الراعي الرسمي لمشروع الخلافة

الراعي الرسمي لمشروع الخلافة

عطية بنداري

كاتب
  • مهام الخلافة المحددة سلفًا
  • الاتفاق على بعث المسيح وقيام الخلافة بعده
  • تعتيم رغم الاتفاق!
  • مهمةالخلافة ومَثل المشكاة!

__

منَ المواضيع ما يستنفد جهود الباحثين والمنظرين بحثًا وتنظيرًا، ثم لا تصل بعد ذلك البحث والتنظير إلى مرفأ تطمئن إليه سفن الإبحار أو موضع يليق بإلقاء عصا التسيار، والسبب في هذا كما يقال، هو أن صاحب المتاع هو الأولى بإدارته وتصريفه، أما الأدعياء فيظهر عجزهم وفشلهم، طال الزمان أم قصر.

مهام الخلافة المحددة سلفًا

والخلافة من الأمور التي تهم المسلمين، بل هي أهمها على الإطلاق، وهدفها هو توحيد الأمة الإسلامية خلف إمام واحد، ولها بركات كثيرة، وفي الواقع هي فرع للنبوة وبالتالي فواجبات الخليفة هي واجبات النبي، وهذا أمر طبيعي لأنه يخلفه في عمله وواجباته، وهذه الواجبات قد بينها الله تعالى في دعاء سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام في الآية الكريمة:

رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ (1)

وبما أنه لا مجال للرأي فيما ورد فيه نص، فبالتالي لا يحق لأحد تحديد واجبات غير هذه الواجبات والتي من شأنها تؤدي إلى النهوض بالإسلام ونشره والدفاع عنه، وكذا دورها في الحفاظ على الإيمان والنهوض بالمؤمنين وقيادتهم نحو الهدى والرقي والازدهار.

وقد يظن بعض الظانين، سواء كانوا أفرادًا أو طوائف أو حركات أو تنظيمات أو أحزاب، أنهم يُمكنهم إقامة الخلافة، وهذا أمر مُستحيل.. فالخلافة من الأمور التي يُقيمها الله تعالى ولا يُمكن أن تُقيمها أي جهة، فالله عز وجل هو الجاعِل منذ البدء، وهو المستخلِف على مدى الزمان، ويتبين ذلك من آيتي الجعل والاستخلاف، ففي آية الجعل يقول الله تعالى:

وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (2).

وفي آية الاستخلاف يقول تعالى:

وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُون (3).

وهناك نبوءة وردت في حديث عن رسول الله تشرح سلسلة الاستخلاف التي تبدأ بُعيدَ وفاة حضرة خاتم النبيين، ممثلة في الخلافة الراشدة، والتي عبر حضرة النبي الخاتم عن رشادها بقوله أنها «على منهاج النبوة»، حين لم يكن المُستخلفون يطلبون حكمًا دنيويًّا لأنفسهم.. ثم تتابع النبوءة ذكر ما يطرأ على تلك السلسلة من تشوهات، أو بالأحرى تشويهات، حين شرعت العائلات الملكية في التناحر والتهافت على السلطة، فأخذت رحَى التناحر في الدوران خلال أعقاب العقود الثلاثة الأولى بعد وفاة حضرة خاتم النبيين، والمصطلح عليها بالخلافة الراشدة، وما زالت تدور إلى عصرنا هذا، قال :

«تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا عاضًّا، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكًا جبرية، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكُون خلافةً على منهَاج النبوة، ثم سَكت»(4)

الاتفاق على بعث المسيح وقيام الخلافة بعده

غالبية المسلمين ممن يولون أهمية للنبوءات الغيبية، والذين لم يتسلل اليأس إليهم من طول الانتظار، متفقون على نزول المسيح في آخر الزمان، وبعث الإمام المهدي، وسواء أقر هؤلاء أو أنكروا حقيقة كون الشخصيتين الكريمتين صفتين روحيتين لشخص واحد، فإن إقرارهم أو الإنكار لا يغير من حقيقة قيام الخلافة شيئًا، لقول سيدنا خاتم النبيين اليأس:

«مَا كَانَتْ نُبُوَّةٌ قَطُّ إِلَّا تَبِعَتْهَا خِلَافَةٌ، وَلَا كَانَتْ خِلَافَةٌ قَطُّ إِلَّا تَبِعَهَا مُلْكٌ، وَلَا كَانَتْ صَدَقَةٌ إِلَّا صَارَتْ مَكْسًا»(5)،

فالواضح أن تفاصيل هذا الحديث الشريف إجماًلا هي نبوءة غيبية تتفق تمامًا ونبوءة تحول الخلافة ملكًا عاضًا وجبريًّا في الأمة المحمدية، حتى يأتي اليوم الذي يقيم الله تعالى فيه الخلافة على منهاج النبوة مرة أخرى ويستمر بقاؤها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

ولقد أُقيمت الخلافة على منهاج النبوة ببعثة الإمام المهدي والمسيح الموعود  في القرن الرابع عشر الهجري (القرن التاسع عشر الميلادي).. بعد تأسيس الجماعة الإسلامية الأحمدية عام 1889م، والتي تدعو إلى الإسلام الصحيح بالحكمة والموعظة الحسنة، وإنجازاتها ملموسة بفضل من الله تعالى وفي الدعوة والتبليغ وتعداد أعضاؤها بالملايين ينتشرون في جميع قارات العالم في أكثر من (200) دولة.

تعتيم رغم الاتفاق!

وبالرغم من ذلك فإنه يتم التعتيم أو تجاهل هذا الواقع الملموس من قِبل معظم علماء ومشايخ المسلمين بسبب تكفيرهم لهذه الجماعة.. ومفهوم الخلافة عند أهل السنة أن يكون الخليفة حاكمًا على الأمة يتولى قيادة المسلمين والدولة الإسلامية بتطبيق أحكام الإسلام وتنفيذها، وحمل رسالة الإسلام إلى العالم بالدعوة والجهاد. وعند الشيعة الخليفة هو الإمام ولا يُشترط أن يكون الإمام حاكمًا. ونتيجة لهذه المفاهيم تُوجد جهات مختلفة تدعو لإعادة نظام الخلافة المزعومة.. بينما الخلافة من الأمور التي يُقيمها الله تعالى ولها شروط وضوابط لاستمرارها.. وبحسب آية الاستخلاف في سورة النور وحديث النبي فالخلافة مقامة على منهاج النبوة منذ أكثر من مائة سنة، وحال المسلمين متدهور لعدم اتباعها..

مهمة الخلافة ومثل المشكاة!

إنَّ الخلافة تنشر نور النبوة الذي هو بدوره فيض من نور الأُلوهية. ويتبيَّن ذلك من سورة النور في قول الله تعالى:

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (6).

والمشكاة: كل كوة غير نافذة. والمصباح: يُقال للسراج وما يجعل فيه المصباح. أما الزجاجة فهي القطعة من الزجاج. ودُريٌ: يُقال كوكب دُريٌ أي ثاقب مُضيء.

لقد بيَّن الله تعالى في هذه الآية أنَّ النور السماوي وكذلك النور الأرضي كليهما ينزلان من عنده . أي أنَّ الشريعة الحقة تنزل من السماء، وأن نشرها في الأرض يتم أيضًا بفضل الله تعالى.

إنَّ مَثل نور الله تعالى كمشكاة فيها سراج قوى الضوء داخل غطاء زجاجي كأنَّه كوكب مُضيء.. ذلك لأن الخبرة الإنسانية تُؤكد أنَّ ضوء المصباح أفضل ما يكون حين يكون وراءه حاجز يمنعه من الانتشار والتشتت في كل جهة ويُركزه إلى جهة واحدة، وقد أُشير إلى المعنى هنا بلفظ (كمشكاة).

ثم إن ضوء المصباح يصل بعيدًا إذا ما كان المصباح داخل غطاء من زجاج شفاف جدًّا، وكان الزيت الذي يُوقد منه المصباح عالي الجودة، وبذلك يكون المصباح (الشعلة) تعبيرًا عن نور الشريعة الإلهية. والغطاء الزجاجي تعبير عن النُبوة المُظهرة للنور. أما المشكاة (العاكس) فتعبير عن الخلافة المُديمة للنور. وهذه الأشياء الثلاثة هي التي يتمثل بها النور وإظهاره وامتداده.

إن الشعلة هي النار الحقيقية التي لا يُمكن بدونها أن يكون أي نور، وتلك الشعلة في العالم الروحاني هي نور الله تعالى.

أما الغطاء الزجاجي الذي يزيد الشعلة نورًا فيُمثل رسل الله تعالى. فعندما يُوضع هذا الغطاء فإنه يحمي النور من التشتت فيزداد النور أضعافًا كثيرة، وتلك الزجاجات تُمثل الأنبياء الذين يأخذون النور الإلهي الموجود في كل مكان فيضعونه تحت زجاجتهم ويجعلونه نافعًا للناس، فيبصره الناس كلهم وتستنير به عيونهم وينتفع الناس من هذا النور.

أما العاكس أو المشكاة فيُمثل الخلافة، كعاكس روحاني في المصباح الروحاني، فيمدد زمن نور النُبوة والأُلوهية ويُوصله بعيدًا. حيث أن زمن ذلك النور فترة النبوة يكون محدودًا لأن النبي ليس محفوظًا من الموت – فلكي يدوم النور ويصل إلى أماكن بعيدة جعل الله تعالى أداة عاكسة روحانية وهي الخلافة.

وكما أن المشكاة تمنع الضوء من الانتشار في جهات شتى وتوجهه إلى الجهة المطلوبة، كذلك يحمي الخلفاء القوة القدسية للنبي المتجلية في جماعته من الضياع ويستغلونها بحسب خطة معينة، الأمر الذي يحمي طاقات الجماعة من التشتت والضياع، فيُنجزون أعمالاً كبيرة باستهلاك طاقة قليلة.

ولولا الخلافة لاستُنزفت طاقات الجماعة في بعض المشاريع أكثر من اللازم، وتبقى هناك مشاريع أخرى من دون اهتمام ولا عناية، ولضاع الكثير من أموال الجماعة وجهودها ووقتها وعلمها، إذ لم تُبذل  تحت نظام يمنع حدوث الفرقة والتشتت. وهذه من بركات الخلافة المتمثلة في الجماعة الإسلامية الأحمدية. فالنور الإلهي الذي يظهر ويكتمل من خلال النبوة يمتد ويطول من خلال الخلافة، فترى أن نور الله تعالى لم ينته بوفاة الرسول ، بل طال زمنه من خلال مشكاة خلافة أبي بكر الصديق، ثم وُضع ذلك النور بعد وفاة أبي بكر في مشكاة خلافة عمر بن الخطاب  فطالت لمدة خلافته، ثم بعد عمر وُضع ذلك النور في مشكاة خلافة عثمان بن عفان  وامتد مدة خلافته، ثم بعد عثمان وُضع ذلك النور في مشكاة خلافة عليٍّ بن أبي طالب (رضي الله عنهم أجمعين)– وهذا يعني أن النور الإلهي امتدَّ من خلال مشكاة الخلافة إلى 30 سنة أخرى. بل لقد ظل هذا النور يتجلى في اسبانيا وبغداد طيلة الأربعة قرون من خلال الخلافة غير الراشدة أيضًا. باختصار فكما أن العاكس المُركب في المصباح اليدوي أو المصابيح الأخرى يُوصل الضوء بعيدًا، كذلك فإن الخلافة عاكس روحاني في المصباح الروحاني فيُمدد زمن نور النبوة والألوهية ويُوصله بعيدًا.

مُجمل القول إنَّ الله تعالى قد بيَّن هنا ما يُوجد بين الألوهية والنبوة والخلافة من علاقة وثيقة، ولو قال قائل إن الخلافة أيضًا تنتهي في نهاية المطاف، فالجواب: أن انتهاء الخلافة واستمرارها منوط بسلوك الناس، فلو ظلَّوا طاهرين وصالحين ولم يتنكروا لنعمة الخلافة – فمشكاة الخلافة قادرة أن تمُد قوتهم وغلبتهم إلى مئات بل آلاف السنين.. أما إذا رفضوا هذه النعمة بأنفسهم فلا يلومون إلا أنفسهم.

إذن، قوله تعالى:

اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ..

أي الله صاحب نور السموات والأرض، أي كل نور في السموات والأرض هو في قبضة الله وسُلطانه، فمن أراد الرُقي فعليه أن يكون على صلة دائمة مع الله تعالى. وقد لفت الله تعالى أنظارنا بذلك.. حيث قال إنكم لو أردتم إضاءة أي شيء من السموات والأرض فأدخلوا فيه نور الله تعالى فيُضيء، فعندما ينزل نوره تعالى على بيت سيُنير، وحين ينزل على قلب سيُصبح مُنَورًا، فنور الله تعالى لمَّا نزل على بيت الله الحرام، صار هذا البيت مركزًا لهداية الناس، ولمَّا نزل على المسجد النبوي أصبح نموذجًا يُحتذى به في كل المساجد، ولمَّا نزل على القلب المُطهر للرسول  صار شمسًا للعالم الروحاني – وأمَّا كتاب الله تعالى، القرآن الكريم فهو نور مبين، يقول الله تعالى:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا (7)..

وهو هدى ورحمة وشفاء وفرقان وموعظة وذكر مُبارك للناس.

المراجع

  1. (البقرة: 130)
  2. (البقرة: 31)
  3. (النور: 56)
  4. (مشكاة المصابيح، ومسند أحمد ج37ص361)
  5. (مشيخة ابن طهمان – رقم الحديث : 40)
  6. (النور: 36)
  7. (النساء: 175)
Share via
تابعونا على الفايس بوك