عن الزبير بن العوام حواري رسول الله
التاريخ: 2020-08-21

عن الزبير بن العوام حواري رسول الله

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • قرابات مع النبي ص لا قرابة واحدة
  • عن هيئة الزبير الشكلية والروحيَّة
  • قول النبي في شجاعته وتشبه الملائكة به
  • نموذج يُتذى في التضحية والفداء
  • دوره في لجنة انتخاب الخليفة

__ 

خطبة الجمعة التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد

 أيده الله تعالى بنصره العزيز  –  الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي عليه السلام

بتاريخ 21/8/2020 م  في مسجد مبارك، إسلام آباد تلفورد بريطانيا

تنويه: العنوان الرئيسي والعناوين الفرعية من إضافة أسرة «التقوى»

 

بعد التشهد وتلاوة سورة الفاتحة استهل حضرته الخطبة

قرابات مع النبي لا قرابة واحدة

اتصالًا للحديث عن الصحابة البدريين، أذكر اليوم سيدنا الزبير بن العوام . اسم والده العوام بن خويلد، واسم والدته صفية بنت عبد المطلب التي كانت عمة الرسول . ونسب الزبير يلتقي بنسب النبي عند قصي بن كلاب.  كان الزبير ابن أخي السيدة خديجة زوجة الرسول . تزوج الزبير السيدة أسماء بنت سيدنا أبي بكر الصديق ، وتزوج النبي السيدة عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنها،

وهكذا يكون الزبير والنبي صهرين لأبي بكر. هذه أنواع أواصر القربى بين الزبير والنبي .

وكنية الزبير هي أبو عبد الله. كانت أمه صفية اختارت للزبير بن عبد المطلب كنية أبي طاهر، أما ابنها الزبير فقد اختار لنفسه كنيته بناء على اسم ابنه عبد الله، فصارت كنيته «أبو عبد الله» الذي تبين لاحقا أنه أكثر شهرة.

أسلم الزبير بعد إسلام أبي بكر . كان الرابع أو الخامس بين أوائل المسلمين. لقد أسلم وهو ابن اثنتي عشرة سنة. وفي رواية أنه أسلم وسنه ثماني سنوات أو ست عشرة سنة.

كان الزبير من العشرة السعداء الذين بشّرهم النبي بالجنة في حياتهم، وكان أحد الستة الذين عيّنهم سيدنا عمر قبل وفاته من أجل الشورى لانتخاب الخليفة بعده.

على هامش أساليب تربية الأولاد

لما مات العوَّام والدُ الزبير كان نوفل بن خويلد يلي ابنَ أخيه الزبيرَ، وكانت صفية تضربه وهو صغير، وتغلظ عليه، فعاتبَها نوفل وقال: ما هكذا يُضرَب الولد، إنك لتضربينه ضربَ مُبْغِضةٍ. فرجزتْ به صفيةُ:

مَن قال إني أبغضه فقد كذبْ

 وإنما أضربه لكي يلبْ

ويهزم الجيش ويأتي بالسلبْ

.

ولا يكن لماله خبأ مخب،

يأكل في البيت من تمر وحب.

على كل حال، هكذا كان تفكيرها وأسلوب تربيتها للأولاد لجعلهم شجعانًا. ولكن هذا لا يعني أنه الأسلوب الصائب في تربية الأولاد، لأننا نرى عموما اليوم أن هذا الأسلوب في تربيتهم يدمر ثقتهم بأنفسهم. على كل حال، إن الله تعالى حفظ الزبير من التأثير السلبي لذلك الضرب والقسوة. إن الأمومة شيء معروف، فالأم لا تضرب فقط بل تشمل أولادها بحبها وحنانها أيضًا، والأحداث التالية أكدت أن الزبير تحلى بالشجاعة والبسالة بالفعل، والله أعلم بأسباب تحلّيه بالشجاعة، ومن المؤكد أن الضرب الذي تلقاه في الصغر لم يترك فيه أثرًا سلبيًّا. في هذه البلاد وفي هذا العصر لو جرّب أحد هذا الأسلوب مع الأولاد، فإن رجال الخدمة الاجتماعية سيحضرون فورًا ويأخذون أولاده معهم. فعلى الأمهات ألا يجربن هذا الأسلوب هنا.

عندما أسلم سيدنا الزبير كان عمه يلفّه في حصير، ويدخّن عليه ليرجع عن الإسلام إلى الكفر، ولكنه كان يرد عليه: «لا، والله لا أعود للكفر أبدًا»

لقد بين حضرة المصلح الموعود هذه الواقعة كالآتي: كان الزبير بن العوام من كبار الفتيان البواسل، وقد برز قائدا عظيما زمن الفتوحات الإسلامية. كان عمه يؤذيه أذى شديدا. كان يلفّه في الحصير ويدخن عليه ليختنق، ثم يقول له: «اكفر برب محمد أدرأ عنك هذا العذاب»، فكان الزبير يصبر على تعذيبه ويرد عليه: «لا، والله لا أعود للكفر أبدًا»

حدث هشام بن عروة عن أبيه قال:

قَاتَلَ الزُّبَيْرُ بمكةَ وَهُوَ غُلَامٌ رجُلًا ، فَدَقَّ يَدَهُ وضَرَبَهُ ضَرْبًا شديدًا. قَال: فَمُرَّ بِالرَّجُلِ عَلَى صَفِيَّةَ وَهُوَ يُحْمَلُ فَقَالَتْ: مَا شَأْنُهُ؟ قَالُوا: قَاتَلَ الزُّبَيْرَ، فَقَالَتْ لَهُ:

كَيْفَ رَأَيْتَ زَبْرَا؟!

أَأَقِطًا حَسِبْتَهُ أَمْ تَمْرَا؟!

أَمْ مُشْمَعِلًّا صَقْرَا؟!

هاجر الزبير إلى الحبشة الهجرتين كلتيهما. وعندما هاجر إلى المدينة أقام عند المنذر بن محمد.

 عن أسماء زوجة الزبير رضي الله عنهما قالت: لما خرجتُ من مكة مهاجرة كنت حُبلى بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، فَنَزَلْتُ بِقُبَاءٍ، فَوَلَدْتُهُ بِقُبَاءٍ. ثُمَّ أَتَيْتُ به رَسُولَ اللَّهِ ، فَوَضَعَهُ فِي حِجْرِهِ ثُمَّ دَعَا بِتَمْرَةٍ فَمَضَغَهَا، ثُمَّ تَفَلَ فِي فِيهِ، فَكَانَ أَوَّلَ شَيْءٍ دَخَلَ جَوْفَهُ رِيقُ رَسُولِ اللَّهِ . ثُمَّ حَنَّكَهُ بِالتَّمْرَةِ، ثُمَّ دَعَا لَهُ وَبَرَّكَ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَوَّلَ مَوْلُودٍ وُلِدَ فِي الْإِسْلَامِ.

 يبدو من رواية مسلم أن النبي سمى ابن أسماء عبد الله.

ثُمَّ جَاءَ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانٍ لِيُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ ، وَأَمَرَهُ بِذَلِكَ الزُّبَيْرُ، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ حِينَ رَآهُ مُقْبِلًا إِلَيْهِ ثُمَّ بَايَعَهُ.

عندما آخى النبي بين المسلمين في مكة، آخى بين الزبير وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهما. وبعد الهجرة إلى المدينة لما آخى بين المهاجرين والأنصار صار سلمة بن سلامة أخا الزبير في الدين.

سمى الزبير أبناءه بأسماء الشهداء ليرزقهم الله الشهادة في سبيله. فسمى ابنه عبد الله باسم عبد الله بن جحش، وابنه المنذر باسم المنذر بن عمرو، وابنه عروة باسم عروة بن مسعود، وابنه حمزة باسم حمزة بن عبد المطلب، وابنه جعفر باسم جعفر بن عبد المطلب، وابنه مصعب باسم مصعب بن عمير، وابنه عبيدة باسم عبيدة بن الحارث، وابنه خالد باسم خالد بن سعيد، وابنه عمرو باسم عمرو بن سعيد، وكان عمرو بن سعيد استُشهد في وقعة اليرموك.

لا ندري مدى صحة هذه الرواية، لأن سن ولادة عبد الله لا يتفق مع ذلك، وإذا كان أول وليد وُلد في الإسلام فالله أعلم بالوقت الصحيح بمولده، ولا ندري آستُشهد أحد من المسلمين قبل ولادة عبد الله أم لا. على أيَّةِ حال، لقد سمى الزبير أبناءه على أسماء هؤلاء الصحابة الكبار.

عن هيئته الشكلية والروحيَّة

عن عروة بن الزبير أن والده كان طويل القامة حتى إن قدمه كانت تلامس الأرض وهو على الدابة.

وعن عبد الله بن الزبير قال: قلت لأبي: «ما لي لا أسمعُكَ تحدِّثُ عن رسول الله – – كما يُحدِّث فلان وفلان؟ قال: أمَا إِنّى لم أُفَارِقهُ منذُ أسلمتُ، ولكني سمعتُهُ يقول: مَنْ كذبَ عليَّ مُتَعَمِّدًا فليتبوأ مقعده من النار». .

قول الزبير هذا لا يعني أن غيره من الصحابة كانوا يروون عن النبي كذبًا، كلا بل المراد أنه كان يرى الحيطة خيرًا له مخافة أن يروي عنه خطأ. انظروا لقد حذر النبي هنا فقط مَن يتعمد الكذب عليه، ومع ذلك كان الزبير شديد الحيطة مخافة أن ينسب إلى النبي أمرًا خطأ، فيكون من الذين يعاقَبون. لهذه الدرجة كان محتاطًا!

شجاعته وتشبه الملائكة به

عن سعيد بن المسيب، قال: أول من سلّ سيفه في ذات الله الزبير بن العوام، وبينما الزبير بن العوام قائل في شعب المطابخ، إذ سمع نغمة: أن رسول الله قُتِل، فخرج من البيت متجردًا السيف صَلْتًا، فلقيه رسول الله كَفَّةَ كَفَّةَ، فقال: «ما شأنك يا زبير؟» قال: سمعت أنك قُتِلْت، قال: «فما كنت صانعًا؟!» قال: أردت والله أن أستعرض أهل مكة، قال: فدعا له النبي بخير. قال سعيد: أرجو أن لا تضيع له عند الله دعوة النبي  شهد الزّبير بن العوّام بدرًا وأُحُدًا والمشاهد كلّها مع رسول الله ، وثَبَتَ معه يوم أُحُد، وبايعه على الموت، وكانت معه إحدى رايات المهاجرين الثلاث يوم فتح مكة. كان مع النبي فَرَسانِ فقط يوم بدر، وركب الزبير أحدهما.

عن عُرْوة: كان في الزبير ثلاث ضربات بالسَّيف كنتُ أدخِل أصابعي فيها: اثنتين يوم بَدْرِ، وواحدة يوم اليَرمُوك.

ورُوي أنه كانت على الزبير عمامة صفراء معتجرًا بها يوم بدر، فلما رآه النبي قال: «إن الملائكة نزلت على سيماء الزبير».

عن هشام، عن أبيه قال، قال الزبير: لَقِيتُ يَومَ بَدْرٍ عُبَيْدَةَ بنَ سَعِيدِ بنِ العَاصِ، وهو مُدَجَّجٌ، لا يُرَى منه إلَّا عَيْنَاهُ، وهو يُكْنَى أبو ذَاتِ الكَرِشِ، فَقالَ: أنَا أبو ذَاتِ الكَرِشِ، فَحَمَلْتُ عليه بالعَنَزَةِ فَطَعَنْتُهُ في عَيْنِهِ فَمَاتَ، قالَ هِشَامٌ: – فَأُخْبِرْتُ: أنَّ الزُّبَيْرَ قالَ: – لقَدْ وضَعْتُ رِجْلِي عليه، ثُمَّ تَمَطَّأْتُ، فَكانَ الجَهْدَ أنْ نَزَعْتُهَا وقَدِ انْثَنَى طَرَفَاهَا، قالَ عُرْوَةُ: فَسَأَلَهُ إيَّاهَا رَسولُ اللَّهِ  فأعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ رَسولُ اللَّهِ أخَذَهَا ثُمَّ طَلَبَهَا أبو بَكْرٍ فأعْطَاهُ، فَلَمَّا قُبِضَ أبو بَكْرٍ، سَأَلَهَا إيَّاهُ عُمَرُ فأعْطَاهُ إيَّاهَا، فَلَمَّا قُبِضَ عُمَرُ أخَذَهَا، ثُمَّ طَلَبَهَا عُثْمَانُ منه فأعْطَاهُ إيَّاهَا، فَلَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ وقَعَتْ عِنْدَ آلِ عَلِيٍّ، فَطَلَبَهَا عبدُ اللَّهِ بنُ الزُّبَيْرِ، فَكَانَتْ عِنْدَهُ حتَّى قُتِلَ وعن الزبير بن العوام أن رسول الله جمع لي يوم أُحد بين أبويه، أي قال لي: فداك أبي وأمّي.

وروي عن الزبير أنه قال: لما انصرف المشركون يوم أحد وجلس رسول الله  ناحية القتلى فجاءت امرأة تؤم القتلى فقال رسول الله ‏:‏ المرأة المرأة فدنوت منها فتوسمتها فإذا هي صفية فقلت لها‏:‏ يا أماه ارجعي فلزمت صدري وقالت‏:‏ لا أم لك فقلت‏:‏ إن رسول الله  يعزم عليك فأخرجت ثوبين وقالت‏:‏ كفنوا أخي في هذين الثوبين فنظرنا إلى جانب حمزة رجلًا من الأنصار وليس له كفن فرأينا غضاضة علينا أن نكفن حمزة في ثوبين والأنصاري ليس له كفن وكان أحد الثوبين أوسع من الآخر فأقرعنا بينهما وكفنا كل واحد في الثوب الذي صار له‏.‏ عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله يوم الأحزاب: مَنْ يأتيني بخبر بني قريظة؟، فقال الزّبير: أنا، فقال: من يأتيني بخبر بني قريظة؟ فقال الزّبير: أنا، فقال: “من يأتيني بخبر بني قريظة؟ فقال الزّبير: أنا، فقال النّبيّ : «إنّ لكلّ نبيّ حواريًّا وإنّ حواريّي الزّبيرُ».

عن ابن عمر أنه سمع رجلاً يقول: أنا ابن حواريّ رسول الله. فقال ابن عمر: إن كنتَ من آل الزبير، وإلا فلا. قال: فسئل هل كان أحد يقال له حواري رسول الله غير الزبير؟ قال: لا أعلمه.

عن عبد الله بن الزبير قال: كُنْتُ يَومَ الأحْزابِ جُعِلْتُ أنا وعُمَرُ بنُ أبِي سَلَمَةَ في النِّساءِ، فَنَظَرْتُ فإذا أنا بالزُّبَيْرِ، علَى فَرَسِهِ، يَخْتَلِفُ إلى بَنِي قُرَيْظَةَ مَرَّتَيْنِ أوْ ثَلاثًا، فَلَمَّا رَجَعْتُ قُلتُ: يا أبَتِ رَأَيْتُكَ تَخْتَلِفُ؟ قالَ: أوَهلْ رَأَيْتَنِي يا بُنَيَّ؟ قُلتُ: نَعَمْ، قالَ: كانَ رَسولُ اللَّهِ ، قالَ: مَن يَأْتِ بَنِي قُرَيْظَةَ فَيَأْتِينِي بخَبَرِهِمْ. فانْطَلَقْتُ، فَلَمَّا رَجَعْتُ جَمع لي رَسولُ اللَّهِ أبَوَيْهِ فقالَ: فِداكَ أبِي وأُمِّي.

قُتل زعیم يهودي معروف اسمه «مرحب» في غزوة خيبر بيد محمد بن مسلمة، فخرج إلى الميدان أخوه ياسر ونادى: من يبارز؟ خرج الزبير بين العوام إلى ياسر فقالت أمه صفية للنبي : يقتل ابني يا رسول الله؟ قال: بل ابنك يقتله إن شاء الله فخرج الزبير فالتقيا فقتله الزبيرُ.

كان الزبير من الثلاثة الذين بعثهم رسول الله للبحث عن امرأةٍ حملت كتابَ حاطب بن أبي بلتعة إلى الكفار. لقد ذُكر هذا الحادث من قبل ولكن سأذكره بإيجاز في هذا السياق أيضًا.

عَنْ عَلِيّ يَقُولُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ أَنَا وَالزُّبَيْرَ وَالْمِقْدَادَ بْنَ الْأَسْوَدِ قَالَ انْطَلِقُوا حَتَّى تَأْتُوا رَوْضَةَ خَاخٍ فَإِنَّ بِهَا ظَعِينَةً وَمَعَهَا كِتَابٌ فَخُذُوهُ مِنْهَا فَانْطَلَقْنَا حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى رَوْضَةَ خَاخٍ (وهي موضع بين مكة والمدينة، فلما بلغناه) فَإِذَا نَحْنُ بِالظَّعِينَةِ فَقُلْنَا أَخْرِجِي الْكِتَابَ الذي عندك، فَقَالَتْ: مَا مَعِي مِنْ كِتَابٍ فَقُلْنَا لَتُخْرِجِنَّ الْكِتَابَ أَوْ لَنُلْقِيَنَّ الثِّيَابَ أي سنفعل ما نستطيع من أجله، فَأَخْرَجَتْهُ مِنْ عِقَاصِهَا وسلمته إلينا فَأَتَيْنَا بِهِ رَسُولَ اللَّهِ فَإِذَا فِيهِ مِنْ حَاطِبِ بْنِ أَبِي بَلْتَعَةَ إِلَى أُنَاسٍ مِنْ الْمُشْرِكِينَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ يُخْبِرُهُمْ بِبَعْضِ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ يَا حَاطِبُ مَا هَذَا؟ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَا تَعْجَلْ عَلَيَّ إِنِّي كُنْتُ امْرَأً مُلْصَقًا فِي قُرَيْشٍ وَلَمْ أَكُنْ مِنْ أَنْفُسِهَا، فَأَحْبَبْتُ أَنْ أَتَّخِذَ عِنْدَهُمْ يَدًا، وَمَا فَعَلْتُ كُفْرًا وَلَا ارْتِدَادًا وَلَا رِضًا بِالْكُفْرِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ لَقَدْ صَدَقَكُمْ. (كان عمر يفيض بالغضب) فقَالَ (في ثورته): يَا رَسُولَ اللَّهِ دَعْنِي أَضْرِبْ عُنُقَ هَذَا الْمُنَافِقِ. قَالَ : إِنَّهُ قَدْ شَهِدَ بَدْرًا وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ اللَّهَ أَنْ يَكُونَ قَدْ اطَّلَعَ عَلَى أَهْلِ بَدْرٍ فَقَال:َ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ.

ولما فتح رسول الله مكة جعل على قيادة الميمنة الزبير بن العوام، وعلى الميسرة المقداد بن عمرو، فلما دخل مكة وهدأ الناس جاءا بفرسيهما قام رسول الله يمسح الغبار عن وجهيهما وقال: إني جعلت للفارس سهمين وللراجل سهما، فمن نقص ذلك نقصه الله.

يذكر الخليفة الثاني واقعة للزبير فيقول: عندما ضرب النبي صنمهم «هُبَل» بعصا، سقط وانكسر، فنظر الزبير مبتسمًا إلى أبي سفيان وقال لـه: يا أبا سفيان، أتذكر يوم أُحُد، الذي وقف فيه المسلمون مكلومين مُنهكين إلى ناحية، ثم هتفتَ بكل زهو وغرور: اعْلُ هُبَل، اعْلُ هُبَل؛ وأن هبل قد أعطاكم النصر في ذلك اليوم، فانظر اليوم كيف تناثرت قطعه المكسرة أمام عينيك؟ فقال أبو سفيان: دَعْك مِن هذا يا أخي، لو كان ثمة إله سوى إلهِ محمدٍ رسول الله ما رأينا اليوم ما رأيناه. لقد أيقنّا الآن أنه لا إله إلا الله الذي هو إله النبي .

لقد باغتتْ هوازن المسلمين بالسهام يوم حنين، وكان في جيش المسلمين ألفان من المسلمين الجدد الذين كانوا قد انضموا إلى جيش المسلمين في ذلك اليوم، ففروا ولم يبق في ميدان الحرب حول النبي أحد منهم، وكان العباس آخذًا لجام بغلة النبي . وكان مالك بن عوف رئيس الكفار واقفًا على ثنيّة من الثنايا ومعه فرسان من أصحابه فرأى بعض الناس على خيولهم فسأل قائلا: «انظروا ماذا ترون؟»، قالوا: نرى قومًا على خيولهم واضعين رماحهم على آذان خيولهم، قال:أولئك إخوانكم بنو سُليم، لا تخافوا منهم، فلما أقبلوا سلكوا بطن الوادي، ثم ظهرت خيول أخرى فسأل مالك قائلا: انظروا ماذا ترون؟، قالوا: نرى رجالًا ورماحهم في أيديهم، قال: تلك الأوس والخزرج، ولا خوف منهم أيضًا، فلما اقتربوا الوادي توجهوا إلى طريق بني سليم. ثم طلع فارس، فقال مالك لأصحابه ماذا ترون؟ قالوا نرى فارسًا طويل الباد واضعًا رمحه على عاتقه، عاصبًا رأسه بملاءة حمراء، فقال: هذا الزبير بن العوام وأحلف باللات ليخالطنكم، فاثبتوا له. فلما انتهى إلى أصل الثنية، أبصر القوم، فصمد لهم فلم يزل يطاعنهم بسهامه حتى أزاحهم عنها وأخلى الوادي من هؤلاء الكفار.

عن عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ قَالُوا لِلزُّبَيْرِ يَوْمَ الْيَرْمُوكِ أَلَا تَشُدُّ فَنَشُدَّ مَعَكَ فَقَالَ إِنِّي إِنْ شَدَدْتُ كَذَبْتُمْ فَقَالُوا لَا نَفْعَلُ، فَحَمَلَ عَلَى الكفار حَتَّى شَقَّ صُفُوفَهُمْ فَجَاوَزَهُمْ وَمَا مَعَهُ أَحَدٌ، ثُمَّ رَجَعَ مُقْبِلًا فَأَخَذ الكفار بِلِجَامِهِ فَضَرَبُوهُ ضَرْبَتَيْنِ عَلَى عَاتِقِهِ بَيْنَهُمَا ضَرْبَةٌ ضُرِبَهَا يَوْمَ بَدْرٍ. قَالَ عُرْوَةُ: كُنْتُ أُدْخِلُ أَصَابِعِي فِي تِلْكَ الضَّرَبَاتِ أَلْعَبُ وَأَنَا صَغِيرٌ. قَالَ عُرْوَةُ وَكَانَ مَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الزُّبَيْرِ يَوْمَئِذٍ وَهُوَ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ فَحَمَلَهُ عَلَى فَرَسٍ وَوَكَّلَ بِهِ رَجُلًا.

نموذج يُحتذى في التضحية والفداء

بعد فتح الشام قاد عمرو بن العاص مهمة فتح مصر، ومن ثم أراد فاتح مصر عمرو بن العاص أن يتوجه إلى الإسكندرية فنصبوا فسطاطهم على ضفة نهر النيل جنوبي شرق الإسكندرية، فسمّي ذلك الموضع بالفسطاط، وهو الآن أحد أحياء القاهرة. فلما حاصر المسلمون مدينة الإسكندرية ورأى عمرو بن العاص متانة حصنها وقلة جيشه طلب من عمر أن يرسل له مددًا فأمده بعشرة آلاف من الجنود وأربعة من القادة وقال بأن كل واحد من هؤلاء الأربعة بألف رجل، وكان أحدهم الزبير بن العوام. فلما وصل عهد إليه عمرو بن العاص جميع ترتيبات حصار الحصن. فركب الزبير فرسه وطاف بالحصن ثم فرق الرجال حول الحصن الراكبين والمشاة، وأخذ يرمي الحصن بالمنجنيق. ولكن طال الحصار حتى بلغت مدته سبعة أشهر دون تحقق الانتصار أو الهزيمة لأحد الطرفين. فقال الزبير يومًا: أفدي المسلمين اليوم فحمل سيفه ووضع سلمًا وصعد سور الحصن وتبعه بعض الصحابة الآخرين أيضًا. فلما صاروا بأعلى السور أخذوا يكبرون وما أن سمع الجنود حتى أجابوهم وأخذوا يكبرون معهم بأعلى أصواتهم لدرجة رجّت بها أرض الحصن وظن المسيحيون أن المسلمين قد اقتحموا الحصن فهربوا فزعًا وخوفًا، فنزل الزبير من السور وعمد إلى بابه ففتحه ودخل فيه الجنود المسلمون كلهم.

تعيين الزبير ضمن لجنة انتخاب الخليفة

لما دنا أجل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ( ) فجاء في البخاري ما يلي:

«قَالُوا أَوْصِ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اسْتَخْلِفْ. قَالَ: مَا أَجِدُ أَحَدًا أَحَقَّ بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَوْ الرَّهْطِ الَّذِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ. فَسَمَّى عَلِيًّا وَعُثْمَانَ وَالزُّبَيْرَ وَطَلْحَةَ وَسَعْدًا وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ وَقَالَ: يَشْهَدُكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ كَهَيْئَةِ التَّعْزِيَةِ لَهُ فَإِنْ أَصَابَتْ الْإِمْرَةُ سَعْدًا فَهُوَ ذَاكَ وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ فَإِنِّي لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلَا خِيَانَةٍ، وَقَالَ: أُوصِي الْخَلِيفَةَ مِنْ بَعْدِي بِالْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ أَنْ يَعْرِفَ لَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَحْفَظَ لَهُمْ حُرْمَتَهُمْ وَأُوصِيهِ بِالْأَنْصَارِ خَيْرًا الَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَنْ يُقْبَلَ مِنْ مُحْسِنِهِمْ وَأَنْ يُعْفَى عَنْ مُسِيئِهِمْ، وَأُوصِيهِ بِأَهْلِ الْأَمْصَارِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ رِدْءُ الْإِسْلَامِ وَجُبَاةُ الْمَالِ وَغَيْظُ الْعَدُوّ.ِ وَأَنْ لَا يُؤْخَذَ مِنْهُمْ إِلَّا فَضْلُهُمْ عَنْ رِضَاهُمْ، وَأُوصِيهِ بِالْأَعْرَابِ خَيْرًا فَإِنَّهُمْ أَصْلُ الْعَرَبِ وَمَادَّةُ الْإِسْلَامِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ حَوَاشِي أَمْوَالِهِمْ وَيُرَدَّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ وَأُوصِيهِ بِذِمَّةِ اللَّهِ وَذِمَّةِ رَسُولِهِ أَنْ يُوفَى لَهُمْ بِعَهْدِهِمْ وَأَنْ يُقَاتَلَ مِنْ وَرَائِهِمْ وَلَا يُكَلَّفُوا إِلَّا طَاقَتَهُمْ، فَلَمَّا قُبِضَ خَرَجْنَا بِهِ فَانْطَلَقْنَا نَمْشِي فَسَلَّمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ. قَالَ: يَسْتَأْذِنُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ. قَالَتْ: أَدْخِلُوهُ فَأُدْخِلَ فَوُضِعَ هُنَالِكَ مَعَ صَاحِبَيْهِ فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ، فَقَالَ  عَبْدُ الرَّحْمَنِ اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ فَقَالَ الزُّبَيْرُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيٍّ، فَقَالَ: طَلْحَةُ قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ. وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَانِ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ قَالَا نَعَمْ فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ، فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ. فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ: ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ» (صحيح البخاري، كتاب المناقب).

 باختصار قد بينت هذا التفصيل فيما مضى من قبل، وتناولته اليوم أيضًا. دمتم في رعاية الله وحفظه.

Share via
تابعونا على الفايس بوك