في شارع الصحافة

في شارع الصحافة

إن السعي لتقديم أفضل الخدمات الصحفية للقارئ العربي هو الهمّ الشاغل لمجلتكم “التقوى”. وهذا هو الدافع الذي يدفع أسرة التحرير اليوم لإضافة باب جديد تحت عنوان “في شارع الصحافة”.

في شارع الصحافة سيلتقي القراء الكرام مع الأحداث الساخنة التي تتناولها الصحافة العربية من زوايا مختلفة، وبذلك يكون على تواصل فكري مستمر مع جميع القضايا وتكون هي مثار الجدل والنقاش.

إن “التقوى” هي الامتداد الفكري لكل مسلم يعيش بيننا عل اتساع الخارطة، ومن هنا تأتي أهمية هذا الباب الجديد، ونحن دائما بانتظار آرائكم وانتقاداتكم لكل جديد نحمله كي نتمكن من تطوير خدماتنا الإعلامية.

 

رؤية أَم عمى؟!

نشرت جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 13 نوفمبر 1997، مقالاً بعنوان مثير… رؤية جديدة للتاريخ: “عبور النبي موسى من بحيرة قارون”. خلاصة المقال أن أستاذًا مصريًا في “الهندسة الإنشائية” توصل إلى أطروحة جديدة تقول إن النبي موسى عبر من بحيرة قارون وليس من مكان آخر، وهذا الكلام خصصت له الجريدة صدر صفحتها الثالثة، مستغلة عناوين مثيرة بارزة، تحاول أن تضفي أهمية مصيرية على هذا الطرح.

وقد جلبت إحدى فقرات المقال تحت عنوان جانبي “ولادة موسى” انتباهنا لما احتوت عليه من جرح في شخص سيدنا موسى ومس بشرفه واسمه ومقامه الروحي. كتبت الجريدة تقول: “في عهد امنحتب الأول ذبح ذكور بني إسرائيل والعبرانيين وهو العهد الذي ولد فيه موسى الذي تبنته امرأة فرعون لتزويجه حتشبسوت ابنتها بدلاً من تزويجها لتحتمس الثاني ابن فرعون من جاريته.. إلا أن تحتمس الثاني نجح في الزواج من حتشبسوت وقد مات تحتمس الثاني بشكل غامض وينطبق تاريخ هروب موسى مع تاريخ وفاة تحتمس الثاني الغامض ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي في هذا الموضوع أن موسى لبس تاج ملك الجنوب مما يرجح أن تحتمس الثاني الذي كان خصم موسى في الزواج من حتشبسوت قد عاد لاضطهاد اليهود، وفي نزاع بينهما وكزه موسى فمات ولم يعرف أحد بالأمر.. إلا أن العبراني فتن عليه فهرب موسى وتولت حتشبسوت الحكم حتى جاء تحتمس الثالث الذي أزال كل بصمات حتشبسوت، حتى اسمها في المعابد طمسه تحتمس الثالث وزاد اضطهاده لبني إسرائيل..” (جريدة الأهرام المصرية بتاريخ 13 نوفمبر 1997)

يبدو أن محققي الجريدة لم يسمعوا من قبل بالآية القرآنية القائلة:

نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ (يوسف: 4).

لذلك استنجدوا بخدمات مؤرخ من بني إسرائيل.. وكنت أتوقع أن تذكر الجريدة بعض المراجع من القرآن الكريم لأن بني إسرائيل وأنبيائهم قد ذُكروا في القرآن الكريم أكثر من أي شعب آخر، حيث غُطيت أهم أحداث تاريخهم علاوة على تغطية تفاصيل حياة سيدنا موسى الطاهرة.. منذ ولادته إلى زواجه وأيضًا تفاصيل تَشرّفه بمقام النبوة وتكريمه بتلقي الوحي من الله مباشرة لذلك لُقب بكليم الله بناءً على الآية القائلة: وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (النساء: 165). حتى إن والدته الطاهرة هي الأخرى كانت مهبط وحي الله: وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى (القصص: 8).

جميع هذه التفاصيل تناساها محققو جريدة الأهرام.. الله يخبرنا على لسان حبيبه محمد المصطفى نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ.. ومحققي الجريدة اختاروا الاستماع إلى قصص علماء بني إسرائيل.. ونُذكّركم بما اقتبسناه آنفًا من فقرة الجريدة: “ويقول يوسيفوس المؤرخ اليهودي في هذا الموضوع أن موسى لبس تاج ملك الجنوب مما يرجح أن تحتمس الثاني الذي كان خصم موسى في الزواج من حتشبسوت قد عاد لاضطهاد اليهود..” وكأن يوسيفوس المؤرخ اليهودي هو أوثق مرجع لنا نحن المسلمين ولا نستبعد أن تنشر بعض الجرائد في يوم من الأيام أن معطيات هذا المؤرخ اليهودي أوثق من معطيات القرآن.. طبعًا ليس بهذه الكلمة الدامغة ولكن كالعادة بوضع “ماكياج” الخداع والتزييف!!

وأريد أن أذكّر هؤلاء المحققين بأن تهمة القتل التي أُلصقت بسيدنا موسى على مر العصور كان من المفروض عليهم أن يثبتوا كذبها وعدم صلاحيتها، ولكنهم زادوا في الطين بلة وذكروا أن الوكزة (اللكمة) التي سددها سيدنا موسى لذلك الرجل الذي لم يكن من شيعته لم تكن من باب الصدفة أي كانت هنالك معرفة مسبقة بينهما، وهذه النقطة لم يذكرها القرآن الكريم ومعنى ذلك أنه إذا كانت من التفاصيل الهامة لهذا الحدث الهام لَذَكرَها لأن الله لا يستحي أن يذكر مثل هذه التفاصيل وليس من مميزاته إخفاء الحقائق.. وكالعادة استنجدوا مرة أخرى بعالمهم اليهودي “مولانا العلامة فضيلة المؤرخ” يوسيفوس وذكروا: “.. مما يرجح أن تحتمس الثاني الذي كان خصم موسى في الزواج من حتشبسوت قد عاد لاضطهاد اليهود، وفي نزاع بينهما وكزه موسى فمات ولم يعرف أحد بالأمر..” .. الحياء، الحياء يا سادة الصحافة والدهاء، هل يتصور أحد أن الله سبحانه وتعالى يختار رجلاً مجرمًا قتل نفسًا بريئة لأنها حالت دونه ودون امرأة شغفته حبًا.. إذا كان هنالك فعلاً وجود لأي امرأة على مجرى الأحداث لذكر سبحانه وتعالى ذلك كما كانت الحالة بالنسبة لسيدنا يوسف حيث ذكر القرآن تفاصيل مراودة امرأة العزيز له ثم برأه مما نُسب إليه من عمل شنيع. إن هذه العلاقة السرية بين سيدنا موسى وحتشبسوت هي نتاج عقل مكبوت وشخصية مضطربة، ويبدو أن الصحفي الذي كتب المقال غير متخصص في الكتابة حول أنبياء الله ربما أصابه الملل من كتابة سيناريوهات المسلسلات المصرية فقرر أن يجرب حظه في مجالات لا باع له فيها.. فجرد سيدنا موسى من وقاره وهيبته واحترامه وعرضه بأبشع صورة.

ما كان لله أن يختار سيدنا موسى وسِجل ماضيه يحمل بين طياته قتل متعمد لرجل بريء.. بل إن أحداث القرآن الكريم بهذا الخصوص تؤكد أن رجلاً من بني إسرائيل كان في شجار مع رجل غير إسرائيلي. استنجد الإسرائيلي بسيدنا موسى الذي حاول في بداية الأمر أن يفصل الطرفين المتشاجرين.. ولكن محاولته باءت بالفشل وكآخر محاولة لفصلهما لكم أو وكز سيدنا موسى الرجل الذي ليس من شيعته، ونؤكد أن الوكزة أو اللكمة كان الغرض منها فصل الرجلين المتشاجرين وليس القتل.. فحصل ما لم يكن في الحسبان ومات الرجل الذي ليس من شيعة سيدنا موسى.. اقرأوا الآية بأمانة وتمعن:

وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (القصص: 16).

القرآن الكريم يؤكد بعبارات واضحة ناصعة على ندم سيدنا موسى على موت المصري إذ يقول

هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ

ومحققو الجريدة يستدلون بتهم المؤرخ اليهودي يوسيفوس كي يثبتوا أن سيدنا موسى خطط لهجومه العدواني وقتل النفس البريئة أي لم يحدث الأمر خطأ وصدفة كما ذكر القرآن الكريم بل طبقًا لتخطيط محكم حسبما ذكر المؤرخ اليهودي. مَن نصدق الله الملك الحق المبين أم المؤرخ اليهودي يوسيفوس؟!!

إن شوارع وأزقة كثير من دولنا العربية مشهورة بالعراك والتشاجر.. فأخبرني ماذا تفعل أيها الصحفي المحترم، كرجل منصف وعادل، لما ترى أخاك يتشاجر مع رجل غريب ليس من بلدك؟ أليس من المفروض عليك أن تفصل أخاك ممن يخاصمه؟ وماذا تفعل بعد أن تفشل مساعيك السلمية؟ ألا تستعمل القوة لإخماد أحدهما؟ طبعًا حميتك لن تسمح لك بتسديد لكمة لأخيك ولكن تسديدها لخصمه لها إمكانية وافرة الوقوع. وبهذه الطريقة ستنجح في فصلهما عن بعض وتنتهي المشاجرة.. ولكن إذا مات مخاصم أخيك من جراء اللكمة التي سددتها إليه في مكان حساس من جسمه ولم تكن نيتك قتله بل إخماده، هل تصبح مجرمًا من الدرجة الأولى ويحكم عليك بالإعدام؟! إن القاضي الماهر سيدرس تفاصيل هذا الحادث وغالبًا سيطلب منك أن تدفع مبلغًا ماليًا كغرامة أو مخالفة لعائلة المتضرر. إذا كنا فعلاً من المنصفين فلماذا لا ندرس حادث القتل المتعلق بسيدنا موسى من هذه القاعدة؟ ونتساءل هل كانت نيته قتل الرجل الذي ليس من شيعته أو فصله عن الرجل الذي هو من شيعته؟ وهل نسيتم أيضًا إنما الأعمال بالنيات!! مع العلم أن أصحاب سيدنا موسى كانوا مضطهدين مقهورين على أيدي الفرعونيين، فلا شك أن سيدنا موسى تقدم للدفاع عن أخيه المظلوم ونصرته، وليس بنية قتل المصري.

إن الحياة الطاهرة لسيدنا محمد المصطفى قد أرست لنا القاعدة التي بناءً عليها يختار الله سبحانه أنبياءه أي تلك النخبة من الرجال الأصفياء المطهرين الأبرار الذين يمثلون سلطة الله سبحانه وتعالى على وجه الأرض في أزمنة وبقاع مختلفة.. إن الفترة الزمنية من حياة أي نبي قبل توليه مهام تمثيل سلطة الله على الأرض يجب أن تكون خالية من أعمال النهب والتخريب والإجرام بل على عكس ذلك يجب أن يعرف بحسن سلوكه وتقواه وورعه وصلاحه لذلك يكون أهلاً لتمثيل سلطة الله على الأرض مثلما كان الحال بالنسبة لسيد الخلق محمد المصطفى

فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (يونس: 17).

ومن ناحية أخرى نجد أن الله يؤكد: اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ (الحج: 76). والسؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: لماذا لم يقرن اصطفاءه كالآتي: الله يصطفي من الملائكة والناس رسلاً.. لأن في ذلك دلالة واضحة على أن الرسل الذين يصطفيهم الله من الناس ليسوا أناسًا عاديين بل رجال تحدث بينهم وبين ملائكة الرحمان مشابهة تامة في طاعتهم وتقواهم وورعهم وبعد أن تتم هذه المشابهة يختارهم الله فيرتقوا في سلم الروحانية وتؤمر الملائكة أن تكون تحت تصرفاتهم تساعدهم في تبليغ رسالات الله.. فسيدنا محمد وصفه القرآن الكريم أنه كان نورًا في حد ذاته أي أخلاقه السامية وعبادته وتوحيده لله سبحانه وتعالى غيرت معدنه من معدن الإنسان العادي إلى تجسد للنور الرباني.. نُورٌ عَلَى نُورٍ (النور: 36) أي نور الله القرآن نزل على نور الله محمد .. هذا هو حال سيد الأنبياء، أما سائر أنبياء الله فلكل واحد منهم عليهم السلام حظ وافر من هذه البركات، وإنني لا أبالغ في مدحهم ولكن هذا هو حق قدرهم. لذلك ذكر القرآن الكريم تفاصيل أحداث أولئك الأنبياء الذين وجهت إليهم أصابع الاتهام بتلفيق تهم الكذب والزنا والقتل فبرأهم على لسان حبيبه محمد المصطفى الذي لم يدافع عن شرفهم فحسب بل ختمهم بخاتم نبوته أي شهد على صدقهم جميعًا (عليهم السلام)، ثم وضع ختمه ليثبت ذلك. وهذه الحالة فريدة من نوعها أي أنه كان محاميًا وقاضيًا في نفس الوقت. فدافع عن أنبياء الله عليهم السلام ثم ختمهم أي وضع عليهم ختمه وذلك ليثبت للجميع أنهم مبعوثون من الله ولا يجوز لهذه النخبة من الناس أن ترتكب الأخطاء التي نسبت إليها ظلمًا وزورًا أما عن الجرائم فلا تحدث.

لذا فمن حيث المبدأ نقول أهلاً لكل إنجاز علمي، لكن بالله عليكم هل يمكن أن يدلني أحد على جدوى تعود علينا من بحث مثل هذا.

إن الإنسان العاقل يعي أنه لما يوكل أحد الملوك شخصًا ما كي يمثله سياسيًا في أخذ القرارات، نجد دائمًا أن هذا الوزير قبل اتخاذه أي قرار يعلن: باسم جلالة الملك أتخذ هذا القرار أو ذاك.. والسؤال هنا إذا لم يُصب الوزير في قراره أو اتخذ قرارًا يتنافى مع ميولات الملك ورغباته.. فما العمل؟ ومن المسؤول عن هذا التصرف؟ طبعًا الملك المغلوب على أمره الذي أعطاه توكيلاً مختومًا بختمه الخاص صرح فيه أن هذا الوزير هو ممثلي الرسمي وبإمكانه أخذ أي قرار نيابة عني.

هذا ما يحدث مع ملوك الدنيا الدنية الفانية فما بالكم بالعزيز القدير المنزه عن الخطأ والنقصان أيجدر به أن يختار شخصًا يمثله على وجه الأرض وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة ولا يكون على دراية كافة بعواقب القرارات التي يمكن أن يتخذها ممثله ومندوبه، وعلاوة على ذلك سيتساءل عامة الناس عن النقاط السوداء في ماضي هذا الذي يختاره الله وبعد اختياره إذا صدر منه أي خطأ ستزداد قائمة أسئلتهم.. بالله عليكم هل يرسل الله شخصًا ليهدي الناس أم ليضلهم؟! خصوصًا بعد أن يُنقبوا في ماضيه فيجدوا أعمالاً لا تحمد وحاضره مظلم بأعمال كريهة.. من سيستجيب إلى داع من الله بهذه المواصفات.. وكيف نلوم من لا يؤمن به؟ بل على نقيض ذلك قد يلوم البعض من اختاره لهذا المهام.. إن الله يصطفي، أي يختار شخصًا صافي الظاهر والباطن والماضي والحاضر والمستقبل وحاشى لله أن يتصرف أي نبي من أنبياء الله طبقًا لما يتصوره العقل البشري ولكنه مباشرة بعد أن يعيّن رجلاً ليمثله، تتنزل مع هذا القرار بركات وكرامات لا يعيها ولا يراها إلا من كانت له عينان روحانيتان أي أنه لما يصدر خطأ أو ذنب من أي نبي لله يُنسب ذلك لله الذي عينه. وحاشى أن يصدر منهم ذنوب مثل ذنوبنا وأخطاء مثل أخطائنا.. وهنا تتغير الموازين فأكبر حسنة يقوم بها الإنسان العادي تُعد أكبر ذنب في قاموس أنبياء الله. يجب عليكم أن لا تُفتوا في سيرة هؤلاء الأخيار المطهرين الأبرار بجهالة وليس من العدل في شيء أن تحكموا عليهم من منظور مفاهيمكم المادية الضيقة المملوءة بالخزعبلات ومؤثرات النوازع الجنسية.. إننا لا ندين محققي الجريدة لمجرد دخولهم في مجالات ليست من اختصاصهم، ولكننا نود أن نذكرهم أن جميع الميادين الفكرية والعقائدية مفتوحة للجميع وليس لأحد السلطة كي يمنع البعض من الكتابة فيها ولكن نصيحتنا للإخوة المحققين أنه قبل أن يتجرأ أحدهم في الكتابة حول أي نبي من أنبياء الله يجب أن يعي أن الشخص الذي سيكتب حول سيرته ليس بطل مسلسلات أو أفلام مصرية بل نبي من أنبياء الله. ونصيحتنا هي أن نعتمد على النص القرآني الصحيح والصريح ونترك علماء ومؤرخي بني إسرائيل وشأنهم. إن القرآن الكريم دوّن رجاء لسيدنا موسى موجه إلى علماء بني إسرائيل من مؤرخين وغيرهم وعامة الناس أيضًا:

وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ لِمَ تُؤْذُونَنِي وَقَدْ تَعْلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (الصف: 6).

إنه عرف التركيبة النفسية والاجتماعية لقومه أكثر من أي رجل آخر في وقته لذلك حفظ القرآن الكريم رجاءه هذا لما فيه من أهمية ليس لليهود فحسب ولكن لمن يستدلون بعلماء اليهود أيضًا ويتشبهون بهم!!

نحن بلا شك مع البحوث العلمية الجادة في أي ميدان من الميادين الحيوية، فأمّتنا بحاجة لعلماء مجتهدين في كافة الاتجاهات العلمية والفكرية، وليس خافٍ على أحد أن من مآسينا الكبيرة افتقاد الدراسات العلمية الهادفة، لذا فمن حيث المبدأ نقول أهلاً لكل إنجاز علمي، لكن بالله عليكم هل يمكن أن يدلني أحد على جدوى تعود علينا من بحث مثل هذا. بل ماذا يضيف إلينا من رصيد في بناء موقف ثقافي جاد في صراعنا مع القوى الحضارية المناهضة لنا.

إن صحفنا العربية قلما تخرج علينا بدراسات جادة في حقل قضايا النمو الاقتصادي أو إعادة توزيع السكان، محاربة التصحر، القضاء على البطالة والأمية. فإن قلنا أن القوم تستهويهم القضايا الفكرية، فلم لا نرى صحيفة عربية فتحت صدرها لدراسات جادة علمية وهادفة في معالجة قضايا حرية العقيدة، أو مناقشة قضية الناسخ والمنسوخ في القرآن، أو حوار حر وصريح حول ما تروجه بعض المؤسسات المشائخية من تفسيرات نكرة للدين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك