في ظلال نفحات الشجرة الطيبة
  • مواصفات القرآن: “كلمة طيبة”، بريئة وجميلة وفصيحة وسامية وشاملة وفيها لذة.. لا يمكن أن تكون من اصطناع الإنسان
  • “أصلها ثابت”، شجرة حية، تتحمل الصدمات ولا تتزعزع، تنبت في أرض خصبة، تتغذى من مصدر واحد.
  • “فرعها في السماء”، يرقى من تسلقها، ويسمو خلقياً، ويغنى من تعاليمها الثرة، ويطمئن بظلها
  • “تؤتي أكلها كل حين”، ثمارها تحمل صفاتها وموجودة في كل زمن، وتكفل النجاة

__

ميزات الشجرة القرآنية الطيبة

إنني لا أستطيع أن أتناول هنا هذه الأمور كلها تفصيلياً إلاّ أنني سوف أقدم لكم أمثلةً لتعرفوا بها كيف أن هذه المواصفات تنطبق على القرآن الكريم بصورة تبهر العيون.

أولاً: قوله تعالى طيبةً وهي كلمة تشير إلى كون الشيء بريئاً من كلّ عيب أو ضرر ظاهراً وباطناً، ونجد هذه الميزة متوفرة في القرآن الكريم بصورة مميزة كالآتي:

(أ): فبالرغم أنه قد تطرق إلى أمور ومسائل هي غاية في الحساسية من حَيض ونِفاس وعلاقات زوجية وعواطف مرهفة يتبادلها الزوجان، إلاّ أنه قد أدّى هذه المعاني بكلمات مهذبة وتعابير فاضلة وبأسلوب جميل لطيف للغاية  بحيث لا يثقل بيانه حتى على أصحاب الطبائع المرهفة. لقد استخدم لبيان هذه المعاني لغة راقية شريفة تخلو تماماً من كلمات ثقيلة وتعابير ركيكة وأساليب معقدة وأخيِلةٍ يجري وراءها الشعراء عبثاً. بل إنه مهما كان الموضوع صعباً فإن القرآن قد عبَّر عنه بكلام واضح سهل لا يثقل على الآذان ولا يشتت الأفكار. وإن تعاليم القرآن في هذه الأمور بسيطة وجميلة بحيث لا يشعر العامل به أي خطرٍ من ضرر أو خسارة.

(ب): ثم إن قوله تعالى (طيبة) يشير أيضاً إلى كون الشيء جميلاً في مظهره، ونجد القرآن الكريم يتميز عن سائر الكتب السماوية بهذه المزيّة أيضاً. إن حسنه الظاهري ـ أي الفصاحة والبلاغة ـ جليّ وواضح لدرجة أنه لا يستطيع أي كتاب آخر الصمود أمامه، سواء من ناحية اختيار الكلمات الفاضلة أو تركيب الجمل المحكمة أو التعابير الراقية أو تسلسل العبارة أو سمو الموضوع أو سعة المعاني، بل ستجده فريداً في كل هذه المزايا والمحاسن وكثير غيرها.

لقد أبدع العقل العربي أجمل المقالات الأدبية وأروعها، ولكنه لم يستطع إزاء القرآن إلا الاعتراف بعجزه عن الإتيان بكلام جميل مثله. فتبارك الله أحسن الخالقين.

لقد استُخدمت في القرآن نفس تلك الكلمات العربية التي وردت في مئات الآلاف من الكتب الأخرى، ولكن هيهات هيهات أن يبلغ أي منها شأو القرآن أو يشق غباره.

كان العرب مشهورين بتفوقهم على الشعوب الأخرى في رقة خيالهم، وسمو أدبهم، وكثرة المفردات في لغتهم. وقد بلغ شغفهم بالأدب والفصاحة درجةً بحيث كانوا لا يقيمون لما يُبهر العالم من غلبة ومال وعزةٍ وزناً ولا قيمةً إزاء الأدب. كانوا يعظمون شعراءهم وكأنهم رسل، ويوقّرون خطباءهم وكأنهم آلهة. ولكن هؤلاء العرب البلغاء الذين ازدهر بينهم الأدب والأدباء على هذا النحو المحيّر، عندما سمعوا القرآن أُخذوا بالدهشة والانبهار، وأُصيبت ألسنتهم الطليقة  بالعِيّ والحَصَر. ذلك على الرغم من أن القرآن قد نزل في نفس الفترة التي بلغ فيها الأدب العربي أوج كماله وذروة مجده، إذ كان بعضٌ من أدبائهم الكبار الذين كانوا فرسان الفصاحة والبلاغة في تاريخ الأدب العربي كله قد خلَوا قبل نزول القرآن بزمن قصير، وبعضهم كانوا لا يزالون على قيد الحياة. فهؤلاء البلغاء عندما سمعوا القرآن وقفوا حياله مبهورين حتى سمّوه “سحراً”. أليست الكلمة التي كذبوا بها القرآن نفسها تشكل دليلاً على إجماع بلغاء العرب على أن هذا القرآن لهو أسمى من أن يصطنعه البشر؟

لقد أبدع العقل العربي أجمل المقالات الأدبية وأروعها، ولكنه لم يستطع إزاء القرآن إلا الاعتراف بعجزه عن الإتيان بكلام جميل مثله. فتبارك الله أحسن الخالقين.

ثم إن مواضيع القرآن أيضاً تتسم بهذه السِّمة، سواء من ناحية سمو المعاني أو سعة المعارف، أو شمولية المواضيع، أو تنويرها للعقل، أو تأثيرها في النفوس ونفوذها إلى أعماق القلوب. فعندما يتحدث القرآن عن الرفق واللين يكاد يذيب القلوب المتحجرة الفرعونية، وحين يدعو إلى الشجاعة والبسالة تكاد القلوب “الإسرائيلية” تغمر بالغيرة الإيمانية الإبراهمية، وإذا حثّ على العفو والمحبة يكاد النبيُّ عيسى يصاب بالحيرة والانبهار، وإذا أكد على ضرورة العقوبة تكاد روح موسى تأتي لتسلم على صاحب القرآن .

وبالإجمال، فإن الإنسان يستطيع ـ بدون الخوض في سعة المضامين القرآنية ـ أن يدرك بكل سهولة أن القرآن مُحيطٌ لا شاطئ له، وجنةٌ لا حدَّ لثمارها. لقد بهر العالم بحسنه وجماله لدرجة أن الناس كانوا ولا يزالون يقولون: إن هذا الكلام ليس من محمد، وإنما أعانه عليه قوم آخرون! أليس زعمهم هذا اعترافاً منهم بجمال القرآن وفضله يا تُرى؟!

(ج): وقوله تعالى طيبة يشير إلى معنى المتعة واللذة أيضاً. والقرآن الكريم يفوق الكتب الأخرى أيضاً لذة ومتعة. ترون أتباع كل ملة وطائفة اليوم محرومين من الطمأنينة الحقيقية رغم عملهم بتعاليمها، ولكن لن تروا من يعمل بالقرآن بصدق في هذا الضيق والاضطراب، بل إنه يجد في العمل به متعة ويزداد إليه شوقاً. وخلاصة القول: إن هناك لذة عجيبة فيه، مَن تذوقها مرة حقَّ التذوق لا يستطيع أن يفارقه أبداً.

(د): وقوله تعالى طيبة يشير إلى معنى الزكاة والنمو والطهارة أيضاً. والقرآن الكريم فريد في هذه الميزة أيضاً. خذوا مثلاً الطهارة الظاهرة، فإن القرآن هو الوحيد من بين سائر الديانات الذي يعدّ النظافة من الإيمان، بينما كانت النظافة الظاهرة والطهارة الباطنة قبل نزوله تُعتبران ضِدَّين يستحيل اجتماعهما. فكان الرهبان المسيحيون يتفاخرون بما يعيشون فيه من أوساخ وأدران ظاهرة، كما كان الكهان الهندوس يتباهون بأسمالهم المتسخة القذرة. فجاء القرآن وأوضح مبادئ الطهارة أيما إيضاح. لقد لفت أنظار الناس بكل براعة إلى أن الجسم الطاهر السليم يساعد على طهارة الروح وسلامتها، وأن استخدام الطيبات التي خلقها الله لعباده لا يدنِّس الروح بل يطهِّرها. فإذا رمى بها المقربون عند الله عرضَ الحائط، فكيف يعرف غيرهم قيمة هذه النعم.

بيد أن القرآن صرّح أن استخدام الطيبات أيضاً يجب أن يتم بطريق طيب سليم، إذ يقول: يا أيها الرُّسل كُلوا من الطيباتِ واعمـلوا صـالحاً (المؤمنون:52). وقد أشار بذلك إلى وجود صلةٍ بين الجسم والروح يتطلّب بيانُها مجلدات ومجلدات.

(هـ): وكلمة (طيّبة) تُشير إلى معنى الحلاوة أيضاً. والقرآن الكريم ليس لذيذاً فحسب، بل هو حلوٌ أيضاً. مع العلم أن اللّذة تعني رغبة النفس البشرية في شيء، أما الحلاوة فتشير إلى انسجامٍ وتلاؤم بين النفس وبين هذا الشيء. فالمراد أن تعاليم القرآن حلوة خالية من أية حدّة أو شدَّة، ولذلك يستسيغها حتى أصحاب الطبائع الحساسة المرهفة ويجدونها منسجمةً مع طبائعهم، فيقبلونها وينتفعون بها.

(و): وكلمة (طيّبة) تُشير إلى العُلُوّ والسُّمُوّ. وبالفعل، فإن معارف القرآن ومطالبه سامية للغاية بحيث يستحيل أن يباريه فيها أي كتاب آخر. إنه يتحدث عن صفات البارئ تعالى ويدلّل على حكم الله على الكون ويؤكد سلطانه على كلّ موجود بأسلوب رائع أخّاذ ترقص الروح لبيانه، ويُخيّل للإنسان وكأنّه قد بدأ يحلّق في السماوات العُلى، متحرراً من كلّ العلائق الأرضيّة الدُّنيويّة. هل من كتاب يقدر على أن ينافس القرآن في هذا الشأن؟ وهل من كلام يستطيع أن يباريه في هذا الحُسن والجمال؟! كلا ثم كلا.

(ز):كما تُشير كلمة (طيبة) إلى كون الشيء عالي الجودة. وإن المزايا المذكورة أعلاه لتكفي لإقناع أي امرئٍ شريف بكون القرآن الكريم متفوقا على كلّ كلام آخر، سواء أكان من الأسفار السالفة أو من صُنع البشر، حتى يبدو وكأن القرآن من عالم، وما سواه من عالم آخر.

ثانياً: قوله تعالى (أصلها ثابت). لقد سبق أن ذكرنا لهذه الجملة ستة معانٍ أي ست مزايا، والحق أنها كلها متوفرة في القرآن الكريم على أكمل وجه، وإليكم بيانها:

1) إن القرآن الكريم كتاب حي كالشجرة الحية. وكما أن الشجرة المتأصّلة الجذور تمتص غذاءها من الأرض باستمرار فتبقى مخضرّة نضِرة، كذلك فإن للقرآن الكريم حيوية ونضارة، ولا ينضب معين معارفه أبداً. فمنذ ثلاثةَ عشَرَ قرناً والمفسرون يكتبون تفسيره، وقد بلغ تفسير بعضهم مائة مجلد، ومع ذلك ما نفدت كلمات الله ولم تنتهِ مفاهيم القرآن الكريم، بل لا يزال يزوّدنا القرآن بمطالب جديدة باستمرار، وكأن هناك أحداً من وراء الغيب يفيض بهذه الكنوز علينا دون توقف. فكلما نواجه مسألة ونتدبرها في آيات القرآن الكريم فإنه يلبي حاجتنا ويكشف علينا معانيَ جديدةً.

وقد أعلن الله   بنفسه عن هذه الميزة في القرآن الكريم حيث قال: ولقد خلقنا الإنسانَ ونعلمُ ما تُوَسوِس به نفسُه ونحن أقربُ إليه من حبلِ الوريد (ق: 17). فالوحي الإلهي الصالح للعمل يجب أن يبقى حيّاً نضِراً كالشجرة المخضرّة، أي أن يتلقى هذا الوحي الدعمَ من منبعه سبحانه وتعالى. فكما أن الشجرة تبقى كما هي ولكنها تمتص رحيق الحياة من الأرض باستمرار، كذلك يبقى الوحي كما هو ولكن مفاهيمه المكنونة لا تزال تنكشف باستمرار وفق مقتضى كل عصر وزمان. بيد أن الله هو الذي يتولى كشف هذه المعارف على من يشاء من عباده، كما أشار إلى ذلك بقوله تعالى لا يمسُّه إلا المطهّرون (الواقعة:80).

2) والعلامة الثانية للشجرة التي (أصلها ثابت) هي أنها لا تخضع للصدمات بل تتحمل وطأتها في شموخ وصمود. كذلك لا يمكن أن يُسمَّى كلاماً إلهياً حقّاً إلا الكلام الذي يصمد في وجه المطاعن ويرد عنه الهجمات بنجاح. وهذه أيضاً من خصوصيات القرآن الكريم؛ فإن مبادئه متينة وواضحة للغاية بحيث يستحيل أن يتصور أحد أن القرآن سيخضع أمام المطاعن. إن القرآن لا يسمح لأحد بإحداث أي تغيير لفظي أو تحريف معنوي فيه، إذ إن كلماته نفسها تهبّ للدفاع حفاظاً عليه نصّاً وروحاً. فمن حاول التغيير في أي تعليم قرآني فإنه يشوهه ويخربه ولن ينتفع منه شيئاً. شأنه شأن البناء الذي إذا نزعت منه بعض اللَبِن خرَّ على الأرض. كذلك فإنه من المحال من الناحية الروحية أن يختار أحد بعض القرآن ويترك بعضه الآخر وهو يريد أن ينتفع من بركاته حقّ المنفعة، فإما أن يتّبعه كلَّه أو يتركَه كلَّه. تجدون مسلمي اليوم يخسرون الرهان ويتخلفون، بينما يحرز غيرهم كسب السبق ويتقدمون، والسبب أنهم يعملون ببعض القرآن ولا يهتمون بالبعض الآخر. والقرآن الكريم لا يقبل مثل هذا الضيم والخطأ، فمن حاول الضغط عليه خسِر بنفسه خسراناً مبينا. إذا كان هذا المسلم لا يريد العمل به فهو حرّ في أن يتركه و يختاركتاباً آخر، بمعنى أن هذا الإنسان إذا كان يريد رقياً مادياً بنزع أصل شجرة القرآن من قلبه فليفعل، فلربما يحقق رقياً مادياً، ولكنه لن يستطيع إحراز الرقي الحقيقي بإحداث تغيير في القرآن الكريم نفسه.

كذلك يعني قوله تعالى أصلها ثابت أن القرآن لا يتأثر بتقلب الزمان. فمهما اخترع الإنسان من علوم وحقق مِن تقدمٍ فإنه لا يستطيع الهجوم على القرآن الكريم ولا يقدر على انتقاده.

3) والعلامة الثالثة للشجرة التي أصلها ثابت هي أنها لا تتزعزع من مكانها رغم العواصف الهوجاء. كذلك فإن أُصول القرآن الكريم متينة وثابتة لأنها لا تتغير أبداً. وإن تعاليمه مبنية على أصل واحد لا تعارضَ فيها، بعكس ما فعلوه في الإنجيل، إذ حاولوا تأسيس المسيحية الحالية على مبادئ متعارضة كعقيدة التوحيد مع الثالوث، والإيمان بالله مع عقيدة الكفارة. كذلك فعل الآريون الهندوس إذ يقولون من ناحية: إن الله خالق وكريم، ومن ناحية أخرى يقولون بأنه سبحانه وتعالى لا يقدر على خلق المادة ولا الأرواح، مع أنهما مبدآن متعارضان متناقضان تماماً. ولكن تعاليم القرآن كلّها مبنية على أصلٍ واحد دائماً. خذوا مثلاً قضية التوحيد، فكل ما يذكره القرآن الكريم من تفاصيل دقيقة في هذا الصدد يدور حول التوحيد نفسه وتؤكد على التوحيد فقط لا غير. وإذا كان القرآن يصف الله بكونه (الرحمن الرحيم) تجد تعاليمه التفصيلية كلها أيضاً تؤكد على هاتين الصفتين، ولا يمكن أن تجده يعلم التوحيد بينما تكون تعاليمه التفصيلية مشوبة بالشرك، أو أن يصف الله بكونه (الرحمن الرحيم) ثم يعود فيذكر في التفاصيل ما يدل على عدم رحمته.

4) والعلامة الرابعة للشجرة التي (أصلها ثابت) هي أنها تكون طويلة العمر، لأنه كلما كانت عميقة الجذور عاشت فترة أطول. لقد مضى على نزول القرآن الكريم ثلاثةَ عشرَ قرناً، ومع ذلك لا تزال أحكامه وتعاليمه صالحة للعمل، وسيبقى هكذا إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولكن الكتب التي لا تكون من مصدر سماوي لا تتسم بهذه الميزة، بل إنها تُكتب اليوم وبعد فترة يعارضها مؤلفوها أنفسهم، فلا يعمل بها أحد. ولكن العمل بالقرآن جارٍ وسارٍ منذ نزوله، بل إن المسلمين الذين كانوا قد هجروه منخدعين ببريق الحضارة الغربية قد بدأوا اليوم يعودون إلى تعاليم القرآن الصلبة مرّةً أُخرى، بعد أن ذاقوا الأَمَرَّين باتباع تلك الحضارة الفاسدة. وهناك عشرات القضايا التي اضطر العالم أخيراً للاعتراف بفضل تعاليم القرآن بشأنها، كتحريم لحم الخنزير والخمر، وأخذ الحيطة والحزم في اختلاط الجنسين، وتعدد الزوجات، والطلاق والإرث وغيرها. وهكذا اعترف الأعداء بطول عمر الشجرة القرآنية التي نرى أن عمرها سيمتد إلى يوم القيامة.

5) والعلامة الخامسة للشجرة التي (أصلها ثابت) أنها تنبت في أرض خِصبة لا في تربة عادية، لأن جذورها لن تمتد بعيداً إلاّ في تربة خِصبة للغاية. كذلك حال الوحي الإلهي الحق، فإنه لا يمكن أن يُثبت كفاءته إلاّ إذا تيسَّرَ له قوم تكون أرضُ قلوبهم جاهزةً لاستقبال شجرة التعليم الإلهي. وإلى ذلك أشار الله تعالى بقوله والعملُ الصالح يرفعه (فاطر:11) أي أن الإيمان بمثابة الشجرة التي لا يمكن أن تزدهر إلا في تربة العمل الصالح. فمهما كان الوحي السماوي سامياً نافعاً فإن محاسنه لن تنكشف للعالم ما لم يعمل به قوم من الأقوام. لذلك من الضروري أن تتأصل شجرة التعليم السماوي في قلوب صالحة لتزدهر فيها هذه الشجرة السماوية الطيبة، وإلا فلا يمكن أن يُكتب لأي وحي سماوي الازدهار والبقاء.

ولقد تهيأت هذه الوسيلة للقرآن الكريم على أكمل صورة. إذ تيسرت له عند النزول جماعةٌ من المخلصين الذين زرعوا الشجرة القرآنية في قلوبهم وسقوها بدمائهم. ولا يزال القرآن يتحلى بهذه الميزة إلى يومنا هذا. مما لا شك فيه أن الناس في الماضي عملوا بصدقٍ بالفيدا والتوراة والإنجيل وغيرها من الأسفار السماوية السابقة، ولكن قلّما نجد اليوم من يعمل بها. غير أن العاملين بالقرآن وُجدوا في كل زمان ومكان، وكلما قلّ عددهم خلق الله آخرين مثلهم، وهكذا لم تزل جذور الشجرة القرآنية تزداد عمقاً في الأرض، وما انفك حسنه وجماله متألقاً متجلياً في العالم. أما الكتب الأخرى فإذا كانت لا تزال تتحلى بنصيب من الحسن والجمال فمَثَلُ جمالها كمن يأخذ بذرة في يده ويبدأ في وصفها قائلاً: هذه بذرةُ شجرةٍ تحتوي على مزايا كذا ومواصفات كذا، بينما تكون هذه الشجرة قد جفّت وامّحت ولم يبقَ لها من أثر. أما القرآن فيمكن التدليل على جماله للناس بتقديم شجرته الحية الخضرة الموجودة في كل حين. وشتّان بين أن تقدّر حسن الشيء بالقياس والتخمين وبين أن تشاهده بعينك، إذ ليس الخبر كالمعاينة.

6) والعلامة السادسة للشجرة التي أصلها ثابت هي أن مصدر غذائها واحد، فهي لا تمتص غذاءها كالحيوان  من هنا وهناك. لا شك أن الأشجار الصغيرة الضعيفة أيضاً تأخذ غذاءها من مصدر واحد إلا أنني أعقد المقارنة هنا بالذات بين الشجرة والحيوان فقط.. أعني بين كلام الله وبين كلام البشر. فإن الأسفار السماوية الأخرى مهما كانت قاصرة عن مجاراة القرآن في كماله وجماله، إلا أنها تشارك القرآن في هذه الميزة.. بمعنى أن مصدرها واحد وهو الله تعالى، ولكن كلام البشر يخلو من هذه الميزة كليةً. إن تعاليم القرآن كلها من عند الله ، ولا دخل للإنسان فيها بتاتاً. لقد أنزل الله القرآن على قلب رجل واحد في وقت واحد، على عكس الكتب البشرية الجيدة، فهي نتاج تجارب الناس وأفكار الفلاسفة على مر التاريخ الإنساني، وتنعكس فيها تيارات الزمن. ولكن القرآن على النقيض منها، فإنه يعارض معظم التيارات والميول التي كانت سائدة في زمن نزوله، وإنه يشق له طريقاً جديداً مستقلاً. مما يعني أن القرآن يأخذ غذاءه من مكان واحد كالشجرة. ولكن مثال الكتب البشرية كالحيوان الذي يتغذى من هنا وهناك، لأن أساس هذه الكتب هو الاقتباس والاستفادة من هذا وذاك وكذلك التجسسُ والتدبرُ، إذ قد يكون مؤلف الكتاب شخصاً واحداً ولكن المعلومات التي ذكرها فيه تكون مستقاةً من شتى المصادر، وتكون معرفته حصيلة تجارب الآلاف من الناس، إلا الذين يتخذون القرآن الكريم أساساً لمؤلفاتهم، فكتبهم تكون انعكاساً للقرآن الكريم ولا تكون منفصلة عنه.

ثالثاً: والميزة الثالثة للشجرة الطيبة هي فرعها في السماء . ولقد سبق أن ذكرنا قبل قليل سبعَةَ معانٍ لارتفاع غصون الشجرة، وكلها تنطبق على القرآن الكريم بأسلوب لم يسبق له نظير. وإليكم بيان ذلك:

1)  تشير كلمة فرعها في السماء إلى أن من تسلق هذه الشجرة وصل إلى السماء. وهذه الخصوصية متوفرة في القرآن بشكل لا لَبْسَ فيه، بل لا يقدر أي كتاب آخر على منافسة القرآن في هذا المجال، إذ لا أحد من هذه الكتب يعلن -كالقرآن- بأنه يوصل العامل به إلى الله تعالى، فيحظى بقربه سبحانه، ويُشاهد الأمور السماوية بأم عينه. وبالفعل لم يزل بين العاملين بتعاليم القرآن حقّاً في كل عصر أناس أعلنوا للعالم أنهم تمكنوا باتباع القرآن من الرقي الروحاني حتى وصلوا إلى الله تعالى وورثوا أفضاله الخاصة.

2) كما تبين كلمة فرعها في السماء أن الكلام الإلهي الصافي يعلّم الأخلاق السامية للغاية، لأن ارتفاع الشجرة إشارة إلى علو التعاليم وسمو الأخلاق. والقرآن متّسم بهذه الميزة أيضاً بشكل رائع كامل، فإنه يعلم مكارم الأخلاق. وقد تدرّج القرآن في تعليم الأخلاق بدءًا من الخلق الأدنى إلى الأعلى، كأغصان الشجرة تماماً التي ترتفع شيئاً فشيئاً. وهذه الميزة لا نجدها في أيٍّ من الأسفار السماوية الأخرى. فبعض ما ورد فيها تعليم رديءٌ جداً وكأنه غصن ساقط على الأرض، وبعضها عالٍ جداً، ولكن دون أن يكون له علاقة بأصله، وإنما مثله كمثل غصن تربطه بخيطٍ وترفعه. لا شكّ أن  هذا الغصن سيبدو في الظاهر مرتفعاً، ولكن لا يستطيع أحد أن يتشبث به لأنه لا قرار له. ولكن تعاليم القرآن الأخلاقية فريدة، فهي كشجرة تبدأ أغصانها من الأرض كي يستطيع الضعفاء خُلقاً أن يتعلقوا بها طلباً للنجاة، أما السابقون منهم فسُلَّم الارتقاء أمامهم منصوب إلى أعلى السماء.

قد بدأوا اليوم يعودون إلى تعاليم القرآن الصلبة مرّةً أُخرى، بعد أن ذاقوا الأَمَرَّين باتباع تلك الحضارة الفاسدة… وهكذا اعترف الأعداء بطول عمر الشجرة القرآنية التي نرى أن عمرها سيمتد إلى يوم القيامة.

وهناك بعض المعترضين الذين يعترضون على هذه الميزة القرآنية جهلاً منهم، فيقولون مثلاً بأن القرآن يعلّم الانتقام من المعتدي أحياناً وهذا ليس بخُلق سامٍ؟ ولكن هؤلاء لا يفكِّرون أن صاحب الأخلاق الرديئة لا يمكن إصلاحه إلا بما يناسب حالته. فليس كل واحد يصلُح بالعفو، بل إن البعض يصلحون بالعفو عنهم وبعضهم لا يرتدعون عن العدوان إلا بالعقاب. لذلك يعلّم القرآن أن نصلحهم بما يناسبهم وإلا فلن ينجوا من شرورهم. ثم هناك من لا يعرفون إلا العدل فقط.. يؤتون الناس شيئاً ليأخذوا منهم مقابلاً، ولا يعرفون الإحسان إلى الآخرين، كما هناك من يعرفون الإحسان ولكن لا يعرفون أن يؤتوا الناسَ كإيتائهم لذوي القربى كأنه حقّ لهم، ولا  يعتبروا عملهم هذا إحساناً ومِنةً على الآخرين. وكل ديانة لا تراعي في تعليمها اختلاف الطبائع البشرية، هذا فإنها إما أن تنفّر الناس من الأخلاق الفاضلة كليةً، أو تكون سبباً في حرمان قطاع كبير من القوم من الإصلاح والنجاة.

3) كما تشير كلمة وفرعُها في السماء إلى كثرة فروع هذه الشجرة، لأنها إذا كانت فروعها في السماء ومنتشرة فيها فلا بد أن تكون كثيرة أيضاً. مع العلم أنه تعالى لم يقل (وفرعها إلى السماء) بل قال وفرعها في السماء مما يدل على ارتفاع الأغصان وكثرتها معاً.

والقرآن الكريم فريد في هذه الخصوصية أيضاً. فإن تعاليمه تحتوي على معارف ومطالب وحِكمٍ بشكل  محيّر للعقل الإنساني. إن القرآن كتاب مختصر جدّاً حتى إنه أقل حجماً من الإنجيل أيضاً، ولكنه قد جمع بين دفّتيه من المفاهيم والمعارف ما يستحيل العثور عليه حتى في كتب هي أضخم من القرآن آلاف المرات. لقد تحدّث عن شتى القضايا والمسائل التي تهم الإنسان كالعبادات والمعاملات والأخلاق والتمدن والسياسة والاقتصاد والإلهيات والقضاء والتصوف وعلم المعاد وعلم الكلام وغيرها، وقد ذكرها بشكل كامل مفصّل مقرون بفلسفتها بحيث لا تبقى بنا أية حاجة لأي كتاب آخر (راجع أيضاً “فلسفة تعاليم الإسلام” و “مرآة كمالات الإسلام” لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وكذلك كتابي “الأحمدية أي الإسلام الصحيح”).

4) ومن خصوصيات الشجرة التي فرعها في السماء أنها تكون وارفة الظلال. فشجرة الوحي الصافي الحي هي تلك التي تظل بظلها خَلقاً كثيراً. بمعنى أنها تجلب السكينة لكل البشر على اختلاف طبائعهم وأمزجتهم.

وهذه الصفة أيضاً متوفرة في القرآن بصورة كاملة، فإنه يراعي ضرورات الطبائع البشرية على اختلاف ميولها وقدراتها دون القضاء على أية عاطفة طبيعية. فبينما نجد الأديان الأخرى قد اعتبرت هذه العواطف الطبيعية والرغبات الفطرية إثماً وحاولت القضاءَ عليها.. نجد القرآن الكريم يعلن أن هذه العواطف البشرية وسائل لتكميل الإنسانية، فلا يقضي عليها بل يحث على حسن استخدامها فقط، ويقول: شأنها شأن الحصان الذي يجر العجلة. فمن أراد السير في هذه العجلة فعليه بترويض الحصان على جرّها، لا أن يذبح الحصان أو يطلق سراحه كليةً. وهذا ما فعله القرآن الكريم، فإنه يقوم بتعديل ما في الإنسان من عواطف طبيعية ويروّضها بحكمةٍ لتجلب له الراحة والاطمئنان.  إنه لا يقول لصاحب الطبع اللين أن يتخلى عن طبعه كليةً، كما لا يأمر صاحب الطبع الحاد أن يتخلى عن حدته تماماً، وإنما يأمر كُلاًّ منهما أن يستخدم ميله الطبيعي هذا في حدود ملائمة وفي محله وبمقتضى الحال. إن القرآن لا ينهى الناس عن الأكل ولا اللبس ولا الزواج  ولا كسب المال ولا بناء  البيت، وإنما يأمرهم أن يراعوا الاعتدال ولا يتجاوزوا  الحد المناسب. ومن أجل ذلك نجد الإسلام قادراً على إصلاح كل النفوس البشرية على اختلاف ميولها ورغباتها، فما من أحد إلا وتستطيع شجرة القرآن أن تهيء له الظل وتجـلب له الراحة والطمـأنينة.

رابعاً: والعلامة الرابعة للكلمة الطيبة أنها تؤتي أُكلَها كل حين ، وهذا يعني:

(أ): أن من صفات الوحي الإلهي الطيب أنه يؤتي ثماراً عالية الجودة في كل عصر دون انقطاع. بمعنى أنه لا يزال يوجد بين العاملين به أناس يمكن اعتبارهم كنموذج مثالي لتأثيراته. مع العلم أنه تعالى قد قال هنا تؤتي أُكلها ولم يقل (تؤتي الأكل) ليشير إلى وجود صفات هذه الشجرة في ثمارها أيضاً.. بمعنى أن الشجرة الروحانية كما هي طيبة متأصلة فارعة كذلك تكون “ثمارها الروحانية”.

وهذه الميزة أيضاً متوفرة في القرآن الكريم، بل هو الوحيد الذي ينفرد بها اليوم بين سائر الكتب، إذ إن العاملين بالقرآن يحوزون على الدرجات العُلى في سلم الروحانيات، وكأن القرآن يتجسد فيهم. وإلى ذلك يشير الحديث الشريف: (كان خُلُقه القرآن) بمعنى أنك -أيها المخاطب- إذا أردت معرفة أخلاق النبي فانظر إلى القرآن، لأن ما ورد فيه من تعاليم سامية وصفات حسنة ستجدها متجسدة في محمد .

وإلى ذلك يشير أيضاً إلهامٌ تلقّاه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الذي هو بمثابة ثمرة طيبة للقرآن في هذا العصر. وهذا الإلهام هو بنصه:” ما أنا إلا كالقرآن، سيَظهر على يدي ما ظهر من الفرقان” (جريدة الحكم، عدد يوم  5 شعبان 1324هـ، 24سبتمبر 1906م، ص1). وكأن هذا الإلهام يبشر حضرته بأنك جئت مصداقاً لقوله تعالى: تؤتي أكلها كل حين .

(ب): والمعنى الثاني لقوله تعالى تؤتي أكلها كل حين هو أن هذا الوحي الصافي يُكسب من يعمل به نجاةً أبديةً. ذلك أن كلام الله عندما يتأصل في أرض قلب المؤمن ويتحول إلى شجرة طيبة فإنها لا يمكن أن تثمر إذا لم يتعهدها المؤمن  بماء صالحِ الأعمال باستمرار.

واعلم أن النجاة الأبدية أمرٌ يعرف في الآخرة ولا شك، وبالتالي يختص هذا المعنى بالآخرة. إلا أننا نعرف أن الكتب السماوية هي وحدها التي تضمن النجاة الأبدية، أما ما اخترعه البشر من كتب ومبادئ فإنها لا تَعِدُ بذلك، بل هي غير قادرة على قطع هذا الوعد، إذ لا أحد يستطيع منح الحياة الخالدة الأبدية إلا الذي هو حيّ بنفسه إلى الأبد، ولا يأتي عليه الفناء، وهو الله وحده سبحانه وتعالى. فلا شك أنه لا يستطيع أيُّ كلام أن يضمن لأحدٍ الحياةَ الخالدة، إلا الكلام الذي ينزل من عند الله تعالى.

والقرآن يمتاز عن الكتب السماوية في هذا المجال أيضاً. إذ قد بيّن موضوع الحياة الخالدة أيما بيان مع أدلة وبراهين، بحيث لن تجد عُشر معشار هذا الموضوع في الأسفار الأخرى، وإذا كان أحد يشك في قولنا هذا فليأت ببرهانه إن كان من الصادقين.

خامساً: والميزة الخامسة للكلمة الطيبة، هي أنها تؤتي ثمارها بإذن ربها ، وفي هذا إشارة إلى أن ذلك الوحي الطيب لا يأتي بنتائج طبيعية عادية فحسب، بل يأتي بنتائج خارقة للقوانين الطبيعية. ذلك أن العمل بكتابٍ ما إذا أتى بالنتائج الطبيعية، فهذا يعني أن هذا الكتاب صَوَّرَ النواميس الطبيعية أحسن تصوير، ولكن هذا لا يدل على أن صاحب هذا الكتاب يتحكم ويتصرف في هذه النواميس، وإنما يتأكد ذلك إذا جاء الكتاب بنتائج خارقة للعادة إلى جانب النتائج الطبيعية. وأضرب لتوضيح ذلك مثالاً:

هناك كتاب يأمرك بأكل شيء، أو ينهاك عن أكله، فإذا كان الشيء نافعاً وأكلته فسوف تزداد قوةً وصحةً، أما إذا كان الشيء ضاراً وأكلته فسوف تتضرر صحتك. وتكون هذه نتيجة طبيعية، وتأثير تعاليم الكتب الإنسانية لا يعدو هذا القدر من النتائج. ولكن الكتاب الإلهي يكون أكثر من ذلك تأثيراً ونتيجةً، لأننا عندما نعمل بتعاليمه فإننا نقوم في الواقع بعَملين لا بعمل واحد، وهذا العمل الإضافي هو ابتغاؤنا مرضاة الله. وهكذا يصبح عملنا طبيعيّاً وروحانياً في وقت واحد، فلا بد من أن تكون نتائج عملنا أيضاً مزدوجة: طبيعيّة عاديّة وأُخرى روحانية.. أي خارقة للنواميس العادية، وذلك أن نرى من آثار رضوان الله عنا ما يجعل نتائج أعمالنا تمتاز عن النتائج الطبيعية العادية.

إذا أردت معرفة أخلاق النبي فانظر إلى القرآن، لأن ما ورد فيه من تعاليم سامية وصفات حسنة ستجدها متجسدة في محمد .

والقرآن الكريم ليس له نظير في هذا المجال أيضاً. فقد أظهر الله للنبي وأصحابِه من الآيات الخارقة للطبيعة ما لا نجد له مثيلاً في أيّة ديانة أخرى، بل لم يزل الله يُري هذه الآيات عبر تاريخ الإسلام لمن يعملون بالقرآن بصدقٍ. وليس صعباً على أي عاقل أن يدرك بذلك أن القرآن نزل من الله الذي يملك السلطان والتصرف على النواميس الطبيعية، إذ ينصر أحبّاءه بطرق غير طبيعية. وقد رأينا في هذا العصر أيضاً مصداقية قوله تعالى بإذن ربها في شخص سيدنا الإمام المهدي ، الذي ببركة عِلمه انكشفت علينا مفاهيم هذه الآية بهذه السعة والكثرة. ولا يزال الله تعالى يخصّ جماعة سيدنا الإمام المهدي بالرعاية والعناية، ويعاملهم بهذه السنن غير العادية، ولذلك تجدون هذه الجماعة في ازدهار وانتشار مستمرّين بالرغم من العداوة الشرسة من قبل المعارضين. فسبحان الله، والحمد لله، والله أكبر.

وفي الأخير أشار الله تعالى بقوله لعلهم يتذكّرون إلى أن ما ذُكر في الآية من أمور ووعود ليس من قبيل المبالغة ولا الأوهام، بل هي أمور واقعية سوف تختبرونها بأنفسكم في الحياة.

Share via
تابعونا على الفايس بوك