القول المبين في دحض دعاوي المعارضين
التاريخ: 1985-03-29

القول المبين في دحض دعاوي المعارضين

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

حضرة مرزا طاهر أحمد (رحمه الله)

الخليفة الرابع للمسيح الموعود (عليه السلام)

خطبة جمعة ألقاها حضرة ميزرا طاهر أحمد -رحمه الله-

الخليفة الرابع للإمام المهدي والمسيح الموعود

في 29 آذار/مارس 1985 في مسجد “الفضل” بلندن

أصدر الدكتاتور الباكستاني الراحل الجنرال ضياء الحق في 26/4/1984م حكمًا عسكريًّا غاشمًا يحرم المسلمين الأحمديين في باكستان من حقهم في إعلانِ دينهم الإسلام الذي يدينون به من الأعماق، أو النطق بالشهادة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، أو إلقاءِ تحية الإسلام، أو الصلاةِ على النبي ، أو رفع الآذان للصلاة، أو قراءة القرآن الكريم، أو كتابة آياته أو حيازتها، أو تسمية أنفسهم بأسماء المسلمين أو تسمية مساجدهم مساجد، إشارةً أو صراحةً، شفويًّا أو كتابةً!! الأمر الذي كان ولا يزال يحرِّض المشائخ المتعصبين وأتباعهم الجهلة على قتل المسلمين الأحمديين المسالمين، وعلى تدمير بيوتهم وهدم مساجدهم، كما يبشرهم هذا القرار بتغاضي الحكومة عن جرائمهم.

وبعدها نشرت حكومته كتيبًا باسم «القاديانية.. خطر رهيب على الإسلام» لتبرير ما قام به هذا الدكتاتور ضد الأحمديين من إجراءات جائرة منافية لتعاليم الإسلام السمحاء وسنةِ نبي الرحمة ، وسمّت الحكومة هذا الكتيب «البيان الأبيض»، وكان الأجدر أن يطلق عليه «البيان الأسود» لما فيه من أعذار سخيفة لتبرير هذا القرار الفرعوني الغاشم، تسوّد وتشوّه وجه الإسلام الأغرّ. ولقد قام إمام الجماعة الإسلامية الأحمدية سيدنا ميرزا طاهر أحمد -رحمه الله- بالرد على هذا «البيان الأسود» محلِّلاً ومفنِّدًا بعون الله كلَّ أعذارهم السخيفة عذرًا عذرًا، في سلسلة طويلة من خطب الجمعة (ثماني عشرة خطبة)، في أوائل سنة 1985م. ننشرها مترجمة من اللغة الأردية لفائدة القرّاء المنصفين، وهذه هي الخطبة العاشرة منها.

لقد تشرَّف بترجمة هذه الخطبة الأستاذ عبد المجيد عامر وراجعها الأستاذ عبد الله أسعد عودة.

أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. أما بعد فأعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسْمِ الله الرَّحْمَن الرَّحيم * الْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمينَ * الرَّحْمَن الرَّحيم * مَالك يَوْم الدِّين * إيَّاكَ نَعْبُدُ وَإيَّاكَ نَسْتَعينُ * اهْدنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقيمَ * صِرَاط الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْر الْمَغْضُوب عَلَيْهمْ وَلا الضَّالِّينَ ، آمين.

وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ *  فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ *  فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ . (الزخرف: 52-55)

هناك أمران جديران بالانتباه في الآيات التي تلوتها، أولهما أنه حين حرَّض فرعون قومه على إنكار موسى قال لهم من بين حججه المزعومة بأن موسى مَهين فلا أهمية له ولا شأن. وكانت حجته الثانية: أنه “غير مبين”، أي لا يقدر على إفصاح ما في قلبه. وهذا أمر قد اعترف به موسى أيضًا إذا قال لله تعالى: وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ . (الشعراء: 14)

علامة الفسق

لقد قدم فرعون أدلة أخرى أيضا على موقفه المذكور. يبيّن الله تعالى حقيقة موقفه ويقول فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ أي أن معظم حججه كانت مبنية على استغلال القوة لذا فإن قومه أطاعوه خوفًا منه ورفضوا نبي الله. ولم يقل الله بعد ذلك بما أنهم فعلوا ذلك خوفًا منه لذا إنهم غير مسؤولين عن ذلك، بل قال إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ إذ أطاعوا شخصاً غاشمًا خوفًا منه ورفضوا نبي عصرهم. فأَهمّ ما دلت عليه هذه الآيات هو أن الظالمين لا يحكمون إلا الفاسقين، لأنه إن لم يكن في القوم فسقٌ فلا يقدر ظالم مستبد على إكراههم. لذا يجب على الإنسان أن يواظب على الاستغفار في مثل هذه المواقف، لأنه إذا أصبح الحاكم مستبدًّا فلا بد أن يحدث أحد الأمرين: إما أن يُسحقَ في رحى الظلم بعضُ المظلومين المـُستضعَفين لأنهم لا يتراجعون عن موقفهم ولا يسمحون لأي خلل أن يجد طريقه إلى إيمانهم -والقرآن الكريم لم يستخدم كلمة “الفاسقين” بالنسبة لمثل هؤلاء الناس- أو يكون هناك أناس يبدلون دينهم تحت ضغط الحاكم المستبد ويشيعون ما يعارض معتقداتهم، ويُقرُّون بلسانهم ويكتبون بأقلامهم أيضا ما ليس في قلوبهم، وقد وصف القرآن الكريم هذه الحالة بكلمة “الفسق”.

فالأحداث التي جرت في مصر قبل عهود سحيقة تعادُ لسوء الحظ اليوم في باكستان حيث تُقدَّم الأدلة الواهية نفسها التي ينحتها الأعداء ضد الأنبياء عادة. وتُلصق بنا اليوم التُهم نفسها التي كانت تلصق بالأنبياء من قِبل الأعداء.

اعتراضهم على أسلوب كلام المسيح الموعود [AAS]:

لقد أثارت الحكومة في “البيان الأبيض” المزعوم ضد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود نفس الاعتراض الذي أثاره فرعون ضد موسى من قبل فجاء فيه:

“كان الميرزا عاجزًا عن نطق الكلمات العربية بصورة صحيحة، وكان غير قادر على تمييز “ق” عن “ك” بسبب قرب مخارجها. كان الزوار يعترضون على عيبه هذا، ولكنه كان عاجزًا عن قول شيء في حقه.” (القاديانية، خطر رهيب على الإسلام، مطبعة برق سنتر برنترز ص 12 عام 1984)

يتساءل المرء هنا مستغربًا: كيف يُهدَّد الإسلام بخطر رهيب بسبب اللكنة عند سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود وعدم قدرته على النطق السليم لبعض الكلمات العربية؟ إن للحمق أيضا حدودا، ولكنهم تجاوزوا الحدود كلها. لو كان في ذلك خطر على الإسلام حقًّا لقبل الإنسان أن عنوان الكتيب في محله، حيث العنوان هو: “القاديانية، خطر رهيب على الإسلام!” ثم انظروا إلى البرهان على هذا الخطر: أن الميرزا كانت عنده لُكنة وكان غير قادر على النطق السليم ببعض الكلمات العربية!!

والأغرب من ذلك أن المعترضين أنفسهم يعتقدون أنه إذا كانت عند بعض الأنبياء أو الصلحاء لكنة فلا حرج في ذلك. يقول القرآن الكريم بلسان موسى : هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي أي أنني لست فصيح الكلام بل هارون أفصح مني لسانًا.

فإذا كانت اللكنة سببًا  كافيًا للطعن في مأمور من الله على حد قولكم، فلماذا اصطفى الله شخصًا أقل فصاحة ولديه لكنة؟ القرآن الكريم يجعل موسى يعترف أنه غير فصيح، ومع ذلك يؤمنون أنه كان نبيًّا صادقًا، وأنه لم يكن خطرًا على دين الله مع وجود اللكنة لديه. ولكن عندما يتكلمون عن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود يعيدون الاعتراض نفسه الذي كان فرعون قد أثاره ضد موس . وذلك لأن من قدر السماء أن يعيد الأعداء ضد سيدنا أحمد نفس الاعتراضات التي أثيرت ضد الأنبياء من قبل.

وقد وردت في كتب التفسير قصص عن هذه اللكنة وعدم الإفصاح. فقد جاء في تفسير روح المعاني تحت تفسير الآية

وَيَضِيقُ صَدْرِي وَلَا يَنْطَلِقُ لِسَانِي :
“ويضيق صدري انفعالاً منه، ولا ينطلق لساني من سجن اللكنة وقيد العي بانقباض الروح الحيواني الذي تتحرك به العضلات الحاصل عند ضيق الصدر واغتمام القلب. والمراد حدوث تلجلج اللسان له .”

ومن يرغب في تفاصيل أكثر فليرجع إلى تفسير فتح القدير وتفسير الجلالين، وتفسير الخازن وغيرها.

ولا يقتصر الأمر على هذا الحد بل هناك صلحاء من الأسلاف -الذين يحتلون مكانة سامية في الأمة- كانت لديهم اللكنة. فهل نسي المعترضون سيدنا بلال الذي كان سيدنا عمر يخاطبه بقوله: سيدنا بلال، والذي عندما كان يلفظ “أسهد ألا إله إلا الله” بدلاً من “أشهد ألا إله إلا الله” كانت عيون الصحابة تذرف دموعًا بصورة عفوية. لم يتوغر صدر أحد منهم غضبًا عليه ولم يعتبره خطرًا على الإسلام بسبب لُكنته، بل كانوا يبكون لوعة وحرقة لتذكرهم زمن رسول الله إذ كان سيدنا بلال يلفظ كلمات الآذان باللهجة نفسها ويقول: “أسهد ألا إله إلا الله”.

وكان سيدنا الحسين أيضًا يصاب باللُكنة أثناء الكلام. فقد جاء في تفسير روح المعاني: “روي أنه كان في لسان الحسين رتة وحبسة، فقال النبي أنه ورثها من عمه موسى “. (روح المعاني، تفسير سورة طه، الآية: واحلل عقدة من لساني)

كذلك جاء عن المهدي : “قد ذُكر أن في لسان المهدي المنتظر رتة وحبسة، وربما يتعذّر عليه الكلام حتى يضرب بيده اليمنى فَخذَ رِجله اليسرى”. (روح المعاني، تفسير سورة طه، الآية: يفقهوا قولي)

فإذا كان المهدي الموعود سوف يُبعث مصحوبًا بالخطر المزعوم (اللكنة) فلا بد أن تقبلوا هذا الخطر معه لأنه يمثل علامة صدقه.

أودُّ أن أشرح لكم لماذا اتهموا سيدنا الإمام المهدي بالسرقة؟ السبب هو أنهم متعودون على اتهام الأنبياء أيضًا بالسرقات فما بالُك بالذي لا يعتبرونه نبيًا بل يزعمونه من المفترين.

اعتراض واهٍ آخر

يقول الكتيب:

“لقد توظف الميرزا بعد إنهاء دراسته الابتدائية كموظف بسيط في مكتب نائب المفوض في مقاطعة “سيالكوت” حيث كان يتقاضى راتبًا شهريًا قدره 15 روبية (عملة هندية). ولقد قال بعض الكُتَّاب بأن أباه كان قد طرده من البيت عقوبة على سرقة بعض الأموال من البيت. فخرج من قاديان واضطر للتوظف بوظيفة بسيطة، وبقي فيها حوالي 4 سنوات حتى تركها عام 1885.”  (القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص 9 – 10)

لهذا الاعتراض عدة وجوه، الأول قولهم: توظف بوظيفة بسيطة يتقاضى 15 روبية شهريًا، وكأنه “مَهين”، فكيف اصطفاه الله نبيًا؟ وبذلك أعادوا اعتراضا أثاره فرعون ضد موسى . والثاني: قصدهم أن الأنبياء لا يتوظفون لدى أحد فكيف توظف هو؟

والثالث افتراؤهم على سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود أنه قام بسرقة فطُرد من البيت.

لقد فتشنا كثيرًا لنعثر على حادث أسس عليه المعاندون اعتراضهم فوجدنا رواية (رقم 49) في كتاب سيرة المهدي ج1 ص 43-44 تقول: إن سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ذهب مرةً إلى مدينة سيالكوت ليستلم من الدائرة الحكومية معاش التقاعد لجده، وتبعه ميرزا إمامُ الدين -وهو أحد أفراد أسرته- فاستولى على المبلغ خدعة وهرب. فلم يرجع حضرتُه إلى قاديان وفضَّل أن يتوظف لفترة يسيرة بدلاً من مواجهة أهل البيت في حالة هذه الخسارة.

إن دلَّ هذا الحادث على شيء فإنما يدل على براءة حضرته وتقواه وشدّة حيائه. أما ما يتعلق بالذي قام بالخديعة (أي ميرزا إمام الدين) فلم يكن غير أحمدي فحسب بل كان عدوًّا لدودًا لحضرته . هو الذي قام بالسرقة، لكن المعارضين يتهمون سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود !!

لا بد أن يكون المعارضون قد قرأوا هذه الرواية وتعمدوا استغلالها لاتهامه . سوف أورد بعد قليل شهادة من شخص صار من أعداء سيدنا أحمد فيما بعد، أقرَّ فيها أنه قضى حياته كلها بالتقوى المتناهية. ولكن قبل أن أورد هذه الشهادة أودُّ أن أشرح لكم لماذا اتهموا سيدنا الإمام المهدي بالسرقة؟

السبب هو أنهم متعودون على اتهام الأنبياء أيضًا بالسرقات فما بالُك بالذي لا يعتبرونه نبيًا بل يزعمونه من المفترين. نقرأ في القرآن الكريم أن إخوة يوسف قالوا في صدد حادث بنيامين: إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ مشيرين بذلك إلى يوسف . ومن الواضح أن القرآن الكريم بيّن هذا الحادث كتهمة باطلة منهم على يوسف ، ولم يؤيد المتهمين أبدًا، بل ذكره ليبيِّن أن الأنبياء أيضًا يتعرضون لتهم باطلة ويؤذَون.

ومن المؤسف أن بعض المفسرين المسلمين أيضًا قبلوا هذه التهمة وشرعوا في البحث عن نوع السرقة التي قام بها يوسف ، على حد قولهم. نذكر على سبيل المثال بعضًا من كتب التفسير بما فيها الجلالين، والخازن، وفتح القدير، وروح المعاني التي أوردت قصصًا افتراضية في هذا الصدد تحت تفسير الآية:

إِنْ يَسْرِقْ فَقَدْ سَرَقَ أَخٌ لَهُ مِنْ قَبْلُ .

لقد اختلف المفسرون في الشيء المسروق ولكنهم متفقون على أن يوسف كان سارقًا -والعياذ بالله- وكان نبي الله أيضًا في الوقت نفسه، ومع ذلك لم يتعرض دينه لأي خطر.

تعالوا معنا نستعرض اختلاف المفسرين في الشيء الذي سرقه يوسف على حد زعمهم. فقال بعضهم: سرق صنمًا من الذهب، وقال الآخرون: سرق دجاجة، وقيل: لم يسرق دجاجة بل سرق بيضة فقط، وقيل: سرق طعامًا ليوزعه على الفقراء. على أية حال إنهم يقبلون على الأنبياء أمورًا تقشعر لها الجلود ومع ذلك لا يرتابون في نبوتهم. فما الغرابة إذن لو ألصقوا تهمًا باطلة بسيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ؟

أما فيما يتعلق بسيرة مؤسس الأحمدية وفترةِ مكثه في “سيالكوت” التي ورد ذكرها في الاتهام، فاسمعوا شهادة السيد منشي سراج الدين، والد المولوي ظفر علي خان، أحد أعداء الأحمدية الألداء. كان الشاهد يعرفه منذ تلك الفترة فأدلى بشهادته التالية:

“نستطيع القول بناءً على شهادة عيان بأنه كان رجلاً صالحًا وتقيًّا جدا في عنفوان شبابه أيضًا. وبعد المشاغل الوظيفية (في سيالكوت) كان يقضي كلَّ وقته في دراسة الكتب الدينية، وقليلاً ما كان يخالط الناسَ.” (جريدة “زميندار” مايو/أيار 1908م نقلاً عن جريدة “بدر” 25/6/1908م، ص 13)

وقال الشيخ محمد حسين البطالوي:

“إن مؤلف البراهين الأحمدية -واللهُ حسيبُه- حسب تجربة المعارضين والموافقين عامل بالشريعة المحمدية، ورجل ورع وصادق.” (إشاعة السنة مجلد 9 ص 284)

أما فيما يتعلق بجواز توظف نبي فيعترف بذلك المعترضون أيضًا بمن فيهم الديوبنديون وأهل الحديث أيضًا. لا يسعهم إلا أن يعترفوا أن النبي يمكن له أن يتوظف حتى لدى غير نبي، لأن الله تعالى قد صرّح في كلامه المجيد عن توظُّف سيدنا يوسف .

وعلاوة على ذلك ليس من المعقول القول إن النبي لا يتوظف. لماذا لا يتوظف؟ لا يقدمون على ذلك برهانًا عقليا أو نقليا. إلا أن القرآن الكريم يذكر بكل صراحة أن نبيًا توظف لدى قوم غير قومه بل طلب منهم الوظيفة في قسم المالية. يقول المولوي ثناء الله الأمر تسري، وهو من أشهر علماء أهل الحديث، عن يوسف :

“هناك كثير من الرسل -بدءًا من يوسف إلى حضرة المسيح الناصري- الذين عملوا تحت حكَّامهم.” (مجلة أهل الحديث العدد 25/10/1946م ص3 )

وتقول الجريدة نفسها: “نجد في القرآن الكريم أن يوسف كان يدير أمور الدولة تحت حاكم كافر. وفِعْلُ نبي من الأنبياء يُعتبر أسوة حسنة لنا.” (العدد 16/11/1954م ص 4)

فلِمَ لم يشكل هؤلاء الأنبياء خطراً على أديانهم يا تُرى؟

إذن فالخبر الذي تلقاه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود من عالم الغيب والشهادة كان صحيحا تماما، وليس هناك أي تعارض بين تصريحاته . الواقع أن أجداد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كانوا قد هاجروا من سمرقند التي كانت عندها ولاية في سلطة إيران، وكان سكان سمرقند يسمَّون “أهل فارس”.

اعتراض على سلسلة النسب

هناك اعتراض آخر يقول: “يوصل الميرزا نسبه إلى المغول من آسيا الوسطى. وحسب أقواله الابتدائية كان ينتمي إلى فرع “برلاس” من سلالة “المغول” (كتاب البرية، الطبعة الثانية 1932م ص 134). ثم أعلن فيما بعد أنه علم عن طريق الوحي أن سلسلة نسبه تصل إلى الإيرانيين. من المحتمل أن يكون قد أعلن بذلك ليجعل نفسه مصداقًا للحديث الذي أشاد فيه الرسول بدور المسلمين الإيرانيين في نشر الإسلام، ولكنه لم يتمكن من تحديد سلسلة نسبه طوال العمر. أوّلاً أعلن انتسابه إلى المغول، ثم قال فيما بعد أنه ينتسب إلى قريش، أي سلالة النبي الأكرم ؛ ثم ادَّعى في نهاية المطاف أنه قد أُخبِرَ عن طريق الوحي أنه إيراني الأصل. واعترف أنه ليس لديه دليل غير أحد الكشوف المزعومة حيث أُخبِرَ أنه إيراني الأصل في الحقيقة.” (القاديانية، خطر رهيب على الإسلام ص 9-10)

هذه الأسطورة التي نسجوها من عند أنفسهم تحتوي على أمور كثيرة تحتاج إلى التحليل أتناولها واحداً بعد آخر.

الجزء الأول من اعتراضهم هو أنه من المحتمل أن يكون سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود قد أعلن كونَه إيراني الأصل لجعله مصداقًا لحديث أشاد النبي فيه بدور المسلمين الإيرانيين في نشر الإسلام.

لا شك أن المعترضين يملكون براعة خارقة في التحريف أيضًا، إذ لم يجرؤوا على بيان نص الحديث لأنه لا يذكر نهائيًا أن المسلمين الإيرانيين سوف يخدمون الإسلام بل يقول الحديث:

“عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ ، فَأُنْزِلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الجُمُعَةِ: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ قَالَ: قُلْتُ: مَنْ هُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَلَمْ يُرَاجِعْهُ حَتَّى سَأَلَ ثَلاَثًا، وَفِينَا سَلْمَانُ الفَارِسِيُّ، وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ يَدَهُ عَلَى سَلْمَانَ، ثُمَّ قَالَ: لَوْ كَانَ الإِيمَانُ عِنْدَ الثُّرَيَّا، لَنَالَهُ رِجَالٌ -أَوْ رَجُلٌ- مِنْ هَؤُلاَءِ.” (صحيح البخاري، كتاب التفسير، تفسير سورة الجمعة)

فبما أنهم لم يجرؤوا على بيان نص الحديث فقدموا كلام الرسول بلف ودوران قصدًا منهم، وكأنه أشاد بدور الإيرانيين لذا حاول سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود ، حسب زعمهم أن يجعل نفسه مصداقًا لهذه الإشادة.

أما فيما يتعلق بسلسلة نسبه فيقول حضرته:

“إن فرع قومنا هو “مغول برلاس”. ويتبين من مستندات آبائنا المحفوظة إلى الآن أنهم كانوا قد هاجروا إلى هذه البلاد من “سمرقند”. وكان عددهم الذي شمل الأهل والخدم حوالي 200 نسمة. ودخلوا هذه البلاد بصفتهم زعماء محترمين.” (كتاب البرية، الخزائن الروحانية ج 13 ص 162 – 163 الهامش)

ثم يقول حضرته: “إن هذه الأسرة اشتهرت بأسرة مغولية -كما ظُنَّ ظاهريا- ولكن الله تعالى العالم بالغيب أظهر عليَّ الحقيقة بالتكرار في وحيه المقدس أن هذه الأسرة فارسية الأصل. وقد دعاني بكلمة: (أبناء الفارس).” (حقيقة الوحي، الخزائن الروحانية ج 22 ص 80 الهامش)

هذا هو اللغز الذي وجدت فيه الحكومة برهانا قاطعًا، حسب زعمها، على أن الشخص الذي يشُكُّ في كون أسرته فارسية أو مغولية، لكون بعض النساء من أسرته من سلالة قريش يشكل خطرا رهيبا على الإسلام.

الواقع أن الأمور الثلاثة المذكورة لا تحتوي على أي تعارض بل كلها صحيحة في آن واحد غير أن قلة فهمهم تريهم الأمر متعارضًا.

عندما حققتُ أنا في الموضوع تبيّن لي أن جدَّ سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كان قد هاجر من سمرقند، ولكن سمرقند لا تقع في إيران اليوم. هنا ظهرت المشكلة للعيان أنه إذا كان فعلاً قد هاجر من سمرقند وكان يُدعى مغوليًا أيضًا فكيف أصبح من أهل فارس؟ ومن ناحية ثانية كان الله جل جلاله قد أخبر سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود بالوحي أنه فارسي الأصل، وبطبيعة الحال لم يكن لدى حضرته خبرٌ أكثر صدقًا منه في هذا الصدد. فأقرَّ حضرته معتمدًا على علم الجغرافية السائد آنذاك وقال: إننا كنا قد هاجرنا من سمرقند إلى هنا، وإننا من المغول. ويؤكد المؤرخون أيضًا على كوننا مغولاً. فلم يكذب حضرته فيما قال، وأوضح أيضًا قائلاً: إنني لا أرى سببا ولا أجد برهانا ظاهريا على كوني فارسي الأصل، غير أن الله العالم بالغيب أخبرني بأنك فارسي الأصل.”

فعندما بحثتُ في الموضوع أكثر تبين لي أن الجغرافية السياسية أيضًا تتغير أحيانا مع مرور الوقت، إذ ليست للبلاد حدود ثابتة ودائمة. فقد جاء في الموسوعة البريطانية ج 9:

“في زمن الإمبراطور فيروز شاه بور (زمنه حوالي 300 عام قبل بعثة النبي ) كانت سمرقند عاصمة ولاية “سوغ ديانة” (ولاية حدودية إيرانية). وكانت سمرقند تبعد داخل الحدود الإيرانية بأكثر من 120 كيلو مترا إذ كانت سلطنة إيران ممتدة إلى هذه الدرجة.”

وتضيف الموسوعة:

“… كانت سمرقند جزءا من ولاية إيران في زمن الإمبراطور خسرو برويز أيضًا (المعاصر لرسول الله )، ثم ما زالت هذه المدينة جزءا من إيران إلى مئات السنين.” (الموسوعة البريطانية ج 9)

إذن فالخبر الذي تلقاه سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود من عالم الغيب والشهادة كان صحيحا تماما، وليس هناك أي تعارض بين تصريحاته . الواقع أن أجداد سيدنا الإمام المهدي والمسيح الموعود كانوا قد هاجروا من سمرقند التي كانت عندها ولاية في سلطة إيران، وكان سكان سمرقند يسمَّون “أهل فارس”.

أما السؤال: هل كان حضرته من المغول أم لا، فيصبح أمرا ثانويا لأن المغول الذين سكنوا الهند دُعوا المغول الهنود، والذين قطنوا أفغانستان دُعوا المغول الأفغان وهكذا دواليك. فكذا يسقط السؤال تلقائيًا فيما إذا كان حضرته من المغول أم لا؟ ولكن لو أصر معارضونا على إثارة الاعتراض لا محالة فليسمعوا شهادة المحققين أيضا في هذا الصدد. فيقول السيد ستينلي بول في تأليفه عن الملوك المغول:

“The term Moghal……came to mean any fairman from central Asia or Afghanistan as distinguished from the darker native Indians, the various foreign invaders or governing Muslims class Turks, Afghans, Pathans and Moghals eventually became so mixed that were indifferently termed Moghals.”

(Medievel India Under Mohammadan Rule, published by T Fisher Unwin Limited London, Edition 15,1926. Page 197. Foot Note)

أي أن مصطلح المغول قد اخُترع لتمييز الهنود السود من سكان آسيا البيض الآخرين. لقد اختلط الغزاة المختلفون والحكام المغرابة في ذلكغانا وبتانا ومغولا بعضُهم ببعض لدرجة أُطلقتْ عليهم جميعا كلمةُ المغول دون تمييز.

إذن فلا غرابة في ذلك، ولا معنى للاعتراض فيما إذا كان حضرته من المغول أم غيرهم. ما يقوله حضرته هو بأن أسرته تُدعى مغولا ولكنه ليس متأكدا من حقيقة الأمر. من الممكن أن خطأ ما يكون قد وجد طريقه إلى التاريخ في هذا الصدد، لأن المؤرخين أيضا يعترفون بإمكانية حدوث مثل هذا الخطأ. أما فيما يتعلق بكونه من أهل فارس فلا جدال فيه ولا شك. (يُتبع)

Share via
تابعونا على الفايس بوك