الغاية المثلى من الأضحية
  • التضحيات الروحانية تتمثل في الاستسلام الكامل لأوامر الله وهي أرقى وأعظم ما عرفته الإنسانية في التضحيات
  • المؤمن الصادق لا يكترث بالتضحية بنفسه وماله وأولاده في سبيل الله
  • لقد بيّن المسيح  السبيل إلى الفهم الصحيح للأضحى وإلى التحرر من الفتور الروحي

__

لا شك أن كل تضحية تضم بين طياتها رسالة عظيمة، ينعم كل دارس لدوافعها بنفحاتها ويغوص في معانيها وأهدافها. ولكنها تبقى محصورة النطاق بالمقارنة مع التضحيات الروحانينة العظيمة التي أثنى عليها الدين الحنيف. ولا سيما الأضحى الذى أرسى معالم أرقى وأعظم تضحية عرفتها الإنسانية على مر عصورها والتي تمثلت في الاستسلام الكامل لأوامر الله . استسلاما لا ريب فيه وأقل ما يقال حوله أنه الموت.  موت وهب الحياة بالدرجة الأولى لسيدنا إبراهيم حيث سلم عنقه هو قبل عنق ابنه إسماعيل عليهما السلام. فهو العاشق الولهان الذي انمحت جذور نفسه بنار الحب الإلهي، فما كان أن يقدم على تسليم عنق ابنه لولا يقينه التام في الله . ونفس الروح والعزيمة غرسها فينا التعليم الكامل الذى جاء به سيدنا محمد المصطفى لتقديم التضحيات الروحانية والمادية. فبالرغم من البعد الزمني بيننا وبين العهد الإبراهيمي المبارك يمكننا أن نستنتج أن الحكمة البالغة من تدوين هذه التضحيات وذكرها إجمالا وتفصيلا هي أن الله تعالى يؤكد على أن تكون بيننا وبينه نفس العلاقة التي كانت له مع سيدنا إبراهيم  الخليل وعترته المباركة بجميع خصالها الإيمانية والاستسلام الكامل بتمام الخضوع والمحبة.

فكما أن سيدنا إبراهيم لم يتردد في ذبح ابنه تنفيذا لأمر الله تعالى، كذلك يتصرف المؤمن الصادق حيث لا يكترث بالتضحية بنفسه وماله وأولاده في سبيل الله. لقد قُدمت تضحيات عظيمة في زمن الرسول   الأسوة الكاملة لسبل الهداية والمظهر الجلالي للذبح العظيم. إذا كان المؤمنون به يقدمون التضحيات المادية والمعنوية لدرجة أنهم رضوا بأن يُقطعوا إربًا إربًا في سبيل الله تعالى بصورة لم يشهد تاريخ الديانات مثيلا لها.. ويا حسرتاه  فإن روح الأضحى هذه قد تبخرت عبر العصور حيث نسي المسلمون الغاية والقصد واكتفوا بذبح كبش مثيل الكبش الذي أنزل من السماء، حسب اعتقادهم.

هذه هي التضحية الحقة التي تجسدت في شخص النبي الكريم المُشار إليها في الكتاب المبين بالذبح العظيم. وهي التي لا زالت إلى يومنا هذا تسقي بفيوضها السالكين لأنها روحٌ صادقة تدفع إلى الرقي وليست مجرد عاطفة أو قَصص.

ولقد جدد حضرة المسيح الموعود مفهوم روح الأضحية ونفض غبار العقائد الخاطئة التي علقت به مذكرا السطحيين أن عليهم أن تضطرب أرواحهم وتذوب وتُذبح روحيا على عتبة الله كي يتولد فيها الاستسلام التام. وأوضح أن الفوائد التي تجلبها روح التضحية الحقة تكون شبيهة للفوائد الظاهرية التي يحظى بها المضحون عقب ذبح قرابينهم المادية حيث تحظى أرواحهم بالسكون والرضى والاطمئنان من الحضرة الأحدية. هذه هي التضحية الحقة التي تجسدت في شخص النبي الكريم المُشار إليها في الكتاب المبين بالذبح العظيم. وهي  التي لا زالت إلى يومنا هذا تسقي بفيوضـها السالكـين لأنها روحٌ صـادقة تدفع إلى الرقي وليسـت مجرد عـاطفة أو قَصـص.

إن الأمة الإسلامية في أمس الحاجة لغرس بذرة التضحية الإبراهيمة المتمثلة في شخص النبي الكريم لأن ما آل إليه حالها من انحراف عن المقاصد الروحانية وتقهقر وتشويه، هو نتيجة قحط روحي لعدم إدراك حقيقة استسلام سيدنا إبراهيم وسليل دوحته الظاهرية سيدنا محمد المصطفى .

إن معالم وفلسفة الأضحى التي بينها حضرة المسيح الموعود كانت من خلال خطبة إعجازية ارتجالية بيـَّن من خلالها السبيل إلى تلك الروح التي ترسم لنا معالم مغالبة النفس ومجاهدتها حتى يتم نحر النفس الأمارة بالأدناس والأرجاس. فكم حري بالمسلمين اليوم أن يدركوا معاني الأضحى ويستردوا كرامات الصادقين التي تتجلى في حلل المنعم عليهم. وليكابدوا بمشقة حتى يتحرروا من الفتور والبؤس والسبات الروحي. ولا سبيل لذلك ما لم يستسلم المرء استسلاما كاملا لأوامر الله وما أوجبه عليه الرسول الكريم من تصديق ومبايعة المسيح الموعود والإمام المهدي الذي قدر الله له إحياء الدين وإقامة عمائده. فما لم تستسلم الأمة استسلام سيدنا إبراهيم لن يصل أفرادها إلى إدراك تلك الحقيقة التي تخول لهم أن يصبحوا “خير أمة أخرجت للناس” ويدخلوا في زمرة المنعم عليهم.

هدانا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه وتقبل حج وسعي حجاج بيته الحرام. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك