فقد انقطعت أسباب الأرض ولم يبق إلا أسباب السماء

فقد انقطعت أسباب الأرض ولم يبق إلا أسباب السماء

التحرير

عندما تضطرب الأمور،  ويفور التّنّور، وتطفأ النّيران وتقلب القدور. عندما يزداد البلاء وينتشر الوباء ويرفع العلم ويقبض العلماء. عندما تتكالب الأمم على المسلمين كما تتداعى الأكلة على قصعتها. عندما يحلك اللّيل ويطول وترتعد القلوب وتذهل العقول. عندما يضيع السّداد والرّشاد ويتيه المسلمون في الوديان بلا راع ولا هاد. في ظلّهذه الظّروف القاسية والهموم الّتي هي كالجبال الرّاسية، لا بدّ وأن ترتفع الأنظار والأكفّ إلى السّماء. لابدّ لها أن تسأل الملك القدّوس نصراً من عنده وفرجاً قريباً. لابدّ للأعين أن تبكي وتدمع، والأكفّ بكلّ الضّراعة ترفع. فقد انقطعت أسباب الأرض ولم يبق إلّا أسباب السّماء. وليس لنا من دون الله مفرجاً لهذا البلاء. فكيف السّبيل إلى الهدى وكيف السّبيل إلى الرّشاد. هل للخلاص وسيلة تنجي ولو بخرط القتاد.

أليس من الغريب أن يدعى الموعود بلقب “الإمام المهدي” تمييزاً له من غيره؟.أليس غريباً أن يبدو اللّقب كأنّه إصبع الشّاهد الّذي يشير إلى الشّخص المقصود. إلى ذلك الموعود الّذي أهمّ مايميّزه أنّه إمام مهدي وليس كباقي الأئمّة الّذين لايدّعون الصّلة والوحي من الله والهداية. أليس غريباً أن يعلن النّبأ الغيبي أنّ هذا الإمام سيكون مهديّاً بوحي الله الّذي يكلّفه بالمهمّة ويوجّهه في خطواته من أجل تجديد الإسلام وإنقاذه؟. أليس غريباً أن يأتي النّبأ بهذا اللّقب الّذي فيه، بعد الإمعان والتّدقيق، سيرة ذاتيّة للمدّعي الصّادق الصّدوق لمن كان من المتدبّرين؟. هكذا هي كلمات الله التّامّات، وجوامع الكلم الّتي أوتيها حبيبنا المصطفى صلّى الله عليه وسلّم والّتي تفيض بمعان فيها هدى للمتّقين وسلسبيل عذب للصّادقين.

فكأنّ اللقب يعبّر عن نفسه ويقول إنّ الزّمان في وقت هذا الإمام سيكون زمان اختلاف المسلمين وتعدّد الأئمّة وزمن الفرقة والتّشتّت. زمن الّذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً كلّ حزبٍ بما لديهم فرحون. وكأنّه يقول إنّ المسلمين في هذا الزّمان سيتوجّهون إلى وجهات مختلفة ويتبعون أئمّة كثيرين. ولكنذهم سيقودونهم من هزيمة إلى هزيمة ومن ضعف إلى ضعف ومن هوان إلى هوان.

فقد انقطعت أسباب الأرض ولم يبق إلّا أسباب السّماء

عندما ستصرخ نفوسهم المعذّبة وقلوبهم الضّارعة بعد طول الشّدّة والمعاناة طالبة إماماً مهديّاً يتبعونه فيصبحون لاخوف عليهم ولا هم يحزنون.إماماً لا يقودهم بفكره واجتهاده الّذي  قد يحتمل الصّواب والخطأ. إماماً مؤيّداً بوحي إلهي يلهمه ويهديه السّبيل ويسدّد خطاه كي ينجي المسلمين من ظلم فرعون وهامان وجنودهما. إماماً يحمل سلطاناً من الله ووعداً منه بالنّصر المبين.إماماً يجمع المسلمين على الإيمان بالله وبمحمّد صلًى الله عليه وسلّم خاتم النّبيّين، وعلى الإيمان به وبكونه مهديّاً من الله لا مجرّد زعيم ديني رفعته الحكومات أو النّاس إلى سدّة الزّعامة. إماماً اصطفاه الله وعصمه منذ صغره، فسار بعناية الله وهديه على نهج سيّده ونبيّه محمّد المصطفى صلّى الله عليه وسلّم فكان خلقه من خلقه، ونوره من نوره، وكان ظلّاً له ومظهراً لصفاته الكريمة. إماماً اتبع سنّة أكمل الخلق صلّى الله عليه وسلّم فوجد بعضاً ممّا وجد المصطفى ونال بعضاً من هذه البركات. إماماً اتّباعه يلزم كلّ من لاقاه وعرفه فلا يعرض عنه مؤمن ولا يكون له الخيرة يومئذ في أن يتبعه أو لايتبعه. إماماً إذا خرج فلا صوت يرفع فوق صوته، ولا معقّب لكلامه، ولا رادّ لما جاء به. فما جاء به يؤخذ وما ردّه يردّ عند كلّ المؤمنين. إماماً يعيد تشكيل جماعة المسلمين المؤمنين ولا يأبه بمتاع الدّنيا الّذي شتّت الأئمة وفرّقهم وفرّق متّبعيهم. إماماً يعيد تشكيل جماعة المسلمين المؤمنين ولا يأبه بمتاع الدّنيا الّذي شتّت الأئمّة وفرّقهم وفرّق متذبعيهم. إماماً هماماص لا يخشى في الله لومة لائم فهو المهدي من الله المؤيّد بسلطانه، فلا متاع السّلاطين وملكهم بالّذي هو عنده مما يرغب ولا هو من الّذين يخشون بأس المتكبّرين. فهو الحكم العدل الّذي يفصل بين الحقّ والباطل بكلمة الله وسلطانه وملكوته الّذي هو في السّموات وفي الأرض فهو ربّ العالمين. كذلك فإنّ هذا الإمام الهمام لابدّ وأن ينقّي الإسلام من الشّوائب كونه مهديّاً ومرويّاً من المصدر الّذي نبع منه الإسلام. فهو عند رأس النّبع العذبة الّتي لم تختلط ولم تتلوّث بخبث السّنين وبعبث العابثين. فلا بدّ له إذن أن يأتي بمعارف هي كالآلئ والجواهر تسرّ النّاظرين وتبهرهم. فكلامه لابدّ وأن يكون مطعماً بشهد العرفان الإلهي. فيبحر في بحر القرآن ويستخرج المعارف الدّقيقة الّتي يستعذبها النّاس ويقبلون عليها مسرعين. ويتذوّقونها ويتلذّذون بها ويشعرون بحلاوة ماألفوها وبمعارف ماعرفوها عند غيره من مشايخهم وأئمّتهم الآخرين. ولكن سرعان مايستفزّون فارّين منه بعد أن يعلموا أنّه قد ادّعى مالم يدع به غيره من الأئمّة، وينسون أنّ الميزان الّذي ينصبونه له لبس بالميزان القويم. فهو ميزان اختلّ كما اختلّت أمور كثيرة فيما بين أيديهم من الدّين الّذي أخذوه من أئمّتهم ومشايخهم الآخرين. فيبتعد عنه من أساء الظّنّ ويقبل عليه من كان من المهتدين.

وهاقد جاء الإمام المهدي وفقاً للنّبأ. فكان متميّزاً عن غيره بسيرته المطهّرة الّتي ماهي إلّا كنفخة من سيرة المصطفى صلّى الله عليه وسلّم.

وقد جاء كما ينبغي له أن يأتي مهديّاً من ربّ العالمين. وأتى بمعارف وجواهر تسرّ النّاظرين. وأنشأ جماعة المسلمين المؤمنين على الإيمان بالله وحده والإيمان بسيّده المصطفى صلّى الله عليه وسلّم وكلّ ما جاء به خاتم النّبيّين، وعلى التّصديق بصدقه هو وبكلّ ما جاء به مما يدعم الإسلام ويجدّد بناءه من ثمرات هدى الله تعالى له الّتي تنزّلت في هذا الوقت ولأجل هذا البلاء المبين. فلا سبيل إلّا باتّباعه لمن كان في النّجاة من الرّاغبين.

وقد فتن البعض وما زال البعض يفتنون بأمر هو كالماء الغدق الّذي هو عذب وكذلك هو فتنة للشّاربين. فيرون أنّ ثمرات الوحي الإلهي اللّذيذة الّتي تنزّلت على الإمام المهدي عليه السّلام يمكن أن يجتذب العاقلين من المسلمين وغيرهم. ولكنذهم يجدون أنّ العقبة الكأداء هي في قبول أنّ الإمام المهدي عليه السّلام يتلقّى الوحي من الله. ويجدون أنّ مجرّد معرفة السّامعين لهذه الحقيقة تنفّرهم وتجعلهم يجعلون أصابعهم في آذانهم ويعرضون. لذلك فإنّهم إمّا أن يحاولوا تحريف الكلم عن مواضعه بأن ينفوا النّبوّة الظلّيّة ويسكتون عن مفهوم النّبوّة في الأمّة المحمّديّة ومفهوم خاتم النّبيّين، فيجعلون الإمام المهدي عليه السّلام معادلاً لغيره من الأئمّة والمجدّدين. ويظنّون أنذهم بذلك يخدمون الإسلام ويساعدون النّاس على التّصديق بالإمام المهدي. ومنهم من يحاول أن يلتفّ حول هذه الحقيقة فيوصل الثّمرات للنّاس دون أن يشعرهم بتلك الحقيقة، ويظنّ بعد ذلك أنّهم قد يقبلون بها بعد ان رأوا جمال هذه الثّمرات.وإن كان الفريق الأوّل هو أكبر خطأ من الثّاني إلّا أنّ كلا الفريقين مخطئون. وذلك لأنّهم يحاولون نزع الصّفة الأبرز للإمام المهدي، ألا وهي تميّزه عن غيره بالوحي الإلهي، أو التّلاعب عليها. وهم لن يحقّقوا النتيجة المرجوّة وقد أثبت التّاريخ ذلك للمتدبرين كما حدث مع اللّاهوريين. وعلى الّذي يسلك هذا المسلك أن يعي أنّ أكبر ما يمكن أن يجنيه هو أن يستحسن النّاس هذه الثّمرات ثمّ ينصرفون إلى ماكانوا عليه وماهم عليه عاكفون من لغو ولهو وفساد.أي أنّهم لن يروا هذه الثّمرات إلّا من باب التّرف الفكري الذذي يشعرهم أنّهم أيضاً على الحقّ المبين. أمّا الإيمان بالإمام المهدي وإعطاؤه حقّه ومقامه العظيم الكريم، فسيولد في نفس المؤمن طاقة عظيمة للعمل وإصلاح النّفس وسلوك سبيل الهدى والتّقوى. وسيجعل المؤمن مطمئنّاً إلى أنّه يتّبع رجلاً مهدي الخطوات مؤيّدها فلا يخاف أن يقع في صعوبات أو مصاعب نتيجة سوء تقديره أو خطأ اجتهاده كما هو حال الأئمّة الآخرين.

فلا بدّ لكلّ من آمن بالإمام المهدي أن يعلم أنّه لامجال للمداهنة في هذا الأمر. وعليه أن يعلم أنّه إن أظهر هذا الأمر بجلاء وأصرّ عليه إصرار المؤمن المتوكّل على الله فإنّ الله سيوفّق خطواته ويحقّق أمانيه وغاياته. أمّا إن سلك غير هذا السّبيل فإنّه سيقع في حبائل النّفاق الخفيّة ولن يحصد الحصاد المأمول. وعليه أن يتذكّر أنّ الإمام المهدي قد جاء ليهدي النّاس وينقذهم مما هم فيه فعليهم أن يأتوا إليه مستسلمين. فسنّة الله في الأنبياء أنّهم يأتون على خلاف هوى أقوامهم وإلّا فما الحاجة إليهم إذان إن كانوا سيأتون ليقولوا إنّنا جئنا لنقول لكم إنّكم على حقّ وكلّ ما تقولون هو صحيح. علينا أن نتذكّر أنّ الإمام المهدي مؤيّد من الله مالك الملك، ملك السّموات والأرض، والنّصر آت من عند الله ولو بعد حين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك