السبب الحقيقي لحلول البركات على الأمة الإسلامية

السبب الحقيقي لحلول البركات على الأمة الإسلامية

التحرير

لقد كان للحظات الأولى، التي تلت وفاة أشرف المرسلين وسيد الأولين والآخرين ، أثرٌ مهمٌ وحاسمٌ في مستقبل الأمة الإسلامية. فماذا كان سيحدث لولا وقفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه الشهيرة التي أذهبت الروع عن المؤمنين وجعلتهم يسلمون بالحقيقة المؤلمة. بعد ذلك بدأوا يفكرون بالأيام المقبلة وكيف ستستقيم الأمور بغياب النبي الذي كان بين ظهرانيهم. لقد كانوا آمنين مطمئنين بوجوده بينهم. كانوا مستعدين لخوض البحر معه وقطع الفيافي وركوب الأهوال. كانوا متفقين على قائدهم الرباني الملهم الذي يسأل فيجاب من الله ويأمر فيطاع منهم. أما الآن فما العمل وماذا علينا أن نفعل لنستشعر بالأمن والأمان. لابد إذن من الإمام الذي هو على قدم المصطفى والذي يجب أن نؤدي له فروض السمع والطاعة كما كنا نؤديها لنبينا. وهو الذي سنسلّمه مسئوليةَ مستقبلنا ومصيرنا. لذا علينا أن نختار أقربَ الناس إلى المصطفى من حيث التقوى والخلق العظيم، وأعرفَ الناس بصفاته وأكثرَهم لزومًا له. فمن يكون ذلك الشخص غير الصديق العظيم رضي الله عنه.

ولقد اتفق المسلمون أخيرًا ووصلوا إلى قرارهم بإجماع كبير في ساعات معدودة وإن كان قد حدث هرج ومرج من البعض في البداية. وسقطت كل الاعتبارات إلا التقوى. فحُسم الأمر ليتبوأ هذا المنصب أتقى الناس. ذلك بأن المسلمين الذين كانوا قد شهدوا عهد المصطفى كانوا يطمحون في استمرار هذا العهد في ظل قائدٍ يكون الأقرب إلى صفاته وشخصيته. فلقد عرفوا قبل ذلك الزعامات الأخرى، التي بُنيت على أسس أخرى كالحسب والنسب والغنى والتي مزقتهم قبل الإسلام كل ممزق وكادت تفنيهم. فتاريخ حروب الأوس والخزرج مازال ماثلًا. وهذه المدينة التي كانت مدينة الأعداء بسبب الزعامات التقليدية غدت مدينة الإخوان في العهد الجديد. لذا فيجب ألا نعود إلى ذلك التاريخ المقيت باختيار قادة على أسس غير أسس التقوى. فسقطت السقيفة وما دار تحتها فبدأت الخلافة الإسلامية بأبي بكر الصديق لتسجل أول صفحة من قيادة تاريخية قادت الأمة الإسلامية إلى معالي العز والرفعة.

لقد كان التقوى والصلاح هما المعياران في اختيار الخلفاء الراشدين لأن الناس كانوا يريدون زمنًا أشبه ما يكون بزمن المصطفى. وتلك النقلة التاريخية كانت أول مثال في التاريخ لاختيار زعيم، ليس بنبي، على أسس جديدة لم تكن معروفة عند غير المسلمين ولم يكونوا يقيمون لها بالًا. ولأجل تلك الحكمة سكت المصطفى ولم يسمِّ خليفته من بعده مع إقراره وتصريحه بفضل أبي بكر على غيره. فلو أوصى به الرسول كخليفة للمسلمين من بعده لفقد حادث تأسيس الخلافة بريقه. ذلك لأن الناس عندئذ سينظرون إلى أمر استخلافه كأمر مسلَّم به ولن تظهر إرادتهم في اصطفاء الأتقى وفي الرغبة في استمرار زمن النبي إلى ما شاء الله.

ولقد حافظ المسلمون على هذا النظام على مدى سنين طويلة. ونظروا إليه بعين الإجلال والإكبارِ. ذلك بأن الخليفة يُفترض أن يكون ممثلَ الرسول ووارثَ مقعده. فما أن لبس هذا الرداء حتى ظهر بمظهر التقوى ما استطاع، وقام بالعمل على مصلحة الأمة وإصلاح شئونها كي يكون مستحقا لهذا المنصب. فكانت ازدهارًا عظيمًا ومنعةً وحضارة شهد لها القاصي والداني.

فبلا شك كانت الخلافة، سببًا مباشرًا في حلول البركات على الأمة الإسلامية. وكانت مظهرًا تجلت فيه في الناس إحدى صفات الله ألا وهي صفة الاصطفاء. فكما أن الله يصطفي رسله كذلك كان الأتقياء يصطفون أتقاهم ليقودوهم. أما عندما اختل الميزان وبدأ اختيار الخلفاء يبنى على أسس دنيوية وراثية أو غيرها، وعندما امتزجت السياسة والمصالح بنبع الدين النقي ولوثته، بدأت بركاتُ الخلافة بالاضمحلال، ولكنها لم تنته نهائيًا بسبب بقاء هذا المنصب، ولو صوريًا، وحرص من حل في هذا المنصب أن يظهر ولو قليلا بمظهر التقي الذي يستمد شرعية منصبه من الدين.

وما أن انهار المنصب الصوري أيضًا وسقطت الخلافة عند عامة المسلمين، حتى وقعوا في مصائب لا تعد ولا تحصى. ومازالوا يعانون مما أصابهم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى ووقوعهم تحت نفوذ المستعمرين وتشرذمهم إلى هذا الوقت، فرُفعت عنهم بركات الخلافة كلها. وتفرَّقوا في دنياهم ومصالحهم حتى استباح المسلم دم أخيه المسلم في سبيل المصالح القطرية أو القومية أو الإقليمية. وفرّقوا دينهم وكانوا شيعًا كل حزب بما لديهم فرحون. وذلك لأن الخلافة كانت امتيازًا لم يكن بمقدور أحد أن يحصل عليها دون دعم من معظم المسلمين أو نتيجة تقادم تاريخي موغل عمره مئات السنين. فلم يستطع المسلمون إعادة الخلافة بعد انهيارها لأنه لا يمكن لهم أن يتفقوا على شخص واحد. فأرسل الله تعالى قبل ذلك بفترة الإمامَ المهدي والمسيح الموعود عليه الصلاة والسلام على منهاج النبوة في اتباع المصطفى وتحت ظله. وعهد إليه تأسيسَ جماعة من الأتقياء على غرار جماعة المسلمين الأولى. يوحدهم الإيمانُ بمرسل من الله من الأمة المحمدية لا يختلفون على حكمه ما داموا يؤمنون به. فكان لزامًا عليهم ألا يردّوا ما جاء به لأنه ليس كغيره من المجددين والمصلحين الذين قد يخطئون ويصيبون. والإيمان به ليس اختياريًا وإنما ينبغي على كل من عرفه أن يؤمن به حسب وصية المصطفى . فشهدوا بوجوده بينهم بركات كثيرة أعادت للإسلام بهاءه بعد أن بهت بتخاذل المسلمين وبسموم أعدائهم. فتأسست في الأمة الإسلامية جماعة كانت على ما كان عليه المصطفى وأصحابه. جمعها الإيمان ولم تفرقها الدنيا ولا المصالح الدنيوية. وجعلها الله مجردة من السلطان الدنيوي لكي لا تلوثها المصالح الدنيوية ولا يطمع فيها الطامعون. وما أن فارق الإمام المهدي جماعته بالوفاة حتى عادت هذه السنَّة الحميدة. فلقد ترك الإمام المهدي جماعته كما ترك سيده المصطفى جماعته لنفس الحكمة المراد بها جعل المتقين مظهرًا للاصطفاء. وكان اختيار الجماعة الثانية كاختيار أسلافهم الأوائل. فكان الأتقى والأقرب لصفات الإمام المهدي هو خليفته عليهم، وعاد النظام من جديد. هذا النظام الذي ننعم ببركاته نحن المسلمين الأحمديين ونقدره تقديرًا عظيمًا ونحرص عليه أشد من حرصنا على أنفسنا وأهلينا. وظهرت هذه البركات للعيان وستظهر إن شاء الله لتصبح كالشمس في كبد السماء. فلقد قامت الجماعة تحت ظل الخلفاء بخدمة الإسلام خدمات جليلة لم يستطع المسلمون أجمعين أن يقوموا بها باعتراف الجميع من عدو وصديق. وتكاتفت طاقات المسلمين الأحمديين الأتقياء فبدأ نور الإسلام بالانتشار حيث نشرت تراجم كاملة للقرآن الكريم في أكثر من 50 لغة عالمية كما نشرت كتب دينية قيمة بلغات عديدة. ومازالت الجماعة الإسلامية الأحمدية تعمل كالجماعة الأولى على نشر هذا النور الذي أشرق في أم القرى لتهوي أفئدة الناس إلى بيت الله العتيق ولتوحّد توجهاتهم لتحقيق الخير لبني جنسهم. وها هي المسيرة تسير فطوبى لمن لحق بالركب وأدرك البركات. والخيبة والخسران لمن أنكر وجلس بلا رداء أو كساء أو مأوى، ليس له من دون العراء سترًا. فهل يستوي الذين استخلفوا في الأرض والذين هم من الخلافة محرومون. ألا فابحثوا عن خليفتكم وبايعوه ولو حبوًا على الثلج إن كنتم تعقلون. فمن رحمة الله أنه لا يُدعى في هذه الأرض غيره بالخليفة لكي يسهل الأمر عليكم إن كنتم ترغبون. فالحمد لله الذي أنعم علينا بنعم لا تعد ولا تحصى وهو الرحمن الرحيم. والحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك