العنصرية السم القاتل للمجتمعات
  • لماذا علينا أن نبغض العنصرية؟!
  • ما واقع العنصرية في هذا العصر؟!
  • ما هي المظلة الواقية من كل مظاهر العنصرية؟!

__

كما يعُجُّ العالم بساكنيه من مختلف الأعراق والأديان والثقافات واللغات، فإنه أيضًا يعج بشيء من الفوضى الناجمة عن تعصب كل لعرقه أو ثقافته..

ونرى أن سطح البسيطة يتألف من سبع قارات يُقسمها قاطنوها من الناس إلى أكثر من مائتي دولة، وفي كل دولة تشيع نبرة السيادة الوطنية والأمن القومي وما إلى ذلك، وفي بعض الأحوال تعلو تلك النبرة إلى مستويات متطرفة ليعتقد أصحابها أن عائلتهم وقبيلتهم وأمتهم وعرقهم من صنف مختلف تمامًا عن الآخرين، لذا لا نستغرب تعصب أدولف هتلر للجنس الآري ومناداته بتميز أصحاب الدم الأزرق!

لا نريد التركيز على نموذج عنصرية هتلر بعينه، ولكن الكثير من الناس يرون أن مجتمعهم متفوق بينما الآخرون أدنى درجة. وتتخذ هذه الكبرياء والغطرسة شكل الكراهية والشجار ثم الحروب التي تؤدي إلى تدمير السلام العالمي.

إذا نظرنا إلى تاريخ الجنس البشري، فمن الواضح أن السبب الجذري للصراع والحرب هو الكبرياء.  ونتيجة هذه الغطرسة والكبرياء قتل قابيل هابيل. لقد نشبت العديد من الحروب في تاريخ البشرية بسبب هذا الفخر الذي لا معنى له. وسواء كان الفخر عرقِيًّا أو إقليميًّا، فهو بمثابة سم قاتل للمجتمع.. لقد أحدث مقتل مواطن أسود “جورج فلويد” في الولايات المتحدة قبل أيام على يد أفراد الشرطة حالة من الفوضى العارمة والاحتجاجات ضد هذا الظلم في جميع أنحاء البلاد وفي مختلف دول العالم.  يطالب المتظاهرون بوضع حد منذ قرون لسوء معاملة السود، وأصبحت قضية حياة السود Black Lives Matter   توجهًا قائما في جميع أنحاء العالم.

 كل البشر سواء

الإسلام هو اسم جامع لمدونة كاملة لقواعد السلوك الإنساني الصالح والأمثل على مستوى العالم وتستحق أن تُتخذ قدوة للإنسانية جمعاء.

وأما تلك العولمة التي ينادون بها منذ عقود دون أن يتمكنوا من فرضها. فقد أراد أصحابها  بفرض نموذج عولمتهم محوَ كل ما من شأنه أن يختلف عنهم ومعهم من ثقافات وأديان، بينما وفقًا للإسلام، فجميع البشر متساوون نظرًا إلى وحدة المصدر، وكما قال الله تعالى في القرآن الكريم:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)

وقال أيضا:

يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (2)

فإذا كان مصدر خلقنا الأول واحدًا، فما الداعي لتعالي أيٍّ منا على الآخر؟! وأي حقيقة لكافة دعاوي التفوق العرقي عبر التاريخ؟! إنه محض جهل وحمق وغباء.. المعيار الوحيد للأفضلية في نظر الله هو التقوى.

إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (3)

وإنما جُعلت الاختلافات الظاهرية في اللون والعرق وغيرها لهدف آخر، وهو أن يكتسب الإنسان مزية تحديد هويته والتعريف بنفسه حين يعلم أن له كينونة مستقلة عمن سواه، وهو عضو فاعل مؤثر في المجتمع من حوله..  كما أنكر نبينا الحبيب محمد كل صور ومظاهر العنصرية القومية واللونية وغيرها، ونظرًا إلى خطورة هذا الموضوع فقد تناوله في خطبة الوداع موصيًا جميع الأمة بقوله :

“يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى” (4)

ولنا أن ننظر وراءنا قليلًا، فحين أعلن سيدنا خاتم النبيين وصيته تلك في خطبة الوداع، وحضّنا على نبذ كل مظهر من مظاهر العنصرية، كانت العنصرية عملة سائدة في كل البقاع، وما كانت حرب لتنشب إلا ليستعبد المنتصر المهزوم ويسترقَّه..

لقد شكلت كلمات الرسول الكريم في الواقع يوم خطبة الوداع منارة يهتدي بضوئها العالم الجديد الآخذ في التشكل. هذا هو التعليم الإلهي الذي من خلاله يمكن إدارة نظام هذا العالم بأفضل طريقة ممكنة.

كما أنكر نبينا الحبيب محمد كل صور ومظاهر العنصرية القومية واللونية وغيرها، ونظرًا إلى خطورة هذا الموضوع فقد تناوله في خطبة الوداع موصيًا جميع الأمة بقوله : “يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى” (4)

واقع العنصرية البغيض

لقد أصبح التحيز العنصري حقيقة مُرة في العالم اليوم بفضل ما وصل إليه عالم الإنسانية من مستوى أخلاقي، ولو نظريا، فقلما نجد امرأً يتفاخر بعنصريته ضد الآخرين، بل إنك لا ترى من يتعامل بعنصرية إلا من وراء ستار وليس بشكل معلن، فعلى الأقل هناك منظومة قوانين تحترم وتراعي فكرة المساواة، والعنصري في الوضع الطبيعي هو خارج عن القانون.

عندما أصدر سيدنا الرسول الكريم تعليمه بشأن التمييز بين الناس في اللون أو الجنس أو العرق، لم يكن تعليمه ناشئًا من فراغ، بل من أحداث واقعية جرت على الأرض بين الصحابة الكرام أنفسهم، فقدم النبي الدرس العملي ليستفيد منه الصحابة والناس من بعدهم كافة، ولا شك أن كثيرًا منا يتذكر القصة المشهورة في كتب الحديث، فعَنْ الْمَعْرُورِ بْنِ سُوَيْدٍ قَالَ:

«مَرَرْنَا بِأَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَعَلَيْهِ بُرْدٌ وَعَلَى غُلَامِهِ مِثْلُهُ. فَقُلْنَا: يَا أَبَا ذَرٍّ لَوْ جَمَعْتَ بَيْنَهُمَا كَانَتْ حُلَّةً. فَقَالَ: إِنَّهُ كَانَ بَيْنِي وَبَيْنَ رَجُلٍ مِنْ إِخْوَانِي كَلَامٌ، وَكَانَتْ أُمُّهُ أَعْجَمِيَّةً فَعَيَّرْتُهُ بِأُمِّهِ، فَشَكَانِي إِلَى النَّبِيِّ فَلَقِيتُ النَّبِيَّ فَقَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ.  قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ سَبَّ الرِّجَالَ سَبُّوا أَبَاهُ وَأُمَّهُ. قَالَ: يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ امْرُؤٌ فِيكَ جَاهِلِيَّةٌ، هُمْ إِخْوَانُكُمْ جَعَلَهُمْ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ وَأَلْبِسُوهُمْ مِمَّا تَلْبَسُونَ وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ» (5)..

ومَن منا ينسى يوم فتح مكة حين أصعد النبي بلالا بن رباح الحبشي إلى سطح البيت الحرام ليصدح بنداء التوحيد، وهو من كان بالأمس يُعذّب بأيدي عنصريي مكة! وبرهن أنه لا يتجلى توحيد الله إلا بعد اجتثاث العنصرية من على وجه الأرض.

المظلة الواقية من كل مظاهر العنصرية

دحض الإسلام جميع أشكال التعصب والعنصرية والجاهلية، فقد قال تعالى في محكم تنزيله:

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلَا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (6).

فلأن التقوى هي مناط التفضيل، وهي أمر مخفي لا يطلع عليه إلا الله العليم الخبير (عز وجل)، ليس لأحد الحق في أن يتفاخر على من سواه، فليس أحد يعلم من أتقى مِن مَن! والأمر ذاته بالنسبة للأمم والشعوب.

أين تكمن خطورة العنصرية؟

إن مكمن خطورة دعاوى العنصرية أنها والوحدة لا تجتمعان، وحيثما وجدت إحداهما زالت الأخرى، وإذا كان الله تعالى قد أمرنا بالوحدة حفظًا للقوة وصيانة للأمة، فمن الطبيعي أن ينهانا صراحة وضمنا عن كل ممارسة عنصرية قد تفتت عضد وحدتنا وقوتنا..

وهذا ما بينه الله تعالى في كتابه العزيز بقوله:

أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ (7)

وقال تعالى أيضا:

وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (8)

فى هذه الآية الكريمة أمرنا الله تعالى أن نكون واحدًا كالجسد ولا يذكر فيها أي لون أو عرق أو قبيلة، فأيّ فضيلة يا ترى في أن يكون الإنسان متعجرفًا على أساس طبقته أو لونه أو عرقه؟!

———

  1. (النساء: 2)
  2. (الحجرات: 14)
  3. (الحجرات: 14)
  4. (مسند أحمد،كتاب باقي مسند الأنصار)
  5. (صحيح مسلم،كتاب الإيمان)
  1. (الحجرات: 12)
  2. (الأَنْفال: 47)
  3. (آل عمران: 104)
Share via
تابعونا على الفايس بوك