"إذا سيد منا خلا قام سيد"

“إذا سيد منا خلا قام سيد”

التحرير

في صبيحة يوم السبت ١٧ صفر ١٤٢٤ هـ بعد أن قرأ حضرة مرزا طاهر أحمد -رحمه الله تعالى- الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود ، كعادته اليومية ما تيسر من القرآن الكريم، في مقر إقامه جوارَ مسجد «الفضل» بلندن، شعر بألم في صدره (تبين لاحقا أنه كان جراء نوبة قلبية) لم يمهله طويلا، ففاضت روحه الطاهرة إلى بارئها. وما هي إلا ساعات قليلة حتى أعلن سكرتيره الخاص، عبر الفضائية الإسلامية الأحمدية، بيانا صادرًا عن الناظر الأعلى لمؤسسة «صدر أنجمن أحمدية« بالجماعة يُعلن فيه وفاته رحمة الله عليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.

فُجع أفراد الجماعة بهذا الخبر الذي كان وقعه عليهم وقع الصاعقة. فاستولى على الجميع المنتشرين في القارات الخمس حزنٌ عميق لفقد إمامهم الحبيب الذي طالما كان لهم الوالد العطوف، والناصح الرفيق الأمين. فسارع من استطاع منهم السفر إلى لندن على نفقاتهم الخاصة لإلقاء نظرة الوداع على الوجه الطاهر لحضرته. وبفضل الله وبرحمته، فإن هذا المصاب الجلل كان سببًا في توطيد اللحمة بين أفراد الجماعة لا سببًا في تشتتها -لا سمح الله- بخلاف ما كان يتمناه الحاسدون. فقد كرّم الله الجماعة برابطة قوية من الحب الصادق للإمام والنظام، والأُخوة كانت على الدوام مدعاة إعجاب القاصي والداني. فكان فقدُ الخليفة سبباً في توجه القلوب والأكف بالضراعة لله تعالى كي يحفظ هذه الجماعة من الفتن. وكان كل فرد من الجماعة يحرص على أن تستمر هذه المسيرة المباركة وأن تبقى مظلة الخلافة مظللة عليهم. فبادروا بالدعاء إلى الله، وعملوا على الالتفاف حول نظام الجماعة بكل الحرص والانضباط. ولقد قامت الجماعة في المملكة المتحدة (بريطانيا) بترتيب مراسم الجنازة بشكل منظم ودقيق. واستطاعت الجماعة بفضل الله تعالى استقبال العدد الكبير من الأفراد الذين توافدوا من كل حدب وصوب في فترة قصيرة جدًا. واستطاع جميع من حضر أن يلقي النظرة الأخيرة على حضرة الإمام الفقيد رحمه الله. وفي عشية اليوم الثالث، اجتمع مجلس انتخاب الخليفة، الذي دُعِيَ من قبل سكرتير المجلس، والذي يضم صلحاء وكبار الجماعة من شتى بقاع الأرض. وكان الاجتماع في مسجد «الفضل» بلندن لما يزيد عن الساعتين والنصف. فكان أن انتُخِبَ حضرةُ مرزا مسرور أحمد خليفةً خامسًا للإمام المهدي والمسيح الموعود . فكان انتخاب حضرته سببًا لسرور مازال ممزوجًا بحزن الجماعة في أقطار الأرض والتي تابعت الحدث في بث حي ومباشر عبر الفضائية الإسلامية الأحمدية. فقد رأى الجميع آية تأييد إلهي جديدة لهذه الجماعة المباركة. وشاء الله تعالى أن تستمر مسيرة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة وأن يقوم خليفة بعد رحيل خليفة على الرغم من معارضة الأعداء ومكائدهم ومؤامراتهم.

وهكذا شهدت الدنيا تجليًّا ناصعًا جديدًا لظهور قدرة الله الثانية.. الخلافة الإسلامية الراشدة على منهاج النبوة. فقدرة الله الأولى -إن صحّ التعبير عنها- ظهرت لدى اختيار الله سيدنا الإمام المهدي بدون أي وساطة أو تدخل من أي إنسان، فكان تجسمًا لقدرة الله. ولكن اقتضت سنته أن يقود ثُلةً من أبناء الجماعة المخلصين وينوّر خطاهم لانتخاب الرجل الذي اختاره العزيز القدير أن يكون خليفة للإمام المهدي .

عند انتخاب سيدنا مسرور أحمد -أيّده الله-، تنفس الجميع الصعداء، وبدأت بشائر الارتياح ترتسم على الوجوه. وقد ألقى الخليفة الخامس للإمام المهدي كلمته الأولى أكد فيها على ضرورة الدعاء لمواصلة العمل على إعلاء كلمة الله تعالى ونشر الإسلام. وبادر كل من هو موجود في لندن وكل من يتابع الفضائية إلى مبايعة الإمام الجديد إيذانا ببداية عهد جديد بعد ماضٍ مجيد.

ولقد شاء الله تعالى أن يكون لهذا الحدث خصوصية لم يسبق لها مثيل من حيث تغطية مراسم وفاة الخليفة وانتخاب الخليفة الجديد في بث حي ومباشر لأول مرة. وهذا من خلال النعمة الإلهية العظيمة وهي الفضائية الإسلامية الأحمدية. وكأن في ذلك بشارة بانطلاق عهد جديد من الظهور والانتشار كما لم يتيسر من سابقا.

عزيزي القارئ، ها نحن نضع بين يديك العدد الأول من المجلد السادس عشر لمجلتك التقوى والذي وافق هذا الحدث. وكأن الله تعالى أراد أن يجعل هذا الأمر حلقة في سلسلة العلامات الفارقة التي ميّزت هذا الحدث، ننعى من خلالها عَلَمًا وعلّامةً وإمامًا روحانيًا عظيمًا وقائدًا عبقريًا فذًّا ترك إرثا دينيا وعلميا وافرًا ستستمر الأجيال في النهل منه إلى ما شاء الله. ونستقبل إمامًا جديدًا نسأل الله تعالى أن يحقق النصر على يديه وأن يوفقه لكي يضطلع بالمهام العظيمة التي ألقيت على كاهله المبارك. وهكذا فقد رفع الله تعالى الغمّة عن جماعته المباركة، وبدّل المؤمنين من بعد خوفهم أمنًا. واستمرت مسيرة الخير على بركة الله وبأعين الله تعالى وبرعايته. نسأل الله تعالى أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك