حقائق مذهلة

عن مقالة للأستاذ طاهر أحمد نسيم

هناك في هذا الكون قوات متناهية الدقة تعمل بصمت وهدوء لدرجة لا يشعر بها أحد، وهناك من قوانين الطبيعة لا تقل الأمور المترتبة عليها عن معجزة بالنسبة لشخص عادي، ونريد أن نذكر للقراء بعضًا منها.

إن الطائرة بصفة عامة تطير في الجو بسرعة أقل من 600 ميلاً في الساعة، وهذه السرعة العادية تسبب للإنسان الشعور بالضغط الشديد في أذنيه والخفقان السريع للقلب عند الإقلاع والهبوط، بينما تكون سرعة المكوك الفضائي في بداية الرحلة 25000 ميل في الساعة ثم تأخذ بالتباطؤ حتى إلى 4000 أو 5000 ميل في الساعة، وتزداد هذه السرعة في مراحل السفر المختلفة إلى الأرض أو القمر ضمن نطاق جاذبيتهما، وتنقص لدى الابتعاد عنهما. ونظرًا إلى ازدياد السرعة ونقصانها، فإن رجال الفضاء يتدربون بطريقة معينة لكي يتمكنوا من احتمال الضغط الشديد الواقع على الجسد، حيث يربطون أنفسهم بحزام متمددين على سرير مصمم وفقًا لتزايد السرعة. ويقول العلماء إن هذا الوضع ينبغي ألا يستمر أكثر من دقيقتين، وإلا من الممكن أن يتضرر الجسم بشكل غير قابل للعلاج. وما دمنا بهذا الصدد فتعالوا ندرس سرعة الكرة الأرضية التي نعيش عليها بهدوء وسكون.

سرعة دوران مختلفة للأرض

إن لدور الأرض ثلاثة أنواع في هذا الكون العملاق. أولها دورانها الخزروفي السريع الذي يكمل دورة واحدة في 24 ساعة. والمعروف أن ركوب دوامة أو دولاب لدقائق يسبب للراكب الدوخة والدوار ويشعره بالغثيان والاضطراب، رغم كونه يدار من قبل إنسان بيده. وثمة دواليب تشتغل بالكهرباء تكون أكثر خطرًا، ونسمع كل يوم أنباء الحوادث الناتجة عن هذه الدواليب والأراجيح التي تدار بمحركات كهربائية. الأمر الذي يثير الاستغراب هو أن أرضنا تتحرك بسرعة ألف ميل في الساعة ورغم ذلك لا نشعر بأي اضطراب ونعيش عليها بكل سكون وهدوء وكأننا نقف على شيء ساكن تمامًا.

والحركة الثانية للأرض تماثل حركة المكوك الفضائي وتتمثل في سفرها في الفضاء، إذ أنها تجري حول الشمس بسرعة 66600 ميل في الساعة، وتكمل دورتها في سنة واحدة. هل شعرنا مرة أننا نركب مركبة تسير بهذه السرعة الفائقة؟!

وحركتها الثالثة -كعضوة من العائلة الشمسية المكونة من الشمس والكواكب التسعة- هي حول مجرة النظام الشمسي التي تعرف باسم درب التبّانة (Milky Way) بسرعة مئات الألوف من الأميال في الساعة، في مدة 280 مليون سنة.

فما هي سنن الطبيعة التي بمقتضاها نسكن على الأرض بكل هدوء وبدون الإحساس بأي تحرك أو اضطراب رغم حركاتها المتنوعة الجهات بسرعة هائلة. هل هي جاذبيتها أم شيء آخر؟ الله أعلم!!

حجم الأرض وبنيتها

إن الأرض -وإن كانت تساوي حبة البازلاء إزاء الشمس حجمًا، في عائلة بلايين الشموس في الكون- تتفاوت سماكة قشرتها الظاهرية المكونة من التراب والرمل والحجر بين خمسة أميال وخمسة وعشرين ميلاً، إذ تتضاءل سماكة قشرة الأرض هذه تحت المحيطات العميقة التي يصل عمقها سبعة أميال بينما تتزايد هذه السماكة تحت الجبال العالية الشامخة التي يصل ارتفاع أعلاها لخمسة أميال ونصف الميل. وتحت هذه القشرة تبدأ المنطقة الحارة التي تصل سماكة الطبقة الأولى منها 1400 ميلاً، تليها طبقة ثانية بسماكة 1800 ميل، وتُقدَّر حرارة هذا الجزء من الأرض ب 2200 درجة مئوية، حيث تفوق حرارة أي مصنع للفولاذ، ويوجد هنا كل شيء من الحجر والحديد والمعادن الأخرى في صورة سوائل. وعلى عمق 3200 ميل يقع مركز الأرض الذي تبلغ سماكته 800 ميل ودرجة حرارته 5000 درجة مئوية، مما يعني أن سماكة الأرض إجمالاً من قشرتها الخارجية إلى نقطتها المركزية تصل إلى 4000 ميل، ومن ثم يمكن أن نقول إن قطر الأرض 8000 ميل. ومما يثير الاستغراب أنه كما تدور الأرض وتتحرك في الفضاء بسرعة هائلة فإن أجزاءها الداخلية هي الأخرى ليست ساكنة وجامدة، إذ يحتوي الجزء الداخلي للأرض على عشرين طبقة متفاوتة الحجم وهي تطفو على المركز، أي تتحرك بانتظام واطراد، وإذا تصادم طبق بآخر وجهًا لوجه وانبعج الجانبُ العلوي ظهرت الجبالُ، لكن الانبعاج إذا حصل في الجانب السفلي، تتولد منه الخنادق العميقة جدًا تحت قاعات المحيطات، وإذا ارتطم طبق بآخر من الجانب وتجاوزه فإن هذا الاحتكاك يسفر عن التصدعات في الأرض ذات الأميال العديدة، وهذا ما يُعرف بالتصدعات (Fault)، وتبقى معظمها مبطنة داخل الأرض ولا يمكن مشاهدتُها من فوق الأرض، إلا أنها تصل أحيانًا إلى سطح الأرض، وتوجد هوة هائلة العمق والطول منها بالقرب من كاليفورنيا، وبسبب ضخامة الحجم لهذه الأطباق والضغط الشديد الناجم عن ذلك، تثور البراكين وتحدث الزلازل.

ولقد قُدِّر عدد الزلازل في العام الواحد بمائة ألف زلزال في العالم، لكنها تكون خفيفة جدًا حتى أننا لا نشعر بوقعها، إلا أن التاريخ قد سجل لنا عشرات الزلازل التي قد أسفر كل واحد منها عن مصرع مئات الألوف من الناس وتحوّلت المناطق الشاسعة الممتدة على عدة أميال إلى دمار وخراب، وقد قُدِّرت قوة الهزة الناتجة عن الضغط بين هذه الأطباق بقوة ألف قنبلة ذرية.

قوة القنبلة الذرية

لنستعرض الآن قوة قنبلة ذرية واحدة، لكي نتمكن من معرفة قوة تلك الهزة التي تضاهي قوتُها قوة ألف قنبلة ذرية، من المعروف أن انفجار قنبلة ذرية واحدة كان قد حوّل مدينتي هيروشيما وناغازاكي بأكملها إلى أنقاض. وإن الدمار -الذي يُخلفه الانفجار- من إشعاع وغبار ذري (Fallout)، يستمر تساقطه لأعوام، يكون أكثر بكثير من الدمار -الممتد لعشرات الأميال في أقل من دقيقة واحدة- الناجم عن القوة الهائلة والحرارة والذبذبات Waves Shock)) المنبعثة من الانفجار، وذلك لأن كرة نارية عملاقة ترتفع في الفضاء لدى انفجار القنبلة الذرية على هيئة مظلة، ومن ثم تسود الفضاء غيومٌ من الغبار، وتضطرم النيران في كل مكان بسبب الحرارة الهائلة الناتجة عن الانفجار، وإن ضغط الهواء القوي يؤدي إلى انقراض كل ذي نفس، وإلى انهيار البنايات فورًا، ثم يبدأ طوفانات الغبار المليء بالإشعاع والمسبب لأمراض متعددة ينبث في الفضاء، وعند وصول هذه الغيوم المتكونة من الغبار إلى طبقة الفضاء الأولى التي تسمى (Troposphere) حيث تتشكل السحب. تبدأ هذه الذرات الثقيلة بالتساقط لكنها تكون عندئذ قد ابتعدت عن مكان الانفجار عدة أميال وإن وصول هذه الذرات إلى الأرض يستغرق عدة أشهر، وهكذا فإن دمار القنبلة الذرية يستمر في الانهمار بصورة هذه الذرات المشعة، على مدة أشهر، بينما تصل ذرات هذا الغبار الخفيفة نسبيًّا، إلى الطبقة الأعلى من الفضاء المسماة (Stratosphere) وتنتشر وتشغل مئات الأميال من المساحة، ثم تظل تسقط على الأرض لسنوات عديدة في سورة أمراض متنوعة ومتعددة. ويقدرالعلماء إن إسقاط قنبلة ذرية واحدة في وسط بلد متوسط الحجم تكفي لتدمير البلد بكامله في آخر المطاف.

فإن كانت هذه هي قوة قنبلة ذرية واحدة فكيف تكون الهزات الأرضية الناتجة عن الضغط الشديد -بين الأطباق الموجودة في بطن الأرض- الذي تقدر قوته بقوة ألف قنبلة ذرية؛ ألا تُقدم مشاهدَ القيامة.

خيوط من زجاج

إن الزجاج الذي يُصنع من الرمل الموجود على سطح الأرض يكون ناعما ورهيفًا وحساسًا جدًّا حتى لا يقاوم أدنى صدمة، وينكسر ويتشطى لدى أي احتكاك خفيف، ولا يعرف شيئًا من الليونة، إذ لا يمكن ليُّه وثنيه دون إذابته، كما لا نستطيع إزالة أي خدش ظهر عليه مَهْما كان طفيفًا.. لكن هذا البلّور نفسه حين نحوّله إلى خيوط دقيقة فإنه يكتسب منتهى الليونة والنفاسة والقوة، وتُنسَج منها أقمشة نفيسة لا تنكمش ولا تزول ألوانها، كما تكون مستغنية عن الكي بعد الغسيل، ولا مثيل لها في التألق واللمعان والروعة، كما يُصنع من هذه الخيوط الزجاجية صوف يسمى (  (Glasswool أي الصوف الزجاجي، الذي يستخدم في (تخفيف الضجيج، ولذلك يصنع سبيكة بقياس نصف بوصة مكعبة من المادة التي يصنع منها الزجاج، ثم تذاب تلك السبيكة في قنينة خاصة، ثم تمرَّر هذه المادة المذابة من الثقوب وتخرج خيوط من خلال الثقوب الدقيقة للغاية، وذلك تحت ضغط شديد من الهواء حيث تخرج من هذه الثقوب خيوط بقطر جزء واحد من ألف بوصة. وقد قُدَّر طول خيط مصنوع من سبيكة واحدة بأكثر من 95 ميلاً، وهذه الخيوط تُربَط بعضها ببعض ثم تُلف حول بكر، وبسبب الدقة المتناهية تحدث فيها القوة والليونة، وتصبح صالحة لينسج منها القماش، وإذا مزجنا هذه المادة البلورية بشيء من البلاستيك فإن قوة هذه الخيوط تصبح ثمانية أضعاف مثيلاتها المصنوعة من الفولاذ.

Share via
تابعونا على الفايس بوك