الهجرة إلى باكستان وتأسيس مدينة ربوة المباركة

الهجرة إلى باكستان وتأسيس مدينة ربوة المباركة

محمد أحمد نعيم

داعية إسلامي أحمدي
  •  ما دواعي إنشاء دولة باكستان وهجرة طائفة كبيرة من مسلمي الهند إليها؟
  • كيف كانت الحال في قاديان دار الأمان حال هجرة سكانها المسلمين؟!
  • قضاء الخلافة بعض الوقت في لاهور
  • ثم قصة تأسيس ربوة بناء على نبوءة وكشف مباركين

__

اعتدنا أن تقام الحواضر والمدن أولاً، ثم يحل فيها الملوك بعد أن تكتمل لها مرافقها وسبل الراحة والرفاهية فيها، وقلَّما نرى الملوك يتقدمون صفوف البنَّائين والعمال، اللهم إلا الملوك الروحانيين، من أولي العزم من الرسل وشيعتهم من الأولياء الصالحين، فذلك المشهد يستدعي فورًا نموذج النبوة المشرق. ألم يساهم النبي مع أصحابه في بناء مسجده؟! ألم يشاركهم يدا بيد وكتفًا بكتف في حفر الخندق والذود عن المدينة؟! تلك هي سنته وقد سار عليها المصلح الموعود حين بُنيت مدينة ربوة في باكستان بعد الانفصال عن الهند عام 1947م، فتأسيس ربوة هو موضوع معلوماتنا الدينية لهذا الشهر، على أننا نلفت انتباه عزيزنا القارئ إلى أن تأسيس ربوة لم يكن أمرًا مخططًا له حال الهجرة إلى باكستان، وهو ما يتضح لاحقًا من خلال الاطلاع على تفاصيل في  هذا المقال.

على خلفية تقسيم شبه القارة الهندية، وتأسيس باكستان لتكون دولة إسلامية، لا سيما بعد الصراع الدامي الذي طال أجزاء كبيرة من الهند بين طوائف الهندوس والسيخ من جانب والمسلمين من جانب آخر، علت أصوات بين جموع مسلمي الهند تنادي بإنشاء وطن للمسلمين يعيشون فيه بعيدًا عن الصراع الطائفي القديم الذي استمر منذ نهاية أيام حكم سلالة المغول، وأوذيت فيه مشاعر المسلمين غير مرة، بل تعدى الإيذاء مرحلة المشاعر لينال الأموال والدماء. وقد سعى سيدنا المسيح الموعود لإصلاح ذات البين، فألف كتيب «رسالة الصلح» قبيل وفاته، ودعا فيه إلى نبذ كافة الأمور التي هي مثار شد ودفع يفضي إلى الكراهية ومن ثم القطيعة، وأكد على ضرورة تعديل نظرتنا إلى الدين، بوصفه وسيلة يجب أن تجمعنا لا أن تفرقنا. ولكن يبدو أن الكتيب لم يلق من الهندوس والسيخ الأذن المصغية، واستمر القوم في تحريض مشاعر الحنق والغيرة الدينية لدى المسلمين. لقد كانت هذه خلفية موجزة إيجازا شديدا لاستقلال باكستان وهجرة جموع غفيرة من المسلمين إليها عام 1947م، وكان حضرة المصلح الموعود قد غادر قاديان دار الأمان ووصل إلى مدينة لاهور التي أصبحت إحدى حواضر دولة باكستان الناشئة، وكان وصول حضرته إليها في الحادي والثلاثين لشهر أغسطس من نفس العام وأقام بها شهورا. وأقيمت أول جمعة في أرض باكستان في 5/9/1947.

كيف كانت الحال في قاديان دار الأمان؟!

عند انقسام الهند في عام 1947م وخروج الأحمديين من قاديان إلى باكستان، ترك سيدنا المصلح الموعود 313 أحمديًا مخلصًا في قاديان لحراسة ممتلكات الجماعة هناك، كدار المسيح   وبهشتي مقبرة، وبعض العقارات الأخرى، وهم مَن سُمُّوا بدراويش قاديان. كما أبقى معهم ابنه الأستاذ مرزا وسيم أحمد رحمه الله. وهؤلاء الأوفياء تعرَّضوا لشتى المصاعب والمحن، فأبلوا البلاء الحسن في سبيل حراسة ممتلكات الجماعة الإسلامية الأحمدية في قاديان، لقد قدموا تضحيات جليلة، ولاقوا من الأهوال ما يطول سرده، وتصدوا بكل شجاعة لكل خطر، وتحملوا كل المصاعب في هذا السبيل، تقبل الله منهم.

الجماعة في لاهور تباشر العمل

عقد أول مجلس للشورى في باكستان في 7/12/1947م، أي قبل انقضاء أربعة أشهر على وصول حضرة المصلح الموعود إليها.كما عُقدت أولى الجلسات السنوية للجماعة في باكستان بمدينة لاهور في 27 و28/12/1947م. ومن لاهور أصدر سيدنا الخليفة الثاني أمره في 3/3/1948م بفتح مركز الجماعة الإسلامية الأحمدية في الأردن. وفي لاهور أيضا كوَّن حضرته كتيبة الفرقان في يونيو/ حزيران 1948م من أجل الدفاع عن كشمير، بل سافر بنفسه إلى كشمير في 27/2/1949م متفقدًا أبناءه من المجاهدين  في كتيبة الفرقان على جبهة القتال ومن ضمنهم نجله حضرة مرزا ناصر أحمد (رحمه الله).

تأسيس ربوة، النبوءة والكشف

كما أسلفنا، لم يكن تأسيس ربوة أمرًا مخططًا له حال الهجرة إلى باكستان، بدليل أن مركز الخلافة بقي شهورًا في لاهور قبل أن ينطلق منها صوب منطقة «جناب نكر» التي تأسست فيها مدينة «ربوة» فيما بعد. لقد أسسها المصلح الموعود في 20/9/1948م، بناء على كشف تلقاه ، كما مثَّل تأسيسها تحقيقًا لنبوءة سيدنا المسيح الموعود «بقعة الهجرة». كانت أرض ربوة أصدق مثال لوادٍ غير ذي زرع، إذ ما كانت تصلح للزراعة ولا للسكن، وتندر فيها المياه الجوفية، وحتى إن وُجدت هذه المياه، وبعد جهد جهيد، فهي زُعاق، وعلاوة على هذا كانت صحراء تعجّ بالسباع والهوام، حتى كان الناس يتحامون المرور بها، لكنها، وبدعاء سيدنا المصلح الموعود وجهوده الشاقة؛ قد تحولت خلال نصف قرن من الزمان إلى جنة خضراء ومدينة راقية تنافس أية مدينة أخرى.

وعند وضع حجر أساس ربوة دعا المصلح الموعود بجملة أدعية استجابها الله بفضله، ولا زال يستجيب، إن تلك الأدعية هي نفسها التي دعا بها سيدنا إبراهيم عند رفع قواعد الكعبة وتأسيس مكة، وهي:

* رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ * رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ

* رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمِيْن لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ. في هذا الدعاء تصرف حيث قرأ مسلمِين بصيغة الجمع بدلا من المثنى.

* رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رجالا مِنْهُمْ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُونَهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكُّونَهُمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ. في هذا الدعاء أيضا تصرف وقد قرأ هذه الأدعية ثلاث مرات وردّدها وراءه الحضورُ.

Share via
تابعونا على الفايس بوك