لماذا لا يكفون عن تسور المحراب؟

لماذا لا يكفون عن تسور المحراب؟

التحرير

  • ففي أي سياق ذُكر حادث تسور المحراب أول مرة؟
  • وكيف يتكرر هذا الحادث بحذافيره وملابساته في كل عصر؟
  • ثم ما تفسير ذلك الهجوم المحموم على الخلافة في جماعة المسيح الموعود (عليه الصلاة والسلام)؟

__

محاولات النيل من المشاريع الكبرى لا تكاد تنتهي، وما من قصة نجاح إلا وفي سبيل تحققها مُنِيَ صاحبها بإخفاقات ومصائب ألقاها في طريقه الحانقون والناقمون عليه، وكلما عظمت تطلعات المرء، كانت الحرب عليه أعتى وأشد، هذه العبارة البادية في ثوب الحكمة ليست فقط مقتصرة على الأفراد، بل تنطبق كذلك على الجماعات، لا سيما جماعات المؤمنين، فسموُ الغاية وضراوة الصعوبات أمران لا يفترقان، كوجهي العملة الواحدة، ألا نرى أن مسألة إيمان المرء على سموها تستلزم تعرضه لفتن عظيمة؟!

أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (1).

ولقد تعودنا على سماع أقوال من قبيل أن المرء كلما ينجح يكثر حاسدوه، والحق أن هذا القول تؤكده شتى المشاهدِ في حياتنا اليومية، بل إنه ليصدق كذلك على تفاصيل العالم الروحاني..

ومن مظاهر عظمة القرآن، أنباؤه المسبقة عن حوادث مُستقبلية تكررت في الأزمان الخالية، لهذا السبب يروق لنا أن ننظر إلى ذلك الكتاب الحكيم بوصفه كتاب سنن كونية.. والسنن قوانين لا تتغير ولا تتبدل، ولأن الخطأ من طبيعة الإنسان، حتى إذا ما وقع فيه ندم والتمس فرصة جديدة، أرسى الله تعالى في الكون سنة تكرار أحداث التاريخ المفصلية، فمن نِعَمه علينا أن علمنا سننه الثابتة تاركًا لنا الخيار ما بين السير عليها أو إهمالها، ومن ثم علينا تحمل النتائج.

ومن أحداث التاريخ المفصلية وسننه الثابتة، بل وأهمها، بعث النبيين وإقامة الخلفاء الربانيين في سبيل إقامة ملكوت الله تعالى على الأرض. وطالما تحدثنا في أعداد سابقة عن سنة الله تعالى في إقامة الخلفاء، وفي افتتاحية هذا العدد ندور أيضًا حول محور هذا الموضوع، ولكن هذه المرة في فلك جديد لم ندر فيه من قبل، ألا وهو الحديث عن الدور الشيطاني القديم في مجابهة مشروع الخلافة الربانية العظيم، ذلك الدور المُعَبَّرِ عنه في كتاب الله بـ “تسوُّر المحراب”، وقصة تسور المحراب لا يكاد يجهلها مسلم قارئ للقرآن، دارت أحداثها على نحو واقعي زمن حضرة نبي الله داود الذي خاطبه الله تعالى بقوله:

يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ (2)،

فقد تسورت طائفة من المفسدين المحراب بغية التخلص منه، وهو الخليفة الذي أقامه الله تعالى، في مخطط خبيث تفطن إليه حضرة داود لاحقًا، وقد كانت دعوى المفسدين، وقتئذ وكل وقت، تتلخص في ادعائهم السعي للحكم بالحق والإصلاح بين المختصمين، بينما هم يضمرون الكيد والفساد.. لقد سجَّل التنزيل الحكيم دعواهم عليهم في قوله:

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (3)،

فما أشبه الليلة بالليالي الخاليات البارحة!

وباقترابنا إلى مسافة أقرب من هذه الواقعة، تتضح لنا في وجه النبي داود ملامح ذي النورين حضرة عثمان بن عفان وقد تسور الخصم البغيض محرابه، أيضًا بدعوى الإصلاح، فيا له من إنجاز ذلك الذي حققه أولئك الفاسدون المفسدون، وما زلنا نتجرع مرارته على مر القرون! ولكي نكون موضوعيين، علينا الاعتراف بأن قَتلة ذي النورين الذين تسوروا محرابه لم ينجزوا شيئًا سوى أنهم كانوا سببًا في تكرار القصة القرآنية ودليلًا ساطعًا على تحققها، فتسور المحراب قصة قرآنية تتكرر وقائعها في كل العصور منذ أذاع الله تعالى مشروعه الأكبر أول مرة بقوله :

… إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً (4)..

أما المتمردون على حضرة عثمان بن عفان فقرروا أن يتسوروا الجدار عبر بيت الجيران مقتحمين على الخليفة الراشد الثالث خلوته في محرابه، وهو إذّاك يتلو القرآن الكريم وقد كان منذ أن حوصر معتكفًا صائمًا قائمًا، وذلك أنه قد ورد في الروايات من طرق متعددة أن أمير المؤمنين عثمان بن عفان رأى النبي ليلة استُشهد، وهو يقول له: «أَفْطِرْ عِنْدَنَا اللَّيْلَةَ»(5)، فأصبح  صائمًا، فتسورُوا الجدار عليه، فقتلوه، ومن تلك الرؤيا تيقن سيدنا عثمان أنه سيُستَشهد في ذلك اليوم.. وفي ضوء القصة القرآنية والسُنة التاريخية المتكررة نرى أن نتعمق أكثر في فهم الدلالة الرمزية للمحراب. والمحراب بحسب علم تعبير الرؤيا هو في المنام رئيس أو إمام، فمحاولة تسور المحراب إذن تُفهَمُ على أنها محاولة يائسة بائسة للنيل من مقام النبوة، فإنْ تحقق للمفسدين هذا المطلب، لا سمح الله، يُصبح النيل من مقام الخلافة أمرًا في المُتناوَل، بل تحصيلَ حاصل، ذلك لأن كل نبوة تتبعها خلافة حتمًا، فإن لم يكن ثمة نبوة، يصبح القول بوجود الخلافة محض هراء وافتراء.

والمسلمون في كافة أصقاع الأرض منذ عقود، وبُعيد انهيار دولة الخلافة العثمانية، يبذلون محاولات مستميتة في سبيل إقامة مشروع الخلافة من جديد، يريدون أن يقيموه بأيديهم، معرضين عن المشروع الذي أقامه الله تعالى بيده، ولسان حالهم يردد قول الله تعالى:

وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا * اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّةَ الْأَوَّلِينَ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا (6).

فخلاصة القول أن تسور المحراب هو محاولة لدحض النبوة بما ينتج عنه في المحصلة التخلص من مقام الخلافة.

فهلا تنبَّه المسلمون الأحمديون الذين عقدوا البيعة على يد خليفة المسيح الموعود إلى هذا الأمر الدقيق؟! لقد دُعي المسيح الموعود على لسان حضرة خاتم النبيين بـ “نبي الله”، 4 مرات متتالية، هذا ما ورد في صحيح مسلم! أما أعداء المسيح الموعود ومكفروه من المشايخ والفرق، فكل هؤلاء البؤساء إنما يسعون من وراء تكفيرهم حضرته إلى دحض خلافته المباركة، فإن لم يكن حضرته نبيًّا حقًّا، فأنى لخلافته أن تكون على منهاج النبوة؟!

إنها الحرب الضروس المعهودة على الخلافة، فحذار من الانخداع بهؤلاء ودعاويهم الباطلة، التي دحضها حضرة خاتم النبيين أولًا بإعلان نبوة مسيحه بنفسه، ثم ثانيًا بالبيان الواضح من المسيح الموعود بنبوته أيضًا في كتاب «إزالة خطأ»، الذي أزال فيه حضرته خطأ المواربة الذي يقترفه بعض المنتسبين إليه بغية كسب ود الخصوم، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

وشهر مايو/ آيار من كل عام يُعيد إلينا ذكرى تضميد الله تعالى جرحًا في قلب جماعة المؤمنين، ففي السادس والعشرين منه عام 1908 توفي المسيح الموعود فكان الضِّمادُ الإلهي الفوري بقيام الخلافة الراشدة الثانية يوم السابع والعشرين من مايو 1908 على منهاج نبوة المسيح الموعود ، ليكون عهد الخلافة امتدادًا طبيعيًّا لعهد بركة سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود.

وحول موضوع جماعة المؤمنين وعلاقتها بالخلافة، تنفرد صفحات التقوى بعرض ملخص متكامل لمجموعة خطب ألقاها حضرة خليفة الوقت تاليًا ذكر حضرة الخليفة الراشد ذي النورين، عثمان بن عفان وذكراه العطرة، في إطار تناول حضرته سير الصحابة البدريين (رضي الله تعالى عنهم).. وتدور كافة مواد عدد هذا الشهر في هذا الفلك السامي، ندعو الله تعالى أن يديم علينا ظل الخلافة الراشدة، ويرد كيد كل كائد في نحره، ويقينَا شر متسوري المحراب في هذا العصر، آمين.

الهوامش:

  1. (العنْكبوت: 3)
  2. (ص: 27)
  3. (ص: 22-23)
  4. (البقرة: 31)
  5. رواها الحاكم في «المستدرك)، وابن أبي شيبة في «المصنف» (6/ 181)
  6. (فاطر: 43-44)
Share via
تابعونا على الفايس بوك