العربية مخزن دلائل النبوة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الرب الرحمن، ذي المجد والفضل والإحسان، خلَق الإنسانَ، علّمه البيان، ثم جعل مِن لسان واحدة أَلْسِنةً في البلدان، كما جعَل مِن لون واحد أنواعَ الألوان، وجعل العربية أُمًّا لكل لسان، وجعلها كالشمس بالضوء واللمعان. هو الذي نطق بحمده الثقَلانِ، وأقرَّ بربوبيته الإنسُ والجان، تسجد له الأرواح والأبدان، والقلب واللسان يحمدان، سبحان ربِّنا ربِّ ما يوجد وما يكون وكان، يفعل ما يشاء وكل يوم هو في شان. يُسبّح له كلُّ ناطق وصامت، ويبغي رُحمه كلُّ زائغ وسامت، وهو ربّ العالمين، له الحمد والمجد وهو مولى النعمِ في الأُولى والآخرة، والصلاةُ والسلام على رسوله سيد الرسل ونور الأمم وخير البريّة، وأصحابه الهادين المهتدين، وآله الطيبين المطهّرين، وجميعِ عباد الله الصالحين.

أما بعد.. فيقول عبدُ اللهِ الأحدِ، أحمد.. عافاه الله وأيّد، إني كنت مُولَعًا مِن شرخ الزمان، بتحقيق المذاهب والأديان، وما رضيتُ قطُّ ببادرة الكلمات، وما قنعتُ بِطافي من الخيالات، ككلّ غبيّ أسيرِ الجهلات ومحبوسِ الخزعبلات، وما أصررتُ على باطل ككل جهول ضنين، وما حرّكني إلى أمر إلا أعينُ التحقيق، وما جرّني إلى عقيدة إلا قائد التعميق، وما فهّمني إلا ربي الذي هو خير المفهمين، وإنه كشف عليّ أسرارًا من الحقائق، وأنزلَ عليّ عِهادَ المعارف والدقائق، وأعطاني ما يُعطي المخلصين. فلما وجدتُ الحق بفيضانه، ورُبّيتُ بلِبانه، رأيتُ شكر هذه الآلاء، في أن أمون خدمةَ الدين والشريعة الغرّاء، وأُرِيَ الناسَ نورَ الدين المتين، وأُرِيَ ملكوتَه بعساكر البراهين، وأراعيَ شؤونَ صدوقٍ أمين. وما هذا إلا فضل ربي، إنه أراني سبل الصادقين، وعلّمني فأحسن تعليمي، وفهّمني فأكمل تفهيمي، وعصمني مِن طرق الخاطئين، وأوحى إليّ أن الدين هو الإسلام، وأن الرسول هو المصطفى السيد الإمام، رسول أُمّيّ أمين. فكما أن ربنا أحدٌ يستحق العبادة وحده، فكذلك رسولنا المطاع واحد لا نبي بعده، ولا شريك معه، وأنه خاتم النبيين. فاهتديتُ بهداه، ورأيت الحق بسناه، ورفعتْني يداه، وربّاني ربّي كما يربّي عباده المجذوبين، وهداني وأدراني، وأراني ما أراني، حتى عرفتُ الحق بالدلائل القاطعة، ووجدت الحقيقة بالبراهين الساطعة، ووصلتُ إلى حق اليقين.

فأخذني الأسف على قلوب فسدتْ، وأنظارٍ زاغت، وعقول فالت، وآراءٍ مالت، وأهواء صالت، وأوباء شاعت من إفساد المفسدين. ورأيتُ أن الناس أكبّوا على الدنيا وزينتها، فلا يصغون إلى الملّة وأدلّتها، ولا ينظرون إلى نُضارها ونَضْرتها، ويُعرِضون كأنهم مرتابون، وليسوا بمرتابين، ولكنهم آثروا الدنيا على الدين. لا يقبلون لِعَمْيِهِم دقائق العرفان، ولا يرون علاء البراهين، وكيف وإنهم يؤثرون سبل الشيطان، ويُصرّون على التكذيب والعدوان، ولا يسلكون محجّة الصادقين. فطفقتُ أدعو الله ليؤتيني حُجّةً تُفحِم كَفَرةَ هذا الزمانِ، وتُناسِبُ طبائعَ الحدثان، لأُبكِّتَ سفهاءَهم وعقلاءهم بأحسن البيان، وتتمّ الحجّة على المجرمين. فاستجاب ربي دعوتي، وحقّق لي مُنْيتي، وفتَح عليّ بابها كما كانت مسألتي ومُراد مُهْجتي، وأعطاني الدلائل الجديدة البيّنة، والحجج القاطعة اليقينية، فالحمد لله المولى المعين.

وتفصيل ذلك أنه صرف قلبي إلى تحقيق الأَلْسِنة، وأعان نظري في تنقيد اللغات المتفرّقة، وعلّمني أن العربية أُمُّها وجامعُ كيفِها وكَمِّها، وأنها لسانٌ أصليّ لنوع الإنسان، ولغة إلهامية من حضرة الرحمن، وتتمّةٌ لخِلْقةِ البشر مِن أحسن الخالقين.

ثم عُلّمتُ مِن كلام الله ذي القدرة، أن العربية مخزَنُ دلائلِ النبوّة، ومجمعُ شواهدِ عظمةِ هذه الشريعة، فخررتُ ساجدًا لخير المنعِمين. وقادني داعي الشوق إلى التوغّل في العربية، والتبحّر في هذه اللهجة، فوردتُ لُجّتَها بحسب الطاقة البشرية، ودخلتُ مدينتها بالنصرة الإلهية، وشرعتُ الاختراقَ في سُبلها ومسالكها، والانصلاتَ في طرقِها وسِكَكِها، لأستعرفَ ربيبةَ خِدْرِها، وأذوقَ عصيدةَ قِدْرِها، وأجتنيَ ثمار أشجارها، وأُخرِجَ دُرَرَ بحارها، فصرتُ بفضل الله من الفائزين. ولم يَفُتْني بها مطلع، ولا خلا مني مرتع، ورأيتُ نضرتها، ورعيتُ خضرتها، وأُعطيتُ من ربي حظًّا كثيرا، ودخلاً كبيرا في عربي مبين. حتى إذا حصلتْ لي دُرَرُها ودَرُّها، وكُشِفَ عليّ معدنها ومقرّها، وأراني ربي أنها وحيٌ كريم، وأصلٌ عظيم لمعرفة الدين، وأن شُهبها ترجم الشياطين، ومع ذلك رأيتُ لُغاتٍ أخرى كخضراء الدِمَن، ووجدتُ دارها خربةً وأهلَها في المحن، ووجدتها شادّةَ الرحال للظّعن كالمتغرّبين، فأُلقيَ في رُوعي أن أؤلّف كتابا في هذا الباب، وأضع الحق أمام أعين الطلاّب، وأُحسنُ إلى الخلق كما أحسنَ إليّ رب الأرباب، لعل الله يهدي به نفسًا إلى أمور الصواب، وما أبتغي به إلا رضا الرب الوهّاب، وهو مقصودي لا مدْح العالمين. وإني ما خرّجتُ شيئا مِن عَيبتي، فبأي حق أطلب محمدتي. ووالله ما خرَجَتْ من هنا إلى آخر الملف وضعت النص في ملف منفصل حواشي 2 من أجل التنسيق من فمي كلمة، وما انكشفت عليّ حقيقةٌ إلا بتفهيمه، وما علمتُ شيئا إلا بتعليمه، واللهُ يعلم وهو خير الشاهدين. فلا تُثْنِ عليّ بصالحٍ في هذه الخطّة، واشكروا الله فإن كلها من حضرة العزّة، هو الذي أحسن إليّ وهو خير المحسنين.

وإني رتبتُ هذا الكتاب على مقدمة وأبواب وخاتمة لطلاب، ولا قوة إلا بكريم ذي قوة، ولا قدرة إلا بقدير ذي عظمة، نرجو فضله ونطلب رُحْمَه وهو أرحم الراحمين. وإنّا شرعنا باسمه، ونختم إن شاء الله بفضله، وهو خير المتفضلين، وهو المولى المعين، فإيّاه نعبد وإيّاه نستعين. ونريد أن نُرِيَ محامدَه على راحلةِ قصيدة، ونزيّنها بزهرِ أشعار جديدة، مع نعتِ رسولٍ  هادي كلِّ نفسٍ سعيدةٍ، لعـل الله يقبل هذه الهدية، ويجعل في كتابي البركة، والله يُعطي من يطلب، فبشرى للطالبين.

القصيدة في حمد العزة ونعت خير البرية

يا مَن أحـاط الخـلقَ  بالآلاءِ

نُثـني عليك وليس حولُ  ثناءِ

.

اُنظُـرْ إليّ برحمـةٍ وعطـوفةٍ

يا  مَلجئي يا كاشفَ الغَـمّاءِ

.

أنت الملاذ وأنت كهفُ نفوسنا

في هـذه الدنيـا  وبعد  فناءِ

.

إنّا رأينا  في الظـلام  مصيـبةً

فارحَـمْ وأَنْزِلْنا  بدار ضـياءِ

.

تعفو عن الذنب العظـيم بتوبةٍ

تُنجي رقابَ الناس مِن أعبـاءِ

.

أنت المراد وأنت مطلب مُهْجتي

وعليك كلُّ  توكّلي  ورجائي

.

أعطيـتَني كأس المحـبة  رَيْقَها

فشربتُ رَوحاءً على رَوْحـاءِ

.

إني أمـوت ولا يمـوت محبتي

يُدْرى بذكرك في التراب ندائي

.

ما شاهدتْ عيني كمثلك محسِنًا

يا واسِعَ المعـروف ذا النعماءِ

.

أنت الذي قد كان مقصدَ مُهْجتي

في كلّ رشْحِ القلـم والإملاءِ

.

لما رأيتُ كمال  لطفك  والندا

ذهَب البلاء فما  أُحِسُّ  بلائي

.

إني تركتُ  النفس مع  جذباتها

لما  أتـاني طالبُ الطـلبـاءِ

.

متْـنَا بمـوت لا يراه عـدوُّنا

بعُدتْ  جنازتُنا  من الأحـياء

.

لو لم يكُنْ رحمُ المهيمن كافلي

كادت تعفِّـيني سيولُ  بكائي

.

نتلو ضياءَ الحق عند وضـوحهِ

لسنا بمبـتاعِ الدُّجـى  بِبَراءِ

.

نفسي نَأَتْ عن كل ما هو مُظلِمٌ

فأَنَخْتُ عند  مُنوِّري  وَجْنائي

.

لما رأيتُ النفسَ سَدَّ مَحَـجّتي

أسلمتُـها كالمَيْتِ  في  البَيداءِ

.

إني شربتُ كؤوسَ موتٍ للهُدى

فرأيتُ بعد الموت  عين  بقائي

(منن الرحمن)

Share via
تابعونا على الفايس بوك