الإسلاموفوبيا.. مصطلح جديد لممارسات قديمة

الإسلاموفوبيا.. مصطلح جديد لممارسات قديمة

آصف عارف

محامي وناشط في مجال حقوق الإنسان
  • “الإسلاموفوبيا”، تفصيل لمصطلح جدلي
  • كيف قابل النبي  ممارسات “الإسلاموفوبيا” في عصره؟!
  • هل للإسلاموفوبيا وجه آخر؟!
  • كيف نواجه “الإسلاموفوبيا” في عالم “الملتيميديا”؟!

__

إن قضية تحديد دلالة المصطلح «الإسلاموفوبيا» هي قضية دلالية في المقام الأول. لنأخذ مثال مصطلح معاداة السَّامِية، الذي يستهدف فئة الساميين (التي يمكننا أن نَشمل فيها العرب)، إلا أنه في الواقع يخص التمييز ضد اليهود لكونهم يهودًا. وينطبق هذا أيضًا على مصطلح «الإسلاموفوبيا»، فهو يعني شيئًا، ويشير إلى أصل دلالي قوي ضروري في مجال التمييز. وسنُعنى في هذا المقال بتحديد دلالة مصطلح «الإسلاموفوبيا»، والذي يراوغ بعض المثقفين الأوربيين عمومًا والفرنسيين خصوصًا.. ثم سنلقي شيئًا من الضوء على أسلوب النبي الكريم محمد إزاء حالة العداء للإسلام حين كان مواطنًا في مكة ثم حين أصبح قائدًا لمجتمع متكامل في المدينة؟! إذا توصلنا إلى إجابة وافية عن هذا السؤال نكون قد وصلنا إلى الموقف الذي يمكن أن يتخذه المسلمون اليوم من موجات العداء المتزايدة والمجتمعة تحت مصطلح «الإسلاموفوبيا».

«الإسلاموفوبيا»، تفصيل لمصطلح جدلي

وحتى يكون موقفنا فكريًا، يجب أن نفهم طبيعة المناقشات التي تجري حاليًا حول مفهوم العداء للإسلام. يعتقد بعض المثقفين الفرنسيين أن هذا المصطلح لا يُعبر سوى عن مناهضة موقف المدافعين عن الإسلام السياسي، أي أنه ليس موقفًا عامًّا مُتخذًا ضد المسلمين كافة، وإنما فقط ضد من ينادون بأعمال تخل بأمن المجتمع. ويعتقد آخرون، على عكس ذلك، أن «الإسلاموفوبيا» تشير إلى مجموعة من حالات التمييز – قد تحمل طابعًا جنحيًّا أو جنائيًا، الأمر الذي يعاني منه المسلمون منذ أحداث 11 سبتمبر 2001.

«الإسلاموفوبيا» ومناهضة الإسلام السياسي

وكما ذكرنا، إن العديد من المثقفين يعتقدون أن مفهوم «الإسلاموفوبيا» يشير مباشرة إلى حظر انتقاد الإسلام أو حتى السخرية منه. واستنادًا إلى حرية التعبير المنصوص عليها في إعلان حقوق الإنسان والمواطن لعام 1789 وفي الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان، فإنهم يعتبرون أن هذه الحرية في خطر لأن تصنيف جميع الأعمال المعادية للمسلمين بالإسلاموفوبيا يعني برأيهم حظر انتقاد الإسلام. إننا حتى لو سلمنا جدلًا بصحة وجهة النظر هذه فسيظهر القائلون بها في مظهر من يكيل بمكيالين، فنفس هؤلاء يبدون الاحترام الوافر لقوانين معاداة السَّامية.

إن هؤلاء المثقفين يستندون في انتقاداتهم على الهجوم على صحيفة “شارلي إيبدو”، فبالنسبة لهم كان هذا الهجوم هجومًا على حرية التعبير كما مارستها الصحيفة الساخرة في الماضي. وهكذا يضاف إلى البعد القانوني حجة عاطفية بحتة، تستدعي الغرائز أكثر من التحليل العاقل والعلمي للموضوع. في الواقع، من الصعب جدًّا أن نتصور أن مصطلح “الإسلاموفوبيا” هو إعادة لـ “جنحة التجديف” التي ألغتها الديمقراطيات الغربية منذ فترة طويلة، وهذا لأسباب عدة.

أولاً، لأن أي حدث يتعارض مع الحرية يخضع لحكم القاضي العدلي المختص بفرض رقابة على انتهاك هذه الحرية. ويكفي لمن يعتقدون أن جنحة التجديف أُعيد سريانها، أن يحيلوا القضية إلى المحكمة فيحكم بها القاضي. وعلاوة على ذلك، لا يبدو أن انتقاد الإسلام آخذ في الانحسار منذ الهجوم الإرهابي، بل على العكس من ذلك فإنه يبلور كل التوترات في العديد من البلدان، بما فيها فرنسا. وأظهرت رسوم حاسوبية تم تداولها على نطاق واسع في وسائل التواصل الاجتماعي أن انتقاد الإسلام يشغل في الواقع مكانة بارزة في المجلات والصحف اليومية الفرنسية التي تتبع نهجًا غالبًا ما يكون أقرب إلى الخلط ولا يعكس صورة المسلمين ككل.

وهذا أيضًا أحد الأسباب التي تجعل المسلمين يشعرون بشكل ما بأنهم يفتقدون من يُمَثِّلهم في فرنسا. ويُغذِي هذا الشعور تلك الهجمات المنتظمة على دينهم التي لا يملكون فعل أي شيء إزاءها، وذلك تحديدًا بسبب الأهمية الكبيرة التي توليها المحاكم لحرية التعبير. وهنا تكمن مفارقة خطيرة، إذ بدعوى حرية التعبير يُساء إلى مشاعر المسلمين، وبسبب حرية التعبير يُمنعون من التعبير! حقًّا، إن من شرِّ البلية ما يُضحِك!

“الإسلاموفوبيا” كعنصر تحليل للتمييز

أما الفرضية الأخرى المتعلقة بطبيعة مصطلح “الإسلاموفوبيا” فتخص حصرًا التمييز، والمتمثل في الجنح أو الجنايات تُرتَكب ضد أشخاص يُفترض أو يَثبت انتماؤهم إلى الإسلام.

في هذا المقال، سنرى “الإسلاموفوبيا” على أنها تمييز واضح ضد المسلمين بسبب انتمائهم الحقيقي أو المفترض إلى دين. وخصوصية نهجنا تكمن في التسلسل الزمني لها، بحيث نعود إلى زمن النبي الكريم محمد ، وعلى حد علمنا لم يجر هذا التحليل من قبل، غير أن الممارسات نفسها كانت قائمة، وإن لم يكن بعدُ للمصطلح وجود.

كيف قابل النبي ممارسات “الإسلاموفوبيا” في عصره؟!

لقد تعرض النبي الكريم محمد للإسلاموفوبيا من قبل سكان مكة. واستمرت هذه الاضطهادات عندما قصد الطائف. ورغم هذه الاضطهادات، عقد مواثيق مهمة تنادي بضمان حرية الاعتقاد للجميع دون استثناء، وبشكل غير قابل للمساومة.

وبتناول قضية الاضطهاد في مكة تجدر الإشارة إلى أن الجزيرة العربية كانت وثنية قبل الإسلام، وكان المجتمع يقوم على الطقوس المتوارثة من جيل إلى جيل. ما إن قدّم النبّـي الإسلام كدين توحيدي، حتى شُنت أشد الاضطهادات ضراوة ضد المسلمين؛ بدءًا من المقاطعة الاقتصادية التي ألجأت المسلمين إلى شُعَبِ أبي طالب إلى الاضطهاد والإيذاء المادي الذي بلغ حد التصفية الجسدية لصحابة نبي الإسلام. فالسؤال الحقيقي هو: كيف كان ردُّ فعل الرسول الكريم على هذه الاعتداءات التي لم يسلم هو شخصيًّا منها في كثير من الأحيان، كما راح ضحيتها الكثير من صحابته الأوائل؟

أحد الأسباب التي تجعل المسلمين يشعرون بشكل ما بأنهم يفتقدون من يُمَثِّلهم في فرنسا. ويُغذِي هذا الشعور تلك الهجمات المنتظمة على دينهم التي لا يملكون فعل أي شيء إزاءها، وذلك تحديدًا بسبب الأهمية الكبيرة التي توليها المحاكم لحرية التعبير. وهنا تكمن مفارقة خطيرة، إذ بدعوى حرية التعبير يُساء إلى مشاعر المسلمين، وبسبب حرية التعبير يُمنعون من التعبير! حقًّا، إن من شرِّ البلية ما يُضحِك!

لقد فعل المكّيون ما فعلوا خوفًا من انتشار الإسلام خارج حدود مكة بشكل يهدد نفوذهم الاقتصادي في المستقبل.. لقد كانت مشاعر “الإسلاموفوبيا” تُحرِّك المكِّيين وتتحكم في تصرفاتهم ضد الدين الجديد، فكيف كانت ردة فعله إزاء هذه “الإسلاموفوبيا” في مكة؟! ما لا خلاف عليه أنه لم يلجأ إلى حمل السلاح قط في مكة. بل على العكس، أصرَّ على أن تعاليم الإسلام السلمية كافية لتغيير آراء المعارضين حول الإسلام. ولعل مشهد مواساته لأسرة عمار يحضرنا ها هنا.. كان ياسر وزوجته سمية وابنه عمار (رضي الله عنهم) يعذبون، فيمر عليهم النبي فيقول مواسيًا: «صبرًا آل ياسر فإن موعدكم الجنة»، لم يتخذ إجراءً انتقاميًّا مُضادًا، على الرغم من أنه كان ينتمي إلى أسرة ذات حسَبٍ ونَسَبٍ في مكة، والحمية العربية كانت تقتضي أن يدافع عنه أهله، حتى وإن اختلفوا معه في الدين، فمن هذا المنطلق ينبغي أن ندرك أنه لم يؤثر السلم في مكة عن عجز واضطرار، ولنتذكر على سبيل المثال أن حمزة ابن عبد المطلب، الذي كان عم النبي كان على استعداد لأن يفدي النبي في مكة بنفسه، وكذلك كان موقف المسلمين كافة في ذلك الوقت، لم يكن الأمر يتطلب أكثر من إشارة يطلقها النبي حتى تستحيل مكة بِركة من دماء من يضطهدون المسلمين الضعفاء.

الاضطهاد في الطائف

كذلك من المهم أن نسرد حدثًا آخر يلقي مزيدًا من الضوء على أسلوب النبـيُّ في التعامل مع كافة ممارسات الإسلاموفوبيا.. قرَّر النبِيُّ  أن يَخرج بالدَّعوة من مكة إلى الطائف؛ لعلَّه يجد من يؤمن بهذه الرِّسالة الخالدة، ويطلب النُّصرة والعونَ من أهلها، ويَرجو أن يقبلوا منه ما جاءهم به من عندِ الله تعالى. ولكن، كيف وصل النبِيُّ إلى الطائف؟ كيف استطاعَ أن يقطع كلَّ هذه المسافة التي قدرها السابقون بستين ميلاً، بحسب ما ذكره الإدريسي في نزهة المشتاق، حيث قال: «وفي شرقي مكة الطائف وبينهما ستون ميلاً»(1).. والميل يساوي 1609 مترًا، وعلى هذا، فتكون المسافة بين مكة والطائف 90 كيلو مترًا تقريبًا، وبإمكاننا الحصول على المسافة بدقة عن طريق المواقع والبرامج الجغرافية في شبكة الإنترنت.. على أية حال، تُجمع المصادر التاريخية على أنه قطع مسافة 90 كيلومتر من مكة إلى الطائف على قدمَيْه الشريفتين في صحراء قاحلة وطرق وَعِرة. فمن السفه الاعتقاد أن مقاساة كل هذه المتاعب والمِحَن والشدائد كان من أجل الحصول على الجاه؟ أو المال أو جريًا وراء الملذَّات والشهوات. بل كان مواساة للخلق ورغبة في إخراجهم من الظلمات إلى النور.

وفي الطَّائف التي وصَلَها بعد جهدٍ جهيد يتعرَّض لبلاءٍ أكبر، لقد التقى بنفَرٍ من سادة ثَقيف، فجلس إليهم ودعاهم إلى الله، وإلى الدين الجديد، وعرض عليهم المهمَّة التي جاء من أجلها، وطلب منهم السَّند والعون.

ولكن أهل الطائف لَم يكونوا أشرفَ مِن سادة قريش، فقد ردُّوه ردًّا عنيفًا، وكيف تقبل ثقيف دعوته، وعندهم صنَمُهم المعبود المقدَّس (اللات)، الذي تزوره العرَبُ أيام الصيف الحارِّ في الطائف فتستفيد ثُقيف منهم؟! أمَّا لو دخَلوا في دين الإسلام، فلن يَزورهم أحد، وسيُحرَمون من الأرباح الطائلة التي تَدُرُّها عليهم السياحة الدينية، فكيف تقبل ثقيف دعوتَه؟ كيف يَقْبلون دعوته وهو يدعوهم إلى مبدأ المساواة بين العبيد والسَّادة، والإقلاع عن تجارة الرِّبا؟!

لقد تخوَّف أهل الطائف من الإسلام لما رأوا أنه دين يضرب مصالحهم الماديَّة؛ لذلك ردُّوا على رسول الله ردًّا عنيفًا. وتروي كتب الحديث عن السيدة عائشة (رضي الله عنها) أنها قَالَتْ لِلنَّبِيِّ :

«هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ؟ قَالَ: لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ مَا لَقِيتُ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمَ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كُلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ فَإِذَا فِيهَا جِبْرِيلُ فَنَادَانِي، فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ. فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ، فَسَلَّمَ عَلَيَّ ثُمَّ قَالَ: يَا مُحَمَّد،ُ فَقَالَ: ذَلِكَ فِيمَا شِئْتَ إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ. فَقَالَ النَّبِيُّ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا»(2)

لو أن النبي قَبِل عرض الملائكة بمعاقبة أهل الطائف، وقد كانوا استحقوا العقوبة فعلاً، لكانت هذه المدينة قد دُمرت إلى الأبد. ولكن في مواجهة هذه “الإسلاموفوبيا”، ردَّ نبي الإسلام بالرَّفض لأن بعض هؤلاء المضطهِدين سيقبلون ربما فيما بعد رسالة الله. هذه الإجابة ترقى إلى عظمة نبي الإسلام. هذا الرجل، الذي تعرض لأقصى الإهانات، رغم كل شيء، أولى للإنسانية المقام الأعلى في مواجهة الوحوش الذين هاجموه.

للإسلاموفوبيا وجه آخر

رغم “الإسلاموفوبيا” وكراهية المكّيين للإسلام كدين، وللمسلمين كأفراد قرروا الإيمان بهذا الدين، لم يترك نبي الإسلام مجالاً للعنف. بل على العكس، فإن مبادراته المختلفة كانت تهدف دائمًا إلى العمل من أجل الصالح العام من خلالِ معاهدة المدينة المنورة، والتي كان من أجمل ما فيها «أن النبي  لم يجعل لعنصر الأغلبية والأقلية العددية دورًا في تحديد حقوق أي طرف، باختصار، لم ينظر حضرته  إلى أيِّ من مواطنيه باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة، الأمر الذي تمارسه بكل برود وجحود كبرى حكومات العالم التي نصفها بالرقي والتحضر الآن..» (3).

لقد كانت مشاعر “الإسلاموفوبيا” تُحرِّك المكِّيين وتتحكم في تصرفاتهم ضد الدين الجديد، فكيف كانت ردة فعله إزاء هذه “الإسلاموفوبيا” في مكة؟! ما لا خلاف عليه أنه لم يلجأ إلى حمل السلاح قط في مكة. بل على العكس، أصرَّ على أن تعاليم الإسلام السلمية كافية لتغيير آراء المعارضين حول الإسلام. ولعل مشهد مواساته لأسرة عمار يحضرنا ها هنا..

مواجهة “الإسلاموفوبيا” في عالم “الملتيميديا”

تتغير اليوم الاستجابة للإسلاموفوبيا نتيجة للتحولات الاجتماعية. لقد انتقلنا من مجتمع يحتك فيه الناس بعضهم ببعض إلى مجتمع الكتروني يمكنه تسخير جميع أدواته في خدمة “الإسلاموفوبيا” وذلك دون سبب. وبالتالي يجب علينا أن نفكر في استجابة مشتركة. ويبدو من المعقد التفكير في تلك الاستجابة المشتركة لدى أتباع دين تمزقهم الطائفية والاختلافات المذهبية التي وجد فيها معارضو الإسلام فرصة في تشتيت الصف، وذلك بابتداع مصطلح “الإسلام السياسي”، هذا المصطلح غير الملموس، وغير المحدد بشكل كاف أو غير المرتبط بكيان عضوي أو مؤسسي محدد، بصرف النظر عن “الإخوان المسلمين” الذين نسمع عنهم ولكنهم لم يزعموا أبدًا أنهم كذلك، كل هذا يجعل من الصعب تحديد موقف إسلامي مشترك لمواجهة الموجة. إلا أن مثال الرسول الكريم يبين لنا في الواقع أن المظاهرات العامة أو العنف الانتقامي لم يكونا أبدًا فيما مضى سببًا في نجاح الإسلام. بل إنه في السلوك الفردي لكل مسلم. وهذه النقطة نفسها التي تدعو إليها الجماعة الإسلامية الأحمدية، فهي تؤكد، من خلال إرشادات خليفتها الحالي، حضرة مرزا مسرور أحمد -أيده الله بنصره العزيز-، على تعزيز السلوك المثالي، ومقابلة الناس كما كان يفعل النبي الكريم.

إذا كانت الحسابات السياسية لها الأسبقية على السَّلام الاجتماعي، على الرغم من جهودنا المتكررة للدعوة إلى المزيد من الذكاء، فإن الحكومات لا يمكنها إلا أن تلوم نفسها. لقد قال “مارتن لوثر كينغ” ما فحواه أنَّ الظلم في مكان ما يؤثر على العدالة في كل مكان. وللإسلام الأسبقية والفضل في نشر هذه الراسالة الخالدة حيث يقول الله في القرآن الكريم:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (4).
الهوامش :
1. الشريف الإدريسي ، نزهة المشتاق في اختراق الأفاق
2. صحيح البخاری ، کتاب بدء الخلق.
3. أحمد وائل، وثيقة المدينة المنورة المذكرة التأسيسية للمجتمع التعددي الأول ، مجلة التقوى، نوفمبر 2020
4. (المائدة: 9)
Share via
تابعونا على الفايس بوك