ستعرفه الأرض كما كان في السماء من المكرمين

ستعرفه الأرض كما كان في السماء من المكرمين

التحرير

لا شكَّ أنَّ الأحداث تتفاقم في العالم اليوم تفاقماً عظيماً، ولا شكَّ أنَّ ضحية هذه الأحداث هم المسلمون الذين تلقّوا ضربات قاصمة في جسدهم وروحهم. وتتصاعد وتيرة الأحداث والأزمات، وتشتدُّ الكروب ليقضي الله أمراً كان مفعولاً. ويدفع الله الظالمين بعضهم ببعض ليُحقَّ الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين. ولم يسبق للصراع أن وصل إلى هذا الحد ليطال القيم الروحية السائدة ويضعها في الميزان، ولكن أي ميزان هذا الذي يحمله المطفّفون، الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يُخسِرون. وكذلك أي بضاعة هي تلك المزجاة التي يسأل عنها المسلمون عدوهم كي يُوفي لهم الكيل ويتصدَّق عليهم وهم يرونه من المحسنين. هل هي بضاعة خاتم النبيين وبقية آله وصحبه الطاهرين؟! أم هي بضاعة المشايخ والملالي المتعصبين، الذين قد بدّلوا الخبيث بالطيب وجعلوا الخبيث بعضه فوق بعض وانحرفوا عما أوصى به المصطفى وخلفاؤه وصحبه الطيبين أئمة المؤمنين؟!. أهذه بضاعة المصطفى التي أُنبتت في بلدٍ طيب وخرج نباتها بإذن ربه أم هي مما خَبُثَ فلم يخرج إلا نكداً؟!. أهذه هي الكلمة الطيبة التي هي كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء التي تُؤتي أُكلها كل حينٍ بإذن ربها، أم هي الكلمة الخبيثة التي اجتُثّت من فوق الأرض ما لها من قرار ؟!. أين هي الثمرات الطيبة؟! أين هي تلك الثمرات وما نراكم إلا قد حصدتم الخسران والحسرات. ما بال أمركم إلى تراجع وذهاب حالكم ما هي إلا إلى تباب؟!. ما بالكم تُخربون بيوتكم بأيديكم وأيدي أعدائكم، ألا تعتبرون يا أولي الأبصار؟!. أَوَلا ترون أنكم في كل عامٍ تُفتنون مرةً أو مرتين فلا تتوبون ولا تستغفرون؟!. أَوَلا ترونَ أنه لا تزال تحلُّ بكم قارعةٌ أو تحلّ قريباً من داركم، أَفَلا ترون أنَّ أمر الله قد نزل عندئذٍ؟!. أَوَلا تعلمون أنّه كان حقاً على الله نصر المؤمنين. ألم يقل الله “وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ”؟!. ومن أوفى بعهده من الله سبحانه وتعالى عما يصفون. هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدُّوس العزيز الحكيم. وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وله الحكم وبيده مقاليد كل شيء، فما بالُ النصر لا يُحالفكم والهزيمة والخزي قد أقامت عندكم. ألم ينصر الله المؤمنين ببدرٍ وهم أذلّة؟!. ألا تعلمون أنه إن ينصركم الله فلا غالب لكم وإن يخذلكم فمن ينصركم من بعده؟!. ولينصرنَّ الله من ينصره وهو على كلّ شيءٍ قدير. إذن فالعيب فيكم إن كنتم بالله ورسوله وكتابه تؤمنون.

ألم يأِنْ لكم أن تتفقّدوا أحوالكم وتتفحّصوا بضاعتكم التي تحملون. هل هذا هو دين سيدنا محمد المصطفى أم هو ما تأمركم به أحلامكم وما يأمركم به الذين لايفقهون شيئاً  ولا يعقلون. أَوَلا ترونَ أنَّ الله لم يكن مُغيِّراً ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم، فما بالكم على ما أنتم عليه تُصرُّون؟!. ألايا إخواننا ارجعوا إلى خلفكم فالتمسوا نوراً وقبساً مما ترك المصطفى   لعلّكم تهتدون. أو لعلّكم تجدون على النار هدى وتعودون إلى أهلكم بشهابٍ قبسٍ لعلكم تصطلون. أَوَلا ترون أنَّ كبراءكم وزعماءكم ومشايخكم قد ضلّوا كثيراً وأضلّوا السبيل. ألا ترون أنّهم على الدنيا ومتاعها يتهافتون. أَوَلا تجدونهم أحرص على حياةٍ حتى وإن كانوا في أسفل السافلين. أَوَلا ترون أنَّ منهم مَنْ أساء للإسلام دين العدل والقسط والسلام ومنهم من والى الأعداء بالفعل والكلام. أَوَلا ترون أنَّ عاقبة الفريقين منهم كانت الخيبة والخسران، إلا من رحم ربي من العدول الثُقاة الكرام. وهؤلاء الكرام إن وُجدوا فتجدونهم يعتزلون الفريقين ولأجل ذلك لا يُذكرون في المقام. أَوَلا ترون أنَّ الدين الذي بهر العالم بعدله وسماحته ونشره للسلام أصبح الآن عُرضةً لهجوم الأشرار عليه بحقدٍ بغيض هو كالسنان والسهام. أَوَلا ترون أيها الظالمون من المسلمين أنَّ فعلكم هو قد جرَّ ذلك على دين وملّة خير الأنام. أَوَلا ترون أنّكم في الأزمات تجعلون كلّ صيحةٍ عليكم، فلا تفعلون فعل المسلمين المؤمنين ولا تلتزمون بأخلاق هذا الدين، ثم تقولون نحن في جهاد. وينادي المنادي في الجبال والوِهاد أنْ حيَّ على الجهاد، وأنتم لا تبتغون نشر الإسلام ولا إعلاء كلمته بل رفع شأنكم ومكانتكم، فأيَّ رشادٍ وأيَّ جهاد. وهل قمتم بما ينبغي عليكم في السلم من أعمال الجهاد ولم يبقَ إلا أن تُزيلوا آخر العقبات بقوةٍ أنتم لا تمتلكونها. أَوَلا تعلمون أنّكم بفعلكم هذا لا تكتفون أن تجعلوا عدوكم يقهركم بتدمير بلادكم بل تسألونه أن يُدمّر دينكم بسلاحٍ وضعتموه في يديه بفهمكم السقيم لهذا الدين العظيم. أتريدون أن يكون نصره عليكم هو نصرٌ على الإسلام؟!.

يا إخواننا المسلمين أأنتم خيرٌ أم الفاروق عمر أمير المؤمنين؟!. أأنتم تعلمون الإسلام خيراً منه أم لعلّكم هكذا تدَّعون؟!. أَوَلا ترون أنه فعل ذلك وهو منتصرٌ وهم مهزومون. ولم يكن في فعله دافع ضعف أو عجز بل كان بكل العزم وبكل الفهم للإسلام دين الفطرة والسلام. أَوَلا ترون أنَّ القدس قد فتحت أبوابها طائعةً له إذ كان هو الفاروق وهي مسرى خاتم النبيين التي لا تستقبل إلا من كان ممثلاً للمصطفى بحق. تلك الأرض التي كتب الله في الزبور أن يورثها من عباده الصالحين. فكونوا الصالحين تُفتح لكم أبوابها طائعة كما فعلت لصلاح الدين. ألا تعلمون أنَّ فضل صلاح الدين قد غمر أعداءه فلم يكونوا لذلك من المنكرين. بلما زال التاريخ يذكره بالتمجيد ويعترف بفضله أعداؤه ويُقرّون. ذلك هو الفارس الذي دخلها آمناً بعد أن أمَّن مغتصبيها وحافظ على عهده معهم مع أنهم كانوا لعهودهم معه في كثير من الأحيان ينقضون. ففتحت المدينة أبوابها لظلّ المصطفى نزلةً أخرى لذلك الفارس صاحب الخلق الكريم. ذلك الفارس الذي نال هذا الشرف من دون المسلمين. فهذه سُنّة الله وهذا هو التاريخ يشهد فهل أنتم بشهادته تشكّون.

والآن ألم يأن لكم، وقد علمتم الفساد الذي أنتم فيه، أن تخشع قلوبكم لذكر الله وما نزل من الحق. ألم يأن لكم أن تَقبَلُوا إمامكم الذي هو منكم وتتبعوه لعلكم تُفلحون. أَوَلا تعلمون أنَّ الله يأتي الأرض ينقصها من أطرافها وقد بدأت الأفواج بقبول الحق وأنتم عنه مُعرضون. أما زلتم تنتظرون مسيحاً ينزل من السماء وما زلتم ترتقبون دجّالاً يفعل فيكم فوق ما أنتم فيه، ولا تقبلون أنّكم في هذا الزمان وتُصرّون على رأيكم بغير علمٍ ولا هدىً ولا كتابٍ منير. أَوَلا تعلمون أنَّ إمامكم قد جاءكم بآياتٍ من ربكم وبشاراتٍ ونبوءاتٍ قد تحقّقت وتُصرّون أن تتعلّقوا بأذيال بعض مشايخكم الضالين. ألا فاعلموا أنَّ نصر الله قريب وسيأتي في بضع سنين حاملاً لواء الحق إلى دياركم ليزهق الباطل وأنتم تنظرون. أتُريدون أن يأتي ذلك اليوم ويبقى من عاش منكم على عناده حتى يوم الفتح المبين. فلا يستوي من آمن من قبل الفتح ومن جاء بعد الفتح من المسلمين وإن كان كلٌّ قد وعده الله الحسنى وهو أرحم الراحمين. ولكن عليكم أن تنتبهوا أنّكم وإن تعلّقتم بفرعون وهامان وجنودهما ونظرتم إلى مالِ قارون وقلتم إنّه لذو حظٍّ عظيم، فإنَّ الله قد قضى أن يَمُنَّ على الذين استُضْعِفوا في الأرض ويجعلهم أئمةً ويجعلهم الوارثين، ويُمكِّن لهم في الأرض ويُري فرعونَ وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون. ألا فاعلموا أنَّ بسطاءكم وفقراءكم قد عرفوا إمامهم وأنتم له مُنكرون. وهم لهم السبق والريادة وسيكونون أئمة الزمان القادم ويوشك من عاش منكم أن يكون من الشاهدين. فسارِعوا إلى مغفرةٍ من ربكم والحقوا باكراً بركب الحق قبل أن يصل الركب إليكم وأنتم تنظرون. وستصرخ الأرض بلسان كل من لم يكن في ذلك الركب “يا نبي الله، كنت لا أعرفك” فاليوم ستعرفه الأرض كما كان في السماء من المكرمين. وتُشرق الأرض بنور ربّها ويُحقُّ الله الحقَّ بكلماته ويقطع دابر الكافرين. وآخر دعوانا أن الحمد لله ربّ العالمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك