما أنكم داومتم على فعل الحسنات وثابرتم عليها رغم العوائق فجزاؤكم الآن أن تنعموا بسلام دائم.

وتمثل الآية رداً على قول الآريين الهندوس بأَنَّهُ ما دام عمل الإنسان محدوداً فكيف ينال عليه جزاءً غير محدود في شكل الجنة الأبدية.(ستيارث بركاش باب 9 ص317). ذلك أن الله تعالى يقول هنا لأهل الجنة: إنكم لم تبرحوا متمسكين بالخير طوال الحياة، مؤدّين واجباتكم بكل وفاء وإخلاص، ثابتين على الحق، مداومين على الخير ما استطعتم إليه سبيلا، إلى أن حال دونكم الموت الذي لم يكن أمره بيدكم، فمن واجبي الآن أن أهب لكم فلاحًا أبديًا وسلامًا دائمًا.

تخبر الآية أن الذي يصيبه الهلع عند حلول المحن والاختبارات البسيطة ولا يبقى على الحق ثابتاً فإنه لا يستحق الجنة، وإنما يستحقها من لا يفزع لدى الابتلاءات، ولا يقطع صلته مع الله تعالى أبداً…

كما تخبر الآية أن الذي يصيبه الهلع عند حلول المحن والاختبارات البسيطة ولا يبقى ثابتاً على الحق  فلا يستحق الجنة، وإنما يستحقها من لا يفزع لدى الابتلاءات، ولا يقطع صلته مع الله تعالى أبداً، مثابراً على فعل الخيرات مداوما عليها.

يقول الجَكْرالَوِيوُّن* معترضين على المسلمين الآخرين بقولهم إنّ ما ورد في القرآن هو “سلام عليكم” فلماذا تقولون عند إلقاء التحية: “السلام عليكم”؟

والجواب هو أننا حينما نتبادل تحية السلام  فلا نعني سلاماً عادياً، وإنما نقصد سلاماً خاصاً ذُكر في هذه الآية وفي آيات أخرى من القرآن الكريم كقوله تعالى: سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين    (الزمر :74)،  وقوله تعالى: لهم فيها فاكهةٌ ولهم ما يدّعون سلامٌ قولاً من ربٍّ رحيم (يــس :58-59). فإننا نقصد من هذه الآية أن نقول لصاحبنا: وفّقك الله بدخول الجنة، وشنَّفت الملائكة أذنيك بتحية السلام وهم يدخلون عليـك من كل بـاب فيها كما وَعَدَ الله المؤمنين.

فهناك بونٌ شاسع بين أن يقول أحد (سلام عليكم) وبين هذا الدعاء الرائع الجميل. فما دمنا نقصد بتحيتنا ذلك السلام الخاص، فعلينا أن نقول بحسب قواعد العـربية أيضاً: “السلام عليكم” بدلا من “سلام عليكم”.

وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ الله مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ   (الرعد: 26)

شرح الكلمـات:

اللّعنةُ: لَعَنَهُ لعناً: طرده وأبعده من الخير وأخزاه وسبّه. واللّعنةُ: اسمٌ من اللَّعن؛ العذابُ (الأقرب)

التفسـير:

لقد أشار بقوله الذين ينقضون عهد الله … إلى أن هؤلاء الظالمين لا يمتنعون عن فعل الخيرات فقط، بل إنهم يرتكبون السيئات أيضاً، ويقطعون صلتهم عمن أمر الله بإنشاء الصلة معهم. فبعضهم يخلّ بالنظام القومي، والآخر يعارض النبي بدلاً من أن ينشئ معه علاقات التقرب والوداد، والثالث يتهاون في الشفقة على خلق الله، والرابع يُعرض عن ربه.

أما قوله تعالى ويفسدون في الأرض فقد جاء به إزاء  قوله ويقطعون ما أمر الله به أن يوصَل ليبين أنهم إلى جانب قطع الصلة  بهؤلاء يبدأون في ظلمهم، ولا يكتفون بالإعراض عنهم فحسب، بل يناصبونهم العداء.

ثم قال أولئك لهم اللعنة أي حيث إنهم قطعوا صلتهم بالله تعالى، فإن الله تعالى أيضاً سيطردهم من حضرته، ولن يَحْظَوا بقربه . مع العلم أن كلمة اللعنة قد جاءت هنا بمعنى الإبعاد والطرد، ولم ترد هنا كسَبّ وشتيمة، بل جاءت لبيان حقيقة هامّة، ألا وهي أن هؤلاء  ما داموا قد قطعوا صلتهم مع الله، فكيف يمكن لهم بعد ذلك أن يكونوا من المقربين لديه .

الله يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ وَفَرِحُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ مَتَاعٌ (الرعد: 27)

شرح الكلمـات:

يقدرُ: قدَر اللهُ عليه الأمرَ: قضى وحكم به عليه. قدَر عليه الرزقَ: قَسَمَه؛ ضيّقه. وقدَر على الشيء: جمعه وأمسكه (الأقرب)

التفسـير:

أي يقول هؤلاء الكفار: فلنتمتّع بنعم هذه الدنيا ومُتعها، لأن الآخرة أمر موهوم. إذ ليس هناك ضمان أن نحظى بنعم الآخرة إذا صدّقنا محمداً، ولكنا سنخسر بالتأكيد ما بأيدينا الآن. وفي لغتنا البنجابية أيضاً يقولون: هذه الدنيا حلوة لذيذة فلماذا نكدّر صفوَنا من أجل الآخرة التي لم يرها أحد؟

إن الله تعالى يرفض هذه الوسوسة الشيطانية ويقول: إن النعم المادية من مُلك أو مال أو رقيّ وازدهار ليست أيضاً في قبضتكم بل هي تحت تصرّفنا وسلطاننا نحن، فإذا قررنا أن ننتزعها منكم ونعطيها محمداً وأصحابَه، فلن تستطيعوا الحيلولة دون مشيئتنا. بل سبق أن حذّرناكم ونَبَّأنا أنها سوف تؤخذ منكم. فالحق أن تصديقكم محمداً لن يشكّل أي خطر عليكم ولن يصيبكم بأي خسارة دنيوية، بل هناك أمل في أن تحافظوا على هذه المنافع المادية بتصديقكم إياه. وها قد بدأت الآثار تؤيد نبأنا هذا، فانتبهوا وعُوْا.

ولنفرض أن تصديقكم محمداً سوف يلحق بكم ضرراً مادياً فمع هذا فإنها ليست صفقة خاسرة، لأن تعليمه يشمل المبادئ الخالدة التي لا تساوي النِعمُ المادية إزاءها شيئاً.

لقد بيّن بذلك أن التطور العقلي والفكري خير وأفضل من الرقي المادي، لأن الترقيات المادية تابعة للرقي العقلي والفكري دائماً، شريطة أن لا يبقى الإنسان عاطلاً عن السعي والعمل، مكتفياً بالرقي الفكري وحده، فيعطل قواه العملية ويدمّرها.

وَيَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّ الله يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ (الرعد: 28)

شرح الكلمـات:

يهدي: هداهُ الطريقَ وإليه وله: بيّنهُ له وعرّفه به. هدى فلاناً: تقدّمه. تقول: جاءت الخيلُ يهديها فرسٌ أشقر.. أي يتقدّمها. هداهُ اللهُ إلى الإيمان أي أرشده إليه (الأقرب)

أناب: نابَ وأناب إليه: رجع مرةً بعد أخرى. أنابَ إلى الله: أقبلَ وتابَ. ونابَ فلانٌ: لزِمَ الطاعةَ (الأقرب)

  التفسـير:

لقد أنذرهم الله تعالى في الآية السابقة بأنه قادر على انتزاع ما في أيديهم من رزق ونعم، أما هنا فقد ذكر ردود فعلهم على هذا الإنذار، حيث لم يلبثوا أن قالوا: حسناً، فليُرنا الله آية قدرته وجبروته، ولينزعْ هذا الرزق والمال من أيدينا. ثم يردّ الله على مطالبتهم بالآية فيقول: لقد أنزلنا كثيراً من الآيات، ولكنكم لا تريدون الانتفاع بها، وتصرّون على المطالبة بآية العذاب فقط، وكأن كل ما أنزلنا من قبل من آيات علمية وأخرى روحانية دالة على رحمتنا لا تساوي عندكم شيئاً، وكـأنما الآية النافعة المرضية عندكم هي أن يحل بكم العذاب، مع أنه لا يبقى بعد حلول العذاب المدمّر أية فرصة للاهتداء، فكيف تنتفعون من آية العذاب إذن؟ فثبت أنكم تستوجبون الهلاك لكثرة المعاصي. أجل، لقد قررّنا هلاككم لأنكم لو كنتم صادقي النية في مطالبتكم بالآيات لانتفعتم من آيات الرحمة والهداية.

كان من المحتمل أن يعترض أحد على قول الله تعالى: إن الله يضل من يشاء فيقول: وكأن الله نفسه يُكره الناس عــلى الـضلال، فـدحض هــذه الوسـوسـة بقوله ويهدي إليه من أناب .. أي أنه تعالى لا يضل أحداً ولا يهلكه دونما سبب، بل من سنته سبحانه وتعالى أن يهدي من ينيب ويميل إليه، ولا يهلك إلا الذي يتهرب منه مُعْرِضاً عن الهدْي السماوي.

فالآية تهدم مزاعم أولئك الذين عندما يقرأون في القرآن كلمة يشاء منسوبة إلى الله تعالى، يقولون: إن معناها أن الله نفسه يريد إغواء الناس، فإنها صريحة في إعلانها بأنه تعالى لا يُكره أحداً على الضلال، بل يضلّ- أو بتعبير آخر- يعدّ منحرفاً عن سبيله من لا يريد الاهتداء إليه .

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ الله أَلَا بِذِكْرِ الله تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ   (الرعد:  29)

شرح الكلمات:

تطمئن: اطمأن إلى كذا: سكن وآمَنَ له (الأقرب).

التفسـير:

يتمتع الإنسان في الدنيا بأنواع النعم، ويحقق الرقي في شتى المجالات، فيكسب مالاً وينال منصباً، ويظفر بزوجة جميلة، ويُرزق ذرية طيبة، ويجد أصدقاء مخلصين، وينعم بتجارة رابحة، ويزداد علماً وثقافة، ومع ذلك لا يجد طمأنينة القلب ولا سكينة البال، بل كلما تحققت له أمنية تولدت في قلبه أمنية أخرى تقيمه وتقعده، فلا يزال قلبه يلتاع ويحترق بالإحساس بأنه لم يظفر بضالته المنشودة. شأنه شأن الرضيع الذي ينفصل عن أمه، فكلما احتضنته امرأة يلتصق بثديها ظناً منه أنها أمه، ولكنه لا يجد السكينة في حجرها، بل سرعان ما يتركها متجهاً إلى أخرى باحثاً عن أمه الحقيقية. أو مثله كمثل الأم التي تفقد وليدها. فقد ورد في الحديث الشريف أن الرسول رأى في إحدى الغزوات امرأة فقدت رضيعاً لها، فكانت تبحث عنه هنا وهناك. وكلما وجدت صبياً احتضنته .. تلاطفه وتداعبه، ثم تركته في مكانه وتقدمت إلى غيره باحثةً عن ولدها المفقود، وفي الأخير وجدته فألصقته بصدرها، وجلست ترضعه  باطمئنان وسكينة. فقال النبي لأصحابه: لَله أفرحُ بالعبد إذا تاب إليه من هذه المرأة بولدها.*

فثبت بذلك أن غاية حياة الإنسان هي البحث عن الذات الإلهية، ولذلك نرى أنه حينما يظفر بالوصال مع الله وقربه، يعمر قلبه بالسكينة والطمأنينة.

لقد لفت النبي بذكر هذا الحادث الأنظار إلى عبرة أخرى، ولكن أود توجيه عنايتكم إلى جانب آخر من الصورة، وهو قلق المرأة واضطرابها قبل العثور على ولدها، ثم اطمئنانها بعد الظفر بضالتها المنشودة. وهذا هو حال كل إنسان، حيث لا يطمئن إلا بعد الحصول على غايته الحقيقية. فالذين يذكرون الله حقاً، يتم لهم الوصال به . فلا يبقى لديهم أي اضطراب ولا حرقة ولا قلق، بل يزدادون كلَّ حين قرباً منه وبالتالي سكينة وطمأنينة. أما الذين يجرون وراء متع الدنيا الفانية فقط، فإنهم كلما حققوا رقياً مادياً كلما ازدادوا اضطراباً والتياعاً.

فثبت بذلك أن غاية حياة الإنسان هي البحث عن الذات الإلهي، ولذلك نرى أنه حينما يظفر بالوصال مع الله وقربه، يعمر قلبه بالسكينة والطمأنينة. ولكن على النقيض من ذلك، ترون ما يعانيه الشخص الذي يجري وراء المادة من قلق واضطراب. خذوا مثلاً راجات الدويلات الهندية، فإنهم رغمَ كونهم محميين من قبل الحكومة الإنجليزية بالهند إلا أن الخوف على الحياة يستبد ببعضهم لدرجة أنهم لا يشربون الماء العادي خشية أن يسمّمه أحد، وإنما يستوردون المياه المختومة من إنجلترا، فتُفتح أمام أعينهم، فيشرب منها الآخرون قبل الراجا. ونفس الحال بالنسبة لطعامهم، حيث يُطبخ تحت رقابة صارمة، ويؤمر الطباخ بتناوله أولاً، ثم الطبيب، ثم الراجا نفسه. ومعنى ذلك أن هؤلاء -رغم كونهم ملوكاً- يعيشون في خطر وقلق دائمين. ولكن انظروا إلى نبينا محمد ، لقد كان محاصراً بين الأعداء طوال الحياة، ومع ذلك عاش مطمئناً هادئ البال قرير العين، غير خائف ولا قلِقٍ على نفسه، حتى إذا دعاه العدو للطعام لبّى دعوته دون تردد ولا خوف. يذكر التاريخ أن امرأة يهودية حاولت مرة قتله ، فأعدَّت له الطعام ووضعت فيه السّم الزعاف القاتل. ولكن الله تعالى أخبره عن ذلك بالوحي قبل أن يتناوله، وهكذا نجَّاه من الموت (السيرة لابن هشام، “أمر خيبر”)

لماذا كان مطمئناً مرتاح البال إلى هذه الدرجة؟ ليس هناك أي سبب إلا أنه كان على صلة بالله الذي يعلم الغيب، ومن كان على صلة بالله آتاه الله نصيباً من غَيبِه بقدر الحاجة، فيعيش مطمئناً.

وهناك سبب روحاني آخر وراء اطمئنان الإنسان المتقدم روحانياً ووراء قلق المرء المتقدم مادياً. ذلك أن الشخص كلما أحرز تقدماً ماديًا وازداد مالاً كان هناك احتمال أكبر لأن يتسرب المال الحرام إلى أمواله مما سلبه من أموال الآخرين. ولكن ليس الأمر هكذا في الأمور الروحانية. فمهما أحرز الإنسان تقدماً روحانياً، فلن يأخذ إلا نصيبه دون أن يبخس الآخرين حقوقَهم ولذلك يعيش مطمئناً مرتاح البال دون أن يؤنِّبه ضميره بمعصية الله وهضم حقوق الآخرين. وإلى ذلك تشير الآية وتقول بأن الجنة التي يدخلها المؤمن عَرضُها السموت والأرض (آل عمران:134). أي أن مساحة الجنة -مثل السموت والأرض- مشترَكة بين المؤمنين كافة على سواء، ولكنّ كلاًّ منهم سوف ينتفع بها وفق ملكاته وقواه الروحانية.

الَّذِيــنَ آمـَنُــوا وَعَـمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْـنُ مَـآب (الرعد: 30)

   شرح الكلمـات:

طوبى: مصدر بمعنى الطيّب، أصله طُيْبَى قُلبت الياء واواً. وطوبى جمع طِيبة؛ تأنيثُ الأطيب؛ الغبطةُ؛ السعادةُ والحسنى؛ الخيرُ (الأقرب).

مآب: المآب: المرجعُ؛ المُنقَلَبُ (الأقرب).

التفسـير:

أي سوف يظفر المؤمن بالخير والسعادة وبما لا يخطر على البال من النِعَم، وستكون عاقبته محمودة حسنة جداً، والبديهي أن من كانت عاقبته محمودة فهو الناجح في الحقيقة.

كَذَلِكَ أَرْسَلْنَاكَ فِي أُمَّةٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهَا أُمَمٌ لِتَتْلُوَ عَلَيْهِمُ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ قُلْ هُوَ رَبِّي لا إِلَهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ مَتَاب (الرعد: 31)

شرح الكلمـات:

متابِ: تابَ إلى الله من ذنبه متاباً. رجع عن المعصية (الأقرب). وأصلُ (متابِ) متابي.

التفسـير:

لقد ذكر هنا أمراً هو من اللطافة والشفافية بمكان. حيث قال للكفار إنكم تطالبوننا بالعذاب، ونحن نؤخره عنكم بسبب رحمانيتنا، ولكنكم -رغم ذلك- تكفرون بكون الله رحماناً، والواقع أنه لولا أنني رحمــن لأهلكتكم منذ أمد بعيد لسوء أعمالكم. هل هناك أي عمل صالح لكم تظنون أنه يحول دون نزول  العذاب عليكم؟ كلا، وإنما هي رحمانيتنا التي تقيكم من العذاب.

لماذا كان مطمئناً مرتاح البال إلى هذه الدرجة؟ ليس هناك أي سبب إلا أنه كان على صلة بالله الذي يعلم الغيب، ومن كان على صلة بالله آتاه الله نصيباً من غَيبِه بقدر الحاجة، فيعيش مطمئناً.

وبيّن بقوله تعالى كذلك أرسلناك… أن غايتنا من بعثك هي أن تُخرج من القوم أهل السكينة والطمأنينة والعاقبة الحسنة كأولئك الذين سبق ذكرهم، ممن يحرزون الدرجات العُلى في الروحانية ويتحلون بالأخلاق الحسنة الفاضلة.

وفي قوله تعالى قل هو ربي إشارة إلى أنه سيقول لك القوم: من المحال أن تحوِّل قوماً جاهلين كالعرب إلى أُناس ربانيين متحلين بهذه الأخلاق السامية. فقل لهم: هذا ليس من عملي، إنما هذا بيد الله الذي يتولى تربيتي، فعليه كامل ثقتي وإليه ضراعتي وابتهالي، ليحقق بقدرته الهدف الذي من أجله بعثني.

فالآية تذكرنا أن الوسيلة الحقيقية لإصلاح القوم إنما هي التوكل على الله والدعاء والابتهال إليه . فالذين يسعون لإصلاح قلوب الناس بالأسباب الظاهرة لا يفلحون في مساعيهم أبداً، لأن الوسائل الظاهرة إنما تصلح الظاهر فقط، ولا تقدر على تسخير القلوب وعمرانها بالإيمان والاطمئنان. ومن أجل ذلك نجد الغرب قد فشل رغم بذل جهود جبارة في تقديم نموذج عالي المستوى في مجال الأخلاق والروحانية،كالذي قدَّمه الرسول الكريم في شكل أصحابه، رغم افتقاره للأسباب الظاهرة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك