«وفي أموالهم حق للسائل والمحروم»

«وفي أموالهم حق للسائل والمحروم»

الحافظ عبد الحميد

داعية إسلامي أحمدي

الشمس مشرقة والنجوم متلألئة والقمر منير، ولكن الغيوم الدجالية والأنانية أسدلت ستائرها وحجبت النور، وأشعلت النار، وأحرقت أشجار المحبة، وغطى دخانها عقولا صافية وقلوبًا تقية، وقلعت هوجاءها دوحات المؤاخاة، واستقطبت من الكرام كرامتَهم ومن الأجاويد جودَهم.

ألا ترون إلى الأقوام الذين كانوا يفتخرون بسخائهم وجُودهم، وكانت موائدهم مفتوحة للعام والخاص ولكل من هبّ ودبّ، وعتباتهم مجيرة للمحتاجين والفقراء. وكان الإنفاق رداءهم والشجاعة زينتهم ومساعدة الآخرين وتضيف الجائعين يشبعهم. يا لها من تقاليد كريمة عند العرب قد خلت، وصفاتهم الحميدة انمحت وشجاعتهم الشهيرة ضاعت. فهل نسوا قول الشاعر:

إذا سيدٌ منا خلا قام سيدٌ

قَؤولٌ لما قال الكرامُ فعولُ

أولم يقرؤوا حكايات سخاء آبائهم الأولين وشجاعتهم؟ كحكاية حاتم الطائي الذي ذبح حصانه المحبب لضيوفه، وكان التاج على رؤوس هؤلاء الأجاويد رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة رضوان الله عليهم كجوارحه، ومعظم الصحابة من العرب الذين كسحوا بيوت نفوسهم وأنفقوا مما آتاهم الله وسابقوا بالخيرات وأطعموا الجائعين وسقوا العاطشين وعادوا المرضى وألجأوا المستجيرين. قال الله في مدحهم:

وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ (الحشر:10).

ثم في موضع آخر قال:

وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (الإنسان: 9)،

وكتب الأحاديث مملوءة أيضًا من فضائلهم العالية وخصائصهم الرفيعة كما ورد في الحديث عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال:

إِنِّي مَجْهُودٌ فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَقَالَتْ وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى فَقَالَتْ مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ فَقَالَ مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ فَقَالَ أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ قَالَتْ لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي قَالَ فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ قَالَ فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ فَقَال:َ قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا” (باب الإيثار والمؤاساة، رياض الصالحين للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الطبعة الثانية مطبعة دار الفكر دمشق، سورية)

ولا يغيبن عن البال حديث أنس : كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالاً من نخل، وكان أحب الأموال إليه بير حاء، وكانت مستقبلة المسجد وكان رسول الله يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب. قال أنس : فلما نزلت الآية:

لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ (آل عمران: 93)،

قام أبو طلحة رضي الله عنه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إن الله تعالى أنزل عليك:

لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ .

وإن أحب مالي إلي بير حاء وإنها صدقة لله تعالى، أرجو برها وذخرها عند الله، فضَعْها يا رسول الله حيث أراك الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “بخٍ! ذلك مال رابح، وقد سمعتُ ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين. فقال أبو طلحة رضي الله عنه: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة رضي الله عنه في أقاربه، وبني عمّه. (باب الإنفاق مما يحب ومن الجيد، رياض الصالحين للإمام النووي).

ثم إن الله لا يضيع أجر من أحسن إلى عباده، كما ورد في القرآن:

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة: 261).

وقال رسول الله :

“مَا مِنْ يَوْمٍ يُصْبِحُ الْعِبَادُ فِيهِ إِلَّا مَلَكَانِ يَنْزِلَانِ فَيَقُولُ أَحَدُهُمَا اللَّهُمَّ أَعْطِ مُنْفِقًا خَلَفًا وَيَقُولُ الْآخَرُ اللَّهُمَّ أَعْطِ مُمْسِكًا تَلَفًا”، وفي حديث آخر، قال رسول الله : قال الله: “يَا ابْنَ آدَمَ أَنْفِقْ أُنْفِقْ عَلَيْكَ”.

يا أيها العرب إن اعتقادي أن الثمار الناضجة التي تأكلونها من هذه الأرض البور، هي جزاء إحسان آبائكم الأولين الذين غرسوا أشجارًا طيبة بأعمالهم الصالحة وبسخائهم الشهير المشرق كالشمس في رابعة النهار. هي الجنات التي لا ترونها أمام عيونكم ولا تسترعونها ولا تهتمون بها كالفلاحين والمزارعين ولكن تأكلون ثمارها في كل حين، فلم لا تنفقون مما آتكم الله؟ ولم لا تغرسون للأجيال المقبلة! أتريدون أن يُعامل أولادكم مثلما عومل نسل الرؤساء المتأخرين في الإسلام ببلاط سيدنا عمر رضي الله عنه؟ لم لا تنتبهون؟ وقد سمعتم ما قال نزار قباني فيكم:

والعالـــــــم العربي يرهن سيفه

حكاية الشرف الرفيع سرابْ

.

لولا العباءات التي التفوا بها

ما كنت أحسب أنهم أعرابْ

إن مشاهد الأطفال الصوماليين “العرب” الجائعين تزعج القلوب وتذيب الأرواح، وإن انتحار المغرمين في البلاد المتخلفة ينبهنا من عذاب الله! وإن تعرض اللاجئين للشدائد والمصائب يشد انتباهنا! ويحتاج إلى الاستعانة بالأجاويد الجوع يرقص أمامنا، والناس يموتون ضحايا له، والأمراض تتزايد يومًا فيومًا، وعشرات ملايين من المرضى لا يجدون الأدوية، ويتعرضون لسوء التغذية، ويعانون من الأمراض المتواصلة والمتزايدة ويتمنون الموت!! وتأوهات اليتامى والمساكين مرتفعة وصرخاتهم مطلقة ويد الفقراء والمحتاجين ممتدة، وتهددنا الآية

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ ،

اللهم نجنا من أن نكون من الذين لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم آذان لا يسمعون بها ولهم أعين لا يبصرون بها؟؟!!! معاذ الله!

[1] داعية إسلامي أحمدي

Share via
تابعونا على الفايس بوك