الطعن في العظماء بمنطق الحرباء

الطعن في العظماء بمنطق الحرباء

التحرير

  • ما وجه التطابق بين الشبهات المثارة حول بعثة المسيح الموعود والاعتراضات التي أثيرت من قبل بمبعث سيدنا خاتم النبين؟
  • كيف يتولى الله تعالى الدفاع عن عباده المقدسين إزاء تلك الشبهات؟

__

في مشهد سينمائي فُكاهي هادف، يُحكى أن جنديًّا كان يعمل في مطبخ للجنود، وأثناء قيامه بالتنظيف كان يضع القاذورات والمياه الآسنة في وعاء، ويحمله ليتخلص منها خارج المطبخ، غير أن أعداءه المتربصين يتهمونه بسرقة الحساء، ولم تُجـْدِ محاولات الرجل نفي التهمة عن نفسه نفعًا، فقد آل خصومه على أنفسهم توريطه وإلصاق التهمة به ظلمًا وزورًا، حتى لو اقتضى الأمر منهم أن يشربوا الماء القذر كله ليقنعوا الناس بأنه حساء! كل هذا لتثبت على البطل تهمة السرقة المفتراة!

فهذا ديدن سفلة الخلق، لا يترددون في وصم الأبرار بأشنع التهم، ولا يتورعون عن الكذب وشهادة الزور في سبيل إلحاق أكبر قدر من الضرر والخسارة بخصمهم. فأين هم من التعليم السماوي:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُم شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا الله إِنَّ الله خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (1)

ومعارضة المصلحين عمومًا، والمبعوثين منهم خصوصًا، ظاهرة معروفة في شتى المجتمعات الإنسانية، فما من مبعوث سماوي إلا أوذي فور الجهر بدعواه، حتى بات الأمر كسنة ثابتة، فإلى يومنا هذا مثلًا، تُثار ضد سيد الخلق محمد المصطفى الاتهامات والافتراءات التي كانت تُثار منذ مبعثه والتي منها أنه يتلقى المعونة من قوم آخرين، ولأن الله تعالى بسابقِ علمه يعلم أن نفس الاعتراض البغيض سيتكرر على مر الزمان فقد سجله على هؤلاء التعساء في القرآن الكريم في قوله:

وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا (2)،

وعلى نفس المنوال يُتَّهم حضرة مرزا غلام أحمد القادياني ظلمًا وزورًا كما اتُّهم سيده وسيدنا محمد المصطفى من قَبل، لنعلم أن سنة تكذيب المبعوثين لم تزل، وستظل، سارية، وأن المسيح الموعود ليس استثناء من سنة من خلوا من قبله من النبيين، فقبل الجهر بدعواه شَهِد له القاصي والداني بأنه البطل الوحيد المدافع عن الإسلام، ثم لم يلبث أن تفجرت ضده المعارضة الشرسة فور إعلانه عن كونه المسيح الموعود والإمام المهدي الذي تنتظره الأمة، وأن الله تعالى هو من أخبره بهذه الحقيقة، ومنذ ذلك الحين ثارت ضده ثائرة لم تهدأ إلى وقتنا هذا، وإن كان حضرته قد ذكر في كتاباته المبكرة أنه المسيح الموعود بظهوره ضمن سياق متصل من الإلهامات الإلهية.. لقد كان وقع تلك الإلهامات على آذان المشايخ وقتذاك وقعًا لطيفًا، إن لم نقل محببًا، يعيد إلى القلوب القاصية، ومن ثم القاسية، الأمل في الوصال بالله تعالى وتلقي الوحي منه. (3)          لقد تفجر بركان المعارضة للمسيح الموعود فور إعلانه أنه هو المسيح الموعود بحسب نبوءات القرآن المجيد وحضرة خاتم النبيين ، وكان هذا بدءًا من جهر حضرته بإعلانه في كتابه «فتح الإسلام» أواخر عام 1890م، فقال حضرته معلنًا: «فالمسيح الذي كان مُقدرًا مجيئه هو أنا، فاقبلوا إن شئتم»(4)، كما بيَّن حضرته أنه مصداق جميع النبوءات المتعلقة بآخر الزمان، ليس لدى المسلمين وحسب، ولكن لدى أتباع كل الديانات. من هنا بدأ فتيل معارضة حضرته في الاشتعال، وبلغ الأمر اتهام حضرته والمؤمنين به بالكفر الصريح، وفي زمن حياة حضرته كان مسلسل الوشاية به إلى الحكومة البريطانية في الهند مسلسلًا مستمر الحلقات، بدعوى أن حضرته يسعى إلى إثارة القلاقل لزعزعة سلطة التاج البريطاني في الهند.

الملاحَظ بوضوح أن تهمة العمالة لصالح الاستعمار لم تكن أبدًا مادة مطروحة زمن المسيح الموعود ولا حتى بعد وفاته مدة الوجود البريطاني في الهند، ولكنها تهمة مستحدثة، رأى المتلونون أصحاب الطبائع الحِربائية أن يشيعوها ضد حضرته وجماعته طمعًا في عَرض سياسي زائل.. ووفق منهج السياسة القذرة، فإن أقصر طريق تصل عبره إلى مرادك في القضاء على خصمك أن تتهمه بالعمالة والتخابر مع الأعداء، وستنطلي على السذج هذه الحيلة حتى يتمكن المتهم البريء من إثبات براءته.

عزيزي القارئ، إن مجلتك «التقوى» بإيرادها مثل هذه المواضيع لا تهدف إلى الدفاع عن رجال الله تعالى المقدسين، فهؤلاء تكفل الله تعالى بالدفاع عنهم فقال:

إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللهََ لَا يـُحِِـبُُّّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ (5)،

إنما نسعى من وراء ذلك إلى بيان طائفة من السنن التي فطر الله تعالى عليها الكون الروحاني، ومنها أنه ما من مبعوث من الحضرة الأحدية إلا أُوذي، ومنها أن من يمارسون الدور الشيطاني بإيذاء المبعوث وجماعته إنما يشكلون عاملاً من عوامل تقوية جماعة المؤمنين وترقيها.

وفي يونيو/ حزيران من عام 2021.. سيكون عدد هذا الشهر من مجلة التقوى ثريًّا بأطروحات تُركز على فكرة أن عباد الله المقدسين عرضة للافتراءات والأكاذيب، غير أن الله تعالى يتولى بنفسه الدفاع عنهم وفق سنته القديمة. فعلى رأس مواد هذا العدد خطبة أمير المؤمنين (أيده الله تعالى بنصره العزيز) يبرز حضرته خلالها براءة ساحة الخلفاء الراشدين الأربعة وطهارة سيرتهم، تليها أطروحات بأقلام الكتاب تُتَنَاوَلُ خلالها أكاذيب بغية التفنيد، أكاذيب قِيلت في حق المسيح الموعود وجماعته، وأكاذيب قيلت في حق سيده وسيدنا خاتم النبيين من قبل. ولأن من عادى أولياء الرحمن فقد نبذ الإيمان بالمجان، نأمل أن يكون ذودُنا عن ساحة هؤلاء الأطهار وإبراز جمال سيرتهم وصورتهم قربة لنا عند الله السميع العليم، آمين.

الهوامش:

  1. (المائدة: 9)
  2. (الفرقان: 5)
  3. «المعَارضة المتلونة وصدق المبعوثِين»، مجلة التقوى، يوليو 2017
  4. الخزائن الروحانية، المجلد 3، كتاب فتح الإسلام، الترجمة العربية، ص13، حاشية رقم 3
  5. (الحج: 39)
Share via
تابعونا على الفايس بوك