القرار غير الشرعي وانتصار الأحمدية

القرار غير الشرعي وانتصار الأحمدية

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة الجمعة ألقاها حضرة مرزا طاهر أحمد (أيده الله) الخليفة الرابع لسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام. بتاريخ 17 أيار/مايو 1985م في مسجد “فضل” بلندن. (القسط الثاني والأخير)

نقلها إلى العربية: عبد المجيد عامر (داعية إسلامي أحمدي)

“تنشر أسرة التقوى ترجمة هذه الخطبة على مسؤوليتها”

استكمالاً للقسط الأول الذي نشرته “التقوى” في عددها السابق نوجز لكم في ما يلي أهم ما ورد فيه لإعطائكم صورة موجزة من أجل الترابط الموضوعي والتسلسلي:

تناول القسط الأول من الخطبة مزاعم الإجماع البرلماني الذي تبنته حكومة باكستان في قرارها الجائر الذي اعتبرت فيه الجماعة الإسلامية الأحمدية جماعة مارقة عن الإسلام لتبرير ما أصدرته من أباطيل في بيانها الأبيض الذي أُصدر بإيعاز من طاغية باكستان الأسبق ضياء الحق، وبين الخطيبُ حقيقة دلالة الإجماع وكيف أن الأكثرية ليست دائماً برهاناً على الحق أو الباطل وإنما هناك اعتبارات شرعية أخرى يكون الحق فيها من نصيب الأقلية أمام أكثرية باطلة. وهذا ما أكدته مصادر الكتاب والسنة وأقوال السلف الصالح. وبناءً على ما سبق ذكره يعتبر قرار البرلمان المعارض للجماعة قراراً غير شرعي لا يمت بصلة إلى الإسلام، خصوصاً غير شرعي لا يمت بصلة إلى الإسلام، خصوصاً وإننا نعلم أن جل الأحزاب والتيارات الممثلة في البرلمان سبق وأن أصدرت حكومتهم ضدهم بيانا يصف سلوكياتهم الأخلاقية المنحطة التي تخالف أحكام الشرع مخالفة شديدة كشرب الخمر والزنى والشذوذ الجنسي والفساد المالي ونهب أموال الشعب والعمالة للأجانب.

وتساءل أمير المؤمنين في خطبته قائلاً: كيف يمكن اعتبار موقفهم من الجماعة موقف إجماع شرعي موثوق به وحالهم هذه حيث إنهم بعيدون كل البعد من صبغة المحبين الغيورين على شرف سيد الأطهار سيدنا محمد المصطفى وبالتالي فمزاعم الحكومة والبرلمان عن موقف إجماع أو سواد أعظم ضد الجماعة الإسلامية الأحمدية افتراء مكشوف باطل وقرار غير شرعي. “التقوى”

قمة الوقاحة

أما فيما يتعلق بحكومة باكستان الحالية فقد لاحظتم كيف تنشر وتشيع في العالم كله التهمَ البذيئةَ والفظيعة للإثبات أن أعضاء البرلمان بلغوا من سوء أخلاقهم وطويتهم بحيث لو أُلصق بأمثالهم من العالم المتحضر عشرَ معشار ما أُلصق بهم من التهم لاستقالوا على الفور. إن قضية “واترغيت” الأمريكية ليست بذات بال إزاء أعمال أعضاء البرلمان الباكستاني إطلاقاً، ومع ذلك كانت هناك ضجة كبيرة في العالم كله وتمت إدانتها من كل حدب وصوب لمجرد تجسس الجهة المسؤولة على الخصوم، مما أدى إلى انقلاب الحكومة. والجدير بالانتباه هنا أن الحكومة الأمريكية حكومة دنيوية عادية ولا علاقة لها بالإسلام وبقيمته ولم تتأسس باسم الدين أيضاً، ولكن مستوى أخلاقها عالٍ لهذه الدرجة. أما مستوى أخلاق الحكومة الإسلامية الباكستانية فهو متردٍّ لدرجة أنها من ناحية لا تملّ من الإعلان في العالم كله أن كافة أعضاء مجلس الشعب عام 1974م كانوا سيئي الأخلاق ووقحين للغاية – لا ندري فيما إذا كانوا فعلاً سيئي الأخلاق وقحين أم لا، الله أعلم بذلك، إلا أن الحكومة تعلن على دقات الطبول أنهم سيئو الأخلاق ووقحون جداً – ومن ناحية ثانية تعتز بهم الحكومة نفسها بأنهم كانوا – والعياذ بالله – خدام سيدنا محمد المصطفى بحيث استطاعوا أن يحلوا قضية شرعية عالقة منذ 90 عاماً. ألا تستحون، يا أصحاب السلطة، أن تنسبوا أنفسكم وإياهم إلى رسول الله دعك عن تقديم قراراتهم أمام العالم كحجة شرعية. أما لو اعترفتم أنكم أنتم الكاذبون وسيئو الأخلاق وتستحقون العقوبة لأنكم اتهمتم بغير حق، وأعضاء البرلمان هؤلاء كانوا صالحين أتقياء، فعندها يمكنكم أن تحترموا قراراتهم وتقدسوها كما تشاؤون. لا، بل حتى ولو كان الأمر هكذا، وكان أعضاء البرلمان المذكور أتقياء صالحين لما كان لقرارهم أهمية شرعية إطلاقاً لأن الأمور الدينية لا تُحسَم هكذا.

الأغلبية المزعومة في رأي العلماء

من المؤكد أن ما قام به البرلمان عام 1974م ضد الأحمدية – حسب زعمهم – إنما هو آية عظيمة على صدق الجماعة لدرجة لن تروا آية بهذه العظمة في العصر الراهن إلا فيما شذ وندر. وأقدم لحضراتكم بعض النماذج من آراء العلماء عن الأغلبية المزعومة. يقول المولوي عطاء الله شاه البخاري: “لن نتبع الأغلبية المزعومة لأننا نعرف أن الأغلبية على الباطل”. (سوانح حياة البخاري ص 116، وجريدة “زمزم” الصادرة في لاهور، باكستان عدد 30 إبريل/ نيسان 1939م)

ويقول المولوي أشرف علي التهانوي، وهو من كبار علماء الفرقة الديوبندية، في المجلة الشهرية “البلاغ” الصادرة في كراتشي عدد يوليو/ تموز عام 1976م ما يلي:

“في الأيام الراهنة يؤثرون الديموقراطية على الشخصية”. أقول: إن القرار بتكفير الأحمديين أيضاً كان قراراً ديموقراطياً يعتزون به اليوم ويشيعونه في العالم.

“..ويقولون: إن الجهة التي تكون الأغلبية معها تُعتبر السوادَ الأعظم. ولقد ذكر لي أحد الأصدقاء أمراً جميلاً وعجيباً في هذا الصدد”.

أقول: إنه لقول جميل وعجيب فعلاً، ولو خطر ببال هذا الشيخ لاستغربنا منه ولكنه خطر ببال صديقه، غير أن الشيخ يملك شيئاً من الأدب والكياسة بحيث استطاع أن يقبل هذا القول الجميل ثم ذكره للآخرين. فيروي ما قاله صاحبه:

“..فقال: لو قبلنا أن المعنى الصحيح للسواد الأعظم هو الأكثرية فليس المراد من السواد الأعظم الأكثرية الموجودة في كل زمان، بل المراد منه الأكثرية الموجودة في زمن خير القرون”.

أي أن السواد الأعظم الذي ذكره النبي لو قبلنا أن معناه الحرفي هو الأغلبية فقط، فالمراد منه ليس الأكثرية المتواجدة في كل زمان، بل المراد الأكثرية الموجودة في زمن النبي وزمن الذين يلونه ثم الذين يلونه من القرون الثلاثة الأولى إذ كان عصر الحسنات والنور والصدق، ووصفه النبي بخير القرون. ثم قال النبي : بعدها سوف يفشو الكذب. يمضي الشيخ يقول:

“..المراد من الأكثرية الأغلبيةُ في زمن غلبة الخير، وليس في زمن “يفشو فيه الكذب”. إن هذه الجملة تدل على أن الشر سوف يكثر بعد خير القرون”.

أي ليس المراد من خير القرون ذلك الزمنَ الذي قال النبي عنه: “ثم يفشو الكذب”. إنه لقول قيّم وقوي فعلاً، ولا يقبل النقاش والجدل. لقد وضح النبي بنفسه معنى السواد الأعظم إذ قال:

“خير القرون قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم.. ثم يفشو الكذب”. أي المراد من السواد الأعظم هو أولئك الذين سيكونون في القرون الثلاثة الأولى بعد فجر الإسلام، ثم يفشو الكذب والظلام. علماً أن النبي لم يذكر هذا الزمن الأخير بخير القرون. إذن فالزمن الذي لا يقع في عداد خير القرون والذي سيفشو فيه الكذب تسميتُه بزمن السواد الأعظم أمرٌ بديهي البطلان.

يضيف الشيخ ويقول: “.. هذا قول أُعجبتُ به كثيراً إنه لقول قيّم ومفيدٌ حقاً”. أقول: لا شك أنه قول مفيد، ولكنه يفيدنا نحن ولا يفيدكم.

الفرقة الناجية

وإليكم الآن نبأ قام به النبي عن زمن يفشو فيه الكذب حيث يذكر النبي حالة الأكثرية. فقد جاء في الحديث الشريف: عن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله : لَيَأتِيَنَّ على أمتي ما أتى على بني إسرائيل حذو النعل بالنعل، حتى إن كان منهم من أتى أمه علانية لكان في أمتي من يصنع ذلك. وإن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة، وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة، كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي”. (الترمذي، أبواب الإيمان، باب افتراق هذه الأمة)

هذا الحديث يحمل أهمية عظمى ولا سيما للطائفة المتربعة اليوم على زمام المور في باكستان، والتي تسمى بالطائفة الوهابية أو أهل الحديث، لأن مؤسس هذه الطائفة هو الإمام محمد بن عبد الوهاب – رحمه الله – الذي كان موحِّداً كبيراً ومن الصلحاء العظام، والذي تعتبره الأغلبية الساحقة من مسلمي الحجاز مجدداً للقرن الثاني عشر، قد علّق على هذا الحديث قائلاً: “قوله : “ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة”.. فهذه المسألة أجلُّ المسائل. فمَن فَقِهَهَا فهو الفقيه ومن عمل بها فهو المسلم”. (مختصر سيرة الرسول للإمام محمد عبد الوهاب ص 14 مطبعة: السنة المحمدية قاهرة عام 1956م)

أي أن الذي يعتبر اثنتين وسبعين فرقة في النار، وفرقة واحدة في الجنة هو المسلم الحقيقي دون غيره. مما يعني أن الإمام – رحمه الله – يبين هنا تعريف المسلم ويقول: إن هذا الحديث يحمل أهمية بحيث إن الذي يعترف به ويعمل به ويُقر بأنه عندما تفترق الأمة إلى ثلاث وسبعين فرقة كلها تكون في النار إلا واحدة، فهو وحده المسلم.

نبأ على نبأ

يقول شارح المشكاة والعالم المعترف به عند الأحناف، حضرة الإمام ملا علي القاري، في شرح الحديث المذكور:

“فتلك اثنان وسبعون فرقة كلهم في النار، والفرقة الناجية هم أهل السنة البيضاء المحمدية والطريقة النقية الأحمدية”. (المرقاة شرح المشكاة ج 1 ص 248)

تأمَّلوا الآن في عظمة هؤلاء الصلحاء وتقواهم وصلتهم المتينة بالله عز وجل! يزيد حضرة الإمام نبأ على نبأ ليوضح أن تلك الفرقة المحمدية تكون على طريقة الفرقة النقية الحمدية التي لن تروا عليها غيرها.

الفرقة الناجية عند الشيعة

لقد اعترف بصحة هذا الحديث كل فرقة من فرق المسلمين، ظلت تحاول تطبيقه على نفسها، أي أنها هي الفرقة الناجية، والفِرق الأخرى كلها في النار. قالت الشيعة: نحن نمثل تلك الفرقة الواحدة والناجية، أما البقية فيقعون في عداد الاثنتين والسبعين فرقة. وقالت أهل السنة: نحن نمثل تلك الفرقة الواحدة.

يؤكد أحد مجتهدي الشيعة مشيراً إلى هذا الحديث بأن الخلافات الموجودة بينهم وبين الفرق الأخرى من المسلمين تفصلهم عن غيرهم، فيقول: “الشيعة يعتبرون أمير المؤمنين، إمام المتقين، أسد الله الغالب، علي بن أبي طالب خليفة بلا فصل بعد الرسول . كما يعتبرون بعده أحد عشر ولداً من أولاده خلفاء للرسول وأئمة صادقين واحداً بعد الآخر إلى زمن الإمام المهدي المنتظر. أما الفرق الاثنتان والسبعون الأخرى فتعتبر أبا بكر خليفته الأول وعمرَ خليفته الثاني، وعثمانَ خليفته الثالث، وعلياً عز وجل خليفته الرابع”.

ثم يذكر بعض الأمور الأخرى من هذا القبيل ويقول في النهاية: “خلاصة الكلام: إن الشيعة هم الفرقة الوحيدة التي تنفرد عن غيرها من الفرق الاثنتين والسبعين الأخرى، ولا تتفق معها بشكل من الأشكال لأنها تختلف معها كثيراً في الأمور الأساسية والفرعية. لذا فالفِرق المسلمة جميعاً تعتبر الشيعةَ مخالفةً لها، ولكن هذه الفرقة هي الناجية ومن أهل الجنة حسب مضمون الحديث المذكور لكونها مختلفة تماماً عن الفرق الأخرى”. (فتاوى الحائري ج 2، الملفوظات العالية لحجة الإسلام والمسلمين، رئيس المفسرين، سلطان المحدثين، محي الملة والدين، رئيس الشريعة، مدار الشريعة (هكذا!!) نبّاض الدهر، حكيم الأمة الناجية، رئيس الشريعة، مدار شمس العلماء، العلامة السيد الحائري مجتهد العصر والزمان الجزء الثاني، ص 5 و6، الطبعة الثالثة)

 الفرقة الناجية تكون أقلية

لقد لاحظتم أيها القراء الكرام أنهم إلى الأمس القريب كانوا يناقشون موضوع التمييز بين الفرقة الواحدة عن الاثنتين والسبعين الأخرى، وأقرّوا بأنفسهم أن كلام النبي في هذا الصدد حق لا محالة، ولم يبق إلا تحديد الفرقة الناجية التي تمتاز عن غيرها لكونها “واحدة” تختلف عن الاثنتين والسبعين الأخرى. فهناك مجلة شهرية “ترجمان القرآن” الناطقة باسم الجماعة المودودية قالت بهذا الخصوص بعد الاعتراف بصحة الحديث: “إن اتفاق الأكثرية على أمر لا يُعتبر في الإسلام دليلاً على كونهم على الحق، كما أن الأكثرية ليست هي السواد الأعظم، كما لا يُطلق على كل حشد حكمُ الجماعة. وليس اتفاق طائفة من المشائخ في منطقة معينة على أمر معين إجماعاً.. ويؤيد هذا الموقف الحديث النبوي الشريف المروي عن عبد الله ابن عمرو بالكلمات التالية: عن عبد الله بن عمرو قال، قال رسول الله : .. إن بني إسرائيل تفرقت على اثنتين وسبعين ملة وتفترق أمتي على ثلاث وسبعين ملة كلهم في النار إلا ملة واحدة. قالوا: ومن هي يا رسول الله؟ قال: ما أنا عليه وأصحابي”.

ثم تضيف المجلة “ترجمان القرآن” وتقول: “هذه الفرقة لن تكون في الأكثرية، ولن تعتبر كثرتها دليلاً على كونها على الحق، بل تكون واحدة من ثلاث وسبعين فرقة من فرق الأمة. وتكون حالتها كالغرباء والأجانب في هذه الدنيا العامرة. كما قال رسول الله : “بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء”.

والحق أنه لا يوجد اليوم على وجه المعمورة فرقة إسلامية حالتها حالة الغرباء إلا فرقتنا (الجماعة الإسلامية الأحمدية). ومن غرائب قدر الله سبحانه وتعالى أنه أخرج الحق من أفواه معارضينا – والفضل ما شهدت به الأعداء – وأرغمهم للدعاء لنا بعد ما كانوا معتادين على اللعن والطعن، فاضطروا للاعتراف بحقيقة الأمر لتذكُّرِهم الحديث النبوي الشريف. فكما قال النبي في حديثه المبارك: “طوبى للغرباء”، بارك الله للغرباء الذين يهجرون أوطانهم من أجل الدين فيسمَّون الغرباء. وتضيف المجلة “ترجمان القرآن” في هذا الصدد وتقول: “فالجماعة التي تعتبر نفسها – بناء على كثرتها – تلك الجماعة التي عليها يد الله.. ليس لها أية بارقة أمل في هذا الحديث لأن الحديث يبين بوضوح علامتين لهذه الجماعة. الأولى: أنها تكون على طريق النبي وأصحابه، والثانية: أنها تكون قليلة العدد جداً”. (العدد سبتمبر، أكتوبر 1945م ص 175، 176 ج 27 عدد 3،4)

تذكَّروا جيداً ومرة أخرى أن النبي يقول: عندما تفترق الأمة إلى اثنتين وسبعين فرقة، تكون هناك جماعة، وهي الفرقة الثالثة والسبعين الناجية. ولا بد أن تكون الفِرق الاثنتان والسبعون الأخرى مخطئة. إذن فهناك فرقة واحدة وهي الصادقة دون غيرها، اعتبرها سيدنا ومولانا المصطفى جماعة.

والجدير بالذكر أن معارضينا – الشيعة كانوا أم أهل السنة – لم يعترفوا إلى الأمس القريب بصحة هذا الحديث فحسب بل قال أئمة الفرقة الوهابية بأن الذي لا يؤمن بصدق هذا الحديث ليس مسلماً إطلاقاً. فالمسلمون كلهم – أهل السنة كانوا أم من الشيعة أو الطائفة البريلوية أو الوهابية – متفقون على صحة هذا الحديث، ويعترفون بأن ما قاله النبي إنما هو صدق وحق. والبلية التي حلت بباكستان يوم 7 سبتمبر/ أيلول عام 1974م* هي أن معارضي الأحمدية لم يعبؤوا لسوء حظهم بتكذيب النبي شيئاً – والعياذ بالله – بغيةَ تكذيب الأحمدية وتكفيرها، وأعلنوا بوقاحة متناهية أن الحديث الذي نحن بصدده كاذب وأسلافنا الذين اعترفوا بصحة الحديث كانوا أيضاً كاذبين (نعوذ بالله من هذه الخرافات). وكأن البرلمان الباكستاني أصدر في 1974 قراراً – لإعجابهم بكثرتهم – أن الفرق الاثنتين والسبعين صادقة والفرقة الواحدة هي الكاذبة. مما يعني أن الاثنتين والسبعين في الجنة والواحدة في النار. فهذه هي القضية التي أعلنتها الحكومة آنذاك بكل اعتزاز وتفاخر والتي أثارتها الحكومة الحالية في البيان الأبيض المزعوم مرة أخرى. فخلاصة الكلام أن إعلانهم هذا كان جسارة قبيحة واعتداء وقحاً ارتكبهما البرلمان يوم 7 سبتمبر/ أيلول عام 1974م، مع أن إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية آنذاك كان قد حذّرهم بكلمات واضحة وبصورة متكررة بقوله: يمكنكم أن تعارضونا كما يحلو لكم، وأَخرِجوا ضدنا كلَّ ما في جعبتكم، ولكن بالله عليكم لا ترفعوا راية التمرد ضد سيدنا محمد المصطفى في بلد مسلم، باكستان. إنكم ما زلتم تعترفون إلى الأمس القريب أنه لو حدث الخلاف واجتمعت الاثنتان والسبعون فرقة ضد فرقة واحدة لكانت الاثنتان والسبعون كاذبة، لكانت الفرقة الواحدة صادقة لا محالة، لأن أصدق الصادقين كان قد تنبأ بأن الاثنتين والسبعين تكون كاذبة حتماً، أي أن الأغلبية تكون مخطئة، والفرقة الواحدة تكون على الصواب. ولكن اليوم بدأتم تقولون بغية تكذيب الأحمدية بأن الفِرق الاثنتين والسبعين صائبة والواحدة مخطئة. وكأن سيدنا محمداً المصطفى لم يعرف ما عرفتموه اليوم (والعياذ بالله).

فإعلان البرلمان هذا في الحقيقة كان إعلان التمرد ضد رسول الله . فهل يمكن أن يبقى مثل هؤلاء الناس في دائرة الإسلام؟ سواءً كانت لهم جريمة أخرى أم لا إلا أنهم، ولا شك، قد أصبحوا بهذه الجريمة وحدها من غير المسلمين، أعني يومَ تمردوا تمرداً بغيضاً ضد حكم الرسول الواضح بإعلانهم المذكور، لأن حكم النبي أسمى من أي شك وريبة. وما زال مؤسسو كافة الفِرق المسلمة، والعلماء الكبار يعترفون بصدقه، بل اعتبروه معياراً للإسلام والإيمان. أما معارضو الأحمدية فقد شُلّتْ قواهم العقلية في ذلك اليوم وأصابهم الجنون فأعلنوا يوم 7 سبتمبر/ أيلول عام 1974م أن الفرق الاثنتين والسبعين المتحدة والمتفقة بعضها مع بعض مسلمة، وأن الفرقة الواحدة المنفصلة منهم – وهي الجماعة الإسلامية الأحمدية – هي في النار. وهذه هي الحقيقة – حسب زعمهم – التي لم يعرفها النبي – والعياذ بالله – والتي يقدمونها اليوم أمام العالم بكل اعتزاز وفخار.

الحقيقة أن معارضتهم للأحمدية مليئة بالكذب والقذارة منذ بدايتها. إنهم لا يستطيعون تكذيب الجماعة ما لم يكذبوا هذا الحديث. لذا كلما قاموا بمعارضة الجماعة قام بعضُهم أولاً وقبل كل شيء بارتكاب تكذيب الحديث وقلب معناه الحقيقي. فعندما قامت حركة مضادة للأحمدية عام 1952م، آل المولوي أختر علي خان بن المولوي ظفر علي خان بكل قوة وفخار: “في تاريخ الأمة الإسلامية الممتد على 1300 عاماً هيأ المجلس التنفيذي فرصة إجماع هذه الأمة للمرة الثانية. فقد اتحدت اليوم ووافقت فرق الأمة الاثنتان والسبعون كلهم على معارضة الميرزا القادياني. إن علماء الأحناف والوهابيين والديوبنديين والبريلويين والشيعة وأهل السنة وأهل الحديث، وإن المرشدين والمتصوفين كلُّهم متحدون وموافقون على مطلب واحد وهو أن المرزائيين (يقصد بذلك الأحمديين) كافرون فيجب الإعلان عن اعتبارهم أقلية منفصلة عن المسلمين”. (جريدة زميندار 5 نوفمبر 1952م ص 2 عمود 6)

أي أن الفِرق الاثنتين والسبعين المتفقة بعضها مع بعض مسلمةٌ، الفرقة الواحدة والمنفصلة عنهم كافرة وفي النار.

عجائب قدر الله

ثم عندما وقع هذا الحديث الغاشم عام 1974م، بدأوا يقدمونه في حقهم تأييداً لموقفهم دون أن يعوا ما يقولون. ففي تلك الأيام أعلنت الجرائد وخاصة جريدة “نوائى وقت” هذا الأمرَ ببالغ السرور والحبور حتى وضعتْ لهذا الخبر عنواناً عريضاً بكلمات: “إجماع الاثنتين والسبعين فرقة”.

فترون كيف افتضحهم الله بقدرته البالغة إذ لم يعرفوا كيف أدانهم قدرُ الله عز وجل بفمهم وقلمهم، ولم يعرفوا ما فُعل بهم!! ولنِعْمَ ما قال الله تعالى: (يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم).. أي أن الله تعالى يرد عليهم مكائدهم. فمقال الجريدة “نوائى وقت” التالي خير دليل على هذه الحقيقة، إذ جاء فيه: “في تاريخ الإسلام كله لم يتم إجماع الأمة – بشكل كامل لهذه الدرجة – على أية قضية مهمة. فقد وافق على إجماع الأمة هذا كافة العلماء الكبار وحاملي الشرع المتين من البلاد إلى جانب كافة الزعماء السياسيين من جميع الأحزاب موافقةُ تامة، وكذلك وافق المتصوفون الكرام موافقة تامة. فالفرق الاثنتان والسبعون من المسلمين كلها، ما عدا الفرقة القاديانية، موافقة ومسرورة على هذا الحل للقضية”. (جريدة “نوائى وقت” 6 أكتوبر 1974م ص 4)

هل كانوا سعداء مسرورين على أنهم وضعوا أنفسهم في عداد الفرق الاثنتين والسبعين؟ مع أن كل فرقة، بما فيها الشيعة وأهل السنة وغيرها، كانت إلى الأمس القريب تعلن عن الفرق الأخرى أنها في عداد الفرق الاثنتين والسبعين، وتعلن عن نفسها أنها هي الفرقة الواحدة التي بشّر النبي عنها بأنه عندما تمثل قضية الفرق الاثنتين والسبعين والفرقة الواحدة للعيان، تكون “الواحدة” هي الناجية دون الاثنتين والسبعين.

فيا أيها المعارضون، هل لاحظتم ما فعل قدرُ الله بكم إذ شلَّ عقولكم وأرغمكم على الإعلان بأنكم أنتم الفرق الاثنتان والسبعون المتحدة، وأن الأحمدية هي الفرقة الواحدة التي تختلف عنكم وهي الناجية حسب الحديث النبوي الشريف. فوضعتم العناوين العريضة على جبهات جرائدكم كالمجانين وقلتم إننا نحن الفرق الاثنتان والسبعون، وجماعة ميرزا غلام أحمد القادياني هي الفرقة الواحدة.

إن كانت الأحمدية هي الفرقة الواحدة وأنتم تمثلون الاثنتين والسبعين فرقة فبالله! ثم تالله لا أهميةَ لفتواكم إطلاقاً، وإنما فتوى النبي هي التي تحمل أهمية شرعية وقانونية، وليس هناك أحد، كائناً من كان، يقدر على أن يرد فتوى النبي أو يلغيها أو يُقلل من أهميتها. اعلموا أن يوم 7 أيلول/ سبتمبر عام 1974م كان قد طلع عليكم كليلةٍ ليلاء، أما بالنسبة لنا فقد أشرقت علينا في ذلك اليوم شمسٌ منيرة نوّرت الأحمدية وجعلتها نوراً على نور. إذ قد أعلنتم جميعاً بعملكم أن النبوءة التي قام بها النبي قد تحققت بكل جلاء ووضوح. إن فعلكم الغاشم وإعلانكم الشائن هذا قد حكمَ عليكم أنكم أنتم الكاذبون لأنكم قمتم باستنباط يعارض استنباط النبي .

طلوع شمس الفتح المبين

إذن فهذه حالة أكثريتكم وأهميتُها!! ونعلن نهاراً جهاراً أننا لا نبالي بأكثريتكم هذه إطلاقاً، لأن سيدنا ومولانا محمد المصطفى لا يبالي بها ولا يعير لها أي اهتمام. لقد نسجتم هذه المكيدة بغيةَ فصلِنا عن سيدنا محمد ، ولكن ذلك اليوم المبارك قد أوثق علاقتنا معه . ولو افترضنا جدلاً أنكم صادقون في قولكم وسيدنا مخطئ – والعياذ بالله – لفضّلنا أن نكون تلك الفرقة الواحدة التي تكون مع النبي ولو كانت مخطئة في ذلك، ولن نقبل بشكل من الأشكال أن نندرج في قائمة الفرق الاثنتين والسبعين التي لا يرضى بها النبي . لذا نفضّل أن نبقى مع النبي في كل الأحوال، كذبتمونا أم صدقتمونا. والحق أننا صادقون بفضل الله تعالى. لقد وقعتم في الشراك الذي نصبتموه بأيديكم ضدنا، وقد أحاط بكم من كل الجوانب، فهل تستطيعون الآن التخلص منه؟ الواقع أنه لم يخطر ببال أحد أن الشيعة وأهل السنة سيُجمعون على هذه المسألة ناسين كل الخلافات الشديدة بينهم وبالتالي يعلنون أن فتاوى مرشديهم الكبار، حول هذا الحديث، كاذبة كلها. لقد أشرقت علينا في ذلك اليوم شمسُ فتحِنا المبين وإننا لمسرورون وراضون تماماً بقدر الله وقضائه. اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وبارك وسلم إنك حميد مجيد.

*يشير المؤلف إلى اليوم الذي اتخذ فيه قرار اعتبار الأحمدية أقليةً غير مسلمة من قِبل البرلمان الباكستاني.

Share via
تابعونا على الفايس بوك