ضرورة القدوة العملية
التاريخ: 2013-12-06

ضرورة القدوة العملية

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

حضرة مرزا مسرور أحمد (أيده الله)

الخليفة الخامس للمسيح الموعود (عليه السلام)
  • الصدق واتباع الحسنات سبيل لقوة الحجة
  • لا تُعجبوا بقوة الإيمان فالشيطان يهجم رويدا رويدا
  • المجاهدة ضرورية في مواجهة سبل الشيطان المعاصرة
  • لا بد من الصلاح الكامل للإصلاح الشامل
  • أسوة الرسول صلى الله عليه وسلم في الواقع العملي
  • رفض تعاليم المسيح الموعود بلسان الحال وبال

__

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْم الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين* إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّين . (آمين)

في الخطبة الماضية وجهت الأنظار من خلال إحدى خطب سيدنا المصلح الموعود وسردتُ أيضا بعض الأحداث من أسوة سيدنا رسول الله وسلوك خادمه الصادق وذكرتُ من خلالها صفة “الصدق” مفصلا، وبيّنتُ المستوى الرفيع الذي كان ثابتا عليه سيدنا ومولانا محمد رسول الله وخادمه الصادق، وذكرتُ أيضا المراتب العليا التي وصل إليها الصحابة رضي الله عنهم نتيجة التأسي بهذه الأسوة. الحديث عن الصدق كان على سبيل المثال ولكن الحق أن أصل الإصلاح هو كسب كل حسنة أمَرنا الله بكسبها والامتناع عن كل سيئة أمرنا بالامتناع عنها. إذًا، سنكون مؤمنين حقيقيين ونُعدّ أفراد جماعة إمام الزمان على وجه الحقيقة حين تتولد فينا الحسنات والأخلاق السامية التي أمر الله تعالى المؤمنين الحقيقيين بخلقها، وكذلك عندما نستنكر كل سيئة كارهين إياها بشدة متناهية -لأن المؤمن يبحث عن الحسنات كلها ثم يعتصم بها – وكذلك يفر من السيئات بكل قوته، وإذا فعل ذلك عندها فقط يقدر على أن يسوّي أموره بالعدل والاعتدال، ولا يتم ذلك بمجرد ادعاءات فارغة في هذا الصدد.

لقد اعترف عديد من المسيحيين أيضا في أثناء برنامجنا العربي “الحوار المباشر” أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تملك أدلة قوية لا قِبل لهم بها… فمن ناحية نثبت صدق الإسلام على غير المسلمين ومن ناحية أخرى نرد على المسلمين الآخرين الذين يعترضون على الجماعة.

لقد ذكرتُ في الخطبة الماضية أيضا أننا من حيث المعتقدات نملك أدلة دامغة أعطاناها المسيح الموعود على صدق الإسلام وصدق الجماعة الإسلامية الأحمدية، وهذا الأمر يجعل كفّتنا راجحة على معارضينا دائما. أما إذا لم يعترف بذلك أحد نتيجة تعنّته وعناده وشقاوة قلبه فهذا أمر آخر، ولكن الحقيقة أن معارضي الإسلام لا يملكون ردا على أدلتنا قط لذلك يتحاشون الخوض في النقاش معنا عندما يطّلعون على منهج الأحمديين في النقاش. لقد اعترف عديد من المسيحيين أيضا في أثناء برنامجنا العربي “الحوار المباشر” أن الجماعة الإسلامية الأحمدية تملك أدلة قوية لا قِبل لهم بها. فلدينا أدلة قوية على صدق الجماعة الإسلامية الأحمدية أيضا، فمن ناحية نثبت صدق الإسلام على غير المسلمين ومن ناحية أخرى نرد على المسلمين الآخرين الذين يعترضون على الجماعة. فإن لم يتعنّت المعارضون ولم يقرأوا كلام المسيح الموعود ولم يقدموه أمام الآخرين مشوهًا مبتُورًا عن سياقه، فلا بد أن يعترفوا بصدق الأحمدية. ولكن مصالح المشايخ الشخصية تدفعهم إلى إغواء عامة الناس بالأكاذيب والأباطيل. وعندما لا يجدون دليلا يستخدمون لسانا بذيئا ضد المسيح الموعود .

أما فيما يتعلق بالأدلة فإن كفتنا راجحة دائما مقابل كل من يعارض الإسلام والأحمدية. إن الذين يقرأون كتب المسيح الموعود ويسعون لفهم مضامينها لا يمكن أن يقف أمامهم أحد قط، كما قال المسيح الموعود بنفسه بأنكم إذا قرأتم كتبي واستوعبتم مضامينها فلن يقدر أحد على مبارزتكم. ولكن عندما نفحص الجانب العملي الذي كان المسيح الموعود يودّ أن يراه فينا يصيبنا قلق وينشأ السؤال تلقائيا: هل كل واحد منا يتصدى لكل سيئة في مجتمعنا ويقدر على القضاء عليها؟ هل كل من يعيش في بيئتنا وجوارنا يتأثر بعمل كل واحد منا، أم أنّا نحن الذين نتأثر سلبا بالمجتمع المحيط بنا وننسى تقاليدنا رويدا رويدا؟ هل يسعى كل واحد منا جاهدا لإصلاح أعماله كما يقتضي منا تعليم المسيح الموعود وهل بلغنا معيار الصدق حتى لا يقترب الكذب منا على الإطلاق؟ هل نظرُنا مركَّز على الآخرة مع انشغالنا في أمور دنيانا؟ هل آثرنا الدين على الدنيا في الحقيقة؟ هل نجتنب كل سيئة وعمل سيئ بكل حذر وحيطة؟ هل نجتنب غصب حقوق الآخرين وكل سلوك غير لائق؟ هل نحن ملتزمون بالصلوات الخمس؟ هل نستمر في الدعاء دائما ونعبد الله تعالى بالتواضع والانكسار؟ هل تركنا كل رفيق سيئ يترك فينا تأثيرا سيئا؟ هل نخدم آباءنا ونحترمهم ونطيعهم في المعروف؟ هل نعامل زوجاتنا وأقاربهن بالرفق والإحسان؟ هل نحرم جيراننا من أدنى الخيرات؟ هل نعفو عن أخطاء المخطئين في حقنا؟ هل قلوبنا خالية من كل نوع من البُغض والشحناء تجاه الآخرين؟ هل نعمل بحسب عهد البيعة ونحاسب أنفسنا؟ هل مجالسنا خالية من توجيه الاتهامات إلى الآخرين وغيبتهم؟ هل يُذكر اللهُ ورسوله في معظم مجالسنا؟

إذا كان جواب هذه الأسئلة بالنفي فنحن بعيدون عن تعليم المسيح الموعود ويجب أن نقلق على أوضاعنا العملية، أما إذا كان جوابها بنعم فالسعداء منا أولئك الذين يردون على هذه الأسئلة بنعم إذ أنهم يؤدون حق البيعة بالاهتمام بحالتهم العملية. لكنه إذا نظرنا بعين الحقيقة فسنرى أننا في أغلب الأحيان لا نهتم بغالبية هذه الأمور متأثرين بالمجتمع، وأن مساوئ المجتمع تسعى مرة بعد أخرى أن تتسرب إلينا، ونحن نعجز عن مقاومتها أحيانا كثيرة. لا شك أن 99.99 بالمائة منا يدَّعون أنهم أقوياء عقيدةً، ولا أحد يقدر على زعزعتهم عن إيمانهم إلا أننا يجب أن نتذكر أن الضعف العملي عندما يحدث نتيجة هجمات المجتمع القوية فهي تهز أحيانا جذور الاعتقاد أيضا، فالشيطان يهاجم رويدا رويدا. ففي أول الأمر يبتعد الإنسان عن نظام الجماعة، وعندما يزيد خطوة أخرى يبتعد عن الخلافة أيضا، فعلينا أن نتذكر أن ضعفا واحدا يؤدي إلى ضعف آخر، وأخيرا يخسر الإنسان كل شيء. نجن نعرف أن جمال الأحمدية يكمن في انتظام الأحمديين في سلك نظام الجماعة ونظام الخلافة، وفي ذلك تكمن قوتُنا العقدية والعملية أيضا. لذا إن الخلفاء يكشفون الأخطاء دوما ويلفتون أنظار الجماعة لإزالتها، لكي ينظروا إلى نقاط ضعفهم بالاستغفار ويسعوا لإزالتها قبل أن يبتعد أي أحمدي لدرجة يجد طريق العودة بعدها مسدودا. ولكي يذكروا المِنّة التي منَّها الله عليهم. لقد قابلني وفد من العلماء والمثقفين غير الأحمديين من إندونيسيا بمناسبة حفل الاستقبال في سنغافورة خلال جولتي الأخيرة إلى الشرق الأقصى، وكما بينت خلال سرد أحداث الجولة سابقا أن هؤلاء الضيوف أبدَوا انطباعا أن العلماء الإندونيسيين يجب أن يسمعوا كلام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية.

على كل حال كنت قد قلت لهم ردًّا على أحد تساؤلاتهم: إن الجماعة الإسلامية الأحمدية هي الوحيدة على سطح الكرة الأرضية اليوم التي ليست إقليمية أو دولية بل هي عالمية، وتُعرف في العالم كله باسم جماعة. وتمتاز بالوحدة، وهي تتبع نظاما معينا وهي مرتبطة بإمام واحد وتضم أفرادا من كل أمة وشعب في العالم. فهذا دليل عظيم على قول النبي ونبوءته: “ستكون في الأمة الإسلامية جماعةٌ”، حيث كان قد قال إن جماعة ستكون على الصراط المستقيم. وهذا هو برهان على صدق المحب المخلص للنبي . فالعقلاء السعداء حتى من المعارضين أيضا عندما يسمعون هذا الدليل يلزمون الصمت، ويتدبرون. لكن كل واحد منا بحاجة إلى فحص حالاته العملية كل حين وآن للمحافظة على هذا الدليل. فالشيطان في العصر الراهن جمّاح أكثر من ذي قبل، فالخطر العملي الذي يحدق بنا هو توسُّع نطاق سيئات المجتمع، بالإضافة إلى أن بعض السيئات تعطى لها حماية قانونية باسم حرية الضمير والكلام، فكانت السيئات قبل هذا الزمن محدودة. أي كانت سيئة الحيِّ محدودة في الحي فقط وكانت سيئة المدينة في المدينة وسيئة البلد في البلد، أو على أقصى حد كان الجيران يتأثرون بها، لكن اليوم بسبب السهولة في السفر، والتلفاز والانترنت ووسائل الإعلام المختلفة، قد صارت السيئة المحلية الفردية عالميةً. فبواسطة الانترنت تُشاع الفواحش والمنكرات بإنشاء العلاقات على بعد آلاف الأميال، فالفتيات الشابّات يُخدعن ويُبعدن عن الدين دع عنك تضعيفهن عمليا. في الآونة الأخيرة عرفت أن بعض الشابات في باكستان وبعض البلاد الأخرى أيضا يُخدعن بالزواج وفي نهاية المطاف يُجعَلن مومسات، حيث يتم الزواج بهن مؤقتا ثم يُحوَّلن إلى ممارسات الدعارة، وأصحاب هذه التصرفات يعملون عالميا. فحين يطَّلع المرء على هذا الوضع المخيف جدا ترتعد منه الأوصال، وكذلك الشباب يُشَلّون بطرق مختلفة عمليا وعقائديا أيضا. فإذا كنا ندعو الله من ناحية أن يحفظ كل أحمدي من هذه الفواحش والخبائث، ففي الوقت نفسه كلُ أحمدي بنفسه أيضا بأمس حاجة إلى أن يجاهد ضد هذه الخبائث مستعينا بالله . إن الاستفادة من المبتكرات الحديثة والسهولات ليست ممنوعة، إلا أن كل أحمدي يجب أن يتذكر دوما أن عليه أن يساعد المسيح الموعود على تكميل نشر الهدى مستفيدا من هذه المخترعات الحديثة بدلا من تسليم النفس إلى الأعداء بالوقاحة والإلحاد وسوء الاعتقاد.

هذا الأمر يتطلب من كل أحمدي أن يفكر ويتدبر. فيجب على الكبار سِنًّا فينا أن يضربوا أمثلة عليا لكي تجتنب أجيالنا القادمة الفساد المنتشر في العالم وهجماته. كما على الشباب أيضا أن ينقذوا أنفسهم من هجمات الأعداء باذلين كل ما في وسعهم ومستعينين بالله تعالى. العدو يهاجم بطريق غير ملحوظ بوجه عام ويقتحم بيوتنا باسم الترفيه وتمضية الوقت ويريد أن يؤثر في شباب الجماعة وضعاف الإيمان ويسعى أن يعيث فيهم الفساد. لا شك في أن خلفاء الجماعة الإسلامية الأحمدية يوجهون دائما أنظار الجماعة إلى تحسين حالتهم العملية. هذا ما فعله الخلفاء الذين سبقوني من خلال خطبهم وأنا أيضا أوجّه الأنظار دائما إلى إصلاح هذا الفساد. فيخطط نظام الجماعة والمنظمات الفرعية أيضا برامج في ضوء هذه التعليمات بُغية إنقاذ كل شريحة من شرائح الجماعة وكل أحمدي أيا كان عمره من هذه الهجمات. ولكن إذا عزم كل واحد منا على إصلاح نفسه وتصدى لإفشال هذه الهجمات للأعداء، وليس ذلك فحسب بل إذا قام عازما لإصلاح أعداء الدين أيضا فضلا عن الدفاع بمعنى أن يشن حملة إصلاحهم أيضا، وأنشأ لهذا الغرض علاقة وطيدة مع الله تعالى سننحج بفضل الله تعالى في إفشال هجمات أعداء الدين وسنتمكن أيضا من إصلاحهم وتحسين عاقبة العالم. وإضافة إلى ذلك نقضي على الفتنة التي تريد أن تلتهم أجيالنا الناشئة بتأثيرها السيئ، وبذلك سنحمي أجيالنا ونحافظ على إيماننا. ثم تنتقل حملة الإصلاح إلى الأجيال القادمة وستستمر هذه السلسلة إلى يوم القيامة. وسوف تفتح علينا آفاق جديدة لتبليغنا نتيجة إصلاحنا أنفسَنا. وستكون الاكتشافات الجديدة سببا لنشر اسم الله في كل بقعة من بقاع الأرض بدلا من نشر السيئات. علينا أن نتذكر دائما أنه لا يسعنا أن نغض الطرف عن الحقائق، لأن الأقوام المتقدمة والتي تنوي إصلاح العالم وتريد أن تُحدث فيه انقلابا تتنبه إلى أخطائها دائما. ولكن إذا أغلقنا عيوننا وقلنا، “كل شيء على يرام” فإن هذا السلوك سوف يكون عرقلة في أعمالنا.

فلباب القول أنه لا بد لنا من الانتباه إلى الحقائق. لا يمكننا أن نفرح أنه قد تم إصلاح خمسين بالمئة بل إذا كنا نريد أن نُحدث انقلابا في العالم فلا بد لنا أن يكون هدفنا الإصلاح مئة بالمئة.

هنا أريد القول أيضا بأنه إذا نجحنا مئة بالمئة في الإصلاح العملي ستتلاشى النـزاعات والخصومات والقضايا المرفوعة في المحاكم، ومحاولات إلحاق الضرر بالآخرين ضررا ماليا، وسينتهي كل نوع من السيئات مثل الجشع للمال ومشاهدة البرامج السيئة على التلفاز والوسائل الأخرى، وقلة احترام الآخرين، والسعي لإسقاطهم، وسيسود جوّ الحب والوئام والأخوة الذي سيرينا مشاهد الجنة في هذا العالم. السيئات التي ذكرتها تمثل أمامنا عمليا، إذ يحدث شيء من هذه الأمور في الجماعة أيضا أحيانا لذلك ذكرتها هنا. فإذا تولّد في كل واحد منا شعور بمسئوليته سوف يخدمون الجماعة واضعين في الحسبان أنها فضل من الله تعالى فقط. قد يقول أحد هنا بأننا نخدم الجماعة بهذه العاطفة تماما ولكن هذا لا ينطبق على مئة بالمئة من المسئولين في الجماعة. تصلني أحيانا أخبار توحي بأن بعض المسئولين لا يتحلون برحابة الصدر والتحمل والجلَد. فلو قال لهم أحد شيئا بصوت مرتفع قليلا تأخذهم الحمية والعزة الزائفة، وفي بعض الأحيان يلجئون إلى الكذب. والمعلوم أن الذي يعمل أيّ عمل حاسبا إياه فضلا من الله فهو يتحمل كل شيء ابتغاء مرضاة الله. وإن القول: “العزة لله” يدفعه على التواضع بدلا من البحث عن عزة نفسه.

فإذا فحصتم أنفسكم بنظرة دقيقة سوف ترون أن العمل بـ “احسِبوا أنفسكم أدنى من كل واحد” مفقود، وأن الأنانية تهيج حينا، ويثور الكذب حينا آخر. إننا نستمتع من إلهام المسيح الموعود “لقد أعجب اللهَ تواضعُك” استمتاعا من الناحية الذوقية وندّعي أيضا بأننا ننتمي إلى جماعة مَنْ أُلهِمَ: “لقد أعجب الله تواضعُك” ولكن لا نتقدم على ذلك ولا ندرك أنه قد علّم أتباعه أنكم إذا كنتم على صلة بي فعليكم أن تتحلوا بهذا السلوك.

لقد أخبرنا المسيح الموعود بأنه جاء لإحياء تعليم رسول الله من جديد ويوجهنا إلى أسوة النبي كما يروي أحد خدامه أنه لم يخاطبه بكلمات قاسية قط. وحدث ذات مرة أن شخصا ارتعدت فرائصه نتيجة رعب النبي وهيبته فقال له: “

هَوِّنْ عَلَيْكَ فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ”.

فيجب أن تظهر هذه الصفة في الحياة العملية لكل مسئول، وكلُّ عامل في الجماعة بحاجة إلى أن يتصف بها في الحياة العملية.

اليوم بسبب السهولة في السفر، والتلفاز والانترنت ووسائل الإعلام المختلفة، قد صارت السيئة المحلية الفردية عالميةً. فبواسطة الانترنت تُشاع الفواحش والمنكرات بإنشاء العلاقات على بعد آلاف الأميال، فالفتيات الشابّات يُخدعن ويُبعدن عن الدين دع عنك تضعيفهن عمليا.

فعندما يعطَى أيُ أحمدي منصبا أو مسئولية أو تُعهَد إليه خدمة، عليه أن يضع في الحسبان دوما قول المسيح المحمدي ما تعريبه: “كنت غريبا ومسكينا ومجهولا وعديم الخبرة”. فعندما سنُظهر المسكنة والتواضع وانعدام الخبرة في حالاتنا العملية سنتمكن من أداء حق الخدمة أيضا. ونرجو أن يتحقق فينا قوله الآخر ما تعريبه: “لعلكم بذلك تدخلون دار الوصال”. وإن لم يحدث ذلك فيمكن أن نكون على حق في الدعوى، بأنا قد آمنا بإمام الزمان، أما على صعيد الأمر الواقع فنكون ساخرين من هذا الادعاء بلسان الحال. ففي هذه الحالة لن تضرنا عداوة غيرنا، بل سوف يفضحنا نفاقُ أنفسنا، بالإضافة إلى سخط الله عز وجل. فكل من عُهدت إليه أي مسئولية بحاجة إلى أن يفحص نفسه بصفة خاصة، وكل أحمدي بشكل عام أيضا يجب أن يحاسب نفسه، لأن حق البيعة لا يؤدَّى بمجرد ادعاء الإيمان باللسان، فهو عديم الجدوى تماما ما لم تتجلَّ معه قوةُ العمل. فحين نعلن أن عيسى قد مات ولم يُستثنَ من الموت إذ لم يُكتب لأي إنسان الخلدُ، وإذا كنا نعلن أن الله يمكن أن يبعث نبيا تابعا للنبي وهو يكلِّم مَن يشاء اليوم أيضا ويوحي إلى من يشاء، لأن أيًّا من صفاته ليست محدودة أو خاصة بزمن معين، ونقول بأن سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني هو المحب المخلص للنبي وبُعث نبيا غيرَ مشرّع لحبه واتباعه الكامل له ، وآمنا به، وإذا كنا نوقن بأن القرآن الكريم هو الكتاب التشريعي الأخير المحفوظ على حالته الأصلية منذ أربعة عشر قرنا لأن الله تعالى بنفسه قد تكفل حفظه، وليس هناك أي كتاب آخر محفوظا في صورته الأصلية مثله حتى اليوم. وعندما نخبر العالم أنكم مهما صرختم وأثرتم الضجة بأن القرآن الكريم ليس محفوظا في صورته الأصلية أو قد أُلِّف قبل بضعة قرون فقط، فنحن نُثبت خطأكم ونفند زعمكم هذا، كما يسعى بعض أعداء الإسلام أن يثبتوا في القنوات المعادية للإسلام والكتب أيضا في هذه الأيام أن القرآن الكريم لم ينـزل على النبي والعياذ بالله بل قد كُتب قبل ستمائة سنة أو سبعمائة سنة فقط، فاليوم إن الجماعة الإسلامية الأحمدية تدحض مزاعمهم وادعاءاتهم، وتتحداهم بالأدلة والبراهين، وإن أدلتنا مؤثرة لدرجة حين دعَونا هذا الذي ادّعى ذلك وعمل برنامجا تلفزيونيا هنا وقال فيه إن القرآن الكريم ليس صحيفة سماوية أن يحاورنا رفض. باختصار ما أريد أن أقوله إننا نؤمن بأن عيسى قد مات ونؤمن بأن الله بَعث المسيح الموعود في هذا الزمن مثيلا للمسيح، نحن نوقن بأن الكتاب التشريعي الأخير الذي نزل على النبي محفوظ إلى اليوم في صورته الأصلية، فهل كل هذه الادعاءات والمعتقدات سوف تجعلنا ناجحين في مهمتنا وتُحقِّق هدفنا؟ فجواب ذلك المؤكد: لا. لأنه إذا كان تحقق نبوءة بعثة المسيح الثانية بعد إثبات وفاته مقدرا في شخص من أمة النبي أي محبه المخلص فإن مجرد الاعتقاد لن يفيدنا في شيء، إذا كنا لا نحدث في نفوسنا التغييرات التي ظهرت في صحابة النبي واضعين في الحسبان هذا الأمر في ضوء

وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ .

حين نعلن أن سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني هو المسيح الموعود نفسه الذي تنبأ بمجيئه النبيُ وأن الله كان يكلِّمه فلا بد أن نُظهر تأثير كلامه فينا أيضا، وإلا فالاعتقاد وحده لا معنى له. فإذا كنا نحسب القرآن الكريم محفوظا ولكن لا نعمل بحسب أوامره التي هي ضرورية لحياتنا فإن مجرد إعلاننا بالدفاع عن الإسلام لن ينفعنا شيئا. إن إعلاننا هذا سيكون مفيدا ومؤثرا عندما نطبق هذا التعليم على أنفسنا وحالتنا العملية. علينا أن نسعى جاهدين لأداء المسئولية العملية التي توقِعها علينا هذه المعتقدات. إذًا، إن تحسين الحالة العملية مسئولية كبيرة يجب علينا أداؤها. يقول المسيح الموعود :

“اعلموا جيدا أن الكلام وحده لا ينفع، ولا قيمة لمجرد الكلمات عند الله ما لم يرافقها العمل…. عليكم أن تحاسبوا أنفسكم على أعمالكم. العمل زينة الإيمان. من كانت حالته العملية غير سليمة فلا إيمان له. المؤمن يكون جميلا، فكما لو أُلبس إنسان جميل حلية بسيطة أيضا تجمِّله أكثر كذلك إن عملا بسيطا أيضا يجمِّل المؤمن كثيرا، وإذا كان سيئ الأعمال فلن تقوم له قائمة. عندما يتولد الإيمان الحقيقي في الإنسان تحصل له متعة غير عادية في الأعمال تتفتح بها عين معرفته. فيصلي كما هو حق الصلاة. ويتبرأ من الذنوب وينفر المجالس السيئة. ويجد في نفسه حماسا وحرقة خاصة لإظهار جلال الله ورسوله وعظمتهما. ثم يقول المسيح الموعود :

“قال رسول الله لدى استفسار الناس: شَيَّبَتْنِي هُودٌ لأني قد كُلِّفت بمسؤولية جسيمة بسبب هذا الأمر. إن تسوية الإنسان نفسه وعملَه بأوامر الله تعالى كما هو حقها ممكنٌ له. ولكن جعلُ الآخرين كذلك ليس سهلا. فمن هنا تتبين عظمة نبينا الأكرم وقوته القدسية. انظروا كيف عمل بهذا الأمر! فقد جهَّز جماعة طاهرة من الصحابة رضوان الله عليهم حتى قال الله في حقهم:

كُنْتُم ْخَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ

وسمعوا نداء يقول:

رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ .

ولم يبق في حياته في المدينة الطيبة منافق. فقد حاز نجاحا لا نظير له في وقائع حياة أي نبي آخر. وكان الله تعالى يريد من وراء ذلك ألا يقتصر الأمر على القيل والقال فقط، لأنه إذا بقي مقتصرا على القيل والقال والرياء فحسب فما الذي يميزنا عن غيرنا؟ وهل لنا فضل على غيرنا؟ عليكم أن تُظهروا أسوتكم العملية التي فيها لمعان حتى يقبلها الناس.”

حين نعلن أن سيدنا مرزا غلام أحمد القادياني هو المسيح الموعود نفسه الذي تنبأ بمجيئه النبيُ وأن الله كان يكلِّمه فلا بد أن نُظهر تأثير كلامه فينا أيضا، وإلا فالاعتقاد وحده لا معنى له.

بعد هذا التمهيد نصح المسيح الموعود أفراد الجماعة أن يُظهروا أسوتهم العملية الباهرة فيقبلها الآخرون تلقائيا، لأنه إن لم تكن أسوتكم جذابة لن يقبلها أحد لأن الإنسان لا يحب شيئا قذرا. فإذا وُجدت بقعة صغيرة في الثوب لا يبدو جيدا. كذلك ما لم تكن حالتكم العملية نقية ولامعة لن ينجذب إليكم أحد لأن كل شخص يحب الشيء الجيد فحسب. فإن لم تكن أخلاقكم حسنة فلن تبلغوا أي مرتبة. ندعو الله تعالى أن يوفقنا جميعا للتحلى بالأخلاق الفاضلة ويُحدث فينا تغييرا يوجّه لمعانه العالَـم إلينا وتفتح علينا سـبل جديدة للتبليغ ويوفقـنا أن ننجز المهمة التي جـاء المسيح الموعـود من أجلـها.

Share via
تابعونا على الفايس بوك