أمان طيبة لا حق لها في الحياة

أمان طيبة لا حق لها في الحياة

التحرير

ها هي سنة قد أدبرت وأخرى قد أقبلت وكلنا أمل أن تكون خيِّرة مباركة ملؤها المحبة والسلام والعدل والرحمة بين بني الإنسان حتى تسعد نفوسهم تحت ظلال قيم الاحترام المتبادل والتعايش والحوار الحضاري الهادف البنّاء المجرد من الأحقاد والضغائن والكراهية العمياء.

مَنْ مِنا لا يريد للبشرية أن تنعم بالسلام والأمان وتسعد برؤية عالم قد حفَّته حمامات السلام ورياحين ورود المحبة والرحمة، ونقرأ ونسمع ونرى أخبار المسرات ومشاهد التسابق في إسداء يد العون للمنكوبين ونصرة المظلومين حتى يُؤخذ بحقهم ويُزْجَرَ ظالمهم حتى يعود عن غَيِّه وطُغيانه.

لا أظن أن من يحمل في قلبه مثقال ذَرّةٍ من خير يكره أن تحل هذه الابتسامات والمشاعر النبيلة على كوكبنا دون تمايز أو انتقاص أو تفاضل، كما لا أظن أن أتباع دين من الأديان السماوية ينتقص من هذا الشعور والمعنى الذي تشترك فيه معظم رسالات السماء إلا من تشددت نفسه وَغَلَظَ قلبه واستعلى بغروره ليبرر أفعال شروره. بلا شك أيها القارئ الكريم أن هذه أمنياتك كما هي أمنيات كل الشرفاء والنبلاء.

في هذا العالم حيث تهفو نفوسهم وأفئدتهم كل لحظة كي تتجلى للعين هذه الأمنية على أرض الواقع. هذا الواقع الذي هو ليس على ما يرام كما نرى إذ هو بكل أسف بعيد كل البعد عن هذه الابتسامات والأماني الطيبة، فمشاهد الغبن والظلم تملأ أسماعنا وأبصارنا ومعيار العدل الذي هو أساس السلم استبدل بمعايير أخرى جائرة ترى بغير منظار الحق والإنصاف الذي أراده الله. لقد أُلجِمَ صوت الضمير الحي في صدور الكثيرين وأُخمِدَت صيحات الصارخين في وجه الظالمين حتى كأنها لا تكاد تُسمَع أو تجد لها منصفًا!

إن فرصا كثيرة منحتها البشرية لنزعة الشر والحرب والدمار وها هي تجني ما زرعته وكرسته بيدها. فهلا منحت فرصة لنزعة الخير حتى تجد طريقها إلى النور! أم أن نزعة الخير ليست في عُرفِ أهل الشر سوى أمانٍ طيبة لا حق لها في الحياة؟!

لقد غابت شمس الحق والعدل والإنصاف والقيم والمعاني النبيلة بغروب الوازع الإيماني للمؤمن بالله الذي وحده يعمر القلوب ليجعلها تَوَّاقةً إلى المبادئ النبيلة والجليلة من بِر وقسط وإحسان…الخ.

مَن منا لم ير صور ومشاهد الجوعى والبؤساء والمحرومين وقد نحفت أجسادهم وغارت أعينهم وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء مِن المسلمين ومِن غير المسلمين. فالمعاناة معاناة إنسانية لا معاناة قومية أو دينية. ولا يخلو بلد على وجه المعمورة منها مهما كان ثريًا أو فقيرًا.

مَن منا لم يشهد ملامح هؤلاء بعدما خرس لسانهم يأسًا من الاستجداء ونطق حالهم ووصفهم بِصَداه مُستحثًا قلوب الرحماء؟ ومن منا لم ير بينهم أُمًّا وقد أضناها الترحال والجوع وسوء المآل وهي تقطع الفَيَافِي والقِفَار هربا بوليدها من الدمار وبحثًا عن لقمة العيش.

إن النزعة الشيطانية استحوذت على قلوب أمم وقوى عظيمة قست قلوبها وزَيَّنَ الشيطان لها أفعالها وصوَّر لها وَسوَسَةً وإيحاءً أن الخير شرّ، وأن العدل ظلم، وأن الحق باطل! فاستمروا في أفعالهم وبرَّروا شرورَهُم وحسبوا أنفسهم من المنصفين المصلحين.

الإنسانية البائسة لديها فرصة التغيير والإصلاح ووضع حد لمعاناتها لو بذلت للخير مسعاه الحقيقي ومنحته الحظ الوافر والحرية التامة والزمن الكافي حتى يشتد عوده ليعطي ثمره، ولكن أنّى يكون للإنسانية هذا المسعى وهي تَرصُدُ لأدوات الشر مقدَّراتٍ هائلة لو قُدّر لها حسابها وأُنفِقَتْ في غير ما تُنفقُهُ فيه لأطعمت أفواهًا جائعة ولكَسَتْ أجسادا عارية ولآوت ملايين المنكوبين والمشردين في هذه الأرض، ولَحَسَّنت من اقتصاديات بلدان فقيرة، ولأطفأت نيران نزاعات وصراعات مدمرة.

إن فرصا كثيرة منحتها البشرية لنزعة الشر والحرب والدمار وها هي تجني ما زرعته وكرسته بيدها. فهلا منحت فرصة لنزعة الخير حتى تجد طريقها إلى النور! أم أن نزعة الخير ليست في عُرفِ أهل الشر سوى أمانٍ طيبة لا حق لها في الحياة؟!

Share via
تابعونا على الفايس بوك