الحياء ...أم الفضائل

الحياء …أم الفضائل

التحرير

الحياء خلق عظيم، وسمة دالة على خوالج النفس التي تُقدر معنى قيم الفضيلة. ويُحدث هذا الخلق في كل من اصطبغ به حالة أخلاقية وروحانية بحسب ما ارتقت إليه نفسه وتمسكت بجوانبه المعنوية والإيمانية في جميع مجالات الحياة عقيدةً ومسلكاً.

ويحتل هذا الخلق مكانة رفيعة في سلم الفضائل وهو دون أدنى شك تاج على رأس أم الفضائل كلها. وقد اهتم الإسلام بهذا الخلق ورغَّب فيه لما يحتوي عليه من خير، وعَدَّه من خصال الإيمان حيث قال عنه المصطفى  “الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء من الجفاء، والجفاء في النار”. وقال أيضاً: (الحياء خيرٌ كله). وهكذا يتضح كيف أن الدين الحنيف جعل الحياء شُعبة من شعب الإيمان وجعل بينهما صلة متينة. وهو بهذا التوجيه يحث المسلمين على إدراك ماهية الحياء بمنظور إيماني شامل يرزق الأمة كافة نعيم الجنة. وفي وجود الحياء في الأمة دليل على عُلو شأن إيمانها ورقيها الروحاني، وفي حال انعدامه دليل على الانحطاط الأخلاقي والروحاني وغياب أمارات الصلاح والفضيلة.

وعموما سيبقى الحياء خُلُقاً إنسانيّاً تتميز به فطرة الإنسان، بما وهب الله كل إنسان من بذرة نمو كامنة فيه، يستطيع أن ينميه أو يقضي عليه باختيار مسلك في الحياة إما الفضيلة أو الرذيلة. والإنسانية البائسة اليوم وهي تكابد أنواعاً من الأسقام والعلل والنكبات والطغيان والفساد في مختلف مجالات الحياة ما حملها على بلوغ هذا الحال المزري إلا حينما همّشت الحياء وأعرضت عنه وتبنَّت طرق الجفاء التي لا ترضي الله. فسلّط عليها صنوفَ البلاء والعذاب بما قست قلوبها وفسدت طباعها وأخلاقها.

وفي هذا إشارة خفية للعصر الذي يطغى فيه عدم الحياء على أخلاق الأمم والشعوب فتبلغ فيه الرذيلة منتهى الذل والانحطاط فيعمد مع جموع المؤمنين إلى محاربة الرذيلة بالفضيلة.

لقد كان رسول الله  أشد حياء من العذراء في خدرها كما تذكر كتب السيرة التي تصف شمائله الغراء. وكان صحبه – رضوان الله عليهم – ممن انعكست فيهم ملامح هذه الفضيلة فبزغ منهم إشراقة شمس إيمانية لا يخفت نورها. فصاروا نموذجاً خالداً يهتدي إليه السعداء والصلحاء وأصفياء القلوب الذين جعلوا الحياة حياةً لهم والجفاء فناءاً لهم، بعدما عاهدوا الله على الوفاء بِقيم الفضيلة.

الحياء يا أمة الإسلام فيه الخير والنماء، وإياكم ونواقض هذا الخلق العظيم في حياتكم وسلوككم! فكم يحزُّ في نفوسنا ما نراه في الصحف ووسائل الإعلام من مفاسد مغايرة للحياء والفضيلة. فالخلاعة والموبقات غدت أمراً معتاداً ومادة دسمة لاستقطاب الجمهور. فنفر الحياء من الناس ونفروا منه، وركنوا للرذيلة فصاروا وكرها ورفعوا لواءها وكثَّروا جندها، وحسبوا أن فضيلة الحياء وَلَّى زمانها وخفت نجمها، فنفروا منها ومن أهلها، فلا والله لا تستوي الفضيلة والرذيلة، ولا الكفر مع الإيمان، ولا الظلمة مع النور، ولا الحياء مع الجفاء، وإننا والله معشر المسلمين الأحمديين حيثما كُنا شيدنا صرحاً للفضيلة والحياء حتى صار خُلق الحياء منصبغاً بصبغة منجزات جماعتنا التي قيّد الله بها غلبة الإسلام. فشتّان بين إعلامنا وإعلامكم، وصحفنا وصحفكم، ومجلاتنا ومجلاتكم، ولله الفضل والمنّة أن بوّأنا لهذا المقام الذي ما كنا أن نتبوّأه إلا بطاعة سيد الأولين والآخرين محمد المصطفى  وخادمه الأمين سيدنا الإمام المهدي الذي مِنْ مَهام بعثته كما جاء في الحديث أنه يقتل الخنزير.. وفي هذا إشارة خفية للعصر الذي يطغى فيه عدم الحياء على أخلاق الأمم والشعوب فتبلغ فيه الرذيلة منتهى الذل والانحطاط فيعمد مع جموع المؤمنين إلى محاربة الرذيلة بالفضيلة.

لقد انعكفت دعوتنا المباركة مجاهدة بمختلف إمكانياتها ومواردها على محاربة القيم الفاسدة والترويج للقيم الفاضلة الغراء التي حثّ عليها الإسلام، بينما انزوى كثير من رجالات الدعوة والتربويين إلى إصلاح ما فسد بأساليب ليست من سنن الإصلاح الربانية المباركة. فهذا ينشد الشدّة والعنف! وذاك يروج لفكر تربوي علماني! فباءت كل جهودهم أدراج الرياح خائبة أمام طوفان تيار لا أخلاقي جارف.

إن الحياء هو أم الفضائل ودرعها، الذي تنكسر أمامه الرذائل خائبة باعتباره من أعلى خصال الإيمان، وهو نوعان، نوع طبعي فطري نراه لدى الأطفال الذين لم يبلغوا سن الشعور والوعي والإدراك. ويوجد له نظير أحياناً في أناس مقطوعي الصلة بأية جوانب إيمانية وروحانية.. وهذا النوع لا يتأتى عليه ثواب لكونه حياءً فطريا لا ينم عن عقيدة وتصديق وإيمان. ونوع ثان وهو أخلاقي روحاني مكتسب من معرفة وصلة وثيقة بالله وبتعاليمه، يرتقي فيها العبد المؤمن بعد طول مجاهدة ورياضة وانقياد، فيصبغه الله بهذه الخصلة إلى جانب ثمرات روحانية زكية تفوح بعطر الإيمان والوصال بالله تعالى. وهذا النوع الأخير هو الذي قصده النبي أنه من الإيمان، والذي يقود صاحبه إلى جنة النعيم.

نسأل الله تعالى أن يجعله حُلية إيماننا بعد مكابدة ومجاهدة والتزام، وأن يجنبنا كل ما هو نقيضه من جفاء وبذاءة ورذيلة، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك