غراس الإنجليز.. اعترافات وحقائق

غراس الإنجليز.. اعترافات وحقائق

راجة أطهر قدوس

داعية إسلامي أحمدي
  • اتهام قديم في حلة جديدة 
  • لماذا يحرص الخصوم على اتهام الجماعة بأنها غراس الانجليز؟
  • غباء المشايخ جعلهم يرموننا بدائهم 
  • أيُعقل أن يكسر غراس الانجليز صليبهم؟!!

__

 طالما افتُري على النبيين قاطبة، اللهم إلا من كان متنبئًا كاذبًا، والافتراءات التي تلحق النبي مثل الروث الذي تُسمَّد به المزروعات، إذ يبدو في الظاهر قذرًا، بيد أن الله تعالى يريد به فائدة للنبات لا تتحقق دونه، مَن منا لا يتذكر حادثة الإفك التي كانت سبب هم وغم سيدنا خاتم النبيين وعامة المسلمين؟! فحتى هذه الحادثة وظفها الله تعالى لتكون في مصلحة هذا الدين، مُطمئنًا إيانا بأنها وإن بدت في الظاهر شرًّا، إلا أنها انطوت على خير عظيم، يقول جل في علاه:

{إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ * لَوْلَا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُوا هَذَا إِفْكٌ مُبِينٌ}[1]

وأثناء عرض هذه السطور نكون على موعد مع حادث إفك جديد، تمثل في اتهام المسيح الموعود بأنه غراس الإنجليز هو وجماعته!

 

لماذا نفتح هذا الملف الآن؟!

هذا الاتهام ليس بجديد، غير أن ما دعانا إلى تناوله الآن ما تداولته صفحات وسائل التواصل الاجتماعي مؤخرًا، من نشر شيخ شاب محسوب على الأزهر مقطع فيديو لاك فيه عددًا من الأكاذيب بحق الجماعة الأحمدية، من بينها أنها غراس الإنجليز، وأن هؤلاء الإنجليز من أخذوا على عاتقهم الترويج لها. وزعم أن أسرة المسيح الموعود قد استفادت من الإنجليز ولذلك قام بمدح الإنجليز ومداهنتهم كما اعترف بأنه وجماعته غراس الإنجليز والعياذ بالله.

لن نناقش في هذا المقال كون مقاطع الفيديو التي يروجها هذا الشيخ مثار جدل وسط مجتمعه المحلي، بحيث إننا نميل إلى أنه قال ما قال لغرض ما في نفسه، ولكننا أيضًا نأمل أن يكون ما ردده من أكاذيب بحقنا مجرد سوء فهم قد يقع فيه أي إنسان، ولكن الحصيف من يعدل عنه ويصحح فهمه باستمرار.

الشياطين وسماء المسيح الموعود ومقاعد السمع!

حين نتتبع الخيوط لنكتشف متى ذُكر تعبير “الغراس” أول مرة، فمن الطبيعي أن نتخذ من أيام المسيح الموعود وكلامه نقطة انطلاق. وبمنطق المحققين الأمنيين في قضايا الاستخبارات، سنفترض جدلًا أن أسرة المسيح الموعود كانت متورطة في العمالة لصالح المحتل، فبأي عقل نفهم أن تُقَدِّمَ هذه الأسرة اعترافًا على نفسها؟! وأين؟! في كتاب ألفه المسيح الموعود مضمنًا إياه دلائل صدقه !

نفهم من تتبع هذا الخيط أن خصوم المسيح الموعود ومكفريه كانوا، ولا زالوا، يقعدون من كتاباته وملفوظاته مقاعد للسمع، بغية تصيد أية كلمة أو عبارة، فينسجوا حولها شرانق إفكهم المبين، بحيث يصدق عليهم حال الشياطين الذي بينه القرآن الكريم حكاية عن نفر من الجن:

{وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا * وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا}[2]

نعم، لقد ورد تعبير “الغراس” بحق أسرة المسيح الموعود أول مرة في أحد كتب “المسيح الموعود نفسه، حيث يقول حضرته :

“لقد وصلتنى أخبار متتابعة بأن بعضا من الحساد الذين يعادوننى وأصدقائى لاختلاف في العقيدة، أو لأى سبب آخر، يُبلغون الحكام الكرام ضدي أو ضد أصدقائي أمورًا لا تمت إلى الحقيقة بصلة، فأخشى أن تنطلي على المسؤولين الحكوميين افتراءاتهم ووشاياتهم اليومية، ويسيئوا بنا الظن، فتضيع جميع تضحياتنا، لذا أرجو من الحكومة أن تعامل هذه الأسرة التي اختبرت ولاءها وخدماتها لها لحوالي خمسين عامًا متتالية، والتي اعترف الموظفون الحكوميون الكرام في مراسلاتهم لها اعترافًا أكيدًا بأنها أسرة وفية ومخلصة في ولائها منذ أمد طويل. أرجو من الحكومة أن تعامل هذا الغراس الذي غرسته بيدها، بكل حزم واحتياط وعناية وبعد تحقيق”[3].

من خلال هذه الفقرة يتضح جليا تلبيس المشايخ المكفِّرين، حيث إن حضرته يتحدث هنا عن أسرته التى ساعدت وأعانت الإنجليز في حروبهم ضد المتمردين السيخ الذين هم أصلًا مصدر خطر على عموم المسلمين في الهند إبان تلك الآونة، ولا علاقة لذلك “الغراس” بجماعته ولا به هو شخصيًّا. فمن هنا يبدو جليًّا أن خصوم المسيح الموعود ومكفريه يلبسون الحق بالباطل سالكين في هذا مسلك أسلافهم من الشياطين، فلا غرابة في هذا، فقد تشابهت قلوبهم.

رمتنا المشايخ بدائها وانسلَّت!

الآن دعونا ننتقل إلى مستوى أبعد في تناول القضية، ولنر من الذي استفاد استفادة مباشرة من الإنجليز، أهو المسيح الموعود وجماعته؟ أم أولئك المشايخ الساعين للإضرار بسمعته الناصعة؟!

ولمن لا يعلم، نذكر بعضا من المؤسسات أو الفرق الدينية المشهورة التي انطلقت منها دعاوى تكفير وتهم بالعمالة بحق المسيح الموعود، ثم ثبت أنها إنما رمت المسيح الموعود وجماعته بدائها العضال، من تلك الفرق على سبيل المثال “الوهابية” التي ينتمي إليها خصم الجماعة الأحمدية اللدود، الشيخ البطالوي

من الملاحَظ بوضوح أن كل الأحزاب السياسية المتذرعة بالدين، والتي بات يُطلق عليها مؤخرا “أحزاب الإسلام السياسي”، وما أكثرها! كل منها لا يتورع عن اتهام خصومه بأنهم عملاء لجهات أجنبية، تم زرعهم لتحقيق مصالح تلك الجهات، لقد أصبح من المعتاد لنا أن كل من يُلصق تلك التهمة بخصمه دون دليل مادي واضح يصبح هو نفسه دريئتها، وأن الاتهام بالعمالة لا يقل شناعة عن الاتهام بالكفر، الأمر الذي حذر منه القرآن والنبي العدنان غير مرة في غير موضع، فيقول تعالى:

“وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْمًا ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئًا فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا * وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا.”[4].

وقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :

“أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ يَا كَافِرُ فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ”[5]..

وها نحن نرى بأم أعيننا تهمة العمالة للاستعمار ترتد في نحور كل أولئك الذين اتهموا المسيح الموعود بأنه “غراس الإنجليز”، فالحمد لله رب العالمين!

ولمن لا يعلم، نذكر بعضا من المؤسسات أو الفرق الدينية المشهورة التي انطلقت منها دعاوى تكفير وتهم بالعمالة بحق المسيح الموعود، ثم ثبت أنها إنما رمت المسيح الموعود وجماعته بدائها العضال، من تلك الفرق على سبيل المثال “الوهابية” التي ينتمي إليها خصم الجماعة الأحمدية اللدود، الشيخ البطالوي، ففي رسالة بعنوان “نصيحة مشفق”، نشرها الظواهري سنة 2007، وهو أحد زعماء تنظيم القاعدة الإرهابي الذي انطلق من أفكار الوهابية ثم انقلب عليها، وصَرَّح فيها:

“… وعبد الله بن الحسين الذي أعلن جدُّه الثورة على الدولة العثمانية من مكة في الحرب الأولى لحساب الإنجليز يجمع اليوم الأحزاب وينسج المؤامرات والدسائس ضد دولة العراق الإسلامية من عمّان لحساب الأمريكان”[6]..

ومن المنطقي ألا يستقيم الظل والأصل أعوج، بمعنى أنه ما دام قد ثبتت تهمة العمالة على فرقة الوهابية، فإن نفس التهمة تثبت على فروعها في سائر البلدان، وهنا نشير إلى مؤسسة دينية شهيرة في الوسط الإسلامي الهندي، وهي “ندوة العلماء” في مدينة ديوبند الهندية، والتي ينتمي إليها الشيخ “أبو الحسن الندوي” أحد أساطين تكفير المسيح الموعود وجماعته، ومؤلف كتاب “القادياني والقاديانية”.. فمجلة فرقته الرسمية تعترف بالدور الذي مارسه الإنجليز في رعايتها، فتقول:

“لقد وافق فخامة حاكم للدولة المتحدة (السير جان سكوت هيوس) على أن يقوم بنفسه بوضع حجر الأساس لدار العلوم ندوة العلماء، وقد تم ذلك بتاريخ ٢٨ نوفمبر ١٩٠٨م”[7].

إن مجلة “الندوة” وهي الناطق الرسمي بلسان حال “ندوة العلماء” و” دار العلوم” في ديوبند تعترف وهي بكامل قواها العقلية ودون أي ضغط من أية جهة تُذكر أنها تتلقى الرعاية من الإنجليز، بل وترحب بهذه اليد المحسنة، فمن المثير للعجب أن يخرج من هذا الفصيل من يرمينا نحن بتهمة تلقي المعونة من الإنجليز، فيا للعجب! رمتنا المشايخ بدائها وانسلت!

ولكننا على أية حال سنكون أكثر إنصافا ممن اتهمونا بالعمالة، ولن نبادلهم الاتهام نفسه، فقد تكفل من ليسوا من جماعتنا بهذا الواجب، بحيث أضحوا حديث وسائل الإعلام كافة في هذه الأيام. كذلك لن نكتفي بما أوردناه من استنتاجات.

وليست الصحافة الإسلامية في الهند وحدها من اعترفت بالدور الإنجليزي في رعاية الفرق الدينية الإسلامية فيها، بل تابعتها الصحافة الباكستانية كذلك في هذا السبيل، ولكن هذه المرة كانت تلك الفرق التكفيرية في قفص الاتهام، فقد ورد في أحد أعداد مجلة “طوفان” الصادرة في باكستان عام 1962 ما يلي:

“… بكل مكر ودهاء غرس الإنجليز غراس الحركة النجدية (أى الوهابية) أيضا في الهند، وتولوا رعايتها بأنفسهم إلى أن اكتمل نماؤھا وازدهارها”[8].

اعترافات إنجليزية

ثم إن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالإنجليز أنفسهم يعترفون بدورهم المشبوه أحيانًا في دعم الفرق الدينية السياسية بالهند إبان الفترة الاستعمارية، فقد داء على لسان السياسي الأسكتلندي رامزي ماكدونالد (1866 – 1937) Ramsay MacDonald، الذي كان أول رئيس وزراء لبريطانيا من حزب العمال البريطاني، ذكر في كتابه “إيقاظ الهند “The awakening of India عام 1910 ما تعريبه أن “زعماء الرابطة الإسلامية قد حصدوا الدعم والإلهام من مسؤولين إنجليز نشروا بذور الشقاق بين الهندوس والمسلمين”[9].

ما لـ “غراس الإنجليز” يكسر صليبهم؟!

لقد أخبرنا النبي عن المسيح الموعود أنه سيكون كاسر الصليب، وهذه نبوءة تحققت فعلا، ويشهد بها العدو قبل الصديق، فيقر المشايخ بأن مرزا غلام أحمد القادياني وجماعته فعلوا ما لم يفعل غيرهم في مهمة كسر الصليب، قالوا هذا على الرغم من تكذيبهم حضرته وتكفيرهم جماعته، ولسان حالهم يشهد بصدق المسيح الموعود بينما تجحد أنفسهم!

من المهم ملاحظة هذه النقطة الجوهرية، وهي أن المسيح الموعود لا يكاد كتاب من كتبه يخلو من ضربة فأس في أصل خشبة الصليب وعقيدة التثليث، وهذا ما يعترف به سائر المشايخ صاغرين، فكيف إذن يقبل عاقل القول بأن يزرع الإنجليز من يحمل على عاتقه مسؤولية هدم عقيدتهم، بل ويدلل بما لا يدع مجالًا للشك على أن إلههم قد قضى نحبه؟! مع العلم أن قضية تنصير الهنود كانت قضية استعمارية في الأساس، أُنفق عليها أموال طائلة في سبيل إرسال بعثات التنصير التي كانت بينها وبين المسيح الموعود وجماعته سجالات عديدة دونتها صحافة الهند في حياة المسيح الموعود (ع)، وبالاطلاع على ما نُشر خلال تلك الفترة نجد أن أسلاف المشايخ الذين يتهمون المسيح الموعود بالعمالة هم أنفسهم من ثبت تواطؤهم مع قساوسة التنصير في الهند بغية الإيقاع بالمسيح الموعود وإدانته.

وعلى الرغم من كل ما قيل، لا زال في الجعبة الكثير والكثير، بحيث يدرك الجميع من هو الزرع الرباني، ومن هو غرس الإنجليز في الحقيقة.

الهوامش:

  1. (النور: 12-13)
  2. (الجن: 9-10)
  3. (كتاب البرية، الخزائن الروحانية جلد ١٣، صفحة٣٤٩_٣٥٠)
  4. (النساء: 113-114)
  5. (صحيح مسلم، كتاب الإيمان)
  6. الظواهري، “نصيحة مشفق” عام 2007، نقلا عن صفحة جريدة الجمهورية السورية على الإنترنت 9/4/2015
    1. https://www.aljumhuriya.net/ar/33389
  7. (مجلة الندوة ديسمبر ١٩٠٨م، العدد ١١ المجلدة ص ٢)
  8. (مجلة طوفان الباكستانية عدد ٧ نوفمبر ١٩٦٢م)
  9. “إيهاب عمر”، “كيف استخدمت بريطانيا الإسلام السياسي لتقسيم الهند؟”، المرصد المصري على شبكة الإنترنت: https://marsad.ecsstudies.com/46283
Share via
تابعونا على الفايس بوك