فيا أسفا أين التقاة وأرضها

وكُنت أرَى الإسلام مثلَ حديقةٍ

مبعَّدةٍ من عينِ ماءٍ ينَضِّرُ

.

فما زِلتُ أسقيها وأسقَي بلادَها

من المــُزن حتى عادَ حبرٌ مدَعْثَرُ

.

وجاشَتْ إليّ النفسُ من فتنةِ العِدا

فأنزلَ ربّي حربةً لا تُكَسّرُ

.

فأصبحتُ أستَقْري الرّجال رِجَاَلهم

لأُفحِمَ قوماً جابرينَ وأُنذرُ

.

إني أنا الموعودُ والقائمُ الذي

به تُمْلأَنّ الأرضُ عدلاً وتُثمِرُ

.

بنفسي تجلّت طلعةُ الله للورَى

فيا طالبي رُشدٍ على بابِيَ احْضُرُوا

.

خُذُوا حظَّكم منّي فإني إمامُكُمْ

أُذكّرُكُمْ أيامَكُمْ وأُبَشِّرُ

.

وقد جئتُكُ يا قوم عند ضرورةٍ

فهل من رشيدٍ عاقلٍ يتدبّرُ

.

وما البرُّ إلا ترْكُ بُخلٍ من التّقى

وما البُخلُ إلا ردُّ من يتبقَّرُ

.

وقالوا إلى الموعود ليسَ بحاجةٍ

فإن كِتابَ الله يهدي ويُخبِرُ

.

وما هي إلا بالغَيورِ دُعابةٌ

فيا عجباً منْ فِطرةٍ تتهوّرُ

.

وقد جاء قولُ الله بالرّسلِ توْأماً

ومن دونهمْ فَهْمُ الهدى متعَسّرُ

.

فإنّ ظُبى الأسيافِ تحتاجُ دائماً

إلى ساعدٍ يُجري الدّماءَ ويُندِرُ

.

بعَضْبٍ رقيقِ الشفرتين هزيمةٌ

إذا ناشَهُ طفلٌ ضعيفٌ محقَّرُ

.

وأما إذا أخذ الكَمِيُّ مُفقِّراً

كفى العَوْدَ منه البدْءُ ضرباً وينْحِرُ

.

إذا قلّ تقوى المرء قلّ اقتباسُهُ

من الوحيِ كالسَّلْخِ الذي لا يُنوِّرُ

.

فيا أسفاً أين التُّقاةُ وأرضُهَا

وإني أرى فسقاً على الفِسقِ يظهَرُ

.

أرى ظُلماتٍ ليتَني متُّ قبلَها

وذُقْتُ كؤوسَ الموتِ أو كُنتُ أنصَرُ

.

أرى كل محجوبٍ لدُنياه باكياً

فمن ذا الذي يبكي لدينٍ يُحقَّرُ

.

وللدّين أطلالٌ أراها كلاهفٍ

ودمعي بذكْرِ قُصورهِ يتحدَّرُ

.

تراءتْ غَواياتٌ كريحٍ مُجيحَةٍ

وأرخى سديل الغَيِّ ليلٌ مكدَّرُ

.

تهبّ رياحٌ عاصفاتٌ كأنها

سباعٌ بأرضِ الهنْدِ تَعوي وتزأَرُ

.

أرى الفاسقين المفسدين وزُمْرَهم

وقلَّ صلاحُ الناس والغَيُّ يَكثُرُ

.

أرى عينَ دينِ الله منهم تكدّرت

بها العَيْنُ والآرامُ تمشي وتعبُرُ

.

أرى الدينَ كالمرضى على الأرض راغماً

وكلُّ جَهولٍ في الهوى يتبختَرُ

.

وما همُّهم إلا لِحَظِّ نفوسهم

وما جُهدُهم إلا لحظٍّ يتوفَّرُ

.

نسُوا نهجَ دين الله خُبثاً وغفلةً

وقد سرَّهم سُكْرٌ وفِسقٌ ومَيْسَرُ

.

ومن ذا الذي منهم يخافُ حسيبَهُ

ومن ذا الذي يبغي السَّدادَ ويُؤثِرُ

.

ومن ذا الذي لا يفجُرُ الله عامداً

ومن ذا الذي بَرٌّ عفيفٌ مطهَّرُ

.

ومن ذا الذي ما سبَّني لتقاته

وقال: ذروني كيف أُوذي وأكفِرُ

.

وقد ذاب قلبي من مصائب دينِنا

وأعلمُ ما لا يعلمون وأُبصِرُ

.

وبثّي وحزني قد تجاوز حدَّه

ولولا من الرحمن فضلٌ أُتبَّرُ

.

وعندي دموعٌ قد طلعنَ المآقيا

وعندي صُراخٌ لا يراهُ المُكفِّرُ

.

ولي دعواتٌ صاعداتٌ إلى السما

ولي كلماتٌ في الصَّلاية تقعَرُ

.

وأُعطيتُ تأثيراً من الله خالقي

وتأوى إلى قولي قلوبٌ تُطَهَّرُ

.

وإن جَناني جاذبٌ بصفاته

وإنَّ بياني في الصخورِ يُؤثِّرُ

(إعجاز أحمدي- الخزائن الروحانية، مجلد19، ص172-175)

شرح الكلمات الصعبة:

  1. تبقّر الرجلُ: توسَّع في العلم.
  2. أندر العظمَ: أزاله من موضعه.
  3. ناشه: تناوله
  4. الكمِيُّ: الشجاع المجرّب
  5. المفقِّر: السيف البتّار الذي يقطع فِقرَ الظهر
  6. السَلْخُ: آخر ليالي القمر
  7. العِينُ: بقرُ الوحوش، والآرام: جمعُ الريمُ وهو الظبي الأبيض
  8. الصلاية: الصخرة، وتقعرُ أي تدخل فيها وتثقبها.
Share via
تابعونا على الفايس بوك