الناس وابن عرس

زعموا أن ناسكا من النُّساك كان بأرض جرجان⁽¹⁾ وكان له امرأة صالحة لها معه صُحبة، فمكثا زماماً لم يُرزقنا ولداً، ثم حَمَلت بعدَ الأيَاسِ⁽²⁾، فَسُرَّتِ المرأة وسُرَّ النّاسِكُ بذلك وحمد الله تعالى وسأله أن يكون الحملُ ذَكَراً، وقال لزوجته: أبشري فإني أرجو أن يكون غُلاما، فيه لَنا منافع وقُرَّةُ عين⁽³⁾، أَخْتَارُ له أحسن الأسماء، وأُحضِرُ لهُ جميع المؤدين. فقالت المرأة: ما يحملك أيها الرجل أن تتكلم بما لا تدري أيكون أم لا؟ لا تعجل بِذكر ما لا ينبغي ذِكره، و ما لا تدري أيصِحُّ؟ ولكن ادعُ ربَّك وتوسَّل إليه وتوكّل عليه، فإن التصاوير في الحائط إنما هي ما دام بناؤُه قائما، فإذا وقع وتهدّم لم يقدر عليها. فاتغظ الناسك بما حَكَت زوجته.

ثم إن المرأة ولَدَت غُلاما جميلاً، ففرخ به أَبوه. وبد أيام حان لها أن تغتسل، فقالت المرأة للناسك: اقْعُد عند ابنك، حتى أذهب إلى الحمَّام فأغتسل وأعود، ثم إنها انطلقت إلى الحمام، وخلَفت زوجها والغُلام فلَم يلبَثْ أن جاء رسول الملك يستدعيه، ولم يجد من يخْلُفُه عند ابنه، غير ابن عرس⁽⁴⁾ داجن⁽⁵⁾عنده،كان قد ربَّاه صغيرا، فهو عنده عَدِيلُ⁽⁶⁾ وَلَدِه. فتركه الناسك عند الصبي وأغلق عليهما البيت وذهب مع الرسول.

فخرج من بعض أجحار البيت حيَّةٌ سوداء، فدنت من الغلام، فضربها ابنُ عرس، فوَثَبَتْ عليه فقتلها، ثم قطَّعها، وامتلأ فمُه من دمها. ثم جاء الناسك، وفتح الباب، فالتقاه ابن عرس كالمشير له بما صنع من قتلِ الحية، فلما رآه مُلوَّثاً بالدم، وهو مذعورٌ، طار عقله، وظن أنه قد خنق وَلدَه، ولم يتثبَّتْ في أمره، ول يترَوَّ فيه، حتى يعلم حقيقة الحال ويعمل بغير ما ظن من ذلك. ولكن عجَّل على ابن عرس بعكازةٍ كانت في يدِه، على أمِّ رأسه⁽⁷⁾ فمات.

ودخل الناسك، فرأى الغُلام سَليماً حيّاً وعنده أسودُ⁽⁸⁾ مقطَّعٌ، فلما عرف القِصّة وتبينَ له سوء فِعله في العجَلة لطَمَ رأسَه، وقال: ليتني لم أُرزق هذا الولد، ولم أغْدُر هذا الغدْر.

فدخلت امرأتُه فوجدته على تلك الحال فقالت له: ما شأنك؟ فأخبرها من حُسن فعل ابن عرس وسوءِ مكافأته له، فقالت المرأة: هذه ثمرة العجلة لأن الأمرَ إذا فرَطَ⁽⁹⁾، مثلُ الكلامِ إذا خرجَ، والسَّهمُ إذا مرَقَ⁽¹⁰⁾ لا مردَّ له!!

(كتاب كَليلة ودِمنة)