القدرة الثانية

مقتبس من كلام حضرة مرزا غلام أحمد

الإمام المهدي والمسيح الموعود عليه السلام

“الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله محمدٍ وآله وأصحابه أجمعين.

أما بعد.. فبما أن الله قد أخبرني بوحيه المتواتر أنّ موعد وفاتي قد دنا، وقد تواتر هذا الوحي إلى درجة هزّت أصول كياني حتى فَتَرتْ فـيّ الحياةُ، لذلك رأيتُ من المناسب أن أسجل بعض النصائح لأحبتي وكذلك لجميع الراغبين في الاستفادة من كلامي.

فأولاً أطلعكم على ذلك الوحي المقدس الذي أخبرني بقرب أجلي مما دفعني لأُقدم على هذه الخطوة. وفيما يلي ذلك الوحي الذي نزل باللسان العربي.. “قَرُبَ أجلُك المقدّر، ولا نُبقي لك من المـُخْزِيات ذِكرًا. قَلَّ ميعادُ ربّك، ولا نُبقي لك من المخزيات شيئًا. وإمّا نُرِيَنَّكَ بعضَ الذي نَعِدُهم أو نتوفيَنَّك. تموت وأنا راضٍ منك. جاء وقتك، ونُبقي لك الآياتِ باهراتٍ. جاء وقتك ونُبقي لك الآياتِ بيّناتٍ. قَرُبَ ما توعدون. وأمّا بنعمة ربك فحدِّثْ. إنه مَن يَتَّقِ الله ويصبرْ فإن الله لا يُضيع أجر المحسنين….”

واعلموا أن لِوحي الله: “ولا نُبقي لك من المخزيات ذكرًا” معنيَين: أولهما أننا سنمحو ما يُشاع ضدك من اعتراضاتٍ بنيّة الإهانة والإساءة، فلن يبقى لها اسمٌ ولا أثرٌ.

وثانيهما أننا سنطمس من صحيفة الوجود أولئك المعترضين الذين لا يرتدعون عن شرورهم وإثارتهم المطاعن.

كما خاطبني الله باللغة الأردية عن وفاتي قائلاً: “قلّتْ أيامُ حياتك. يومئذ يستولي الحزن على الجميع. سوف يحدث كذا وكذا وكذا ثم تقع حادثتك. بعد وقوع جميع الحوادث وإراءة عجائب القدرة سيقع حادث وفاتك.”

…. لقد أنبأني الله بكلامه أن الحوادث آتيةٌ، والآفات نازلةٌ. فمنها ما يظهر في حياتي، ومنها ما يقع بعدي. وأنه تعالى كتب النصر لجماعتي، بعضه على يدي، وبعضه من بعدي. هذه هي سُنّة الله تبارك وتعالى التي لا يزال يُظهرها منذ أن خلق الانسان في الأرض أنه ينصر رسله وأنبياءه، ويكتب لهم الغلبة، كما قال الله تعالى:

كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي والمراد بالغلبة هو أن الأنبياء والرسل كما يريدون أن تتم حُجّة الله في الأرض بحيث لا يقدر أحد على مقاومتها، كذلك تماما يُظهر الله صدقهم بالآيات القاهرة، ويبذر على أيديهم بذرة الصدق الذي يريدون نشره، بيد أنه لا يكمِّل هذه المهمة على أيديهم، بل يتوفاهم في وقت يصحبه الخوفُ بالفشل باديَ الرأي، ليُفسح بذلك المجالَ للمعارضين ليَسخَروا ويستهزئوا ويطعنوا ويشنّعوا.

وحين يفرغون ما في جعبتهم من سخرية واستهزاء يُظهر الله تعالى يدَ القدرة الثانية، ويهيئ من الأسباب ما تكتمل به الأهداف التي بقيت ناقصة لحدٍّ ما.

فالحاصل أنه تعالى يُري قسمين من قدرته: فأولاً، يُري يدَ قدرته على أيدي الأنبياء أنفسهم، وثانيًا، يُري يدَ قدرته العظيمة بعد وفاة النبي حين تواجه المحن، ويتقوى الأعداء ويظنون أن الأمر الآن قد اختل، ويوقنون أن نهاية الجماعة قد دنت، حتى إن أبناءها أنفسهم يقعون في الحيرة والتردد، وتُقصم ظهورهم، بل ويرتدّ العديد من الأشقياء منهم، وعندها يُظهر الله تعالى قدرتَه القوية ثانيةً، ويُسند الجماعة المنهارة. فالذي يبقى صامدًا صابرًا حتى اللحظة الأخيرة يرى هذه المعجزة الإلهية، كما حصل في عهد سيدنا أبي بكر الصديق ، حيث ظنّوا أن وفاة الرسول قد سبقت أوانَها، وارتد كثير من جهال الأعراب، وأصبح الصحابة لشدة الحزن كالمجانين، عندها أقام الله تعالى سيدنا أبا بكر الصديق ، وأظهر نموذجًا لقدرته الثانية، وساند الإسلام المتهالك. وهكذا أتم وعده الذي قال فيه: وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا .. أي أنه تعالى سوف يثبّت أقدامهم بعد الخوف.

وهذا ما حدث في زمن موسى أيضا، فقد اختطفته يد المنون وهو على الطريق ما بين مصر وأرض كنعان، قبل أن يوصل بني إسرائيل إلى المنزل المقصود حسب الوعد…. وحدث نفسه مع المسيح عيسى حيث تشتت حواريوه لدى حادث الصليب، حتى إن أحدهم أصبح من المرتدين.

فيا أحبائي، مادامت سنة الله القديمة هي أنه تعالى يُري قدرتين، لكي يحطّم بذلك فرحتَين للأعداء كاذبتين.. فمن المستحيل أن يغيّر الله تعالى الآن سنّته الأزلية. لذلك فلا تحزنوا لما أخبرتكم به ولا تضيقوا ذرعًا، إذ لابد لكم من أن تروا القدرة الثانية أيضًا، وإن مجيئها خير لكم، لأنها دائمة ولن تنقطع إلى يوم القيامة. وإن تلك القدرة الثانية لا يمكن أن تأتيكم ما لم أغادر أنا، ولكن عندما أرحل سوف يرسل الله لكم القدرةَ الثانية، التي سوف تبقى معكم مدى الأيام.. من الضروري أن يأتيكم يومُ فراقي ليأتي بعده ذلك اليوم الذي هو يوم الوعد الدائم. إن إلـهنا إلـهٌ صادق الوعد، وفِيٌّ وصدوق، وسيُحقق لكم كل ما وعدكم به. وبالرغم أن هذه الأيام هي الأيام الأخيرة من الدنيا، وهناك كثير من البلايا والمصائب التي آن وقوعها، ولكن لا بد أن تظل الدنيا قائمة إلى أن تتحقق جميع تلك الأنباء التي أنبأ الله تعالى بها. لقد بُعثتُ من الله تعالى كمظهر لقدرته ، فأنا قدرة إلهية متجسدة. وسيأتي من بعدي آخرون، سيكونون مظاهر قدرة الله الثانية. لذلك كونوا منتظرين لقدرة الله الثانية داعين لمجيئها مجتمعين. ولتجتمع كل جماعة من الصالحين في كل قطر وليدعوا حتى تنـزل القدرة الثانية من السماء، وتُريَكم أن إلهكم إله قادر لهذه الدرجة. أيقِنوا أن الموت قريب، لا تعلمون متى ستحل تلك الساعة!

وينبغي لصلحاء الجماعة ذوي النفوس الطاهرة أن يأخذوا البيعة من الناس باسمي من بعدي. فالله يريد أن يجذب إلى التوحيد جميع الأرواح ذوي الفطرة الصالحة من مختلف أقطار المعمورة، سواء كانوا من أوروبا أو آسيا، وأن يجمع عباده على دين واحد. هذه هي غاية الله التي أُرسلت من أجلها إلى الدنيا. لذلك اجعلوا هذا المقصد نصب أعينكم، ولكن باللطف وحسن الخلق وكثرة الدعاء. فإلى أن يقوم أحدٌ مؤيَّدا بروح القدس من عند الله، ثابروا جميعًا على العمل بعدي متكاتفين.”

(الوصية، الخزائن الروحانية ج 20 ص 307،301)
Share via
تابعونا على الفايس بوك