من مجالس الخليفة

من مجالس الخليفة

ما هي حقيقة أسباب النزول؟؟

لماذا تقدم أسباب النزول أحيانًا صورة مشوهة عن النص القرآني؟

 بتوفيق من رب العالمين أُتيحت لي فرصة الجلوس مع حضرة ميرزا طاهر أحمد الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ( ) وذلك من خلال برنامج (لقاء مع العرب) وقمت بطرح السؤال الذي طالما شغلني أثناء دراستي في كلية الشريعة وهو كيف نستطيع أن نوفق بين أسباب النزول وبين إعجاز القرآن من خلال صلاحيته لكل زمان ومكان؟.

ولقد وجدت في إجابة حضرته بلسمًا شافيًا للمسلمين من علّة أوقعوا فيها أنفسهم بها هي علة أسباب النزول.

من يقف وراء أسباب النزول؟

بدأ حضرته جوابه كما يلي: “إن هذا هو بالضبط ما نقوم بتوضيحه من خلال برامجنا المختلفة ومجالس الأسئلة والأجوبة.

إن دراسة متأنية للأحاديث المتداولة اليوم يمكن أن تصل بنا إلى اكتشاف الطريقة التي صيغت بها وقدمت لنا.

إن الباحث المتدبر يُلاحظ دائمًا ظهور أحاديث على فترات مختلفة وأحيانًا بعد 600 سنة من بعثة الرسول الكريم وقد صيغت لها أسباب نزول جديدة!! وعندما نحقق في سلسلة الرواة نجد أن كثيرًا منهم يعتبر ممن يُشك في أصوله أو قد يكون من نسج الخيال ولا أثر له في القبائل العربية التي عاشت في الجزيرة العربية، وبعضهم الآخر نجدهم قد أُدينوا من قبل علماء كبار على أنهم كذبة ومختلقون للأحداث.

ثم إن الذين يصرون على ربط أسباب النزول بحوادث معينة هم في الحقيقة ينقصون من فعالية وقيمة وأهمية الآيات القرآنية، وكذلك يحددون صلاحيتها من الناحية الزمانية والجغرافية. إن ما لا يقبله المنطق أن تعمم حادثة ترتبط بتاريخ العرب في زمن الرسول الكريم على أمم وشعوب أخرى في أزمان متأخرة تختلف فيها الظروف والأحوال الأمر الذي سيجبر أبناء الأزمان المتأخرة على اعتبار القرآن كتابًا محدود الصلاحية، وأنه أُنزل بسبب تلك الأحداث المحدودة وكأن القرآن كان يهتم ويكترث فقط بالناس الذين عاشوا في عصر الرسول !!. إنني أؤكد أننا لو فعلنا ذلك لأنقصنا من قيمة وجمالية الآيات القرآنية.

وهكذا تجدون أن الأخذ بأسباب النزول سيقودنا إلى حالة ارتباك وحيرة، ونحن لسنا بحاجة لذلك لأن القرآن لم ينزل لوقت معين أو حادثة معينة ولكن أُنزل للعالم أجمع وهو صالح لكل زمان ومكان حتى نهاية هذا الكون.”

فإذا كان بين أيدينا الترتيب الذي قُدم ونال رضى أكمل الخلق محمد المصطفى فلماذا نرجع إلى الترتيب الذي كان عند بدء الوحي وأسبابه؟؟. إن هذا سوف يسيء بشكل كبير لاستمرارية القرآن وتكامله فلو أننا تحدثنا عن سبب نزول إحدى الآيات فإننا سوف نجد أن النظام الترتيبي للقرآن قد تضرر وتضرر معه مفهوم الآيات مقترنًا بالسياق والسباق الذي أراده رب العالمين.

أسباب النزول والإسرائيليات

ويتابع حضرته جوابه قائلاً: “الأمر الآخر الهام هنا أننا نجد أسباب النزول أحيانًا تناقض بعضها البعض وقد دخلت عليها الكثير من الإسرائيليات، حيث يجد القارئ الحشو من الكلام من قصص وأقاويل عن تاريخ وتقاليد اليهود. وفي حين يجب أن تكون الحكمة هي المقصد والهدف، نجد أن ضياع عظمة هذه الحكمة هو السمة السائدة التي تطبع هذه الأحاديث بطابعها مما ينقص بالتالي من عظمة القرآن الكريم وهيبته.

والسؤال الهام هنا أنه إذا كانت أسباب النزول هامة لدرجة كبيرة فلماذا نجد أن الرسول قد غير الترتيب لكل فصول القرآن وذلك بأمر من الله سبحانه عن طريق جبريل ( )؟. إن هذا يؤكد أن الله لا يريدنا أن نظل مقيدين بأسباب النزول وبترتيب هذه الأحداث.. بل وضع سبحانه نطاقًا جديدًا متكاملاً صالحًا لكل زمان ومكان.

فإذا كان بين أيدينا الترتيب الذي قُدم ونال رضى أكمل الخلق محمد المصطفى فلماذا نرجع إلى الترتيب الذي كان عند بدء الوحي وأسبابه؟؟. إن هذا سوف يسيء بشكل كبير لاستمرارية القرآن وتكامله فلو أننا تحدثنا عن سبب نزول إحدى الآيات فإننا سوف نجد أن النظام الترتيبي للقرآن قد تضرر وتضرر معه مفهوم الآيات مقترنًا بالسياق والسباق الذي أراده رب العالمين.

إن الاحتمال الوحيد الذي يمكننا أن نأخذ به عندما نصادف ارتباط أحداث معينة بمواضيع لآيات الوحي القرآني هو أن ندرك أن وجود تلك الأحداث يجعل الوحي القرآني الذي شهد العرب نزوله قريبًا من طبيعة حياتهم، وكذلك يجعله العامل المساعد لهم كي يستطيعوا قراءة تفاصيل ونمنمات حياتهم وتصرفاتهم على ضوئه. إن أي احتمال آخر سيقلل وأحيانًا يشوه مضامين هذا الوحي العظيم.”

كيف نهرب من  التناقض؟..

“هناك جانب آخر هام في الموضوع يتعلق بتلك الآيات التي ترتبط بأحداث ذات طبيعة عامة أو خاصة ولكنها أدت إلى تحول هام في مسار الدعوة الإسلامية. على المرء أن لا يُولي أسباب النزول اهتمامًا كبيرًا. وعلى سبيل المثال هناك معركة أُحُد التي تناولتها أسباب النزول بالعديد من القصص التي نجدها تأتينا أحيانًا من علماء الشيعة وأحيانًا أخرى من علماء السنَّة وكلٌ يقدم أسبابه بالشكل الذي يخدم مصالحه.. وبغض النظر عن هذا التحزب نجد أيضًا أن الأسباب التي تواجهنا هنا وهناك متناقضة مع بعضها البعض؟! لذلك علينا أن نكون انتقائيين وبدرجة عالية من الإخلاص لآيات القرآن.. لأنه من المؤكد أن الأحداث الهامة والمؤثرة يجب أن تكون مذكورة أيضًا في الآيات القرآنية.. نفس الشيء نجده أيضًا مع موقعة بَدر وحُنَين وصلح الحُدَيبية…”

أسباب النزول تقدم أحيانًا صورة مشوهة عن النص القرآني

“إن علينا أن نلجأ إلى تلك الأسباب فقط عندما نحتاج إلى بعض المعلومات الإضافية كي تكتمل صورة حدث ما كالأسماء أو المواقع.. ويجب أن لا نجعل تلك الأسباب العامل في خلق التناقض الذي ينعكس سلبًا على الآيات القرآنية.

وأضع أمامكم مثالين أولهما يتعلق بحادثة هجرة الرسول الكريم مع سيدنا أبي بكر  حيث لم تذكر الآيات صراحة اسم هذا الصحابي الجليل في حين أننا عرفنا ذلك من خلال أسباب النزول.

وأما الأمر الآخر فيتعلق بالآيات التي تتعلق بالصحابي زيد بن حارثة ومطلقته زينب.. إن رجوعنا هنا لأسباب النزول يجعلنا نقف مذهولين للصورة المشوهة التي تقدمها أسباب النزول وتشوه بها سمعة ومكانة وشرف أحب خلق الله لنا… سيدنا محمد المصطفى . إن أسباب النزول لا تتورع عن الحديث بصفاقة عن أن سيدنا محمدا توجه إلى بيت مُتبناه زيد ودخل البيت حتى دون أن يطرق الباب ويستأذن (هل هذا ما علمنا إياه هو بنفسه؟)!! وأنه قد شاهد السيدة زينب تجلس متخففة من ثيابها، فوقع في حبها!!؟..

إنني عندما أقف أمام نصوص من هذا النوع أجد نفسي من الكارهين لأسباب النزول لأنها تشوه صورة محبوبي وقدوتي سيدنا أكمل الخلق محمد المصطفى ” (وهنا اغرورقت عينا حضرته بالدموع تأثرًا..)

وفي الختام أنهى حضرته جوابه بالإصرار على التقيد دائمًا بالنص القرآني وشرفه وقدسيته وكذلك قدسية سيد الخلق محمد المصطفى ، لأنهما السبيل لفهم مقصد وأهداف الوحي الإلهي الذي يريد أن ينتشلنا من الخرافة إلى أكمل مراتب الرقي الروحاني والمادي.

وأخيرًا…

إن موضوع أسباب النزول هو بحث طويل وشائك يحتاج إلى وقفة متأنية كي لا نُنقص النص القرآني هيبته ووقاره، وقد أعطانا حضرته نقاطا هامة وخيوط يمكن أن تقودنا إلى نسج صورة متكاملة عن الموضوع فيما لو تابعنا البحث والتحليل. ولذلك فإني أدعو الله أن يمنحني القوة لمتابعة البحث في هذا الموضوع حتى يُحيط القارئ الكريم بكل خلفيات وأبعاد موضوع أسباب النزول وكذلك ارتباطها بالنص القرآني.

Share via
تابعونا على الفايس بوك