النظام العالمي الجديد وانقلاب السحر على الساحر

النظام العالمي الجديد وانقلاب السحر على الساحر

التحرير

  • من يعاني الأزمة حقا؟!
  • الدجال يسيء والإسلام يجني المكاسب

__

في أجواء عالمية غير مستقرة، نطوي صفحة 2020 طي السجل للكتب، ونفتح بقلوب يملؤها الخوف والرجاء صفحة عام جديد.. الخوف من أن تتسبب أفعال القوى العظمى في دمار العالم، والرجاء أن تُكتب لنا النجاة من مخططات شريرة بتنا نواجه بها عيانًا بيانًا… والإسلام في خضم الأحداث العالمية، ربما بسوء نية أو سوء فهم، لا ندري، يُشار إليه على أنه سبب أكثر قلاقل العصر، وبحسب تعبير الرئيس الفرنسي «إيمانويل ماكرون» (الإسلام يعاني أزمة)! وفي الواقع لسنا ندري أيُنا يعاني الأزمة حقًّا؟! الإسلام كما زعم «ماكرون»؟! أم من يحاولون عبثًا تشويه صورة نبيه بدعاوى دجالية خبيثة، تبدو في ظاهرها نبيلة وهي من أخبث الخبائث، دعاوى حرية الرأي والضمير المسلولة على رقاب المسلمين كسيف بتار لا يلبث أن يتحول إلى سيف خشبي أمام قانون معاداة السامية..

إنها محاولة لطمس معالم الدين الحق كما طُمِسَت معالم الحدود السياسية والاقتصادية من قبل بتأثيرات فكرة العولمة، التي نجحت في إلغاء الفوارق بين الأسواق، بينما فشلت فشلًا ذريعًا في إلغاء التمييز العنصري واستغلال المستضعفين.

وقد شاع في السنوات الأخيرة استخدام مصطلح العولمة Globalization في الأوساط السياسية أولًا ومن ثم في المنتديات الاقتصادية، وخاصة عقب تفكك الإتحاد السوفييتي. ومن ميداني السياسة والاقتصاد امتدت أذرع العولمة لتطال مجالات الثقافة والتكنولوجيا والاتصال وتشمل إعادة تنظيم الإنتاج والصناعات وانتشار أسواق التمويل، دون اعتداد بالحدود السياسية للدول الصغيرة ذات السيادة.  وقد ارتبط مفهوم العولمة بشكل خاص بالنظرة الأمريكية الاقتصادية والثقافية والسياسية إلى الوضع العالمي، لا سيما بعد خطاب الرئيس الأمريكي «جورج بوش الأب» للشعب الأمريكي بمناسبة إرسال قواته إلى منطقة الخليج العربي في أغسطس 1990 فيما عُرف بحرب الخليج الثانية، وفي معرض حديث بوش الأب عن هذا الإجراء ترددت في خطابه عبارات من قبيل: عصر جديد، وحقبة للحرية، وزمن السلام لكافة الشعوب. ثم بعد ذلك الخطاب بأقل من شهر أشار الرئيس الأمريكي إلى إقامة ما أسماه «نظامًا عالميًا جديدًا» يكون بمأمن من الإرهاب وأكثر سلامًا، في عصر تستطيع فيه كل أمم العالم أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم! فيا له من تناغم هذا الذي نشهده بفضل ممارساتهم المعهودة!

لم تعد الممارسات السياسية الغربية الـمُحاكة منذ بداية عصر الكشوف الجغرافية واستغلال مقدرات الشعوب المستضعفة، خافيةً على العوام، ناهيك عن المتبصرين، تلك الممارسات التي قال عنها حضرة خليفتنا الرابع (رحمه الله) «إنها تسمى في قاموس الإسلام دجلًا، وقد وصلت بلاد الغرب اليوم إلى أقصى حدود الدجل باسم الدبلوماسية والسياسة، يُغلفون جرائمهم دائمًا بتلك الأغلفة: رقة في الكلمات، دعايات قوية تقدم كلامهم في صورة منطقية، فالأزمة تزداد عمقًا يومًا بعد يوم»(1). ولكننا باستقراء سنن التاريخ نتيقن من تحقق بشارة المسيح الموعود عليه الصلاة والسلام في معرض تفسير حضرته لأم الكتاب، من أن لكلّ كمالٍ زوالٌ، ولكلّ ترعرُعٍ اضمحلال(2)، ولكن يبدو أن الدجال على الرغم من تفوقه في علوم الطبيعة والتقنيات العالية، إلا أنه راسب في مادة التاريخ، فلا يستقرئ سننه ولا يستقي عِبَرَه! أما آن لأصابع القوى العظمى إدراك انقلاب سحرها عليها؟! لقد رامت تشويه سيرة نبينا الخاتم ، ورسمت صورة هي أبعد ما تكون عن الموضوعية التي تنادي بها ليلًا ونهارًا.. حظرت الحجاب وادعت أن نبينا أرسى الإكراه في الدين شعارًا، فبُهت الذي كفر بقدسية المصطفى حيث أتته مواطنته مُحتجِبةً مسلمة مُوحدة، من بلاد مستضعفة وفقيرة فقرًا مدقعًا، فأي إكراه هذا الذي مُورس على موظفة الإغاثة الفرنسية مريم بترونين (صوفي سابقًا) حتى أشهرت إسلامها بين ظهراني شعب مسلم لا حول له ولا قوة؟! لا أحد إلى الآن يملك تفسيرًا منطقيًّا لما يحدث من محاولات عبثية لطمس كمالات الإسلام ونبيه ثم الرد عليها بصفعات متوالية من السماء!

عزيزي قارئ التقوى، مع حلول عام 2021 يحدونا الأمل في صلاح أحوال العالم عمومًا والمسلمين خصوصًا، وهم أول المعنيين بتجديد الخطاب الديني في هذا الزمان، فهم ملح الأرض، فمن يُصلِح الملحَ إذَا الملحُ فسد؟! فمن أجل صلاح الملح اخترنا لك من أرشيف خطب الجمعة المباركة خطبة لخليفة الوقت رافع لواء التجديد في هذا العصر، وفيها بيان واضح لأثر ذلك النبي الهمام في إصلاح الملح وتحويل التراب تبرًا، بإبراز نماذج إنسانية فاقت كل المقاييس، فمع الحديث عن حواريي محمد المصطفى لا حاجة إلى الحديث عن آخرين! وعن سيرة ذلك النبي الحقة يعنينا أن نذكر كيف انقلب على السحرة سحرهم وقد بغوا أن يصموه به من قبل، تارة بدعوى وقوعه ضحية مسِّ ساحر، وتارة بزعم أن تعاليمه تدعو إلى الإكراه في الدين!

لا شك أن عام 2021 قد حلَّ حاملاً في جعبته مفاجآت شتى، قد لا نعلمها، ولكننا نتطلع بقلوبنا المملوءة خوفًا وطمعًا، معتصمين بحبل الله تعالى الذي قرر سلفًا جعل كيد السحرة هباء منثورًا، حين قال جل من قائل سبحانه:

وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (3).
 الهوامش:
  1. مرزا طاهر أحمد (رحمه الله) – خطبة الجمعة بتاريخ 17 أغسطس 1990، منشورة ضمن كتاب «كارثة الخليج والنظام العالمي الجديد»
  2. حضرة مرزا غلام أحمد القادياني، كتاب «إعجاز المسيح» ص154
  3. (طه: 70)
Share via
تابعونا على الفايس بوك