"قانون" الشيخ الرئيس

“قانون” الشيخ الرئيس

عائشة أحمد

  • ما الجوانب التي يجهلها أكثرنا عن الشيخ الرئيس ابن سينا؟
  • ما إسهامات ابن سينا في كتاب الحضارة الإنسانية

__

الطفل المعجزة

من طفلٍ صغيرٍ شغوفٍ بحضورِ مجالسِ العلمِ والأدبِ التِّي كانَ يعقِدها والدُه مع علماءِ ومفكري عصرهِ، إلى حافظٍ للقرآنِ في سن العاشرة، إلى طبيب وعالم ينثرُ دُررَ ما توصلَ إليه من علومٍ ومعارفَ على العالمِ بأسره، وهو لم يزل في السَّابعة عشرَ من عمره! إنه العالمُ والمفكرُ والطَّبيبُ والفيلسوفُ المسلمُ أبو علي الحسين بن عبد الله بن الحسن بن علي بن سينا. ولدَ في ٣٧٠ هـ الموافق لتاريخ ٢٢ أغسطس ٩٨٠ م لأبٍ من مدينةِ بلخ وأمٍّ قروية، في قرية أفشنة التابعة لمدينة بخارى في بلاد ما وراء النهرين في آسيا الوسطى (أوزباكستان الحالية).

من خلال ما تم توثيقه من سيرة الشيخ الرئيس مما وصل إلينا، علمنا أن ابن سينا ​​كان مبكر النضوج. في سن العاشرة حفظ القرآن عن ظهر قلب. قبل بلوغه سن السادسة عشرة، كان قد أتقن الفيزياء والرياضيات والمنطق والميتافيزيقا وبدأ دراسة الطب وممارسته. في سن الحادية والعشرين، كتب كتابه الشهير «القانون» هذا العنوان الذي ظل محتفظًا بلفظه حتى بانتقاله إلى اللاتينية ومنها إلى كافة اللغات الأوربية الحديثة. خدم على التوالي العديد من السلاطين طبيبًا ومستشارًا، وسافر معهم من مكان إلى آخر. على الرغم من أنه كان معروفًا بكونه اجتماعيًا، إلا أنه كان مجتهدًا وجادًا، وخصص الكثير من وقته للكتابة.

قانون ابن سينا

لا شك أن ابن سينا ​​من أعظم المفكرين وعلماء الطب في التاريخ. وُلد في زمن مضطرب اتصف بالتغيير وشيوع حال من عدم اليقين في العالم الإسلامي. بدأ دراسته في الطب في سن الثالثة عشرة. أصبح طبيبًا متميزًا ولفتت خبرته الطبية انتباه سلطان بخارى إليه والذي عالجه بنجاح من عدوى خطيرة. وكمكافأة، طلب فقط منحه الإذن باستخدام مكتبة السلطان ومخطوطاتها النادرة، مما يسمح له بمواصلة بحثه. كان مرتبطًا بالعديد من السلطنات قصيرة العمر، لكنه انتقل كثيرًا بحثًا عن مكانة مستقرة وذات رواتب جيدة. في أوقات مختلفة، عمل كمسؤول سياسي وطبيب محكمة وجندي – ومنبوذًا وسجينًا في بعض الأحيان. خلال حياته المزدحمة، تمكن من تأليف ما يقرب من 100 كتاب، أشهرها “القانون في الطب” والذي تمت ترجمته لأول مرة إلى اللاتينية في القرن الثاني عشر، ليصبح الكتاب المدرسي الأول لتعليم الطب في مدارس ومعاهد وجامعات أوروبا، وبقي هذا الكتاب حتى القرن العشرين شاهدًا على حقبة طويلة من نهل أوروبا من علوم المسلمين وحضارتهم. وصف «ويليام أوسلر» الكتاب بأنه «أشهر كتاب مدرسي طبي على الإطلاق» مشيرًا إلى أنه ظل «كتابًا طبيًا لمدة أطول من أي عمل آخر.(1)

لقد اهتم ابن سينا بوصف النبض بجس جذر إصبع الإبهام، واستدل من وجود هذا النبض أو عدمه على حياة الجسد أو مفارقته الحياة، وكذلك شخص من خلال طبيعة النبض بعض الأمراض. غالبًا ما لجأ العلماء القدماء إلى مقارنة إيقاعات النبض بحركة الحيوانات ولم يكن ابن سينا ​​استثناءً. كما ذكرنا سابقًا، فقد كان يحذو في هذا حذو غالينوس الإغريقي، فشبَّه إيقاع النبض غير المنتظم بـ «وثبات الغزال»، وقد وصفه جالينوس سابقًا بأنه «وثب العنزة».

يُعتبر كتابه «القانون» دراسة مسحية لسائر المعارف الطبية المتاحة في وقته، والمتوفرة من المصادر القديمة والإسلامية في ذلك في شكل مرتب وهيكل مترابط. تمت كتابته في الأصل باللغة العربية وترجم لاحقًا إلى عدة لغات، بما في ذلك الفارسية واللاتينية والصينية والعبرية والألمانية والفرنسية والإنجليزية. وعلى الرغم من أن «القانون» يجمع بين دفتيه علوم المتقدمين من مشاهير أطباء الإغريق والمصريين القدماء، إلا أنه لم يتوقف عند حد الجمع، فإن الكتاب غني بإسهامات المؤلف الأصلية التي لم تكن معروفة قبله، وهذه الإسهامات هي التي يُعزى إليها قيمة هذا الكتاب.

وضع ابن سينا في قانون الطب المعايير الطبية التي لا تزال متبعة إلى الآن في أوروبا والعالم الإسلامي. إنه أشهر أعمال ابن سينا ​​المكتوبة إلى جانب كتاب الشفاء. شكل جزءًا كبيرًا من الكتاب أيضًا أساس الطب اليوناني، وهو شكل من أشكال الطب التقليدي لا يزال يُدرس في الجامعات الإسلامية في الهند. مبادئ الطب التي وصفها الكنسي قبل عشرة قرون ما زالت تُدرس في جامعة «كاليفورنيا» وجامعة «ييل»، من بين آخرين، كجزء من تاريخ الطب.

تشمل مساهمات ابن سينا ​​الأصلية الهامة مثل هذه التطورات مثل القول بالطبيعة المعدية لمرض السل، وانتشار الأمراض عن طريق الماء والتربة، والتفاعل بين النفس والجسد. بالإضافة إلى وصف العديد من الأدوية، حيث وصف الكتاب 760 دواءً وأصبح أكثر المواد الطبية شهرة في ذلك العصر. كتب كتابًا عن أدوية القلب، «الأدويات القلبية»، والذي تُرجم إلى الإنجليزية باسم «مسلك ابن سينا ​​على أدوية القلب ، ومقالات عن علاج القلب العربي»(2). وكان أيضًا أول من وصف التهاب السحايا، ومساهماته في علم التشريح وأمراض النساء وصحة الطفل غنية عن التعريف.

ابن سينا ​​ورد الاعتبار لتقنية النبض

حين نقرأ الآن قصصًا من قبيل أن أحدهم شهد الناس بموته، وإذا بهم يتفاجؤون به ينتصب قائمًا، ليس علينا أن نستغرب، ففي تلك الأزمان السحيقة لم تكن المعرفة الطبية قد سادت بعد ليعرف الناس أن النبض من أهم الدلائل على حياة إنسان، وتوقفه يشير حتمًا إلى مفارقته الحياة.

لقد توصل الطبيب الإغريقي الشهير «غالينوس» إلى دور النبض في تحديد القول بحياة الإنسان أو موته، غير أن هذه المعرفة، الدقيقة في ذلك الوقت، ظلت حبيسة كتب «غالينوس» التي فُقِد أكثرها ولم يصل إلينا منها سوى بضعة عشر كتابًا بفضل الترجمات العربية، «إن تراث الإغريق بأسره مدين للعربية بجواز وتذكرة السفر إلى عصر النهضة الأوربية والعالم المعاصر، ولولا العربية لدفن هذا التراث إلى غير رجعة»(3)، فمن المعروف أن العرب احتفظوا بمعظم حكمة ومعرفة العصور القديمة في كتاباتهم عندما كانت أوروبا تغرق في العصور المظلمة. وقد كانت مهمة رد الاعتبار لعامل «النبض» وتحريره من سجن كتابات غالينوس أحد أيادي ابن سينا على علم الطب إلى يومنا هذا.

لقد اهتم ابن سينا بوصف النبض بجس جذر إصبع الإبهام، واستدل من وجود هذا النبض أو عدمه على حياة الجسد أو مفارقته الحياة، وكذلك شخص من خلال طبيعة النبض بعض الأمراض. غالبًا ما لجأ العلماء القدماء إلى مقارنة إيقاعات النبض بحركة الحيوانات ولم يكن ابن سينا ​​استثناءً. كما ذكرنا سابقًا، فقد كان يحذو في هذا حذو غالينوس الإغريقي، فشبَّه إيقاع النبض غير المنتظم بـ «وثبات الغزال»، وقد وصفه جالينوس سابقًا بأنه «وثب العنزة».

الحضارة الإنسانية كتاب واحد

على الرغم من أن بعض المؤرخين الغربيين سلكوا اعتقادا مفاده أن العرب والمسلمين كانوا مجرد ناقلين لإنجازات الإغريق، فلا يمكن إنكار أن الفلاسفة والعلماء والأطباء المسلمين أضافوا ملاحظاتهم وحكمتهم إلى المعرفة التي اكتسبوها من الحضارات القديمة. لقد قدموا العديد من المساهمات الأصلية في الرياضيات وعلم الفلك والفيزياء والكيمياء والبصريات وعلم العقاقير والطب. ولئن كان ابن سينا قد نشأ تلميذًا في مدرسة «غالينوس» الطبية، إلا أنه بغير شك قدم العديد من المساهمات الرائدة. حتى اتفق المؤرخون على أنه من أعظم المفكرين وعلماء الطب في التاريخ.. فبناء على مبدأ تراكمية المعرفة والبحث العلمي، لا يحق لمثل هؤلاء المؤرخين المتعصبين أن يبخسوا حق المنتمين إلى حضارات خلت، لمجرد أن السابقين نقلوا عن سابقيهم، فلولا صفر الهنود لما قدر لبورصة «وول ستريت» بملياراتها أن تولد أصلًا! فليس من قبيل الخُلُق القويم تحقير إنجازات الغير، لأن هذا يعني تحقيرنا لأنفسنا بالتبعية. (4)

الهوامش:

  1. دائرة المعارف البريطانية، تحت Avicenna
  2. حكيم عبد الحميد، «منهج ابن سينا في علاجات القلب» نيودلهي، الهند، مطبعة مؤسسة حمدارد، 1983.
  3. أم الألسنة ترعى أطفالها، افتتاحية مجلة التقوى، ديسمبر 2020
  4. الحضارة الإنسانية كتاب واحد، افتتاحية التقوى، يناير 2020
Share via
تابعونا على الفايس بوك