علماؤهم.. وقفة تأملية (القسط الثاني والأخير)
التاريخ: 1985-03-22

علماؤهم.. وقفة تأملية (القسط الثاني والأخير)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة أمير المؤمنين ميرزا طاهر أحمد نصره الله الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود في 22 آذار/مارس 1985م في مسجد “الفضل” بلندن (القسط الثاني والأخير)

الخطبة التاسعة من سلسلة الخطب التي ألقاها سيدنا ميرزا طاهر أحمد، الخليفة الرابع للإمام المهدي ردًّا على تهم باطلة ألصقتْها بجماعته حكومة الدكتاتور الجنرال ضياء الحق في باكستان في “البيان الأبيض” المزعوم الذي نشرته بعنوان: “القاديانية، خطر رهيب على الإسلام”.

ولقد ردَّ الخطيب في كلمته هذه على التهمة القائلة بأن الأمة المسلمة تعرضت للتشتت والفرقة وفُتحت عليها أبوابُ الفساد على مصراعيها بسبب ظهور الجماعة الإسلامية الأحمدية. وقد بيَّن الخطيبُ الخدمات الإسلامية والقومية التي قامت بها الأحمدية، ثم قدَّم تحليلا مفصَّلا لأسباب أدت إلى الفرقة والتشتت بين الأمة، مبيِّنا أن المسؤولين الحقيقيين عن انحطاط الأمة هم العلماء السوء وحدهم.

لقد تشرَّف بترجمة هذه الخطبة الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعَها الأستاذ عبد الله أسعد عودة.

في القسط السابق ذكر حضرته الظروف التي يمر بها أبناء الجماعة الإسلامية الأحمدية في باكستان، وبيَّن أن المشهد ا لذي ترسمه هذه الظروف هو بمثابة تفسير للآيات التي استهل بها حضرته الخطبة:

لَأَنْتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِمْ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ * كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيبًا ذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (الحشر: 14-16)

حيث تتعرض الأحمدية لهجمات اللسان والقلم، ويُعذَّب أبناؤها تعذيبًا جسديًا، ويزجّ بهم في السجون، ويُستشهد الأعيان منهم دون هوادة. وذنبهم الوحيد حسب قوانين مضطهديهم أنهم يصرون على تمسكهم بكلمة الشهادة ويُصرون على أنهم مسلمين !!

كما بيَّن حضرته أن المضطهِدين يرهبون انتصار الأحمدية أي الإسلام الحقيقي.. أي يرهبون قوة الصدق لدرجة لا يخافون الله مقابلها. فالذين يتمسكون بالحق والصدق يتناسى العدو حجتهم ويهاجمهم متجردًا عن تقوى الله. هذا الأسلوب من المجادلة يدل على أن العدو قد تجرد من خشية الله نهائيًّا، إذ لو خشي الله لما استخدم -مقابل الصدق- الأساليبَ البذيئة بما فيها الكذب والخديعة. فإنهم يرهبون قوة تبدو لهم متصاعدة بحد ذاتها. ولولا هذا الخوف وهذه الرهبة لما شنّ العدو هجمات ضد رسول الله وأصحابه من قبل. (التحرير)

اعترافات بخدمات الأحمدية

لاحِظوا كيف يُفتضح كذبهم. يرسمون في “البيان الأبيض المزعوم” صورة الأحمديين أنهم ينشرون الفساد. وبما أنهم لم يقدروا على ذلك في باكستان لذا خرجوا إلى بلاد أخرى بعد عام 1953م لنشر الفساد فيها. يا له من جهل وغباوة! لا نملك هنا إلا أن نحوقل على هذا العقل والعلم. لا يعرفون التاريخ ولا الأوضاع السائدة في الدنيا ولا يعقلون. إن هذا الكتيب ملخص لبحوثهم الحديثة، ولكنه في الحقيقة لا يساوي شيئا.

إن جرائدهم نفسها التي لا علاقة لها بالأحمدية، من قريب أو من بعيد، تقول: إن الأديان الأخرى تخالف الأحمدية. (أقول: لأن الأحمدية وحدها تتصدى لكافة الأديان كممثل للإسلام). والأسوأ من ذلك أن المسلمين أنفسهم أصبحوا معاندين لها بحيث إن المنظمات الإسلامية كلها لا تفوتها فرصة إيذاء الأحمديين. إذن من هو المفسد والمؤذي؟ الأحمدية أم منظمات المسلمين هذه؟ ورغم هذا كله فإن هذه الجماعة القليلة العدد تبذل قصارى جهدها ليلَ نهارَ لئلا تتمتع وحدها بنعمة الإسلام بل تحاول أيضًا أن تؤهل الدنيا بأسرها للاستمتاع بها.

نُشر في مجلة “حنيف”، عدد تشرين الثاني 1925م، للغازي محمود دهرم بال مقال، جاء فيه:

“كنت أطالع مقالات المولوي ظفر علي خان التي كانت تُنشر في أعمدة جريدة “زميندار” بكل شدة تأييدًا لتكفير الأحمديين وارتدادهم. وكل كلمة من كل مقال كانت تقطع قلبي كحسام ذي حدين. لقد أعلنت أكثر من مرة أنني لست أحمديا وأختلف صدقا وأمانة معهم في بعض معتقداتهم، ولكن رغم هذا الخلاف إنني أعتبرهم مسلمين، وأقدِّر خدماتهم التي يؤدونها دفاعا عن الإسلام ضد هجمات غير المسلمين داخل الهند وخارجها”.

أقول: هل هذا هو الفساد الذي ينشره الأحمديون في أنحاء العالم؟

الأحمدية تحمل راية الحرية

وتقول المجلة اللندنية “The African World” معلقة على صحوة المسلمين في أفريقيا الغربية:

“الجماعة الأحمدية سابقة على غيرها في النضال من أجل حرية الحقوق في نيجيريا. (أقول: هذه هي الفتنة التي تنشرها الأحمدية في العالم حسب قول البيان الأبيض المزعوم) لن تمضي إلا بضعة أعوام حتى يتراءى في البلد المحامون والأطباء الأحمديون ممارسين مهَنهم لأن سرعتهم في نيجيريا في ازدياد مستمر… من المؤكد أن الأفارقة المسلمين سيتراءون جنبا إلى جنب مع المسيحيين في كل مجالات الحياة في هذا البلد، وهذا ما يراه المعلق العارف بسياسة المدن”.

حسن الأحمدية وإحسانها

في إحدى المرات سافر وفد من باكستان إلى نيجيريا على حساب الحكومة لنشر الكراهية والنفور ضد الأحمدية في أفريقيا الغربية كلها ولحثّ الأفارقة على الانضمام إلى معارضي الأحمدية بُغيةَ محوها من على وجه الأرض. يعود تاريخ هذه الحادث إلى فترة طويلة حين كان الأستاذ نسيم سيفي رئيس الدعاة هناك. فعلِمنا حادثا طريفا عن هذا الوفد أنه لم يتلق أي اهتمام من أية جهة أبدا، ولم يجد فرصة الكلام عن طريق الراديو أو التلفاز، كما لم يُنشر عنهم شيء في الجرائد أيضا، حتى اضطر أعضاء الوفد ا لمأمور بالقضاء على الأحمدية إلى الاتصال بداعيتنا المذكور، فقالوا له: لقد لقينا من الإهانة ما لا مزيد عليه. نتوسل إليك أن تخرجنا من هذا المأزق بشكل من الأشكال، وإلا بأي وجه نعود إلى بلادنا. فاتصل الداعية الأحمدي بنائب رئيس الوزراء وقال له: إنهم أخواننا الباكستانيون، أية كانت نواياهم نرجوك أن تعطيهم فرصة اللقاء معك تشجيعا لهم. فقال نائب رئيس الوزراء: لا بأس، سوف نقيم لهم وليمة ويجب أن تحضرها أنت أيضا وتلقي كلمتك. فأقيمت الوليمة على شرف الوفد، ولكنهم لم يرتدعوا عن إثارة الفتنة أثناء إلقاء كلمتهم هناك أيضا، واستخدموا كلمات من شأنها أن تثير الشكوك عن الأحمدية. غير أن المضيف كان شخصا فطينا فظل يبتسم أثناء خطابهم ثم قال عند إلقاء كلمته: ما هذا الذي تقولونه؟ مَن اهتم بنا عندما كانت الدنيا لا تعير بأفريقيا اهتماما وكانت تتصورها قارة مظلمة، حين كان اسمها مقرونا بالمصائب والآلام؟ إنها الأحمدية التي أنقذتنا من براثن المسيحية ولقّنَتْنا دروس الإنسانية. أما أنتم فجئتم اليوم تطلبون منا أن نعادي هذه الجماعة بسبب علاقتنا معكم. عليكم أن تطردوا هذه الفكرة من أذهانكم، واذهبوا بها إلى بلادكم. هذه الجماعة أحسنت إلينا، ولا يسعنا أن نسيء إلى مَن أحسن إلينا. ولكن هؤلاء المعارضين قد نسوا اليوم كل هذه ا لأحداث ويحسبون أن الأفارقة أيضا لا يعرفون شيئا مثلهم، وسوف يطعنون في الأحمدية بمجرد قراءتهم البيان الأبيض المزعوم، ويقولون إن الجماعة سيئة جدا لذا لا بد من هلاكها. الحقيقة أن الدنيا لديها حكمة وعقل، وتعرف جيدا ما يجري، وتعرف تاريخ بلادها وتاريخ هؤلاء المعارضين أيضا.

اِسمعوا أيضا إلى فخامة الرئيس شيخو شغاري رئيس نيجيريا الأسبق ليخبركم أي فساد رآه من قبل الأحمدية، وكيف تخلص من هذه الفتنة؟ يقول:

“مما يسبب اطمئناني أن الجماعة الإسلامية الأحمدية لا تزال تتقدم بعزم صميم وثبات عظيم في مجال الدعوة إلى الإسلام وإقامة المدارس والمستشفيات. فمساعي الأحمدية من هذه الناحية لجديرة بالإشادة الكبيرة وجديرة بأن تتأسى بها المؤسسات التطوعية الأخرى، ويحق للجماعة الأحمدية أن تعتز بها بجدارة”.

يقال في باكستان أنه قد تم التخلص من هذه القضية وانتهى الأمر، ولا سيما في البلاد الخارجية حيث كان الأحمديون قليلي العدد لذا تخلص العالم منهم بسهولة. لاحظوا هذه الجسارة والوقاحة المتناهية إذ نشروا كتيبا محتويا على الكذب والباطل تماما ثم ترجموه إلى لغات أخرى وأشاعوه في العالم. أَوَلم يفكروا يوما ماذا عسى أن يقول العالم عن كذبهم؟

وبقي أن نستعرض ما هو الفساد الذي تنشره الأحمدية! فهاكم ما قاله السيد مصطفى السنوسي وزير الدولة ورئيس مؤتمر المسلمين في سيراليون:

“الأحمدية صدق، وتخدمنا بصدق ليل نهار خدمة نزيهة ولهدف صادق. إنَّ إدارة 12 مدرسة ثانوية و50 مدرسة ابتدائية ليس بأمر هين، ولا يستطيع القيام به إلا الذين هم متحلون بالإخلاص والحماس وحسن النية”.

وفي إحدى المناسبات قال وزير الإعلام في سيراليون، سعادة السيد كاندي بوري، متحدثا عن خدمات الأحمدية في مجال التعليم:

“لقد حققت الجماعة في فترة وجيزة جدا إنجازات وأعمالا بارزة في مجال التعليم. فقد أنشأوا مدارس إعدادية كثيرة بالإضافة إلى مدارس ثانوية. كذلك يحضر الأطباء الأحمديون لخدمة الناس. كما يوجد الدعاء لإرواء غليل الناس الروحي في كافة أنحاء البلد”. (نقلا عن جريدة “الفضل” 18/2/1962)

وحدة عالمية

تعالوا نستمع عن ماهية الأحمدية وكيفية التخلص منها بلسان مندوبي باكستان الذين زاروا البلاد الأفريقية في مختلف الأوقات. لقد نشرت جريدة “باكستان تايمز” الصادرة في لاهور مقالا للسيد فريد ايس جعفري، المندوب الخاص في الشرق الأوسط. يذكر ا لمندوب المذكور أن حكومة باكستان أرسلت إلى أفريقيا وفدا باسم “وفد القضية الكشميرية”، وكان هو أي السيد جعفري ضمن الوفد، فكتب مقالا بالانجليزية ما تعريبه:

“يتمتع الدعاء الأحمديون بشعبية كبيرة لدرجة تحير العقول حتى إنهم مُحَبَّبُون لدى رئيس “نكروما” أيضا. لقد أُخبِرتُ أنهم يخدمون البشر بكل معنى الكلمة. إنهم يعلِّمون الشباب في غانا تعليما دينيا ودنيويا، ولا يخلقون أي نوع من الكراهية أو النفور بين الناس. (أقول: إنكم تقولون إن الأحمديين يذهبون لخلق الكراهية ولكن ممثليكم الذين كانوا أعضاء إرساليتكم يصرحون أنهم لا يخلقون أي نوع من الكراهية والنفور)، بل يعملون لخلق الوحدة الحقيقية بين الناس. لقد أُخبرتُ أن علاقة الدعاء الأحمديين بالناس أفضل من علاقة المبشرين المسيحيين بهم. يُرحَّب بهم وهم مُحَبَّبُون”. (الجريدة المذكورة عدد، 14/8/1964م، ص 12-14)

هناك أقوال عديدة من هذا القبيل لا أستطيع سردها خوف التطويل لأن هناك قسما هاما آخر من الموضوع أريد بيانه.

تحذير النبي صلى الله عليه وسلم للأمة

السؤال الذي يفرض نفسه الآن هو: إذا كانت الأحمدية لا تسبب الفساد، فما هو سب فساد المسلمين في مختلف البلاد؟ لقد صاروا عرضة للفُرقة والتشتت وأصبحت حالتهم لا يحسد عليه. نعم إنهم يتّحِدون ضد الأحمدية ولكن يجب أن نرى لماذا إذن يتشاجرون فيما بينهم؟ الأمر الذي تسبب في اجتماع كافة أنواع المساوئ والأقذار في الأمة المسلمة في رأي المودودي (والعياذ بالله).

للاطلاع على أسباب هذه المشاكل لا بد من الرجوع إلى النبي -فداه أبي وأمي ونفسي ومالي- لأنه إمام الأمة وهاديها ومرشدها إلى يوم القيامة. قد أخبره الله تعالى بظروف قد تواجهها أمته إلى يوم القيامة، فنبَّه الأمة من تلك ا لأخطار. لذا بدلاً من الوقوع في المشاحنات والمشاجرات فيما بيننا يجب أن نرجع ونتوسل إليه ليخبرنا مَن هو المسئول عن تفشي الظلم والفساد والفتنة في الأمة؟ ومَن جعل المجتمع الإسلامي مسموما بحيث أصبحت الأمة تعاني إلى هذه الدرجة؟ فقد جاء في الحديث:

عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : “لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي مَا أَتَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ حَذْوَ النَّعْلِ بِالنَّعْلِ حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ وَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَفَرَّقَتْ عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ مِلَّةً وَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً كُلُّهُمْ فِي النَّارِ إِلَّا مِلَّةً وَاحِدَةً قَالُوا وَمَنْ هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي” (الترمذي، كتاب الإيمان، باب افتراق هذه الأمة)

السبب الوحيد للفساد

لا شك أن هذا الفساد عام أشار إليه الحديث المذكور أعلاه ولا بد من تحقُّق كلام الرسول . ولكن هناك حديث آخر أيضا يلقي ضوءا أكثر على الموضوع نفسه: “عن علي قال قال رسول الله : يوشك أن يأتي على الناس زمان لا يبقى من الإسلام إلا اسمه، ولا يبقى من القرآن إلا رسمه. مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى. علماؤهم شرُّ مَن تحت أديم السماء، مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود”. (المشكاة كتاب العلم، الفصل الثالث، ورواه البيهقي في شعب الإيمان) أي أن السبب الوحيد وراء كل فساد هم العلماءُ، إذ يقول الرسول : “علماؤهم شرُّ مَن تحت أَديمِ السماء”.. أي أنهم يكونون من أمتي في بادي الرأي، ومنتمين إليّ، ولكن ليس لهم علاقة روحانية بي، لأنهم “علماؤهم”.

إذن فكلما رأيتم فتنًا مطلة برأسها ومنتشرة في الأمة لرأيتموها تخرج من العلماء وفيهم تعود. لِمَ لا يقرأ هؤلاء المشائخ تلك الأحاديث؟ “البيان الأبيض المزعوم” يقول شيئا، والرسول يقول شيئا آخر تماما، ولا قيمة لبيانهم أمام قول الرسول . إن قولهم لجدير بأن يعتبر حطب جهنم لكونه معارضا لقول الرسول . فلا قيمة ولا أهمية إطلاقا لبيان يعارض النبي .

حديث آخر

قال النبي في موضع آخر: “تكون في أمتي فَزْعةٌ، فيصير الناس إلى علمائهم، فإذا هم قِرَدةٌ وخنازيرُ”. (كنز العمال، حرف القاف، الباب الأول، الفصل الرابع، في ذكر أشراط الساعة الكبرى، رقم  الحديث 38727، مطبعة الثقافة بحلب)

مَن هو قائل هذا الكلام؟ لستُ أنا أو أحد من أسلاف الأمة أو أحد من الصحابة أو الخلفاء الراشدين، بل هذا كلام رسول الله الذي أوحي إليه لأنه ما كان ينطق بشيء إلا أن يخبره الله تعالى. فلكل إنسان حق أن يسأل المشائخ: لماذا تُخفون هذه الأحاديث ولا تبينونها أمام الأمة؟

إذنْ فقضية انتشار الفتن في الأمة قد حُلَّت إذ قال الرسول بوضوح أنها ستكون في الأمة فتن وخلافات وفُرقة، ومسؤوليتها تقع على العلماء دون غيرهم. فإذا كان الرسول قد جعلكم -أيها المشائخ المعارضون- مسؤولين عن فساد الأمة فلا بد أن نقول نحن أيضا: إنكم أنتم المسؤولون دون غيركم، لأن قول الرسول حق لا محالة ولا يمكن أن يذهب هباء.

المعرفة الناقصة فتنة

وقال النبي في حديث آخر: “عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنْ الْعِبَادِ وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالًا فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا”. (البخاري، كتاب العلم، باب كيف يقبض العلم)

قبل بضعة أيام فقط نُشر بيان للرئيس الباكستاني في جريدة جنغ 31/1/1985م، جاء فيه:

“هناك حوالي 50 ألف إمام في المساجد، و36 ألفا منهم شبه مثقف، أما 11 ألفا الآخرون فغير مثقفين نهائيا”.

فهل نسي الناس المثل القائل: “المعرفة الناقصة فتنة”؟ وهذا ما أكد عليه الصادق المصدوق قبل 14 قرنا.

الأسباب الأساسية لهلاك الأقوام

فالعلم لا يرتفع بأن ينتزعه الله انتزاعًا، بل يغيب بغياب العلماء، فيقوم الجهّال مقامهم، فيفتون بجل وينشرون في الدنيا الفساد.

تقول جريدة “زميندار” لاهور 14 آب /أغسطس 1915م معترفة بهذه الحقيقة كالآتي:

“عندما تأتي أيام هلاكِ قوم وجعلهم هباء منثورا في جو السماء، (أقول: فماذا يحدث عندئذ؟ لا تزرع قوةٌ استعمارية بَذرة الأحمدية بل تحدث حوادثُ أخرى وهي تُسلب القدرة على القيام بالحسنات من أعيانهم. (أقول: لا شك أن هذا الكلام يحتوي على معرفة عميقة).. ويسلَّم أمر هلاكهم إلى أعمال سيئة لأهل النفوذ منهم. ويكون هذا قدرًا من الله. إن سيئات مسلمي الهند قد ظهرت عواقبها منذ فترة طويلة في صورة المرشدين الكاذبين والمشائخ الجهلة والزهاد المرائين، الذين لا يخافون الله، ولا يعيرون للرسول اهتماما، كما لا يحترمون الشرع ولا القيم العُرفية. إن هذه الطبقة من ذوي النفوذ والسلطة الذين يُقيِّدون في حبائل تزويرهم ومكائدهم ألوفًا من الناس يرتكبون باسم الإسلام جرائم يندى لها جبين إبليس خجلاً.

تقولون عن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بأنه جرح مشاعركم بكلامه، ولكن لِمَ لا تسمعون ولا ترون إلى ما كتبه علماؤكم وأهل الرأي فيكم نظرا إلى الوضع المحيط بكم. إنني أقدم لكم بعض المقتطفات من كلام علمائكم أنتم دون أن أزيد كلمة واحدة من قِبل أي أحمدي؛ لأن الأحمديين لو قالوا شيئا ولو بالحب لغضبتم، ولو أظهر الأحمديون حبهم للنبي لاضرطمت نار غضبكم؛ هذا يعني أنكم تستاؤون من أقوالنا مهما كانت نابعة عن حب وتعاطف. ولكن كيف يمكن أن تستاؤوا من أقوال أكابركم؟ وكم ستصادرون من كتبهم؟ تقول جريدة “زميندار” في عددها المذكور آنفا:

“لقد تجاوزت منذ بضعة أيام مساوئُ هذه الفئة الشريرة (يعني المرشدين الكاذبين والمشائخ الجهلة والزهاد المرائين) التي تعكس الشرك والفسق لدرجة أنه لو قلَّبتْ غيرةُ الله تعالى العالَمَ الإسلامية كله رأسًا على عقب عقابًا لجرائمهم لما تعجب على ذلك أبدا أحدٌ من الذين أوتوا نصيبا من البصيرة”. (المرجع السابق)

المسؤولون عن دمار المسلمين

والآن تعالوا نقرأ معًا مقالاً للجريدة نفسها في عددها 14 يونيو/حزيران 1925م جاء فيه:

“نرى أن المسؤولين عن دمار المسلمين، هم أولئك المشائخ والعلماء “الجاهلين” الذين قد أكَّدوا دائما وفي كل زمان على صداقتهم للكفر”.

ثم كتبت الجريدة نفسها في عددها 15 أبريل/نيسان 1929م:

“أنا أيضا أُعَدّ من جماعة العلماء لذا أعرف حقيقتهم جيدا. أطلب من المسلمين بكل قوة ألا يغضّوا الطرف عن العلماء ولا للحظة، بل يجب أن يُخرجوهم من سياستهم ودينهم دفعة واحدة، لأنهم لا يعرفون السياسة ولا يعرفون حقيقة الدين. إنهم بارعون في الخداع والدجل فقط، وهم عبيد أهوائهم الشخصية. إنهم ليسوا هداة بل هم قطاع الطريق”.

كتبت جريدة أخرى “الأمان” في عددها 20/6/1930م:

“إن زوبعة الإلحاد وعدم التدين في المسلمين يُحدثها علماء الكونغرس الهندي وقُوَّاده عن طريق نشر المقالات في الجرائد”.

أئمة الفساد

قد يقول البعض إن المقتطفات المذكورة أعلاه قد أُخذت من جرائد ومجلات دنيوية عادية، وهل علق على هذا الوضع أحد من العلماء في مجلة دينية أيضا؟ لو كان الأمر كذلك لقبلناه. أقول: بلى! إن المجلة الدينية الأسبوعية “تنظيم أهل الحديث” الصادرة تحت إشراف فرقة “أهل الحديث” في لاهور قالت عن العلماء:

“إن تصرفاتهم تذكّرنا بقول الرسول : مساجدهم عامرة وهي خراب من الهدى، علماؤهم شر من تحت أديم السماء، مِن عندهم تخرج الفتنة وفيهم تعود. (البيهقي)”. (الجريدة  المذكورة أعلاه، 1/3/1968م ص 4)

تحديد أشرار الناس

هل تحقق النبأ النبوي الوارد في الحدث الشريف: “علماؤهم شر من تحت أديم السماء” أم لا؟ هذه نقطة مهمة يجب الانتباه إليها جيدا. عندما يقال لكم أيها المعارضون: اقرؤوا بعقل ما جاء في الحديث الشريف من نبأ، وانتبِهوا إلى أخطار حذركم منها رسول الله تتعامَون عن تلك الأخطار الحقيقية، وترون أخطارًا مزعومة لم يذكرها النبي ، أو تقولون: لم يأت هذا الزمن بعد، وتبدؤون بالسب وتقولون لنا: بل أنتم أشرار الناس، وحذار أن تقولوا شيئا من هذا القبيل في حق العلماء. ولكن جوابنا لكم هو: إن هذا ليس بقولنا نحن وإنما هو قول الرسول . الموضوع الأساسي الذي يدور البحث حوله هو: “شر من تحت أديم السماء”. ولهذا البحث جانبان، الأول: إذا كان “شر من تحت أديم السماء” لم يخلق بعدُ، فقد رُزِيتم بحالة لا تحمد عقباها! ذلك لأن العلماء الموجودين الآن ما داموا قد أفسدوا عليكم الأمر إلى هذا الحد، فما بالكم بالعملاء الذين سيظهرون في المستقبل -على حد قولكم- وهم “شر من تحت أديم السماء”؟ فاعلموا أن وضعكم هذا لا يبشر بالخير أبدا، وإنما ينذركم بعاقبة لا تُحسد. إنه إنذار بالدمار الشامل الذي كان من المفروض أن تقشعر له أبدانكم. إذا كان الوقت الراهن هو وقت العلماء الصالحين -كما تزعمون- ومع ذلك رُزيتِ الأمة بهذه الدرجة، فماذا عسى أن يكون مصيركم عندما سيظهر “شر من تحت أديم السماء”؟ ومع ذلك تحلُمون بانتصار الإسلام! وهل فكرتم يوما في الخصائل التي من شأنها أن تجعل الإسلام منتصرا من جديد؟ لو كنتم تملكون قليلا من العقل لابتعدتم عن هؤلاء العلماء ولعلمتم أن “شر من تحت أديم السماء” قد ظهروا حتمًا.

لا يمكن أن يقول أحد منكم عن المولوي ثناء الله الأمرتساري بأنه كان عميلا للأحمدية أو القوى الاستعمارية. فلنَرَ ماذا يقول هو في هذا الصدد؟ هل تقبلون قول المولوي ثناء الله أمرتساري أم لا؟ لقد كان من مشائخكم المعروفين على أية حال، إنه يقول:

“بدعات الشرك وغيرها التي يقوم بها المسلمون اليوم إنما سببها المشائخ فحسب… شرُّ الشرِّ شِرار العلماء”. (مجلة “أهل الحديث” 23 شباط/فبراير 1906م) لاحِظوا كيف يُخرج قدرُ الله تعالى  الحقَّ من أفواههم، قال الرسول : “علماؤهم شر من تحت أديم السماء”. وها قد صرح العلماء بأنفسهم وقالوا: بلى إننا نحن الأشرار.

يجدر الانتباه إلى أن الأحداث المذكورة في المقتبس السالف الذكر، كلها كانت جارية في زمن سيدنا الإمام المهدي ، ومع ذلك تقولون إن عالم الإسلام كله كان متحدا، وتعتبرون الأحمدية مسؤولة عن الفساد، الأمر الذي يخالف الواقع تمامًا.

المشائخ يخفون الحق

ولا ينتهي الأمر هنا، بل هناك أمور أخرى أيضا. إن جريدة “أهل الحديث” تحتل أهمية كبيرة وكانت تصدر في زمن سيدنا أحمد أيضا. تقول الجريدة:

“لقد شجب القرآن الكريمُ اليهودَ بأنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض. والأسف كل الأسف أن هذا العيب يوجد اليوم فينا أهلَ الحديث أيضا على وجه الخصوص. الأسلوب الذي نريد به إصلاحَ معارضٍ لنا يتسبب في نشر الضلال بدلا من الهدى”. (جريدة أهل الحديث 19/4/1907م)

مع العلم أنهم يشيعون كثيرا الحديث الذي يتحدث عن المتنبئين الكاذبين الدجالين الثلاثين بعد النبي وكذلك الحديث القائل: “لا نبي بعدي”، ولكنهم لا يذكرون على الإطلاق حديثا يبين أن المهدي الموعود سيكون نبيًّا حتمًا ولن يندرج في قائمة الدجالين. يخفون هذا الحديث عمدًا. كما لا يتذكرون الحديث القائل: “علماؤهم شر من تحت أديم السماء”، بل يتناسونه تماما. إن هؤلاء المشائخ يشيعون الأحاديث التي يظنون أنها تدعم موقفهم ويُخفون الأحاديث الأخرى كلها.

تقول هذه الجريدة في عددها 20/12/1921م:

“نحن أناس قد سُلبت قوانا. لقد فُقدت منا الشجاعة نهائيا، وضعفت الأعضاء، وانعدم البحث عن الحق من قلوبنا. بل لو قلنا إن الأعضاء كلها قد عطبت ولم يبق إلا فم ولسان فقط لأصبنا الحقيقة أكثر”.

أقول: لماذا بقي اللسان؟ ولأداء أية وظيفة بقي فيه رمق الحياة؟ اسمعوا هذا الذكر أيضا من المجلة الأسبوعية “تنظيم”، الناطقة باسم أهل الحديث في عددها 5 سبتمبر/أيلول 1969م. تذكر المجلة طرفة أخرى قبل هذا التذكير فتقول:

“أحدهم سأل المولوي التهانوي المرحوم: لماذا يسرق الناس الأحذية (من المساجد!) مع كونهم مشائخ، ويقومون بمشاحنات… ويفعلون كذا وكذا، لماذا يحدث كل هذا؟ فأجاب: “يا صاحبي! لا يتحول الشيخُ إلى السارق بل السارق يصبح شيخا”.

هذه هي الأحاديث التي تجري فيما بينهم. ثم تقول المجلة:

“الناشئة الذين قام المولوي غلام غوث الهزاروي (الزعيم المعروف لجمعية علماء الإسلام) بتربيتهم بلسانه البذيء يقدمون اليوم ولن يزالوا يقدمون نماذج الشتائم والسباب التي لم يسبق لها نظير. وسيأتي وقت حين يقوم هؤلاء الناشئة في وجهه بالأسلحة نفسها مما سوف يجعله يتحسر”. (“تنظيم” الأسبوعية، لاهور 5 سبتمبر/أيلول 1969، ص 3-4) لقد قال قولا صحيحا تماما، فكلما استغلت الحكومةُ أو بعضُ المجانين الآخرين هؤلاء الناشئةَ ضد الأحمدية وضد سيدنا الإمام المهدي سبّوه سبًّا فاحشا، ثم انقلبوا على أسيادهم وكالوا ضدهم من الشتائم ما يترك الإنسان في حيرة من أمره. لقد وقعت عليهم ضربات العقاب ولكنهم لم يتعظوا بها.

تحديد العلماء السوء

قد يقول بعضهم: الكلام الذي تقدّمه هو للعملاء الموجودين في الوقت الراهن الذين هم أنفسهم أشرار الناس، فلا اعتبار لقولهم، فاذْكروا لنا قول أحد من المتقين الأبرار الأسلاف؟

أقول: من ذا الذي يكون أتقى وأبرّ من رسول الله ؟ لم ولن يُخلق أتقى منه أبدا. كان رسول الله أكمل الناس وسيد الرسل، فأي حديث من أحاديثه ترفضون؟ أما إذا كنتم مصرين على أقوال السلف الصالح فهاكم قول ولي الله الشاه الدهلوي إذ يُشبِّه العلماءَ بعلماء اليهود يقول ما معناه: “إذا أردت أن ترى نموذج اليهود، فانظر إلى العلماء السوء العاكفين على الدنيا… كأنهم هم”. (الفوز الكبير مع فتح الخبير في أصول التفسير ص 10، الباب الأول المطبعة المحمدية)

كذلك يقول الإمام الغزالي رحمه ا لله الذي يحتل مكانة سامية بين مفكري الإسلام: “فأدلة الطريق هم العلماء الذين هم ورثة الأنبياء، وقد شغر منهم الزمان ولم يبق إلا المترسمون. وقد استحوذ على أكثرهم الشيطان، واستغواهم الطغيان، وأصبح كل واحد بعاجل حظه مشغوفا، فصار يرى المعروف منكرا والمنكر معروفا، حتى ظل علم الدين مندرسا، ومنار الهدى في أقطار الأرض منطمسا. ولقد خَيَّلُوا إلى الخلق أن لا علم إلا فتوى حكومة تستعين به القضاة على فصل الخصام عند تهاوش الطغام، أو جدل يتدرع به طالب المباهاة إلى الغلبة والإفحام، وأو سجع مزخرف يتوسل به الواعظ إلى استدراج العوام”. (الإملاء عن إشكالات الإحياء للإمام الغزالي وهو ملحق بكتابه إحياء علوم الدين ج5، ص 219-220 دار الحديث القاهرة)

كنت أظن أن هذا الانحطاط كان قد بدأ في الفترة الأخيرة ولكنني تحيرت بعد مطالعة هذا المقتبس إذ يبدو أنه كان قد بدأ منذ فترة بعيدة. وكان العلماء الربانيون يرفعون أصواتهم ضد هذا الفساد الغاشم منذ البداية. ويبدو كأنه قدر سماوي لا يمكن مقاومته.

المواعظ البذيئة

الإخوة الذين سمعوا مواعظ المشائخ في المساجد سوف يفهمون جيدا قصد الإمام الغزالي من وراء قوله السالف. إنهم يقرؤون الآيات القرآنية أو الأحاديث بألحان الأغاني السينمائية مرة وعن طريق الحكايات العشقية الشعبية مرة أخرى، ويوردون خلال حديثهم الأغاني السينمائية ويقولون إننا بذلك نشرح الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. ويأتون مثل هذا الهراء في شرح واقعة معراج النبي أيضا (والعياذ بالله). إنني أتساءل متحيرًا: ألا تقشعر جلودهم وقلوبهم عند استخدام أبيات بذيئة من شعر الأفلام لشرح مكانة النبي ؟ من ناحية يدَّعون بحماية ختم النبوة، ومن ناحية ثانية يطبِّقون الأبيات السينمائية النجسة على أطهر الخلق ، ومن ناحية أخرى يقولون بأن اللقاء بمناسبة كذا وكذا كان اللقاء الأول بين الله والنبي ، مع أن الله تعالى كان مع النبي في كل حين وآن، كما يتبين من قوله تعالى بلسان النبي في “غار الثور”: لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا .. أي أنه لم ينفصل من الله تعالى ولو للحظة. إنهم يدّعون بحب النبي رغم ارتكابهم الإهانات في حقه لهذه الدرجة المخيفة بحيث لا يجدون لبيان مكانة النبي السامية إلا كلمات الأغاني السينمائية!!

تعليق المودودي على ا لمشيخة

وفي الأخير اِسمعوا تعليق الشيخ المودودي على المشائخ، ومن خلاله يمكنكم أن تقدِّروا مكانتهم، حيث يدلي المودودي بالبيان التالي عن العلماء على وجه الخصوص بعد تعليقه على عامة المسلمين: “من المؤسف جدا أن العلماء أنفسهم -إلا ما شذ وندر-كانوا قد تجردوا من روح الإسلام الحقيقية. لم تكن فيهم قوة الاجتهاد، كما لم يبق فيهم التفقه ولا الحكمة ولا القدرة على العمل. ما كانوا يملكون القدرة على استنباط قوانين الإسلام ا لدائمة والمرنة من كتاب الله وهدي الرسول العلمي والعملي، ثم الاستفادة منها في الظروف المتغيرة للزمن. وكان داء تقليد الأسلاف الأعمى والجامد قد تمكن منهم، وبالتالي كانوا يبحثون عن كل شيء في كتب لم تكن من الله تعالى ولم تكن مترفعة عن قيود الزمن، وكانوا في كل أمر يرجعون إلى أناس لم يكونوا أنبياء الله حتى تكون بصيرتهم متحررة عن قيود الأوقات والحالات، فكيف كان بإمكانهم أن يقودوا المسلمين قيادة ناجحة في زمن كان قد تغير تماما، وكان التغير العظيم قد حدث في عالم العلم والعمل. ذلك التغير العظيم الذي كانت العين الإلهية فقط لتدركه وما كان لعين إنسان غير النبي أن تصل إليه بخرق حجب القرون”. (التنقيحات لأبي الأعلى المودودي، ص 27 تحت عنوان: الأقوام المريضة في العصر الحديث)

ما هي الحقيقة؟ انتبهوا إليها جيدا مرة أخرى! إنها لفقرةٌ هامة وجديرة بالانتباه وتحمل لكم رسالة هامة أيضا. يتساءل المودودي: لماذا خابت آمال العلماء القدامى، ولماذا انتشر الفساد في الأمة المسلمة؟ ثم يرد بنفسه على سؤاله قائلا: لأن العلماء الذي رجع الناس إليهم ما كانوا أنبياء الذين تتحرر بصيرتهم عن قيود الزمن والأوضاع. كانوا يتوقعون من العلماء أنهم سوف يكشفون حلاًّ لمصائب متجددة يأتي بها الدهر المتقلب، وسيكتشفون أساليب التصدي للمصائب الراهنة التي تهاجم الإسلام كلَّ يوم جديد. ولكن العلماء ما كانوا مؤهلين لذلك في الظروف المتغيرة. وإن نظرة الله فقط، أو نظرة النبي الذي يتلقى العرفان من الله تعالى هي التي تتدارك مثل هذا الموقف. ولو لم يحصل أحد الأمرين فكيف تزول حجب كانت موجودة منذ قرون؟

كأنه يقول: انتبهوا إليّ، وأَصغُوا لي، فإني قد جئت برسالة الهداية والحياة لكم. يا له من ادعاء! هل جاء برسالة من الله تعالى فاستطاعت نظرتُه أن تخرق الحجب التي لم يستطع العلماء الأسلاف والمجددون إزاحتها منذ قرون؟

ترون أنه من ناحية يُكذّب سيدَنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ويقول بأنه نشر الفساد، ومن ناحية ثانية يعلن قائلا: إنني جئت لهدايتكم، وكتبي تضم حلولا لمشاكلكم، فانضموا إلى جماعتي لكي يحيا دين الإسلام.

أتساءل! هل هذا إعلان النبوة أم إعلان الألوهية؟ وإلا فهو كاذب فيما يقول. كان عليك، أيها المودودي، إن كنت صادقا، أن تقِرّ بأن الله يبعث نبيًّا عارفًا بالله حين تنزل مشاكل جديدة، إذ لا يمكن أن تُدرِك نظرةُ غير النبي كُنْهَ هذه المشاكل ولا يَقدِر غيرُه على حل تلك المصائب. وإلا فعلى أي أساس تعتبر نفسك مصيبا فيما تدعي وتقول؟

الحقيقة أن أقوالك هذه كلها باطلة، وليس لك إلا سبيل واحد وهو أن تصدّق مَن وهبه الله تعالى علمًا ومعرفة، والذي بشر به الرسول . ولكنك رفضت الذي جاءك لعلاج كافة أمراضك، فماذا تتوقع الآن لنفسك؟

السبيل الوحيد للنجاة

فيا أيها المسلمون، لقد قدمت لكم الأمر الواقع، وليس لكم إلا ما أخبرتكم به. إن كنتم تريدون الحياة فأَنقِذوا أنفسكم من الذين اعتبرهم الرسول مصدرًا لجميع الفتن ومعادها. وتذكَّروا أنكم لن تجدوا طريق الحياة بعد رفضكم حكم محمد المصطفى . والمرض الذي شخَّصه النبي لا بد أن تعترفوا به، وإن لم تعترفوا به اليوم فستعترف به أجيالكم غدا. ولا علاج له إلا بما وصفه الرسول . أي لا بد لكم من الإيمان بسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود الإمام الرباني الذي بعثه الله لإحياء الإسلام. وإن لم تؤمنوا به فلن يُكتب لكم إلا الموت الأبدي.

Share via
تابعونا على الفايس بوك