الحقيقة المجهولة!

الحقيقة المجهولة!

التحرير

حياة كل إنسان مملوءة بألغاز محيرة وأسرار كثيرة متشعبة لا يعلم بوجودها إلا هو، وقد يطّلع عليها صديقه الحميم أو أحد المقربين إليه الذين يأتمنهم على أسراره وبعض أموره الخاصة.

لو حاول أحد منا أن يصارح صديقه ويخبره بأخطائه وزلاته اليومية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من شخصيته ثم قدم له النصيحة والوسيلة للتخلص منها أو تعديلها فغالبا ما نرى في مثل هذه الظروف ردة فعل عنيفة أو عدم إصغاء لتلك النصائح وعدم تقديرها حق قدرها بالرغم من أنها في مصلحته أساسا. بل يصر على ارتكابه نفس الأخطاء ويواظب عليها ويبدو جليًا من تصرفاته هذه أنه لا يستطيع استيعاب أي أفكار أخرى سوى ما تمليه عليه نفسه ولا نراه يبالي بأهمية العقل في تسيير مجرى حياته اليومية وتحسين نمط عيشه ورفع مستواه الثقافي والاجتماعي والديني. إن هذه الفئة من الناس قد حكمت على نفسها أن تسجن مدى الحياة في زنزانة نفسها … إنها تعيش في دوامة ميولات قلوبها يجرون وراء تحقيق أحلامها ولا يستطيع رفض أوامرها أو أن يتحرر من قيودها ويصبح لها كيان منفصل يقرر مصيره بعقله لا بقلبه. وغالبًا ما يتناسون أن القلب لا يمثل العنصر الأساسي للتمييز فيما يجري على مسرح الأحداث … فالقلب ليس أداة لتحديد المصير للفرد والمجموعة، بل هو أداة إحساس إنساني له أهمية في مجالات خاصة به ودائرة فعاليته محدودة وليس من الحكمة في شيء أن نعتمد على طاقة قلوبنا من مشاعر وأحاسيس لتحريك عجلة الاقتصاد ولا يستطيع المرء الذي هو على مكانة عالية من الإخلاص لدينه ووطنه أن يقود طائرة بل يحتاج إلى دراسة خاصة وتدريب شاق. فالإخلاص هو القاعدة النظرية لبداية المشوار ويحتاج إلى قاعدة علمية وتطبيقية لأداء هذه المهمة.

فالعقل هو الميزان الحقيقي والعامل الأكثر فاعلية لتحديد مجرى حياة الإنسان اليومية ويلعب دورا هاما في تحديد مصير الفرد والشعوب… أما الإصرار والتمسك برأي اختاره  القلب ولا نقبل معه المناقشة أو التعديل فهذا يعد عاملاً هدامًا سيؤدي إلى تدمير حياة الفرد بطريقة عمياء … بل وتتضاعف خطورة وحدة الموقف يوما تلو آخر إلى أن تصل إلى مرحلة العجز التام فيصبح الشخص معاقًا لا يستطيع أخذ أي قرار أو حتى مواجهة واقعه ….

وفي هذه الظروف يتدخل العقل بكل شموخ مهما حاول المرء تجاهله وتراه يدق جرس الإنذار داخل الأعماق فتكلل مساعيه بالنجاح مع بعض الناس في حين يفشل مع البعض الآخر ممن يهنأون بأحلام وردية يعيشون سكارى من خمر أفكار عقولهم المتحجرة وآرائهم المتعصبة دون إتاحة الفرصة حتى للمقربين لهم بالمساهمة ولو بمجرد الرأي.

ولكن الحقيقة المجهولة لدى الكثير أن وحدة القلب والعقل مهما أعطتنا من نتائج  إيجابية وأرباح خيالية إلا انها تبقى محدودة تجهل ما يخفيه لها المستقبل القريب والبعيد.

بعد المرور بهذه التجارب المؤلمة وبعد أن انتهل المرء وشرب من رغباته يتبين له أفكاره وتمسكه برأيه دون الاستعانة برأي الآخرين كان خطأ كبيرًا دفع قيمته الآن بل منذ أن استقر على رأيه على أن لا يشاور أحدًا …. وفي محاولة يائسة لتعديل مسار ‏‫حياته يبدأ في ترتيب أوراقه من جديد فيفاجأ بضيق الوقت المتبقي. فيتعلل بالظروف والزمن اللذين في الحقيقة لا دخل لهما في هذه القضايا سوى أننا نمضي خلف تيار الرغبة لا ندرك فحواها ولا منتهاها ونقضي جل عمرنا ندفع مخالفات الأخطاء التي لا تعد ولا تحصى وليتنا نتوقف، بل يظل بَعضُنَا يترقب ما تحمله الأيام المقبلة من أحلام غريبة واهية لا يملكون لأنفسهم قدرة سوى الخضوع لما تمليه عليهم. ويصل بهم الأمر إلى الدخول في زنزانة ولا يعلمون طريق النجاة منها ولا حتى سراديب الخلاص.

إن المراقب لما يجري على مسرح الأحداث يتطلع لوجود صراع فكري، ديني وثقافي بين الجماعات الأصولية المتعصبة وبين أصحاب الإيديولوجيات العقلانية. ويستحيل على الطرفين في هذا النزاع الوصول إلى نتيجة سلمية ترضي الجميع.  وكيف يحدث هذا وليس بينهم قاعدة مشتركة أو حتى نقاط تشابه يمكن أن تُرسي بينهم وسيلة حوار.

إن الحقيقة التي يجهلها هؤلاء هي أن مجهودات القلب بمفردها لا تستطيع أن تحسن نوعية حياتنا أو حل مشاكلنا الاقتصادية فهذه المجالات تنتمي إلى مساحة فعالية العقل وحده الذي يعجز بدوره في التعبير عن المشاعر الصادقة وتحسين علاقتنا بالأقربين وبأفراد مجتمعنا، فهذه هي دائرة فعالية القلب وحده… إن الذي يغيب عن أذهان الكثير هو أننا نحتاج إلى دعائم ثلاثة خلال حياتنا على وجه الأرض … فللعقل والقلب فعاليتهما ودوائر مخصصة لهما ولا نستطيع أن نكتفي بواحد منهما دون الآخر فمزجهما يضع لنا قاعدة فكرية وعقائدية نستطيع من أعلاها التخطيط لمستقبل زاهر ومعانية بذور ازدهارنا … ولكن الحقيقة المجهولة لدى الكثير أن وحدة القلب والعقل مهما أعطتنا من نتائج  إيجابية وأرباح خيالية إلا انها تبقى محدودة تجهل ما يخفيه لها المستقبل القريب والبعيد. وحادث إفلاس بنك تابع لأكبر دولة متقدمة صناعيا الذي جدَّ مؤخرًا لأحسنُ دليل على ما نقول ..

إن الإنسان مهما تقدم في مجالات الحياة يكون دائمًا بحاجة أو عبدًا لمساعدة الله .. فتخطيطاته هي نتاج مجهوداته العقلية والقبلية ولكن هل هنالك مؤشرات النجاح، وهل عمله هذا حصل على موافقة من تعرف قراراته إلى الفوز المبين … إن حضرة الإمام المهدي  قد أكد على ضرورة تدخل نور من الله كي نتمكن من أخذ القرارات الصحيحة. وأكد لنا أن العمل طبقا لتعاليم الإسلام هي الوسيلة الوحيدة للاستقطاب هذا النور.

فهذه الحقائق ليست وليدة إيحاءات النفس المضطربة أو التفاعلات الفكرية ولكن إشارات خفية ومكالمات واضحة جلية، وكثير من سعداء الأمة لهم نصيب وافر من بركات الحضرة الإلهية. إن عالمنا هو بمثابة غرفة مظلمة لا نتطلع على حقيقة وماهية الأمور إلا عندما يدخل نور الشمس من إحدى نوافذها.. فالعقل والقلب هما بمثابة هذه الغرفة المظلمة ونور الله وحده فيه القدرة التامة والكافية على إنارتهما… تلك هي الحقيقة المجهولة!.

Share via
تابعونا على الفايس بوك