لا قيمة لذبح الأضاحى ما لم تذبح النفس الأمارة
  • ما المعنى الحقيقيّ للأضحية؟
  • وكيف أن العبادات الظاهرية وحدها ليست شيئا!
  • وما الأمر الأساس في قبول كل عمل؟

__

لا قيمة لذبح الأضاحي ما لم تذبح النفس الأمارة

التي ألقاها أمير المؤمنين سيدنا مرزا مسرور أحمد أيده الله تعالى بنصره العزيز

الخليفة الخامس للمسيح الموعود والإمام المهدي

بتاريخ 12|08|2019م في مسجد بيت الفتوح بلندن

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّين. آمين.

لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ (الحج: 38)

المعنى الحقيقيّ للأضحية

نحتفل اليوم بعيد الأضحى الذي يسمى عيد القربان أيضًا. يذبح المسلمون كل عام وسيَذبحون  اليوم في مكة وفي مختلف بلاد العالم مئات الآلاف من الأنعام، لكن الله تعالى يقول أنّ ذبحها – وإن كان جزءًا من العبادة ويتم بأمر الله تعالى – كتقليد فقط لا يساوي عند الله شيئاً. ولا شك أن تقديم المسلمين القادرين على هذه الأضاحي لهو من الأمور التي تقرّب إلى الله وإن كانوا لا يحجون ولا يعتمرون ، ولكن إذا كانت أضاحيكم رئاء الناس خاليةً من روح التقوى التي يجب أن يتحلى بها كل مؤمن، فلا فائدة منها وإن فاقت حبات الرمال عدداً. فإن الله تعالى لا يجوع لكي يكون في حاجة إلى لحومها، ولا يعطش حتى يكون في حاجة أن يروي عطشه بدمائها، فيفرح بمن يذبحون هذه الأضاحي ويبشرهم بالجنة لما ناله منهم من منافع.. أبداً، الله هو الغنيّ، والغنيّ هو من يستغني بذاته عن الجميع ويفتقر الجميع إليه. يجب أن تتحلوا بالتقوى، وإذا كانت قلوبكم خالية من التقوى فلن تفوزوا برضا الله تعالى ولو ذبحتم عشرات الأضاحي، ولو أريقت في بلد من البلاد دماء مئات الآلاف من البهائم.

فتذكروا دائما أن الله تعالى يقول أنّ الأصل هو التقوى، وأن الأضحية التي تقدم بروح التقوى هي وحدها  مرضية عند الله تعالى. إن الذي يكون قلبه عامرًا بالتقوى يعاهد الله دائمًا عند تقديم هذا القربان الظاهريّ أنه مستعد للتضحية بكل غالٍ ورخيصٍ في سبيله تعالى، وكما أنه يضحَّى بهذه البهائم التي هي ليست شيئاً يُذكر مقارنة بالإنسان، ومن الأمور المتفق عليها ضمنيًّا أن تتم التضحية بالأدنى والأقل أهمية من أجل صالح الأسمى والأكثر أهمية، كذلك يجب على كل إنسان أن يعاهد أنني قد تلقنت من هذا القربان درسًا رائعًا، وهو أن يُضحَّى بالأحقر مقابل الأعظم، ولذلك فإنني سوف أظل مستعدًا لكل تضحية من أجل المصالح العليا، وسوف أكون جاهزًا للعمل بأحكام الله تعالى كل حين. لقد وجدت في هذه الأضحية عبرةً، فها إني أعاهد الله تعالى على إيثار الدين على الدنيا، وسوف أبقى على أهبة الاستعداد للوفاء بهذا الوعد في كل ظرف وحال، ولن يكون في أي قول أو فعل لي أدنى شائبة من شوائب الدنيا والنفس والشيطان. فإن كان عيد الأضحى هذا لا ينبّهنا إلى واجباتنا ومسؤولياتنا وعهودنا فليس مثل هذا العيد إلا مجرد مهرجان دنيوي، ولا يكون سببا للتحلي بالتقوى، ولا يخلق فينا أدنى إحساسٍ بأهمية التضحيات، ولا يذكّرنا بمسؤولياتنا، ولا يولّد فينا الإحساس بالوفاء بعهدنا. كل ما في الأمر أننا قدمنا القربان الظاهري، وذبحنا الكبش أو الماعز أو العجل وأكلنا لحمها بأنفسنا  كما وأطعمناه أقاربنا ومعارفنا. والحق أنْ لا فائدة من كل هذا إذا خلا قرباننا من هذه الروح، إنما يكون هذا مفيدًا إذا وفينا بعهدنا، ووضعنا أعناقنا أمام الله تعالى، وأدينا حق عبادته سبحانه، وأدينا حقوق العباد أيضًا، وشكرْنا الله تعالى على أنه جعلنا مسلمين ثم جعلَنا من المسلمين الأحمديين الذين قد عاهدوا الله جل وعلا على يد إمام هذا العصر المسيح الموعود والمهدي المعهود على تقديم الدين على الدنيا، والاستعداد في كل حين للتضحية بالنفس والمال والوقت والراحة والنعيم والأولاد. والوفاء بعهد البيعة هذا مع خليفة الوقت بكل انشراح صدرٍ لا لشيء إلا للفوز برضا الله تعالى وفاءً لعهد بيعتنا على يد المسيح الموعود . ومَن فعل كل هذا لوجه الله الكريم وحده فإنه تعالى يبشره بأنه سوف يُدخله في الذين ينالون رضوانه.

فإذا نشأت فينا هذه الروح وصدرت منا كافة الأعمال بحسب ذلك الوعي، فيمكن أن نتوقع أن نكون من الذين يبشرهم الله ومن الذين ينالون رضوانه سبحانه وتعالى.

العبادات الظاهرية وحدها ليست شيئاً

لقد قال سيدنا المسيح الموعود تبيانا للموضوع الوارد في هذه الآية وحكمته وفلسفته:

إن لم يصحب الصلاةَ والصومَ الظاهريَّ الإخلاصُ والصدقُ فلا مزية فيهما. فالرهبان والمتنسكون أيضًا يقومون بمجاهدات كبيرة. يلاحَظ في كثير من الأحيان أن بعضهم يجعلون سواعدهم تضمر، (حيث يُبْقون أيديهم في وضع معين دومًا مما يؤدِّى إلى توقف سريان الدم فيها فتضمر) ويتحملون مشاقَّ كثيرةً ومصائبَ شديدة ولكن هذه المشاقّ لا تهب لهم نورًا ولا ينالون سكينة أو اطمئنانًا (أي ينجزون عملا في الظاهر ولا ينالون الروحانية والنور الذي يأتي من الله) بل تكون حالهم الباطنية سيئة. يقومون بمجاهدات جسدية لا علاقة لها بالباطن (أي أن علاقة مجاهداتهم المادية الظاهرية بالروح تكون ضعيفة) ولا تؤثر في روحانيتهم، لذلك قال الله تعالى في القرآن الكريم:

لَنْ يَنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُم .

الحق أن الله تعالى لا ينظر إلى القشر بل يريد اللب. (أي يُهمُّه الروح والمغزى). في هذا المقام يتداعى سؤال مفاده: إذا كان اللحم والدم لا يصله فما الحاجة إلى القرابين أصلا؟! كذلك إذا كان الصوم والصلاة تتعلق بالروح فما الحاجة إلى الحركات الظاهرية؟! (أي يمكن أن نعبد بالروح ولا حاجة إلى الحركات الظاهرة في الصلاة، وكذلك ما الداعي للامتناع عن الأكل والشرب من الصباح إلى المساء حال الصوم؟! حيث يكفي الإقرار بالقلب والتسليم بأن تحمُّل الجوع والاعتناء بالفقير أو الجائع ضروري!)، وجوابه أن من المؤكد أن الذين يتخلون عن استخدام الجسم لا تقبلهم الروح أيضا (أي إذا كانت الحركات الظاهرة لا تصدر والجسم لا يتحمل المشقة، فمثل هذه العبادة لا تؤثر في الروح) ولا ينشأ فيها الخشوع والعبودية التي هي الغاية المتوخاة. (فشتى الحالات الظاهرة في الصلاة لخلق التواضع والخشوع فيها إنما هي في الحقيقة  للتعبير عن أن أرواحنا أيضا تقوم ضامّة الأيدي وتركع وتسجد مثل الجسد تمامًا، وهذا هو الهدف الحقيقيّ للعبادة) أما الذين يستخدمون الجسد فقط ولا يُشركونه الروحَ (أي يقومون بالحركات الظاهرة في الصلاة، ولا يقيمون روح الصلاة إذ لا يعرفون ما يقولون، أو لا يدركون معنى ومغزى العبادة التي يقومون بها، وإذا كانوا يقدمون التضحية فلا يعرفون لماذا يضحّون، وإذا كانوا يصومون فلا يعرفون لماذا يصومون وما هدفهم من وراء ذلك) فهم أيضا مخطئون خطأ كبيرًا. والرهبان والمتنسكون هم من هذا القبيل (حيث يقومون بالعبادة الظاهرة بأجسامهم فقط). لقد أقام الله تعالى علاقة متبادلة بين الروح والجسد. وكلٌّ من الروح والجسد يؤثر في الآخر ويتأثر به أيضاً. باختصار، إن السلسلتين الروحانية والمادية تسيران جنبًا إلى جنب.

عندما يتولّد الخشوع في الروح يتولّد في الجسم أيضا، (أي حين يكون قلب المرء متواضعا يقع تأثيره في الجسد ويصبح متواضعًا أيضاً) لذا فعندما يتولد التواضع والخضوع في الروح تظهر آثاره في الجسد تلقائيا، كذلك عندما يقع تأثير خاص في الجسد تتأثر به الروح أيضا. (الحكم، مجلد7، رقم8، عدد 28/ 2/1903م).

فالروح تتأثر من الحركات الظاهرية، وما كانت القرابين الظاهرية إلا لهزّ أرواحنا ولتفهيمنا أنه كما ذُبح هذا الشيء الأدنى من أجلكم، كذلك فإنه من شيمة المؤمن الحقيقي أن يكون جاهزا لتقديم كل تضحية من أجل العمل بأحكام الله تعالى. فيجب أن تُعدوا أجسادكم للتضحية وكذلك أرواحكم، واعملوا وجاهدوا دائما من أجل رفع مستوى تقواكم.

إذا كان اللحم والدم لا يصله فما الحاجة إلى القرابين أصلا؟! كذلك إذا كان الصوم والصلاة تتعلق بالروح فما الحاجة إلى الحركات الظاهرية؟! (أي يمكن أن نعبد بالروح ولا حاجة إلى الحركات الظاهرة في الصلاة، وكذلك ما الداعي للامتناع عن الأكل والشرب

التقوى أساس قبول كل عمل

كذلك دعانا المسيح الموعود إلى إحراز المستوى الأعلى من التقوى  فقال: اتقوا الله وكأنكم تكادون تموتون في سبيله. وكما تذبحون القرابين بأيديكم كذلك فعليكم أن تذبحوا نفوسكم أيضًا في سبيل الله. وكلما كانت التقوى أقلّ من هذه الدرجة كانت ناقصة. (ينبوع المعرفة، ص91، الحاشية)

فهذا هو المقام الذي يجب أن نسعى جميعاً لإحرازه. لقد أحرز إبراهيم وإسماعيل وهاجر عليهم السلام هذا المستوى وقدموا تضحية عظيمة يجتمع المسلمون اليوم لإحياء ذكراها في شتى بلدان العالم حيثما كانوا. لم تترك هذه العائلة لأي مسلم من أي جنس وعمرٍ عذرًا يحول دون أن ينال أعلى مستويات التقوى وتقديم التضحية، لأن كلاً من الرجل والمرأة والطفل أيضا قد قدموا التضحيات بل وضربوا فيها المُثل العليا. لقد كان الاستسلام وقبول الذبح بالسكين تضحية بلا شك، ولكنّ التضحية الحقيقية هي إقدام امرأة وحيدة على الذهاب إلى مكان قفرٍ موحش ليس فيه ماء ولا كلأ وليس معها إلا كيسٌ من التمر وقربة ماء صغيرة وقبولها بكل رضا واستسلام أن تعيش فيه بمحض إرادتها لا لشيء إلا لوجه الله تعالى وحده وطمعاً في رضاه. وهذه المرأة كانت تحب ولدها أكثر من نفسها ولكنها استعدت لتقديم هذه التضحية ليقينها بالله وتوكُّلِها عليه، وإيمانها  بأنه سبحانه لا يُضيع أي تضحية في سبيله، وإن الله تعالى يبشر الصالحين المضحّين بذلك. وكانت السيدة هاجر تعرف تلك البشرى، فقالت لزوجها: إذا كنت تتركنا هنا بأمرٍ من الله تعالى فلا نبالي بشيء، ويمكنك أن تعود من حيث أتيت فلن يُضيعنا الله تعالى أبدا. فالتضحية لوجه الله تعالى لا تَضيع بل ينال المضحّي بشارات من الله تعالى ويغمر الله المتقين برضوانه. وقد رأوا هذه النعم ورآها آلاف الأولياء وآلاف الصالحين أيضاً، بل كل من ضحَّى لوجه الله تعالى نال رضاه بلا شك، وتبدلت همومه وآلامه بالأفراح. فلم ترضَ هذه المرأة أن تضحّي بنفسها وبولدها إلا ابتغاء رضوانه تعالى، ثم أكرم الله تعالى تضحيتها تلك، فأحيا ذكراها إلى يوم القيامة، وفوق كل ذلك جعل من نسلها نبيا عظيما نشأت بقوته القدسية جماعة المؤمنين التي بلغ كل فرد منها – رجلاً كان أو امرأة أو طفلاً – أعلى مستويات التقوى وقدم من التضحيات ما يشهد عليه العالم كله وتنطق به كتب التاريخ والذي يصعب العثور على أمثاله في الدنيا.

أتناول في هذه الأيام ذكر الصحابة البدريين في الخطب وأتعرض ضمنيًا لذكر بعض الأحداث المتعلقة بالنساء والأولاد والمستوى العالي لتضحياتهم. فإن مستوى تضحياتهم ونماذج درجاتهم العليا في التقوى لجديرة بأن تكتب بماء الذهب، وإن أعمالهم أسوة حسنة لنا وفق أمر النبي . فلما آمنا بالمسيح الموعود والإمام المهدي في هذا العصر وجب علينا أن نحاسب أنفسنا ونفكر فيما إذا كنا نسعى جاهدين لكسب كل حسنة أم لا، ثم هل كان مستوى حسناتنا يماثل مستوى حسنات هؤلاء الأبرار أم لا، أو على الأقل هل نسعى لبلوغ هذا المستوى الذي أحرزه صحابة النبي أم لا؟ ما دمنا ندعي أننا جماعة الآخرين، فلا بد أن نُرِي نماذج لائقة. بفضل الله تعالى هناك فئة من الناس بيننا يسعون لخلق هذه الحالة في أنفسهم والتي هي حالة العمل بأحكام الله تعالى والسلوك في مسالك التقوى، وإيثار الدين على الدنيا. ولكن الميل إلى الدنيا جعل فئة منا أيضا رغم عهدهم بأن يؤثروا الدين على الدنيا لا يرتقون إلى حالة التقوى المطلوبة التي هي حالة من يسلك سبل التقوى بشكل حقيقي. ما هي تلك الحالة؟ أقدم لكم مقتبسًا أو اثنين من كلام المسيح الموعود عن هذه الحالة وعن مستواها.

التفريط في دقائق التقوى يوقع في الموبقات وأكبر الكبائر

يقول : «على الإنسان أن يراعي دقائق التقوى، (أي يضع نصب عينيه دوما الأمور الدقيقة المتعلقة بالتقوى. قال حضرته :

وفي مراعاتكم لهذه الدقائق تكمن السلامة. وإن لم يراعِ الإنسان أمورا بسيطة أدت به إلى ارتكاب الكبائر رويدا رويدا (يظنها الإنسان أمورًا صغيرة إلا أنها تقوده إلى ارتكاب الذنوب الكبيرة وتبعده عن جادة الدين. قال حضرته: «يجب أن يكون نصب أعينكم بلوغُ أعلى مدارج التقوى. ولهذا الغرض لا بد من مراعاة دقائقها.» (الحكم رقم39، مجلد9، عدد:10/ 11/1905م، ص5)

فالروح تتأثر من الحركات الظاهرية، وما كانت القرابين الظاهرية إلا لهزّ أرواحنا ولتفهيمنا أنه كما ذُبح هذا الشيء الأدنى من أجلكم، كذلك فإنه من شيمة المؤمن الحقيقي أن يكون جاهزا لتقديم كل تضحية من أجل العمل بأحكام الله تعالى. فيجب أن تُعدوا أجسادكم للتضحية وكذلك أرواحكم، واعملوا وجاهدوا دائما من أجل رفع مستوى تقواكم.

هناك حاجة ماسة إلى التركيز على تلك الأمور. قوله واضح جدًّا، فإن تكاسلنا ولم نهتم وتوهمنا بأن التقصير الفلانيّ لهو أمر يسير ولا داعي لأن نقلق بشأنه وأن الاهتمام بهذه الأمور ومحاسبة النفس عليها لهو من قبيل التشدد الممقوت، ، فإن هذه الأمور ستتفاقم وتصبح ذنوبًا وآثامًا بلا شك.

هناك بعض الناس الذين يفوّتون صلاة واحدة من صلواتهم اليومية ويقول بعض هؤلاء: نصلّي الصلوات كلها إلا أنه تفوتنا أحيانًا صلاة واحدة فحسب. فليعلموا أن تركهم صلاة واحدة أحيانًا يفقدهم الاهتمام بالصلوات الأخرى تدريجياً. إن التورط في الأمور اللاغية الصغيرة يؤدي إلى إبعاد صاحبها من الدين شيئاً فشيئاً. فإن كنّا نريد تحقيق عهد إيثار الدين على الدنيا حقيقةً فلا بدّ لنا أن ننقذ أنفسنا من كل لغو مهما رأيناه قليل الشأن.

ثم ذكر التقوى فقال:

«إن تفصيل الأوامر والنواهي وأحكام الله مذكور في القرآن الكريم من أوله إلى آخره، (فقد ورد فيه تفصيل الأمور التي ينبغي أن يقوم بها الإنسان والتي يجب عليه اجتنابها) وذكرت فيه مئات الفروع للأوامر المختلفة. وأقول بإيجاز بأن الله تعالى لا يجيز الفساد في الأرض قطعًا.

الذي خلق المخلوق لا يريد أن يعيث الناس في الأرض فسادًا. إن الله تعالى يريد أن ينشر الوحدة في العالم. أما من يؤذي أخاه بغير حق، أو يكذب أو يخون فهو عدو الوحدة. فما لم تزُل هذه الأفكار السيئة من القلوب لا يمكن أن تنتشر الوحدة الحقيقية.

ثم قال إن اجتناب المرء كلَّ نوع من السيئة هو التقوى.

أقول: هذه هي دقائق التقوى، فمن كان عدو الوحدة كيف يمكن أن تكون فيه التقوى؟! إذًا، هذا مقام تدبّر وخوف شديد، فإذا كان أحد يؤذي أخاه فهو عدو للوحدة، إذا كان أحد خائنا فهو عدو الوحدة. إذا كانت الأفكار السيئة تنشأ في قلب أحد فهو بعيد عن التقوى. فعلينا أن نسعى جاهدين لاجتناب هذا النوع من الأفكار، وعندها فقط يمكن أن نقيم الوحدة، وعندها فقط يمكننا أن نفي بالعهد الذي قطعناه مع المسيح الموعود .

ندعو الله تعالى أن يوفقنا للسلوك على دروب التقوى الحقيقية، وأن يُتيحَ لنا عيدُ الأضحية هذا فهمًا وإدراكا حقيقيًا للتضحيات، ويوفقنا الله تعالى لنطهر أنفسنا من كل َدَرنٍ وَشَين، وننال رضا الله تعالى مدركين أدق سبل التقوى، ونكون من الذين يبشرهم الله تعالى.

إن التورط في الأمور اللاغية الصغيرة يؤدي إلى إبعاد صاحبها من الدين شيئاً فشيئاً. فإن كنّا نريد تحقيق عهد إيثار الدين على الدنيا حقيقةً فلا بدّ لنا أن ننقذ أنفسنا من كل لغو مهما رأيناه قليل الشأن.

عليكم أن تذكروا في أدعيتكم اليوم، أولئك الذين ضحّوا بأنفسهم من أجل الجماعة. رفع الله تعالى درجاتهم، ووفق أجيالهم للتمسك بجماعة المسيح الموعود دائما. واستجاب أدعية الشهداء ومقدّمي التضحيات في حقهم وفي حق أولادهم وأجيالهم. وادعوا أيضًا لرفع درجات الدعاة الأوائل الذين قدموا تضحيات كبيرة وسافروا إلى بلاد نائية وبلغوا دعوة الإسلام إلى الأقوام التي كانت غارقة في الظلام. ندعو الله تعالى أن يثبت أولاد هؤلاء الدعاة وأجيالهم على الإيمان والإخلاص والوفاء دومًا.

كذلك تذكروا في أدعيتكم أولئك الذين يقدمون التضحيات في الوقت الراهن ويبلغون دعوة الإسلام، ويخدمون الإسلام مزّكين أنفسهم من شوائب النفس، فادعوا أيضًا أن يقبل الله تعالى تضحياتهم. ثم ادعوا للأسرى في سبيل الله أن يفك أسرهم سريعًا. وادعوا للذين لا يزالون يقدمون التضحيات منذ فترة طويلة في باكستان أن يرحمهم الله وينقذهم من هذا الظلم. وادعوا الله تعالى أن يسترنا ويرحمنا أيضًا ويزيدنا جميعا إيمانًا ويقينًا، وأن نرى مشاهد تقدم الأحمدية أي الإسلام الحقيقي أكثر من ذي قبل، فنحتفل بأفراح العيد الحقيقي.

فأكثِروا من هذه الأدعية، واجتهدوا لتزدادوا إيمانًا، واسعوا جاهدين للاهتمام بإخوتكم. فهذا هو الدرس الذي يعلّمناه عيد الأضحية. ندعوا الله تعالى أن يوفق الجميع للعمل به.

ثم قال حضرته نصره الله بعد الخطبة الثانية: تعالوا ندعُ معًا. وبارك الله لكم العيد جميعًا وللأحمديين في العالم كله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Share via
تابعونا على الفايس بوك