من سيرة ذي النورين حضرة عثمان بن عفان رضي الله عنه
التاريخ: 2021-03-12

من سيرة ذي النورين حضرة عثمان بن عفان رضي الله عنه

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • فضل حضرة عثمان ذي النورين قبل الإسلام وبعده
  • جهاده مع النبي  صلى الله عليه وسلم  من أول يوم
  • دوره الخطير في بيعة الرضوان وعقد صلح الحديبية
  • صفات حضرته الشخصية من شجاعة وحياء وكرم وحلم
  • دوره في الشورى
  • نبوءة النبي   صلى الله عليه وسلم وقميص عثمان، ونبوءة الأخير عن مستقبل الأمة قبيل استشهاده  رضي الله عنه
  • استشهاد حضرته يُعرِّي المتمردين
  • لحظة استشهاد حضرته  رضي الله عنه  كانت ولم تزل بقعة سوداء في ثوب الأمة

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

  

نسبه وقراباته في الجاهلية والإسلام

هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب، ويلتقي نسبه بنسب رسول الله في عبد مناف. وأمه أروى بنت كريز، وأمها أم حكيم البيضاء بنت عبد المطلب، وهي شقيقة عبد الله والد النبي ، ويقال: إنهما وُلدا توأما، فهو ابن خالة والده. وقد أسلمَتْ أم عثمان بعد صلح الحديبية، وعاشت في المدينة حتى ماتت في خلافة ابنها، وأما أبوه فتوفي في الجاهلية. قيل عن كنية عثمان أنه كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما وُلد له من رقية بنت رسول الله غلام سماه عبد الله، واكتنى به، فكناه المسلمون أبا عبد الله (1).

وعن سبب تلقيبه بذي النورين نقل صاحب كتاب الإصابة في معرفة الصحابة عن ابن إسحاق قوله: «زوّج النبيّ ابنته رقية من عثمان، وماتت عنده في أيام بدر، فزوّجه بعدها أختها أم كلثوم، فلذلك كان يلقّب ذا النّورين (2). وقيل «سمي بذي النورين لأنه كان يكثر من تلاوة القرآن في كل ليلة في صلاته، فالقرآن نور وقيام الليل نور» (3).

وأما ولادته فولد في مكة بعد عام الفيل بست سنين على الصحيح، وقيل: ولد في الطائف، فهو أصغر من رسول الله بنحو خمس سنين (4).

بشارة إسلامه

يقص حضرة عثمان نفسه على سيدنا خاتم النبيين رؤيا حملت بشارة إسلامه فيقول:

«يَا رَسُولَ اللهِ قَدِمْتُ حَدِيثًا مِنَ الشَّامِ فَلَمَّا كُنَّا بَيْنَ مَعَانٍ (5) وَالزَّرْقَاءِ  فَنَحْنُ كَالنِّيَامِ إِذَا مُنَادٍ يُنَادِينَا أَيُّهَا النِّيَامُ هُبُّوا فَإِنَّ أَحْمَدَ قَدْ خَرَجَ بِمَكَّةَ. فَقَدِمْنَا فَسَمِعْنَا بِكَ». وَكَانَ إِسْلامُ عُثْمَانَ قَدِيمًا قَبْلَ دُخُولِ رَسُولِ الله دَارَ الأَرْقَمِ (6).

تحمله الإيذاء في سبيل الدين

لم يُغن الحسب والجاه الدنيويان سيدنا عثمان عن مواجهة اضطهاد قومه له بعد إسلامه، قال مُوسَى بْنُ مُحَمَّدِ عَنْ أَبِيهِ:

«لَمَّا أَسْلَمَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ أَخَذَهُ عَمُّهُ الْحَكَمُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ بْنِ أُمَيَّةَ فَأَوْثَقَهُ رِبَاطًا وَقَالَ: أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ آبَائِكَ إِلَى دِينٍ مُحْدَثٍ؟ وَاللهِ لا أَحُلُّكَ أَبَدًا حَتَّى تَدَعَ مَا أَنْتَ عَلَيْهِ مِنْ هَذَا الدِّينِ. فَقَالَ عُثْمَانُ: وَاللهِ لا أَدَعُهُ أَبَدًا وَلا أُفَارِقُهُ. فَلَمَّا رَأَى الْحَكَمُ صَلابَتَهُ فِي دِينِهِ تَرَكَهُ» (7).

وأما زواجه من السيدة رُقية رضي الله عنها فورد أنه قَبل دعوى النبي النبوة كانت رقية وأم كلثوم ابنتا النبي مخطوبتين لكل من عتبة وعتيبة ابني أبي لهب، فلما نزلت سورة المسد أو سورة اللهب قال أبو لهب لابنيه: رأسي من رؤوسكما حرام إن لم تفارقا ابنتَي محمد، ففارقاهما ولم يكونا قد دخلا بهما. فتزوج عثمان بن عفان رقية بمكة، وهاجر بها الهجرتين إلى أرض الحبشة. وكانت بارعة الجمال، وكذا كان عثمان، حتى قيل: «أحسن زوجين رآهما إنسان رقية وزوجها عثمان» (8).

عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عُثْمَانَ الْقُرَشِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ دَخَلَ عَلَى ابْنَتِهِ وَهِي تَغْسِلُ رَأْسَ عُثْمَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، فَقَالَ: «يَا بُنَيَّةُ، أحْسِني إِلَى أَبِي عَبْدِ اللهِ فَإِنَّهُ أَشْبَهُ أَصْحَابِي بِي خُلُقًا» (9).

ومما ذكره أصحاب السير عن الهجرة إلى الحبشة:

«فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ مَا يُصِيبُ أَصْحَابَهُ مِنْ الْبَلَاءِ، وَمَا هُوَ فِيهِ مِنْ الْعَافِيَةِ، بِمَكَانِهِ مِنْ اللهِ وَمِنْ عَمِّهِ أَبِي طَالِبٍ، وَأَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبَلَاءِ، قَالَ لَهُمْ: لَوْ خَرَجْتُمْ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ فَإِنَّ بِهَا مَلِكًا لَا يُظْلَمُ عِنْدَهُ أَحَدٌ، وَهِيَ أَرْضُ صِدْقٍ، حَتَّى يَجْعَلَ اللهُ لَكُمْ فَرَجًا مِمَّا أَنْتُمْ فِيهِ. فَخَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، مَخَافَةَ الْفِتْنَةِ، وَفِرَارًا إلَى اللهِ بِدِينِهِمْ، فَكَانَتْ أَوَّلَ هِجْرَةٍ فِي الْإِسْلَامِ» (10).

ومن بين الصحابة المهاجرين إلى الحبشة كان عُثْمَانُ وزوجته رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ . (11)

عَنْ أَنَسٍ قَالَ: خَرَجَ عُثْمَانُ مُهَاجِرًا إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَمَعَهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ وَاحْتَبَسَ عَلَى النَّبِيِّ خَبَرُهُمْ، فَكَانَ يَخْرُجُ يَتَوَكَّفُ عَنْهُمُ الْخَبَرَ، فَجَاءَتْهُ امْرَأَةٌ فَأَخْبَرَتْهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ : «إِنَّ عُثْمَانَ لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ إِلَى اللهِ بِأَهْلِهِ بَعْدَ لُوطٍ.» (12)قال سَعْدٌ: لَمَّا أَرَادَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ الْخُرُوجَ إِلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللهِ : «اخْرُجْ بِرُقَيَّةَ مَعَكَ» قَالَ: أَخَالُ وَاحِدًا مِنْكُمَا يَصْبِرُ عَلَى صَاحِبِهِ، ثُمَّ أَرْسَلَ النَّبِيُّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فَقَالَ: «ائْتِينِي بِخَبَرِهِمَا» (يعني أين وصلوا وما هي الظروف في الخارج؟) فَرَجَعَتْ أَسْمَاءُ إِلَى النَّبِيِّ وَعِنْدَهُ أَبُو بَكْرٍ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أخرَج حِمَارًا مُوكَفًا، فَحَمَلَهَا عَلَيْهِ وَأَخَذَ بِهَا نَحْوَ الْبَحْرِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : «يَا أَبَا بَكْرْ، إِنَّهُمَا لَأَوَّلُ مَنْ هَاجَرَ بَعْدَ لُوطٍ وَإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمَا الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ» (13).

ورد حادث العودة من الحبشة أيضًا،

قَالَ ابْنُ إسْحَاقَ: وَبَلَغَ أَصْحَابَ رَسُولِ اللهِ الَّذِينَ خَرَجُوا إلَى أَرْضِ الْحَبَشَةِ، إسْلَامُ أَهْلِ مَكَّةَ، فَأَقْبَلُوا لِمَا بَلَغَهُمْ مِنْ ذَلِكَ، حَتَّى إذَا دَنَوْا مِنْ مَكَّةَ، بَلَغَهُمْ أَنَّ مَا كَانُوا تَحَدَّثُوا بِهِ مِنْ إسْلَامِ أَهْلِ مَكَّةَ كَانَ بَاطِلًا، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُمْ أَحَدٌ إلَّا بِجِوَارٍ أَوْ مُسْتَخْفِيًا فَكَانَ مِمَّنْ قَدِمَ عَلَيْهِ مَكَّةَ مِنْهُمْ، فَأَقَامَ بِهَا حَتَّى هَاجَرَ إلَى الْمَدِينَةِ، فَشَهِدَ مَعَهُ (مع النبي ) بَدْرًا وَأُحُدًا، وَمَنْ حُبِسَ عَنْهُ حَتَّى فَاتَهُ بَدْرٌ وَغَيْرُهُ، وبعد العودة من الحبشة كان عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ ممن هاجر من مكة إلى المدينة، وَمَعَهُ امْرَأَتُهُ رُقَيَّةُ بِنْتُ رَسُولِ اللهِ . (14)

ورد في كتاب أنَّ عثمان مكث في الحبشة بضع سنين وحين عاد الصحابة بسبب خبر باطل لإسلام قريش عاد عثمان معهم، فعلموا بعد العودة أن الخبر باطل، فعاد بعض الصحابة إلى الحبشة ولكن بقي عثمان في مكة حتى جاء أمر الهجرة إلى المدينة فأمر رسول الله جميع صحابته بالهجرة إلى المدينة، فهاجر عثمان مع أهله إلى المدينة. ورد في رواية أن عثمان هاجر إلى الحبشة ثانية ولكن معظم كتب السيرة لا تذكر هجرة عثمان الثانية إلى الحبشة.

يتابع مزرا بشير أحمد : الغريب في الموضوع أن أكبر عدد من المهاجرين الأوائل كانوا من أقوى قبائل العرب وعدد الضعفاء قليل. هذا الأمر يوحي بأمرين: أولًا، أن المنتمين إلى قبائل قوية للعرب أيضًا ما كانوا في مأمن من مظالم قريش. وثانيًا: أن الضعفاء منهم مثل العبيد وغيرهم كانوا في حالة يُرثى لها لدرجة أنهم ما كانوا قادرين حتى على الهجرة.

عندما وصل المهاجرون في الجنوب إلى «الشعيبة» التي كانت في ذلك الزمن مرفأ في جزيرة العرب. وكان من فضل الله تعالى على هؤلاء المهاجرين أن وجدوا سفينة تجارية موشكة على الإبحار إلى الحبشة. فركبوها جميعا في سلام وأمان وانطلقت. عندما علم زعماء قريش بذلك استشاطوا غضبًا على أن هؤلاء الناس قد أفلتوا من أيديهم، فلاحقوهم ولكن عندما وصل رجالهم إلى الساحل كانت السفينة قد أبحرت فعاد الملاحقون خائبين خاسرين. حظي المسلمون في الحبشة بالأمن ونجوا من مظالم قريش بفضل الله تعالى.

ولكن، كما يقول المؤرخون، أنه لم تمض فترة طويلة على وصول المسلمين إلى الحبشة إذ تناهى إلى مسامعهم شائعة تقول أن قريشًا كلها قد أسلمت وصارت مكة آمنة تمامًا. فبتصديق هذه الشائعة عاد معظم المهاجرين من الحبشة إلى مكة دون تبيُّن وتحقق. وعندما وصلوا إلى مشارف مكة علموا أن الخبر كان محض شائعة، فصاروا في مواجهة مصيبة كبيرة. فعاد بعضهم على أدراجهم من الطريق ودخل بعضهم مكة خفية أو تحت حماية شخص ذي نفوذ قوي.

ثم إن سيدنا عثمان بعد أن عاد من الحبشة أكرمه الله تعالى بالهجرة الكبرى إلى المدينة، فهو ممن جاهدوا بالهجرتين. تعددت الروايات التي تتحدث عن مؤاخاة سيدنا عثمان، فمنها ما تقول أن النبي آخى بين عثمان وبين أَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ، ومنها ما تقول أن المؤاخاة كانت بينه وبين عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. وفي رواية ثالثة أن النبي آخَى بَيْنَ عُثْمَانَ وَأَوْسِ بْنِ ثَابِتٍ أَبِي شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ. ثم هناك رواية رابعة تذكر أن المؤاخاة تمت بين عثمان وبين أَبِي عبادة سعد بن عثمان الزُّرَقِيِّ. وفي رواية أن النبي آخى بينه وبين عثمان . فقد ورد في الطبقات الكبرى عَنِ ابْنِ لَبِيبَةَ أن عثمان بن عَفَّانَ لَمَّا حُصِرَ (أي حاصره المفسدون في بيته كلية في آخر أيامه ) أَشْرَفَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُوَّةٍ فِي الطَّمَارِ فَقَالَ: أَفِيكُمْ طَلْحَةُ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمَّا آخَى رَسُولُ اللَّهِ بَيْنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ آخَى بَيْنِي وَبَيْنَ نَفْسِهِ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ: اللَّهُمَّ نَعَمْ. فَقِيلَ لِطَلْحَةَ فِي ذَلِكَ، فَقَالَ: نَشَدَنِي، وَأَمْرٌ رَأَيْتُهُ أَلا أَشْهَدُ بِهِ؟

أما قصة وفاة رقية وزواج عثمان من أم كلثوم رضي الله عنهم جميعًا فهي كالآتي: عن عبد الله بن مكنف بن حارثة الأنصاري قال: لَمَّا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ إِلَى بَدْرٍ خَلَّفَ عُثْمَانَ عَلَى ابْنَتَهِ رُقْيَةَ، وَكَانَتْ مَرِيضَةً، فَمَاتَتْ رَضِيَ اللَّهُ عنها يوم قدِمَ زيد بن حارثة للمدينة بَشِيرًا بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ بِبَدْرٍ. وَضَرَبَ رَسُول اللَّهِ لِعُثْمَانَ بِسَهْمِهِ وأجرِه في بدر، فكان كمَنْ شهدها. وزوّج رسولُ الله عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ بَعْدَ رُقْيَةَ ابنته أُمَّ كُلْثُومِ.

وعن أبي هريرة أن رسول الله لقِي عثمان بن عفان عند باب المسجد، فقال: يا عثمان هذا جبريل يقول عن الله تعالى: إني قد زوّجتُك أمَّ كلثوم على مثل ما زوّجتُك رقيةَ وعلى مثل ما منحتَها.

وقالت عائشة رضي الله عنها: لما زوج النبي ابنته أم كلثوم من عثمان قال لأم أيمن رضي الله عنها: «هيئي ابنتي أم كلثوم وزُفِّيها إلى عثمان، وخفِّقي بين يديها بالدف». ففعلتْ ذلك. فجاءها النبي بعد الثالثة فدخل عليها فقال: «يا بُنيّة، كيف وجدتِ بعلك»؟ قالت: خير بعلٍ.

ولم تزل أم كلثوم عند عثمان رضي الله عنهما إلى أن توفيت سنة تسع من الهجرة بسبب مرض نزل بها. وصلى عليها رسول الله وجلس على قبرها. وعن أنس ابن مالك أنه رأى النبي جالسًا على قبر أم كلثوم، قال: فرأيت عينيه تدمعان.

وقد وردت في البخاري رواية عن ذلك كالتالي: عن هلال عن أنس بن مالك قال: شهدنا جنازة بنت رسول الله ، ورسولُ الله جالس على القبر، فرأيت عينيه تدمعان.

وفي رواية: قال رسول الله عند وفاة أم كلثوم رضي الله عنها:

لَوْ كَانَ عِنْدِيَ ثَالِثَةٌ زَوَّجْتُهَا عُثْمَانَ.

عن ابن عباس قال: مرّ رسول الله وإذا عثمان جالس يبكي على أم كلثوم بنت رسول الله ، قال: ومع رسول الله صاحباه يعني أبا بكر وعمر، فقال رسول الله : ما يبكيك يا عثمان؟ قال: أبكي يا رسول الله أنه انقطع صهري منك. فقال رسول الله : لا تبكِ، والذي نفسي بيده! لو أن عندي مائة بنتٍ تموتُ واحدةٌ بعد واحدة زوّجتُك أخرى حتى لا يبقى من المائة شيء.

هذا أسلوب لإظهار المحبة من الطرفين، حيث كان سيدنا عثمان قَلقًا على انقطاع أواصر القرابة مع النبي ، فأكد له النبي بأسلوبه أن هذه الأواصر لم تنقطع بل هي باقية.

 

حضرة عثمان واحد من البدريين

قد لا يشارك المرء في المعركة، ولكنه يكون مشاركًا في الحرب، ويكون ذلك لدواع تنظيمية تقتضيها المصلحة العامة ويقرر ذلك ولي الأمر، وفي هذا الإطار كان اشتراك سيدنا عثمان في غزوات النبي ،  فإنه وإن لم يشهد المعركة، إلا أن النبي عدَّه ضمن المشاركين فيها وقسم له نصيبًا في الغنائم، والقصة أن زوجته السيدة رقية بنت الرسول كانت طريحة الفراش، فأمره النبي أن يبقى عندها في المدينة لمداواتها.

كذلك لم يخرج مقاتلًا بسيفه في غزوة غطفان التي كانت في المحرم أو صفر من العام الثالث الهجري، غير أنه كان مشاركًا في الجهاد حتمًا، ذلك أنه أثناء إعداده نفسه لهذه الغزوة صدر أمر النبي ببقائه في المدينة خلفا للنبي .

هذا أسلوب لإظهار المحبة من الطرفين، حيث كان سيدنا عثمان قَلقًا على انقطاع أواصر القرابة مع النبي ، فأكد له النبي بأسلوبه أن هذه الأواصر لم تنقطع بل هي باقية.

محنة يوم أُحد

بعد أن استغل جيش قريش الثغرة الحاصلة في جيش المسلمين حين تخلى أغلب الرماة الخمسين عن موقعهم الذي أمرهم النبي بالثبات عليه أعلى الجبل مهما حدث من أمر، أدى مخالفة أمر النبي إلى أن دارت الدائرة على المسلمين، ومنوا بخسارة فادحة، وتقهقر أكثر جيشهم أمام كرات المشركين المتوالية، وكان حضرة عثمان من بين من تقهقروا أمام اندفاع المشركين العاتي، لا سيما وأن المسلمين في هذه اللحظة كانوا كمنكشفي الظهر بعد نزول رماة الجبل واستشهاد من ثبت منهم. ثم لما اشتشهد حامل لواء المسلمين مصعب بن عمير وكانت هيئته الأكثر شبها بالنبي فأشاعت قريش، ربما بمكيدة حاكتها، أن النبي سقط قتيلاً، فانتشرت الشائعة في عضد المسلمين، وكان المسلمون في تلك الساعة قد انقسموا إلى ثلاث فرق، فريق كان قد فر من الميدان يأسًا بعد سماع خبر شهادة النبي ، وكان هذا الفريق قليل العدد، وكان سيدنا عثمان بن عفان منهم، لكنه كما ورد في القرآن الكريم قد عفا الله عنهم نظرًا لتلك الأوضاع الحرجة، وما كانت قلوب بعضهم عامرةً به من الإيمان والإخلاص.

دوره الخطير في بيعة الرضوان وعقد صلح الحديبية

كثيرًا ما يستغل المغرضون حادث سفارة عثمان يوم الحديبية ليقولوا بأنه لم يشترك في بيعة الرضوان، مما يجعله في درجة أدنى من غيره من الصحابة، غير أننا بقليل من النظر في القصة يتبين لنا عظم دوره ، لا سيما في أمر سفارته إلى قريش ومن ثم دوره في بيعة الرضوان وصلح الحديبية.

فقد رأى النبي   في منامه أنه دخل البيت الحرام ومعه أصحابه آمنين، وحلق بعضهم رؤوسهم وقصر البعض الآخر. وبناء على هذه الرؤيا خرج النبي من المدينة للعمرة في ذي القعدة من العام السادس للهجرة مع 1400 صحابيّ، ونزل في الحديبية، فمنعته قريش من العمرة، فبدأت السفارة بين الفريقين، فحين علم النبي بانزعاج أهل مكة وتحفزهم لوصوله إليها معتمرًا، أراد أن يرسل إلى مكة شخصًا ذا كياسة ومكانة لدى أهلها، ليقنعهم أن المسلمين ما جاؤوا إلا معتمرين، فأرسل عثمان لهذا الغرض.

ذلك لأنه ظل يسعى سعيًا حثيثًا متواصلًا لإيجاد فرصة للسلم، فقرّر تهدئة ثورة أهل مكة بإرسال شخص إليهم يكون مِن أهل مكة ومِن أسرة عريقة من قريش. فوقع الاختيار أول الأمر على حضرة عمر، ثم رأى عمر أن يُعدَلَ عنه، إذ ليس له في مكة قريب ذو نفوذ يمكن أن يضغط عليه،  وأشار على النبي باختيار حضرة عثمان لهذه المهمة التي تكللت بالنجاح كما سيتبين، فهو من بني أمية التي هي ذات نفوذ قوي في ذلك الوقت ولن يجرؤ أهل مكة على التعرض له بسوء، وهناك أمل كبير لنجاحه في مهمته.

ذهب سيدنا عثمان بهذه الرسالة إلى مكة والتقى بأبي سفيان الذي كان رئيس أهل مكة في تلك الأيام وكان من أقاربه. وجمع عثمان أهل مكة في مكان عام، وقرأ عليهم رسالة النبي ، كما جعل مختلف زعماء مكة يرونها واحدًا واحدًا، ومع ذلك ظلوا مصممين جميعًا على ألا يسمحوا للمسلمين بدخول مكة هذا العام. وفي أثناء سعي عثمان لإقناع قريش، قالوا له: نسمح لك أنت، إن أردت، بزيارة الكعبة والطواف بها، ولكن لن نسمح بأكثر من ذلك، فقال عثمان : كيف يمكن أن أطوف بالبيت ورسول الله ممنوع منه خارج مكة.

فيئس منهم عثمان وبدأ يستعد للعودة إلى معسكر المسلمين، فرأى بعض أشرار قريش احتجاز عثمان ورفاقه في مكة، ظنًّا منهم، على الأغلب، أن هذا سيمكّنهم من الحصول على شروط أفضل في مفاوضات الصلح. فشاع بين المسلمين أن المكيين قد قتلوا عثمان . لما بلغ ذلك النبيَّ أصابته صدمة شديدة وغضب غضبًا شديدًا، فأخذ من الصحابة ما يسمى ببيعة الرضوان.

ذكر المصلح الموعود هذه الواقعة بكلماته فقال كما يلي:

“وقد أصرت بعض القبائل المتحالفة مع أهل مكة على أن هؤلاء لم يأتوا إلا للطواف، فلماذا يُحرَمون حتى من هذا؟ ولكن أهل مكة ظلوا على عنادهم وصلابتهم، وعند ذلك هدّد قادة القبائل بالانفصال عن أهل مكة، ما دام أهل مكة يريدون شرًّا ولا يريدون السلام. (وهذا أمر جديد ذكره المصلح الموعود من أن القبائل المتحالفة أيضًا مارست ضغوطًا على أهل مكة) فخشي أهل مكة وسعوا إلى الوصول إلى اتفاقية مع المسلمين. وما إن علم الرسول بذلك حتى أرسل عثمان بن عفان – الذي أصبح خليفته الثالث لاحقًا- إلى أهل مكة من أجل التفاوض، فبلغ مكة وكان له أقرباء عديدون فيهم، فجاءوا وأحاطوا به وعرضوا عليه أن يطوف هو بالبيت إن أراد، ولكنهم لن يدعوا الرسول يفعل ذلك حتى العام القادم. ورفض عثمان أن يطوف هو إلا أن يكون في صحبة حبيبه وقائده . وطال التفاوض بين عثمان وبين رؤساء مكة، وخلال ذلك نشر بعض المغرضين إشاعة أنه قُتل، وبلغت الإشاعة الرسول . وعند ذلك جمع رسول الله أصحابه وأخبرهم أن لرسول قوم حصانة خاصة في كل الأمم، غير أنكم سمعتم أن أهل مكة قتلوا عثمان، فإن صحّ هذا الخبر فسندخل مكة عنوة. أي كانت نيتنا أن ندخل مكة بالتصالح معهم ولكن ستتغير الآن الظروف التي عقدنا تلك النية فيها وبالتالي لن نبقى ملتزمين بتلك الإرادة السابقة. فقال لهم: إن أولئك الذين يعاهدون الله تعالى -بأنهم إذا اضطروا للتقدم فلن يعودوا إلا بالفتح أو يضحون بأنفسهم في الميدان واحدًا تلو الآخر- عليهم أن يتقدموا ليبايعوني على هذا العهد. وما إن أنهى الرسول حديثه، حتى تحول 1400 زائر أتى مع النبي إلى 1400 جندي، وتواثبوا متسابقين إلى يد الرسول سعيًا منهم ليبايع كل واحد قبل غيره.

وكان لهذه البيْعة أهمية خاصة في تاريخ الإسلام، وهي تسمى بيْعة الشجرة، لأن الرسول كان يجلس تحت شجرة عندما بايعه المسلمون. وكل من اشترك في هذه البيْعة ظل فخورًا بها إلى آخر أيام حياته. وظل يذكر أنه لم يتراجع واحد من1400 من هذا العهد أنه إنْ قَتلَ العدوُّ سفيرَ المسلمين فسوف يحققون أحد الأمرين قبل الغسق؛ إمّا يفتحون مكة أو يُقتلون جميعًا دون هدفهم في الميدان. ولم تكن البيْعة قد انتهت حتى عاد عثمان وأبلغ الرسول أن أهل مكة لن يتركوا المسلمين يطوفون بالكعبة حتى العام القادم، وأنهم قد عينوا مندوبين لهم لتوقيع الاتفاقية مع المسلمين.

ولم يلبث أن جاء إلى الرسول بعد ذلك أحد زعماء مكة سُهَيْل بن عمرو، وتم تسجيل هذه المعاهدة.

حِلمه وتوسطه لدى النبي للعفو

في سياق الروايات عن فتح مكة -الذي حدث في العام الثامن للهجرة- رواية مفصلة وردت في سنن النسائي وقد تضمنت تفصيل الأفراد الذين صدر أمر النبي بقتلهم، ومنها ما رواه مصعب بْنُ سَعْدٍ،

عَنْ أَبِيهِ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ فَتْحِ مَكَّةَ أَمَّنَ رَسُولُ اللَّهِ النَّاسَ، إِلَّا أَرْبَعَةَ نَفَرٍ وَامْرَأَتَيْنِ وَقَالَ: «اقْتُلُوهُمْ، وَإِنْ وَجَدْتُمُوهُمْ مُتَعَلِّقِينَ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ، عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ وَمَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ»….  وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ، فَإِنَّهُ اخْتَبَأَ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ النَّاسَ إِلَى الْبَيْعَةِ، جَاءَ بِهِ حَتَّى أَوْقَفَهُ عَلَى النَّبِيِّ ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَايِعْ عَبْدَ اللَّهِ، قَالَ: فَرَفَعَ رَأْسَهُ، فَنَظَرَ إِلَيْهِ، ثَلَاثًا كُلَّ ذَلِكَ يَأْبَى، فَبَايَعَهُ بَعْدَ ثَلَاثٍ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ: «أَمَا كَانَ فِيكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ يَقُومُ إِلَى هَذَا حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ فَيَقْتُلُهُ» فَقَالُوا: وَمَا يُدْرِينَا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا فِي نَفْسِكَ، هَلَّا أَوْمَأْتَ إِلَيْنَا بِعَيْنِكَ؟ قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ خَائِنَةُ أَعْيُنٍ».

وردت هذه الرواية في سنن أبي داود أيضًا، كما وردت فيه رواية أخرى غير أنها تخلو من ذكر قتل أبي السرح. فقد ورد في هذه الرواية

عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ يَكْتُبُ لِرَسُولِ اللَّهِ فَأَزَلَّهُ الشَّيْطَانُ فَلَحِقَ بِالْكُفَّارِ فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ أَنْ يُقْتَلَ يَوْمَ الْفَتْحِ فَاسْتَجَارَ لَهُ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَأَجَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ .

أما بالنسبة إلى قول النبي عن قتله أو سؤاله: لماذا لم يقتله أحد، أي ما ورد في إحدى الروايات أن النبي قال للصحابة لماذا لم يقتله أحد حَيْثُ رَآنِي كَفَفْتُ يَدِي عَنْ بَيْعَتِهِ، فقد ورد توضيح هذا القول بأن فيه نظرًا، لأنه كان بإمكان النبي أن يأمر بقتله إن كان يريد أن يمضي أمره بقتله وعدم أخذ بيعته، لكونه فاتحًا وحاكمًا للدولة. وكان قرار قتله مبنيًا على العدل. وعليه فمن الممكن أن يكون رأيُ أحد الرواة قد دخل في هذه الرواية. وزد على ذلك أن هذه الرواية غير موجودة في البخاري ومسلم، وقد وردت رواية بهذا المضمون في «أبو داود» كما مرّ ولا يوجد فيها ذكر القتل.

شهادة النبي له ونبوءته عن خلافته

وفق حضرة عثمان للعديد من التضحيات المالية في شتى أوقات السلم والحرب، ومن تضحياته بالمال في أوقات الحرب ما كان منه في غزوة تبوك التي كانت في رجب من العام التاسع الهجري، ويقال لها جيش العسرة أيضًا.

مثل ذلك كان بئرٌ تباع وكان المسلمون يعانون من أجل الماء، فقال النبي هل ينال أحدُكم الثوابَ؟ فقال سيدنا عثمان لبيك يا رسول الله. فاشترى تلك البئر فوقفها للمسلمين. فقال النبي مرة أخرى إن عثمان قد اشترى الجنة، ومثل ذلك في مناسبة أخرى استخدم النبيُّ هذه الكلمات بحق سيدنا عثمان . باختصار قد قال النبي في ثلاثة مواضع بحق عثمان أنه اشترى الجنة. يقول سيدنا المصلح الموعود أيضًا أن رسول الله قال بحق سيدنا عثمان ثلاث مرات أنه قد اشترى الجنة وأنه من أهل الجنة.

وما إن علم الرسول بذلك حتى أرسل عثمان بن عفان – الذي أصبح خليفته الثالث لاحقًا- إلى أهل مكة من أجل التفاوض، فبلغ مكة وكان له أقرباء عديدون فيهم، فجاءوا وأحاطوا به وعرضوا عليه أن يطوف هو بالبيت إن أراد، ولكنهم لن يدعوا الرسول يفعل ذلك حتى العام القادم. ورفض عثمان أن يطوف هو إلا أن يكون في صحبة حبيبه وقائده .

دوره في الشورى

لقد أدى حضرته واجب الشورى على خير ما يكون الأداء، فكان مستشارًا مؤتمنًا في عهد أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، ومن الروايات التي تشهد بقيام حضرته بواجب الشورى لدى الخليفة الأول حضرة أبي بكر الذي كان يجِلُّه ويعرف حلمه وسداد رأيه حتى جعله من أهل مشورته في أهم القضايا. فحين واجه أبو بكر فتنة الردة وقضى عليها، أراد غزو الروم وإرسال المجاهدين إلى جهات مختلفة، فاستشار الناس في ذلك، فأعطى الصحابة مشورتهم ولكن أبا بكر طلب مزيدًا من المشورة، فقال عثمان إني أرى أنك ناصح لأهل هذا الدِّين شفيق عليهم فإذا رأيت رأيًا تراه لعامتهم صلاحًا فاعزم على إمضائه فإنك غير ظنين، (أي لا يمكن إساءة الظن بك) فقال طلحة والزبير وسعد وأبو عبيدة وسعيد بن زيد ومن حضر ذلك المجلس من المهاجرين والأنصار: صدق عثمان، ما رأيت من رأي فأمضه فإنا لا نخالفك ولا نتّهمك، ثم تكلم علي وبعده قام أبو بكر في الناس فذكر الله بما هو أهله وصلَّى على نبيه ثم قال: أيها الناس، إنَّ الله قد أنعم عليكم بالإسلام، وأكرمكم بالجهاد وفضّلكم بهذا الدين على كل دين فتجهزوا عباد الله إلى غزو الروم بالشام. (مختصر تاريخ دمشق)

وشاور أبو بكر أصحابه فيمن يبعث إلى البحرين بعد إبان بن سعيد ، فقال له عثمان بن عفان : ابعث رجلاً قد بعثه رسول الله إليهم فقدم عليه بإسلامهم وطاعتهم، وقد عرفوه وعرفهم وعرف بلادهم يعني العلاء الحضرمي فأجمع أبو بكر بعثة العلاء بن الحضرمي إلى البحرين. (طبقات ابن سعد)

عن ابن عباس قال: قحط المطر على عهد أبي بكر الصديق ، فاجتمع الناس إليه فقالوا: السماء لم تمطر، والأرض لم تنبت، والناس في شدة شديدة، فقال أبو بكر : انصرفوا واصبروا، فإنكم لا تمسون حتى يفرج الله الكريم عنكم، قال: فما لبثنا أن جاء أجراء عثمان من الشام، فجاءته مائة راحلة بُرًّا -أو قال طعامًا- فاجتمع الناس إلى باب عثمان، فقرعوا عليه الباب، فخرج إليهم عثمان في ملأ من الناس، فقال: ما تشاءون؟ قالوا: الزمان قد قحط؛ السماء لا تمطر، والأرض لا تنبت، والناس في شدة شديدة، وقد بلغنا أن عندك طعامًا، فبعنا حتى نوسع على فقراء المسلمين، فقال عثمان : حبًّا وكرامة ادخلوا فاشتروا، فدخل التجار، فإذا الطعام موضوع في دار عثمان، فقال: يا معشر التجار كم تربحونني على شرائي من الشام؟ قالوا: للعشرة اثنا عشر، قال عثمان: قد زادني، قالوا: للعشرة خمسة عشر، قال عثمان: قد زادني، قال التجار: يا أبا عمرو، ما بقي بالمدينة تجار غيرنا، فمن زادك؟ قال: زادني الله بكل درهم عشرة، أعندكم زيادة؟ قالوا: اللهم لا، قال: فإني أشهد الله أني قد جعلت هذا الطعام صدقة على فقراء المسلمين. أي أعطي الطعام كله للفقراء ولن آخذ أي ثمن له. قال ابن عباس: فرأيت من ليلتي رسول الله في المنام (أيْ من الليلة التي وُزع فيها هذا الطعام صدقةً) وهو على برذون أبلق (فرس غير عربي جسيم) عليه حُلَّة من نور، في رجليه نعلان من نور، وبيده قصبة من نور، وهو مستعجل، فقلت: يا رسول الله، قد اشتد شوقي إليك وإلى كلامك فأين تبادر؟ قال: «يا ابن عباس، إن عثمان قد تصدق بصدقة، وإن الله قد قبلها منه وزوّجه عروسًا في الجنة، وقد دُعينا إلى عرسه.»(15)

وفي عهد الخليفة الثاني حضرة عمر بن الخطاب لم يكن دور عثمان بأقل من دوره في عهد أبي بكر، ولما ولي عمر الخلافة استشار وجوه الصحابة في عطائه من بيت مال المسلمين، فقال له عثمان: كل وأطعم. أيْ سد حاجتك وحوائج الناس ولا داعي للتحديد. (16)

لما اتسعت الفتوحات وكثرت الأموال جمع عمر أناسًا من أصحاب رسول الله ليستشيرهم في هذا المال، فقال عثمان : أرى مالًا كثيرًا يسع الناس، وإن لم يحصوا حتى يعرف من أخذ منهم ممن لم يأخذ خشيت أن ينتشر الأمر، (أي يمكن أن يأخذ البعض مرتين لذا لا بد من التدوين) فأقر عمر رأي عثمان ، وانتهى بهم ذلك إلى تدوين الدواوين. (وبدأت مساعدة الجميع بحسبها.). (17)

نبوءة النبي وقميص عثمان

هناك نبوءة لرسول الله عن خلافة عثمان ، وفيها إشارة إلى أن الله تعالى سيُلبسه قميصًا وأن المنافقين سيحاولون نزعه عنه. قال:

يَا عُثْمَانُ إِنَّهُ لَعَلَّ اللَّهَ يُقَمِّصُكَ قَمِيصًا، فَإِنْ أَرَاد المنافقون عَلَى خَلْعِهِ فَلَا تَخْلَعْهُ لَهُمْ.

قال المصلح الموعود : لقد أمر محمد رسول الله عثمانَ ألا يخلع هذا القميص، وأن الذين يطالبونك بخلعه يكونون منافقين. لقد تبين من ذلك أنهم كانوا منافقين بغض النظر عمّن كانوا، لأن النبي   كان قد أنبأ بذلك سلفًا.

ومن الروايات عن تولي حضرته عهد الخلافة ما ذكره بعد الصحابة في صورة رؤيا منامية قصوها على رسول الله ، ومنها ما رُوِيَ عن سمرة بن جندب أن رجلًا قال يا رسول الله إني رأيت كأن دلوًا أُدلي من السماء فجاء أبو بكر فأخذ بعراقيها فشرب شربًا ضعيفًا ثم جاء عمر فأخذ بعراقيها فشرب حتى تضلع ثم جاء عثمان فأخذ بعراقيها فانتشطت وانتضح منها عليه شيء فشرب حتى تضلع ثم جاء علي فأخذ بعراقيها فانتشطت. (هذه إشارة إلى تولي هؤلاء الكرام الخلافة بحسب الترتيب المذكور في الرواية).

الشورى في انتخاب عثمان واتفاق الصحابة على مبايعته

أما عن مجلس الشورى الذي عُقد بعد انتخاب عثمان فيقول عنه الْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ:

كَانَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ وَهُوَ صَحِيحٌ (أي بعد أن تعافى من الجروح التي أصيب بها في محاولة اغتياله) يُسْأَلُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ فيأبى. فصعد يومًا المنبر فتكلم بِكَلِمَاتٍ وَقَالَ: إِنْ مُتُّ فَأَمْرُكُمْ إِلَى هَؤُلاءِ السِّتَّةِ الَّذِينَ فَارَقُوا رَسُولَ اللَّهِ وَهُوَ عَنْهُمْ رَاضٍ: عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَنَظِيرِهِ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وَنَظِيرِهِ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ، وَطَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَنَظِيرِهِ سَعْدِ بْنِ مَالِكٍ. أَلا وَإِنِّي أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي الْحُكْمِ وَالْعَدْلِ فِي الْقَسْمِ.فَلَمَّا فُرِغَ مِنْ دَفْنِهِ اجْتَمَعَ هَؤُلَاءِ الرَّهْطُ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إِلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ. فَقَالَ الزُّبَيْرُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَلِيّ.ٍ فَقَالَ طَلْحَةُ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ: قَدْ جَعَلْتُ أَمْرِي إِلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ. فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمَا تَبَرَّأَ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ فَنَجْعَلُهُ إِلَيْهِ وَاللَّهُ عَلَيْهِ وَالْإِسْلَامُ. لَيَنْظُرَنَّ أَفْضَلَهُمْ فِي نَفْسِهِ فَأُسْكِتَ الشَّيْخَا.ِ فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَفَتَجْعَلُونَهُ إِلَيَّ (أي فوِّضوا رئاسة اللجنة إليَّ) وَاللَّهُ عَلَيَّ أَنْ لَا آلُ عَنْ أَفْضَلِكُمْ. قَالَا: نَعَمْ. (أي قال أولا أن فوّضوا الرئاسة إلى أحد منهما، وإن لم يسحبا اسمهما سأسحب اسمي) فَأَخَذَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا فَقَالَ لَكَ قَرَابَةٌ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ وَالْقَدَمُ فِي الْإِسْلَامِ مَا قَدْ عَلِمْتَ. فَاللَّهُ عَلَيْكَ لَئِنْ أَمَّرْتُكَ لَتَعْدِلَنَّ وَلَئِنْ أَمَّرْتُ عُثْمَانَ لَتَسْمَعَنَّ وَلَتُطِيعَنَّ ثُمَّ خَلَا بِالْآخَرِ فَقَالَ لَهُ مِثْلَ ذَلِكَ فَلَمَّا أَخَذَ الْمِيثَاقَ قَالَ ارْفَعْ يَدَكَ يَا عُثْمَانُ فَبَايَعَهُ فَبَايَعَ لَهُ عَلِيٌّ وَوَلَجَ أَهْلُ الدَّارِ فَبَايَعُوهُ.

قال ابن سعد: بويعَ عثمانُ بن عَفَّانَ يَوْمَ الاثْنَيْنِ لِلَيْلَةٍ بَقِيَتْ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلاثٍ وَعِشْرِينَ.

وهناك رواية عن أول خطاب ألقاه سيدنا عثمان بعد انتخابه خليفة،

فعن إسماعيل بن إبراهيم بن عبد الرحمن ابن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ الْمَخْزُومِيّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عُثْمَانَ لَمَّا بُويِعَ خَرَجَ إِلَى النَّاسِ فَخَطَبَهُمْ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ أَوَّلَ مَرْكَبٍ صَعْب، وَإِنَّ بَعْدَ الْيَوْمِ أَيَّامًا. وَإِنْ أَعِشْ تَأْتِكُمُ الْخُطْبَةُ عَلَى وَجْهِهَا. (أي سأخطب اليوم خطابًا مختصرًا ولكن ستأتي أيام سأخطب فيها خطابًا أفضل). ثم قال: وَمَا كُنَّا خُطَبَاء،َ وَسَيُعلِّمُنَا اللَّهُ (أي الخطابةَ).عن بدر بن عُثْمَانَ، عَنْ عَمِّهِ، قَالَ: لما بايع أهلُ الشورى عثمانَ خرج وهو أشدهم كآبةً، فأتى منبرَ النبي ، فخطب فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي وقال: إنكم في دار قُلْعة (في دارٍ ستغادرونها)، وفي بقية أعمار، فبادِروا آجالَكم بخير ما تقدرون عليه، فقد أُتيتم صُبِّحتم أو مُسِّيتم (أي أن الموت مفاجئكم في أي وقت صباحًا أو مساء). ألا إن الدنيا طُويتْ على الغرور، فلا تَغُرَّنَّكم الحياةُ الدنيا ولا يغُرَّنَّكم بالله الغَرورُ (أي الشيطانُ الذي هو كثير الخداع). واعتبِروا بمن مضى، ثم شُدُّوا ولا تغفلوا، فإنه (أي الله تعالى) لا يغفل عنكم. أَيْنَ أَبْنَاءُ الدُّنْيَا وَإِخْوَانُهَا الَّذِينَ أَثَارُوهَا وَعَمَّرُوهَا، وَمُتِّعُوا بِهَا طَوِيلا، أَلَمْ تَلْفِظْهُمْ! ارْمُوا بِالدُّنْيَا حَيْثُ رَمَى اللَّهُ بِهَا، وَاطْلُبُوا الآخِرَةَ، فَإِنَّ اللَّهَ قد ضرب لَهَا مثلًا ولِلذي هُوَ خَيْرٌ، فَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: « وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا » (الكهف 46). وَأَقْبَلَ النَّاسُ يُبَايِعُونَهُ.

فتح البلدان في عهد حضرته

كان عهد خلافة حضرة ذي النورين عهد ازدهار واتساع في حركة الفتوحات، إذ منّ الله على المسلمين في عهده بفتح أفريقية، أي الجزائر والمغرب وأولى التحركات والحملات لفتح الأندلس، وفتح أسبانيا في العام الـ 27، وفتح قبرص في العام ال 28، وفتح طبرستان في العام الـ 30، والنصر في معركة ذات الصواري البحرية، وفتح أرمينيا وخراسان في العام الـ 31، أما الزحف إلى بلاد الروم، وفتح مرو والروس وطالقان وخرياب وجوزجان وطخارستان ومعركة بلخراد فكانت في العام الـ 32 من الهجرة. كما تم وصول الإسلام إلى بلاد الهند في عهد عثمان .

خَلق الإسلام الحياءَ، وخُلقُ عثمان الحياءُ

كان النبي يحترم عثمان كثيرًا. ففي إحدى المرات كان مضطجعًا في بيته فاستأذن أبو بكر فظل مضطجعًا على حاله، ثم استأذن عمر فظل مضطجعًا على حاله، ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله وسوى ثيابه ثم قال: «إن عثمان رجل حَيِّيٌ، وإني خشيت إن أذنت له على تلك الحال.» (18)

كان عثمان من القلة القليلة الذين لم يشربوا الخمر ولم يقربوا الزنا حتى قبل إسلامهم. وهذه مزايا قلَّ أن تجتمع في رجل في جزيرة العرب قبل الإسلام، حيث كان شرب الخمر يُعتبر مفخرةً والزنا أمرًا عاديًّا، إلا في القلة النادرة من الناس.

وباختصار، فإن عثمان لم يكن شخصًا عاديًّا بل كان يتحلى بمكارم الأخلاق، وكان فريدًا من ناحية المكانة الدنيوية أيضًا، وكان سبَّاقًا في الإسلام. وكان النبي معجبًا به إلى درجة كبيرة. وقد عدَّه عمرُ من ستة أشخاص حظوا برضا النبي إلى يوم وفاته . وكان من العشرة المبشرين الذين بشرهم النبي بالجنة.

الحليم الذي لا يهاب الموت

كانت بوادر الفتنة قد بدأت في الظهور أواخر حياة حضرة عثمان ، لا سيما بعد إتمامه حجته الأخيرة والتي كانت قبل سنة من استشهاده،  وتروي كتب السير ما دار بينه وبين معاوية حين الفراغ من شعائر تلك الحجة، من اقتراح معاوية حلولًا للحيلولة دون أن يُمس الخليفة بأذى، وتمثلت تلك الحلول تباعًا في أن ينطلق معه إلى الشام ففيها الأمن والسلام، أو أن يبعث إليه معاوية جندًا من الشام لحمايته، أو أن يُفرَّق الصحابة في الأمصار كي يستشعر أهل المدينة الخطر فيتأهبوا له. لقد رفض حضرة عثمان كل ما عرضه معاوية، فخرج معاوية من عنده باكيًا وقد استنفد كل ما لديه من حلول يراها صالحة بحسب وجهة نظره، وقال: لعله آخر لقاء بيننا. ثم خرج معاوية على الصحابة وقال: أنتم الآن مدار الإسلام، قد كبرت سن عثمان وولّى عمره وأرى الفتنة في تزايد مستمر فعليكم أن توفروا له الحماية والرعاية. قال هذا وانطلق إلى الشام.

نبوءته عن مستقبل الأمة قبيل استشهاده

أما عن العزيمة القوية والهمة العالية لعثمان فقال مجاهد عنها:

أَشْرَفَ عُثْمَانُ عَلَى الَّذِينَ حَاصَرُوهُ فَقَالَ: يَا قَوْمِ لا تَقْتُلُونِي فَإِنِّي وَالٍ وَأَخٌ مُسْلِمٌ. فوالله إِنْ أَرَدْتُ إِلا الإِصْلاحَ مَا اسْتَطَعْتُ أَصَبْتُ أَوْ أَخْطَأْتُ. وَإِنَّكُمْ إِنْ تَقْتُلُونِي لا تُصَلُّوا جميعًا أبدًا ولا تغزو جَمِيعًا أَبَدًا وَلا يُقْسَمُ فَيْؤُكُمْ بَيْنَكُمْ. قَالَ: فَلَمَّا أَبَوْا قَالَ عثمان: أَنْشِدُكُمُ اللَّهَ هَلْ دَعَوْتُمْ عِنْدَ وَفَاةِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ بِمَا دَعَوْتُمْ بِهِ وَأَمْرُكُمْ جَمِيعًا لَمْ يَتَفَرَّقْ وَأَنْتُمْ أَهْلُ دِينِهِ وَحَقِّهِ فَتَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يُجِبْ دَعْوَتَكُمْ أَمْ تَقُولُونَ هَانَ الدِّينُ عَلَى اللَّهِ؟ أَمْ تَقُولُونَ إِنِّي أَخَذْتُ هَذَا الأَمْرَ أي الخلافة بِالسَّيْفِ وَالْغَلَبَةِ وَلَمْ آخُذُهُ عَنْ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَعْلَمْ مِنْ أَوَّلِ أَمْرِي شَيْئًا لَمْ يَعْلَمْ مِنْ آخِرِهِ؟ فَلَمَّا أَبَوْا قَالَ: اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا وَاقْتُلْهُمْ بَدَدًا وَلا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا. قَالَ مُجَاهِدٌ فَقَتَلَ اللَّهُ مِنْهُمْ مَنْ شارك فِي الْفِتْنَةِ.قال محمد بن سيرين: جَاءَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ إِلَى عُثْمَانَ فَقَالَ: هَذِهِ الْأَنْصَارُ بِالْبَابِ يَقُولُونَ: إِنْ شِئْتَ كُنَّا أَنْصَارًا لِلَّهِ مَرَّتَيْنِ، قَالَ: فَقَالَ عُثْمَانُ: «أَمَّا الْقِتَالُ فَلَا».عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى عُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ، فَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ طَابٌ أَمْ ضَرْبٌ؟ فَقَالَ: يَا أَبَا هُرَيْرَةَ «أَيَسُرُّكَ أَنْ تَقْتُلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَإِيَّايَ؟ قَالَ: قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَإِنَّكَ وَاللَّهِ إِنْ قَتَلْتَ رَجُلًا وَاحِدًا فَكَأَنَّمَا قُتِلَ النَّاسُ جَمِيعًا، قَالَ: فَرَجَعْتُ وَلَمْ أُقَاتِلْ.» وقد ذكر سابقًا أن أبا هريرة قال: اليوم هو يوم القتال.عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ يَوْمَ الدَّارِ: «قَاتِلْهُمْ، فَوَاللهِ لَقَدْ أَحَلَّ اللهُ لَكَ قِتَالَهُمْ، فَقَالَ: لَا وَاللهِ لَا أُقَاتِلُهُمْ أَبَدًا، قَالَ: فَدَخَلُوا عَلَيْهِ وَهُوَ صَائِمٌ، قَالَ: وَقَدْ كَانَ عُثْمَانُ أَمَّرَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ عَلَى الدَّارِ، وَقَالَ عُثْمَانُ: مَنْ كَانَتْ لِي عَلَيْهِ طَاعَةٌ فَلْيُطِعْ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الزُّبَيْرِ.»عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: «قُلْتُ لِعُثْمَانَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ مَعَكَ فِي الدَّارِ عِصَابَةً مُسْتَنْصَرَةً بِنَصْرِ اللهِ بِأَقَلَّ مِنْهُمْ لِعُثْمَانَ، فَأْذَنْ لِي فَلْأُقَاتِلُ، فَقَالَ: أَنْشُدُكَ اللهَ رَجُلًا، أَوْ قَالَ: أَذكِّرُ بِاللهِ رَجُلًا أَهْرَاقَ فِيَّ دَمهُ، أَوْ قَالَ: أَهْرَاقَ فِيَّ دَمًا.»

قال المصلح الموعود : ثم إن الأحداث التي وقعت مع عثمان تؤكد أنه لم يكن خائفًا منها، إذ الثابت تاريخيًّا أن المتمردين لما استولوا على المدينة كانوا ينتشرون قبل الصلاة في المسجد ليفصلوا أهل المدينة بعضهم عن بعض، حتى لا يجتمعوا ولا يهبّوا للمقاومة. وبرغم هذا الجو المشحون بالفتنة والفساد، كان عثمان يحضر المسجد للصلاة وحده دون خوف، وظل يحضرها إلى أن حال المفسدون دون ذلك. ولما تفاقمت الفتنة وهاجم المتمردون بيت عثمان ناشد الصحابةَ ألا يعرّضوا أرواحهم للخطر من أجله، بل عليهم أن يرجعوا إلى بيوتهم بدلاً من حراسة بيته. أهكذا يتصرف الخائف من الشهادة؟ أيقول الخائف للناس: لا تحرسوني بل ارجعوا إلى بيوتكم؟

يزعم البعض أن عثمان كان ضعيف القلب، ولكن كم من الناس يمكن أن يُبدوا الشجاعة كالتي تحلى بها عثمان ؟ وكيف يمكن أن يقال، والحال هذه، أنه كان يخاف؟ لو كان خائفًا لقال لمعاوية : نعم ابعثْ إليَّ بكتيبة من جيشك لحراستي وأنا سأنفق عليهم. لو كان خائفًا لأعلن بين الناس أن معاوية سيأخذ بثأري ممن يتعرّض لي بسوء. ولكنه لم يجب معاوية إلا بقوله: إن فيك حدة وأخاف أن تقسو على المسلمين إذا أعطيتك هذا الخيار.

ثم لما تسوّر الأعداء بيت عثمانَ لاغتياله، لم يَخفْهم أبدًا، بل ظل يقرأ القرآن بسكينة. فتقدم ابن لأبي بكر -سامحه الله- وأخذ بلحية عثمان وهزّها بشدة، فرفع عثمان بصره وقال: يا ابن أخي، لو كان أبوك هنا لما فعلت ما فعلت. فارتعدت فرائصه ورجع نادمًا. فتقدم شخص آخر وضرب رأس عثمان بقضيب من حديد، ثم ركل برجله المصحف الموجود أمامه ورماه. ثم جاء شخص ثالث وضرب عثمان بسيفه وقطع يده، فاستُشهد. من ذا الذي يمكنه بعد رؤية هذه الأحداث أن يقول إن عثمان كان خائفًا مما وقع به؟ (الخلافة الراشدة)

فزع المفسدين ورعبهم منه

ولما كان المتمردون قد نالوا الغلبة في الظاهر، أرسلوا شخصًا إلى عثمان كمحاولة أخيرة مطالبين إياه أن يعتزل عن الخلافة ظنًّا منهم أنه لو فعل ذلك بنفسه لما كان عند المسلمين حق أو مجال لمعاقبته. (أي لن تكون هناك فرصة لدى المفسدين لمعاقبته) حين وصل هذا الرسول إلى عثمان قال له ما معناه: لم أرتكب ذنوبًا وآثامًا في الجاهلية ولم أخالف أوامر الإسلام بعد أن أسلمتُ، فبأي ذنب أخلع قميصًا ألبسنيه الله ؟ وقال: «لستُ خالعًا قميصًا كسانيه الله .» رجع الرسول بعد سماعه هذا الجواب من عثمان وقال لأصحابه: علقنا والله في مصيبة. والله ما ينجينا من الناس إلا قتله، لأنه في حال قتله ستنقلب الحكومة رأسًا على عقب وستعم الفوضى ولن يكون أحد قادرًا على معاقبتنا، وما يحل لنا قتله؛ (أي ليس من حل سواه) ولكن لا يجوز قتله.

إن كلامه هذا لا يدل على فزع المتمردين فقط بل يدل أيضًا على أن عثمان إلى ذلك الحين لم يقم بأي تصرف يعطيهم عذرًا لقتله، فكانوا يشعرون بأن قتله لا يجوز بأي شكل.

حين كان المتمردون يخططون لقتله جاء عبد الله بن سلام الذي كان عزيزًا في قومه قبل إسلامه أيضًا وكان اليهود يعتبرونه رئيسًا لهم وعالما فذًّا، «حتى قام على باب الدار ينصحهم ونهاهم عن قتله. قائلًا يا قوم لا تسلُّوا سيف الله عليكم فوالله إن سللتموه لا تغمدوه. (وسيبقى مسلولًا على المسلمين للأبد وسيظلون يتقاتلون، فليتعقلوا) وقال: ويلكم إن سلطانكم اليوم يقوم بالدرَّة (أي في الحدود الشرعية يعاقب بالدرة) فإن قتلتموه لا يقُمْ إلا بالسيف. (أي سوف يُقتَل الناس بجرائم بسيطة) ويلكم إن مدينتكم محفوفة بملائكة الله، والله لئن قتلتموه لتتركنَّها.»

لم يستفد المتمردون من هذه النصيحة أيضًا وطعنوا في الدين السابق لصحابي الرسول عبد الله بن سلام وقالوا: يا ابن اليهودية وما أنت وهذا؟ الأسف كل الأسف أنهم تذكروا أن عبد الله بن سلام كان يهوديًّا قبل إسلامه ولكنهم لم يتذكروا أنه كان قد أسلم على يد النبي ، وفرح النبي كثيرًا بإسلامه، وأنه كان يشارك النبي في الأفراح والأتراح دائمًا. وكذلك تناسَوا أيضًا أن قائدهم الذي أضلهم -أي عبد الله بن سبأ الذي يَعتبر عليًّا وصيًّا ويُبرزه مقابل عثمان رضي الله عنهما- أيضًا كان ابن يهودية بل كان هو نفسه يهوديًّا وإنما كان يتظاهر بالإسلام فقط.

رجع عبد الله بن سلام يائسًا من تصرفات المفسدين. أما المتمردون فقرروا أن يتسوروا الجدار من بيت الجيران ويدخلوا على عثمان ويقتلوه إذ كان ذلك متعذرًا عليهم مرورًا بالباب لأن المدافعين على الباب، وإن كان عددهم قليلًا، كانوا جاهزين للتضحية بأرواحهم في سبيل الدفاع عن عثمان . فتسور بعض من المتمردين جدار الجيران واقتحموا بيته وكان يقرأ القرآن الكريم، وقد اعتاد منذ أن حوصر أن يكون عاكفًا إما على الصلاة أو على تلاوة القرآن الكريم، وما كان يهتم بأي أمر آخر، غير أنه عيَّن شخصينِ على بيت المال قبل أن يقتحم المتمردون البيوت. وذلك لأنه من الثابت «أنه رأى من الليل أن نبي الله يقول: أَفطِر عندنا الليلة.» ومن هذه الرؤيا تيقن عثمان أنه سيُستَشهَد في ذلك اليوم، فنظرًا إلى مسؤوليته تجاه أموال المسلمين أمر شخصَينِ أن يحرسا بيت المال حتى لا يُقدِم أحد على نهبها في حالة الفوضى والفساد.

باختصار عندما دخل المفسدون بيته وجدوه يقرأ القرآن الكريم. وكان من المهاجمين محمد بن أبي بكر أيضًا الذي كان يرى إقحام نفسه والتقدم في كل أمر واجبًا عليه نظرًا إلى ما كان يحظى بين المفسدين من مكانة (لكونه ابن سيدنا أبي بكر ). فدخل محمد بن أبي بكر على عثمان وأخذ بلحيته وشدَّها بقوة فقال له عثمان : يا ابن أخي لو كان أبوك حيًّا لما أقدمت على هذا التصرف قط، ويلك أَعَلى الله تغضب؟ هل لي إليك جرم إلا حقَّه الذي أخذتُه منك؟ أي إنما تنقم مني لأني أقول لكم أن تؤدوا حقوق الله) فنكل ورجع. وأما الآخرون فبقُوا هنالك لأنهم رأوا هذه الفرصة مواتية وأخيرةً لتحقيق مآربهم لأن الخبر المؤكد بدخول جيش البصرة في المدينة قد بلغ، فقرروا ألا يخرجوا من البيت دون نيل هدفهم. فتقدم أحدهم وضرب رأس عثمان بقضيب من الحديد، وركل المصحف الذي كان أمامه ، فاستدار المصحف فاستقر بين يدي عثمان وسقطت عليه الدم من رأسه . أما القرآن فلا يقدر أحدٌ على الإساءة إليه إلا أن هذا الحادث قد فضح حقيقة تقوى المفسدين وأمانتهم بوضوح تام.

الآية التي وقع عليها دم عثمان كانت في الحقيقة تشير إلى نبوءة عظيمة وقد تحققت في وقتها بكل عظمة وجلاء حتى إن أقسى الناس قلبًا أيضًا قد أغمض عينيه لهول المشهد المتمثل في الحروف الملطخة بالدم. كانت الآية:

فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (19)

ثم تقدم شخص اسمه سودان بن حمران ليهاجم سيدنا عثمان بالسيف، فتلقاه على يده فقُطعتْ. فقال ما مفاده: والله إنها لأول يد كتبتِ القرآن الكريم. ثم حاول سودان أن يهاجمه ثانية ويقتله فانكبَّتْ عليه زوجته نائلة. ولكن ذلك الشقي لم يتورع حتى عن الهجوم على امرأة. فقُطعت أصابع يدها فولَّت.

فهاجمه مرة ثالثة وأصابه بجروح خطيرة. ثم ظن ذلك الشقي أنه لم يلفظ أنفاسه بعد وإنما هو مغشي عليه ومضطرب بسبب الجروح وقد ينجو من الموت فبدأ يخنقه ولم يتركه ما لم يسلِّم روحه ملبيًّا دعوة النبي . إنا لله وإنا إليه راجعون.

أول الأمر لم تقدر زوجته أن تنبس بكلمة لهول المشهد ثم تشجعت ونادت الناس، فأسرع الجالسون على الباب إلى الداخل ولكن مساعدتهم الآن كانت بلا جدوى إذ كان قد حدث ما كان حدث. فلما رأى عبد من عبيد عثمان -كان قد أعتقه من قبل- سيفًا ودمًا في يد سودان لم يتمالك نفسه فقتله. فقتله أحد المفسدين.

استشهاد حضرته يُعرِّي المتمردين

باستشهاد حضرة عثمان أمسى عرش الحكومة الإسلامية خلوًا من وجود الخليفة. فرأى أهل المدينة أنه لا جدوى الآن من فعل أي شيء فالتزموا بيوتهم. أما المفسدون فقد بدأوا يعتدون على بيته وأهله بعد أن قتلوه.

فتنحّتْ زوجة عثمان من المكان، وحين ولَّت قال أحد هؤلاء الأشقياء بحقها كلمة قذرة جدًّا.

لا شك أن الذي يملك أدنى حدٍّ من الحياء -أيًّا كان دينه أو مذهبه- لا يستطيع أن يتصور أن يكون هؤلاء الأشقياء قد أعربوا عن أفكار سيئة وقذرة إلى هذه الدرجة بُعيد قتلهم مَن كان من أقدم صحابة النبي وكان زوج بنتيه وحاكم الدولة الإسلامية كلها وخليفة المسلمين. ولكن الحق أن وقاحتهم كانت قد تجاوزت الحدود كلها بحيث لم يكن مستبعَدًا عليهم أي نوع من الوقاحة والرذيلة لأنهم لم يهبُّوا لتحقيق أي هدف نبيل مطلقًا، ولم تتضمن عصابتهم رجالا صالحين. بل كان بعضهم مخدوعين بخداع اليهودي عبد الله بن سبأ فصاروا من المعجبين بحركاته الغريبة والمعادية للإسلام. وكان بعضهم معجبين بالحركات المتطرفة الثورية. كان بعضهم من المجرمين الذين عوقبوا فيما سبق على جرائمهم وكانوا يريدون أن يشفوا بذلك غليل ضغائنهم وبغضهم. كما كان غيرهم لصوصًا ونُهّابًا ويرون فرص تقدمهم مواتية في إثارة الفتنة حسب زعمهم. لذا فلا عجب من وقاحتهم بهذه الطريقة بل كانت الغرابة لو لم تظهر منهم هذه التصرفات.

حين كان المفسدون مشغولين في القتل والنهب لم يتمالك أحد عتقاء عثمان نفسَه عند سماعه صرخات أهل بيت عثمان فقتل مَن قتل، فقتلوه أيضًا وسلبوا حُلي النساء وخرجوا من البيت ضاحكين مستهزئين.

ولما تفاقمت الفتنة وهاجم المتمردون بيت عثمان ناشد الصحابةَ ألا يعرّضوا أرواحهم للخطر من أجله، بل عليهم أن يرجعوا إلى بيوتهم بدلاً من حراسة بيته. أهكذا يتصرف الخائف من الشهادة؟ أيقول الخائف للناس: لا تحرسوني بل ارجعوا إلى بيوتكم؟

لحظة استشهاد حضرته والبقعة السوداء في ثوب الأمة

قيل عن استشهاد عثمان أنه قُتل بالمدينة يوم الجمعة لثماني عشرة أو سبع عشرة خلت من ذي الحجة سنة خمس وثلاثين من الهجرة. وقال أبو عثمان النهدي: قُتل في وسط أيام التشريق أي في الثاني عشر من ذي الحجة. وقال ابن إسحاق: قُتل عثمان على رأس إحدى عشرة سنة، وأحد عشر شهرًا واثنين وعشرين يومًا من مقتل عمر بن الخطاب، وعلى رأس خمس وعشرين من وفاة رسول الله .

وفي رواية أخرى عن عبد الله بن عمرو بن عثمان قال: قُتل يوم الجمعة لثماني عشرة ليلة خلت من ذي الحجة سنة ست وثلاثين وكان يومئذ صائمًا، وقُتل وهو ابن اثنتين وثمانين وقال أبو معشر: قتل وهو ابن خمس وسبعين سنة.

وقد ورد عن مراسم كفنه ودفنه: قال نيار بن مكرم: حملناه ليلة السبت بين المغرب والعشاء، فكنت أنا وجبير بن مطعم وحكيم بن حزام وأبو جهم بن حذيفة العدوي، وتقدم جبير بن مطعم فصلى عليه. فصدقه معاوية، وكانوا هم الذين نزلوا في حفرته. وفي رواية أن جبير بن مطعم صلى على عثمان في ستة عشر رجلاً. قال ابن سعد: الحديث الأول: صلى عليه أربعة، أثبت.

عن الربيع بن مالك بن أبي عامر عن أبيه قال: كان الناس يتوقون أن يدفنوا موتاهم في حش كوكب (الحش حديقة صغيرة، وكوكب اسمها، كان يملكها أنصاري وكانت قريبة من البقيع) فكان عثمان بن عفان يقول: يوشك أن يهلك رجل صالح فيدفن هناك فيتأسى الناس به. قال مالك بن أبي عامر: فكان عثمان بن عفان أول من دفن هناك.

وقد جاء عن كيفية دفنه أن المفسدين والمتمردين لم يسمحوا بدفنه إلى ثلاثة أيام. عن أبي بشير العابدي قال نُبذ عثمان ثلاثة أيام لا يدفن ثم إن حكيم بن حزام وجبير بن مطعم كلّما عليًّا في دفنه وطلبا إليه أن يستأذن أهله في ذلك ففعل وأذنوا لعلِيٍّ. فلما سمع بذلك المفسدون قعدوا له في الطريق بالحجارة وخرج به ناس يسير من أهله وهم يريدون به حائطًا بالمدينة يقال له حش كوكب كانت اليهود تدفن فيه موتاهم فلما خرج على الناس رجموا سريره وهموا بطرحه فبلغ ذلك عليًّا فأرسل إليهم يعزم عليهم ليكفوا عنه ففعلوا فانطلق حتى دُفن في حش كوكب. فلما ظهر معاوية بن أبي سفيان على الناس أمر بهدم ذلك الحائط حتى أفضى به إلى البقيع فأمر الناس أن يدفنوا موتاهم حول قبره حتى اتصل ذلك بمقابر المسلمين.

وجاء في بعض كتب التاريخ أن عثمان اشترى الحائط المذكور وضمه إلى البقيع.

المراجع:

  1. انظر: (علي محمد الصلابي، سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شخصيته وعصره)
  2. (الإصابة في معرفة الصحابة)
  3. انظر: (علي محمد الصلابي، سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شخصيته وعصره)
  4. انظر: (علي محمد الصلابي، سيرة أمير المؤمنين عثمان بن عفان شخصيته وعصره)
  5. معان مدينة في جنوب الأردن قريبة من حدود الحجاز والزرقاء تقع إلى الشمال من معان نحو 250 كم

6 و 7.  (الطبقات الكبرى لابن سعد ج3)

  1. (شرح العلامة الزرقاني، جزء 4)
  2. (المعجم الكبير للطبراني ج1)
  3. (سيرة ابن هشام، باب الهجرة الأولى)
  4. (الطبقات الكبرى لابن سعد، ج3)
  5. (مجمع الزوائد ومنبع الفوائد ج6)
  6. (المستدرك على الصحيحين ج7)
  7. (سيرة بن هشام)
  8. (سیرة أمیر المؤمنین عثمان بن عفان لعلي محمد الصلابي ص 51 دار المعرفة بیروت 2006)
  9. (سیرة أمیر المؤمنین عثمان بن عفان لعلي محمد الصلابي ص 53 دار المعرفة بیروت 2006)
  10. (سیرة أمیر المؤمنین عثمان بن عفان لعلي محمد الصلابي ص 54 دار المعرفة بیروت 2006)
  11. (صحيح مسلم، كتاب فضائل الصحابة)
  12. (البقرة: 138)
Share via
تابعونا على الفايس بوك