تهمة البيدوفيليا ونصاعة صحيفة نبي الإسلام

تهمة البيدوفيليا ونصاعة صحيفة نبي الإسلام

آصف عارف

محامي وناشط في مجال حقوق الإنسان
  • ما اسم التهمة التي يشيعها حداثيو معاداة الإسلام بصدد زواج النبي من حضرة عائشة؟
  • كيف يتضح من هذه التهمة كيل الغرب بمكيالين؟
  • ماذا عن سن الطفولة، وحقيقة سن زواج السيدة عائشة؟!

__

لا يكاد  يمر يوم دون أن يُفسد فيه البعض ما تبقى من حال السلام الاجتماعي، بإطلاق اعتراضات واتهامات في قالب يبدو مرتبًا وموضوعيًّا، غير أنه بعد البحث والتمحيص يتبين أن تلك الاعتراضات محض أكاذيب وأن الاتهامات افتراءات صِرفة. من جملة تلك الافتراءات، بل أكثرها، ما وُجِّه إلى شخص نبي الإسلام بما يُسيء إليه إساءات بالغة، ودون أن يكون لها أي أساس صحيح. إحدى هذه الاتهامات الخطيرة الموجهة إلى حضرته هي اتهام حضرته، وحاشاه، بـ «البيدوفيليا». و«البيدوفيليا» لمن لا يعلم تُعرف على أنها اضطراب نفسي مُتمثل في الانجذاب الجنسي إلى الأَطْفال الذين تقل أعمارهم عن 13 عامًا، ينتمي هذا الاضطراب لمجموعة اضطرابات عامة في التفضيل الجنسي. تم إطلاق العديد من الأسماء عليها، منها: الانحراف الجنسي، اضطرابات في الرغبة الجنسية، اضطرابات التفضيل الجنسي، والاسم المتعارف عليه اليوم هو «الخطل الجنسي» (Paraphilia). تعبّر هذه الأسماء عن مدى التعقيد الطبي لهذه الاضطرابات، بالإضافة إلى وجود إسقاطات اجتماعية هامة لها. (1)

واتهام حضرته بـ «البيدوفيليا» تمثل في فِرْيَة زواجه من طفلة في السادسة من عمرها، والمتمثلة بحسب مزاعم هؤلاء في زواجه من السيدة عائشة رضي الله عنها. حيث يُروَّج لهذه التهمة عبر وسائل الإعلام ووسائل التواصل المختلفة بصورة مكثفة وملفتة للأنظار. وأصحاب هذا الزعم، الذي سيثبت بطلانه بعون الله عبر هذه السطور، بذلك يُغفِلون عمدًا الاختلافات الواضحة بين المصادر التاريخية المختلفة والتي تقدم نصوصًا متباينة جدًّا حول تلك القضية، ويتناسون أن كثيرًا من كبار المؤرخين المشهورين قد اختلفوا مع هذا الطرح الذي يقدمه هؤلاء، وقالوا كلامًا صريحًا بكذب تلك الادعاءات وبطلانها، مفاده أن الرسول لم يتزوج السيدة عائشة رضي الله عنها وهي في السادسة أو في التاسعة من عمرها أبدًا، وأنه عليه الصلاة والسلام قد تزوجها في السن الذي يتزوج فيه الرجال النساء كما هو معتاد في بلادهم.

عمر المرأة في الجزيرة العربية لم يكن معيارًا للنضج الجنسي والعقلي لديها. حيث كانت النساء بحكم البيئة القاسية، تتأقلمن مع الواقع بسرعة كبيرة فتنضجن باكرًا. وبحسب رأي “ويليام ميور”، فلم تكن السيدة عائشة ناضجة جسديًّا بالنظر إلى صغر سنها فحسب، بل كانت كذلك شديدة الذكاء.

لقد تطرقت مصادر عديدة ومتباينة إلى قضية عُمر السيدة عائشة رضي الله عنها عند زواجها من النبي . بما يوضح التزام الرسول بما جاء في القرآن الكريم وتعاليم الله تعالى وذلك في قوله تعالى :

ولَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ (2)

والمقصود لا يتم الزواج قبل مرحلة البلوغ الجسدي والعقلي.

وبالتالي فإن الرسول التزم بتعاليم ماجاء فيه من الله تعالى.. وبالعودة إلى الأحاديث النبوية الشريفة نلاحظ أنها لم تخل تلك المصادر من تناقضات مختلفة، وأمور غير معقولة. والعجيب أن مرجعًا هامًا مثل كتاب الأحاديث الشهير «صحيح البخاري»، يذكر أن عمر السيدة عائشة كان بين الست والتسع سنوات عند زواجها.

ينبغي بادئ ذي بدء أن ننوه إلى أمر هام، وهو أن الأحاديث المنسوبة إلى النبيّ ليست كلها صحيحة وإن دُونت في كتاب أحاديث بارز الأهمية كالبخاري. وبالفعل فلقد استنتج علماء وباحثون بالاستدلال العقلي وبالأخذ في الاعتبار مصادر تاريخية معتبرة أخرى أن عمر السيدة عائشة عند زواجها لم يكن ليقل عن أربعة عشر عامًا، بل وربما ستة عشر عامًا أو يزيد.

في الواقع، وكما يشير السير “ويليام ميور” في كتابه عن سيرة نبي الإسلام أن عمر المرأة في الجزيرة العربية لم يكن معيارًا للنضج الجنسي والعقلي لديها. حيث كانت النساء بحكم البيئة القاسية، تتأقلمن مع الواقع بسرعة كبيرة فتنضجن باكرًا. وبحسب رأي “ويليام ميور”، فلم تكن السيدة عائشة ناضجة جسديًّا بالنظر إلى صغر سنها فحسب، بل كانت كذلك شديدة الذكاء.

حدث بالفعل في فرنسا أم التشريعات الإنسانية

لو وضعنا عمر السيدة عائشة رضي الله عنها في ميزان المتطلبات المجتمعية الأوروبية، وبالأخص الفرنسية قبل  عام 1974، فينبغي هنا أن نذكر أن مسألة الحد الأدنى لسن الزواج هي مسألة مجتمعية تطورت مع تطور الأعراف الاجتماعية والمنظومة التشريعية في المجتمعات المختلفة. فلم يكن سن الثامنة عشرة دائمًا هو الحد العمري الأدنى الذي لا يُسمح بالزواج دونه. في الواقع، لقد تعرض السن القانوني للزواج إلى تغييرات كثيرة في فرنسا.

ففي البداية حدد قانون العشرين من سبتمبر 1792 سن الزواج بإذنٍ من الأبوين على ألا يقل عن ثلاثة عشر عامًا للبنات وخمسة عشر عامًا للصبيان. ولم يستمر ذلك طويلاً، فقد رفع القانون المدني لعام 1804 سن الزواج القانوني فلم يعد بإمكان الفتيات أن يتزوجن قبل بلوغهن سن الخامسة عشر، ولا الصبيان قبل سن الثامنة عشر. وكان الهدف من ذلك تجنب الزواج المتهور غير المسؤول الذي انتشر كثيرًا في تلك الآونة. ولم يدُمْ الحال طويلاً أيضًا كسابقه، لأنه مع قانون الحادي والعشرين من يونيو 1907، أصبح السن القانوني للزواج إحدى وعشرين سنة، قبل أن يعيد قانون الخامس من تموز 1974 سن البلوغ المدني وسن الزواج القانوني إلى الثامنة عشر.

يمكننا استنتاج الكثير من هذه التطورات التشريعية. أولاً، أن النساء كان لديهن الحق في أن يتزوجن في سن مبكرة، نلاحظ ذلك بشكل خاص في الانتقال من سن الثالثة عشر إلى الخامسة عشر ومن الثامنة عشر إلى الحادية والعشرين، ثم الرجوع إلى تشريع الثامنة عشر مرة أخرى كسن قانونية لزواج الفتيات على خلاف الرجال.

ثانيًا، جرى هذا التطور في الاتجاهين معًا، أي رفع سن الزواج وخفضه حسب مقتضى الحال، وهذا يدل على عدم وجود سن محددة للزواج ينبغي الالتزام به في العالم كله، وأنه من غير الممكن أن نقول لشخص ما أنه يصلح أو لا يصلح للزواج في سن كذا أو كذا، فإن كلا من النضج العقلي والجسماني يتعلقان بالضرورة بالتطور الاجتماعي وطبيعة البيئة ذاتها.

وربما يعرف البعض أنه لا وجود لأي قانون يحدد سن الزواج في ولاية « كالفورنيا» بالولايات المتحدة الأمريكية إلى اليوم مادام الآباء يأذنون به. وكلنا يعلم أن والديْ السيدة عائشة رضي الله عنها قد قَبِلا عن رضا وبرحابة صدر بهذا الزواج، وليس في الأمر أي شيء مشين أو معيب بالنسبة إليهما ولا لغيرهما ممن يعيشون في هذا المجتمع، إذاً، أين الغرابة؟! وعلام كل هذا الضجيج؟!

فبعد كل ما تقدَّم يتضح أن سن الزواج مسألة ترجع إلى المجتمع إن كان يقبل به أو يرفضه، ولأن فردًا واحدًا من أفراد هذا المجتمع الذين كانوا يعيشون في تلك الفترة الزمنية لم يعترض على هذا الزواج، إذًا قد كان هذا الزواج متفقًا عليه ضِمنيًّا في إطار التقاليد العامة الموروثة في هذا المجتمع، وإلا لاتخذه المعارضون آنذاك، وما أكثرهم، ذريعة للتهجم على الرسول ،  وقد كانوا يختلقون الأكاذيب لتشويه صورته، فما بالك بحقيقة كتلك؟! إذاً لأذاعوها ونشروها وتغنوا بها في كل محفل، وبما أن ذلك لم يحدث، إذًا فقد كان سن الزواج طبيعيًّا متفقًا عليه ولا مطعن فيه.

فماذا عن سن الطفولة، وحقيقة سن زواج السيدة عائشة؟! 

مصطلح الطفولة غير محدد وقد يطلق على فترات مختلفة من نمو الإنسان. لكنها في علم النفس التنموي تطلق على الفترة من الرضاعة إلى البلوغ، بل إن سن البلوغ نفسها باتت مختلفًا على تحديدها لكونها مسألة نسبية من فرد لآخر. والبعض يعتبر الطفولة -كفترة لعب وبراءة- تنتهي عند سن المراهقة. في العديد من الدول يوجد سن محددة تنتهي عندها الطفولة رسميًّا ويصبح الشخص بالغًا قانونًا. يختلف هذا العمر ما بين الثالثة عشر إلى الحادية والعشرين، لكن الثامنة عشر هو العمر الشائع، حتى الآن، لانقضاء مرحلة الطفولة وفق قول علماء النفس النمائيين مؤخرًا، ومن المعلوم أن العرب لم يكونوا ليقبلوا أبداً بتزويج الفتاة إلا بعد بلوغها.

بعد أن فُنِّدَتْ مسألة سن البلوغ هذه، يجب علينا أن نهتم جميعًا بالتحقيق في قضية سن زواج السيدة عائشة الحقيقي من نبي الإسلام ، لدفع تلك الاتهامات الكاذبة، وقد أثبت الكثير من الباحثين أن عمر السيدة عائشة رضي الله عنها وقتئذ لم يكن يقل عن ستة عشر عامًا عند زواج النبي منها، وتم ذلك اعتمادًا على مصادر تاريخية معتبرة ليس عند عموم المسلمين بل والخصوم أيضًا.

نعود فنكرر أننا لم نعثر على لوم واحد للرسول من المعارضين له في زمانه على زواجه، ولم يقل له أحدهم: أنت القدوة لكل الإنسانية كما تدعي، أنظر ماذا فعلت؟ وهذا ما يؤكد أن الأمر لم يكن أبدًا منبوذًا مجتمعيًا، وهو ما يدعونا أن نكون على يقين أن أمرًا معيبًا لم يحدث، فليت المعترضين يتفكرون ويعدلون.

شهادة علم الدلالة وفلسفة الأرقام عند العرب

لكل لفظ دلالة يولدها في الذهن كإشارة إلى شيء معين، وتتحكم في دلالات الألفاظ عدة عوامل، أهمها في سياق موضوعنا العوامل الاجتماعية، فربما يحمل لفظ ما في مجتمع ما دلالة معينة لا يحملها اللفظ نفسه في مجتمع آخر أو لغة أخرى. مثلاً كلمة عورة، لها في الثقافة المعجمية العربية دلالة غير تلك التي يحملها في الهند وباكستان، حيث يعني «المرأة». هذا التعريف لعلم الدلالة سنسترجعه بعد قليل، فليثبت في أذهاننا..

ثمة حادثة واقعية جرت لأحد الإخوة الفرنسيين، وهي ذات صلة وثيقة بموضوعنا الأساسي، ويرويها ذلك الأخ بنفسه قائلا أنه أسلم، لكنه ولم يكن يعلم أن إسلامه هذا سوف يفتح عليه النار من كل جهة، حيث واجه اتهامات قاسية، وإهانات عنيفة، ولقبه المعترضون بـ «مغتصب الأطفال» ذلك لأنه من وجهة نظرهم آمن بنبوة رجل هو عندهم مغتصب أطفال، ولما أنكر أن يكون ذلك صحيحًا، لم يفعلوا شيئًا سوى أنهم وضعوا إصبعه على حديث في صحيح البخاري يؤكد أن الرسول محمدًا ، والذي آمن به نبيًّا طاهرًا ومقدسًا بالفعل قد عاشر طفلة في التاسعة باسم الزواج، فبحث في الحديث فوجده صحيحًا حسب القواعد التي وضعها المحدثون، فلجأ إلى أهل الحديث يبحث عن الرواة فأخبروه أنهم عدول ولا جرح فيهم، ورواياتهم تبلغ أعلى درجات الموثوقية، فما كان منه إلا أن أُسقط في يديه، ولم يُطق جوابًا،  ثم شاء الله له أن يقابل أحد المحاضرين والمختصين في البحوث الإسلامية في جامعة «هاليفاكس» بكندا، وهو مصريّ الأصل، ويقول أنه وضح له فلسفة الأرقام عند العرب من زاوية علم الدلالة الذي أشرنا إليه،ثم فكر طويلًا في هذا الموضوع، وتوصل إلى أن في اللغة الفرنسية الرقم 36 مثلا يعني الكثرة الكثيرة غير المحدودة، كأن يقول أحد الفرنسين أود أن يكون لي 36 سيارة، وهو لا يقصد هذا الرقم بالتحديد، لكنه يعني: أرجو أن تكون عندي سيارات كثيرة لا يستطيع الناس أن يحصوها عدًّا. أما الأيرلنديون فإنهم يستعملون الرقم «ألف» للدلالة على تلك الكثرة أيضًا، فكان من عادة العرب أن يذكروا رقمًا بعد أمر هام في تاريخهم، مثل الهجرة مثلًا أو أي حدث هام عندهم، وذلك كعادات الشعوب الأخرى إذ يذكرون الرقم الذي يرغبون بعد السنة التي وقعت فيه هذه الحرب أو تلك، إذ يقولون مثلًا: حدث هذا في العام العشرين، وهم لا يقصدون العام العشرين من بداية التقويم، لكنهم يقصدون العام العشرين بعد حادث كذا، أو حرب كذا، أو ميلاد فلان من المكرَّمين عندهم، وكذلك عندنا نحن أيضًا، إذ نقول لقد حدث كذا في العام 86،  ونحن نقصد 1986، بل عند أفصح العرب النبي محمد حينما قال: «الْآيَاتُ بَعْدَ الْمِائَتَيْنِ»(3)، مشيرًا إلى أن أشراط الساعة وعلاماتها تحدث بعد المائتين، وبالطبع لم يكن يقصد بعد المائتين من ميلاد المسيح لأنه كان قد مر حينئذ ما يزيد على الستمائة عام على ذلك، فظن العلماء أنها بعد مائتين للهجرة، ولكنها لم تحدث بعد مائتين للهجرة أيضًا، وظلت العقود والقرون تتوالى حتى بعد عام ألف ومائتين من الهجرة، فانتبه الناس لوقوع الأحداث المشار إليها، أي أشراط الساعة ومتعلقاتها، ففُهم حينئذ المقصود. فهناك رقم خفيٌّ لكن دلالته واضحة لأن السامع يفهمه يقينًا من السياق.

ثم إن فلسفة الأرقام في القرآن الكريم لا تشير بالضرورة إلى حدود الرقم اللفظية، فالرقم سبعة وسبعون وأربعون وألف، لا يدل ذلك كله بالضرورة على الدلالة اللفظية الظاهرة للرقم، وإنما يدل على الكثرة غير المحدودة أحيانًا، وعلى الكمال أحيانًا أخرى، وبالتالي فإن فلسفة الأرقام عند الشعوب لا ينبغي أبداً أن تؤخذ على ظاهرها.

وذكر هذا الأخ قصة حدثت معه شخصيًّا لدى شراء خروف في المغرب، فأخبره البائع أن سعره مائتان وخمسون درهما، واستغرب أنه رخيص جدًّا، فلما همَّ بدفع المبلغ ذُهل، حيث طلب منه البائع ألفي ومائتين وخمسين درهمًا.

عودة إلى النظر في الحديث الشريف

ومن المثير للعجب أن من انبروا لانتقاد سلوك نبي الإسلام لم يجدوا من الأدلة التاريخية ما يدعم موقفهم، فكانت كل بضاعتهم مجرد رواية دوَّنها البخاري، وحتى ليست حديثا نبويًّا، فلم يكلف هؤلاء المنتقدون أنفسهم عناء التحقيق في ملابساتها. وقد جاء في تلك الرواية

عن قَبِيصَة بْنُ عُقْبَةَ عن سُفْيَانُ عَنْ هِشَامِ بْنِ عُرْوَةَ عَنْ أبيه عُرْوَةَ قال: «تَزَوَّجَ النَّبِيُّ عَائِشَةَ وَهِيَ بِنْتُ سِتِّ سِنِينَ وَبَنَى بِهَا وَهِيَ بِنْتُ تِسْعٍ وَمَكَثَتْ عِنْدَهُ تِسْعًا»(4).

يقول الحديث أن السيدة عائشة تزوجت بعد ست أو تسع سنوات، وعليه فيمكن أن يكون معناه ست أو تسع سنوات بعد رقم آخر، وليس ست أو تسع سنوات مباشرة بعد الولادة.

ولقد تحدثتُ مع أساتذة عرب آخرين يرون نفس الأمر، وهو أن كلا الرقمين لا بد أنهما يأتيان بعد رقم آخر مخفي وهو الرقم «عشرة» بكل تأكيد، وعلى هذا يكون الرسول قد تزوج من السيدة عائشة وهي في عمر ما بين السادسة عشر والتاسعة عشر حسب رواية البخاري.

ثم يقول: بحثت طويلاً ولم أجد ولا انتقادًا واحدًا خلال حياة  الرسول الكريم لهذا الأمر، حتى ألد أعدائه لم يوجهوا إلى حضرته انتقادًا واحدًا بهذا الشأن، إذاً لم تكن هناك تهمة أصلاً.

ولكن المشايخ في بلادنا لا يفقهون هذه الأمور جيدًا، فتراهم يفتون الفتاوى العجيبة بناءً على أفهامهم العجيبة تلك، فيثور عليهم العوام والخواص، ويشوهون سمعة الدين بين الغرباء والأقرباء، ففي سنة 2007 أفتى أحد المشايخ المغاربة أنه يمكن للمسلم أن يتزوج بنت التسع سنوات لأن الرسول قد فعل ذلك بالفعل، وعارضه العلماء بشدة، وعلى أثر ذلك قاموا بتحديد سن الزواج إلى ثمانية عشر عامًا.

ومن المعلوم لدى العرب القدامى أنهم كانوا لا يسمحون إلا بالزواج من الفتاة البالغة.

وقد تعلن بعض العائلات عن اتفاقها على تزويج ابنتهم لشخص معين عند بلوغها ويتم الاتفاق  منذ أن تكون طفلة صغيرة، ولكن لا يتم الزواج فعلًا إلا بعد أن تبلغ السن المناسبة للزواج وعندما تصبح الفتاة قادرة على الوفاء بالمتطلبات الزوجية جسديًّا وعقليًا، ولا مانع من أن يكون ذلك نفسه ما حدث مع السيدة عائشة رضي الله عنها، إذ توجد مصادر تاريخية تقول أن الرسول أُريها في المنام أنها ستكون زوجته وهو في أوائل عهد نبوته في مكة، ولم يتزوجها إلا بعد الهجرة إلى المدينة، والأرجح أن الزواج لم يتم في الحقيقة بصورته النهائية إلا بعد سن السابعة عشرة على أقل تقدير.

وعلى كل حال فإن الزواج في سن مبكرة كان متعارفًا عليه في أوروبا نفسها، ولا يوجد دليل أفضل على ذلك من زواج الملوك والحكام في القرن الثاني عشر من فتيات في سن الطفولة من أجل إنشاء تحالفات تضمن استمرار السلام. وهكذا كانت الطفلة «أنياس» زوجة الإمبراطور  “ألكسيوس كمننوس الثاني” في فرنسا وبعد وفاته زوجة الإمبراطور “أندرونيكوس كمننوس الأول”. (4)

ومن الثابت تاريخيًّا أن تلك الزيجات قد عُقِدت رسميًّا بمباركة البابا، وكان هؤلاء الملوك يصطحبون زوجاتهم معهم إلى قصورهم، ولم ينتقدهم أحد حتى هذه اللحظة. فيبدو واضحًا من هذا البيان أن زواج الفتيات في سن مبكرة برجال تجاوزوا الستين من العمر كان عادة سائدة في أوروبا بين أفراد الطبقة الحاكمة نفسها فما بالنا بعامة الشعب؟! لا شك إذن أنها كانت عادة سائدة لدى عموم الناس في أوروبا البابوية نفسها وذلك بعد أكثر من خمسة قرون من زواج النبي محمد بالسيدة عائشة.

نعود فنكرر أننا لم نعثر على لوم واحد للرسول من المعارضين له في زمانه على زواجه، ولم يقل له أحدهم: أنت القدوة لكل الإنسانية كما تدعي، أنظر ماذا فعلت؟ وهذا ما يؤكد أن الأمر لم يكن أبدًا منبوذًا مجتمعيًا، وهو ما يدعونا أن نكون على يقين أن أمرًا معيبًا لم يحدث، فليت المعترضين يتفكرون ويعدلون.

  1. مقال من الموقع الطبي المتخصص “ويب طب” متاح عبر الرابط:

?

2. (البقرة: 236)

3. (سنن ابن ماجه، كتاب الفتن)

4. (صحيح البخاري، كتاب النكاح)

5. William of Tyre, History of Deeds Done Beyond the Sea

Share via
تابعونا على الفايس بوك