أصحاب النبي

فالحق أن الصدّيق والفاروق، كانا من أكابر الصحابة وما أَلَتَا الحقوق، واتخذا التقوى شرعة، والعدل نُجْعة، وكانا ينقّبان عن الأخبار ويفتّشان من أصل الأسرار، وما أرادا أن يُلْفِيا من الدنيا بُغْية، وبذلا النفوس لله طاعةً. وإني لم ألقَ كالشيخَين في غزارة فيوضهم وتأييد دين نبي الثقلَين. كانا أَسْرعَ من القمر في اتّباع شمس الأمم والزمر، وكانا في حُبّه من الفانين. واستعذبا كل عذاب لتحصيل صواب، ورضوا بكل هوان للنبي الذي ليس له ثان، وظهرا كالأسود عند تَلقِّي القوافل والجنود من ذوي الكفر والصدود، حتى غلب الإسلام وانهزم الجمع، وانزوى الشرك وانقمع، وأشرقت شمس الملّة والدّين. وكانت خاتمة أمرهما جِوار خير المسلمين، مع خدمات مرضية في الدين، وإحسانات ومنن على أعناق المسلمين. وهذا فضل من الله الذي لا تخفى عليه الأتقياءُ، وإن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، من اعتلق بذيله مع كمال ميله، فإن الله لن يُضيعه ولو عاداه كل ما في العالمين، ولا يرى طالبه خسرًا ولا عسرًا ولا يذَر الله الصادقين.

وشابَـهَهُ الفاروق في كل خطّةٍ

سعى سَعْيَ إخلاص فظهرتْ عزّة

وصبّغ وجهَ الأرض مِن قتلِ كفرة

وصار ذُكاءً كوكبٌ في  وقتـهِ

وبارَى ملوكَ الكفر في كل معرَكٍ

أرى آية عظـمى بأيدٍ  قـويةٍ

إمـامُ أناسٍ في  بِجـادٍ  مرقَّعٍ

وأُعطـيَ أنوارا  فصارَ  محدَّثًا

مآثـره  مملـوّة   في  دفـاترٍ

فـواهًا  له  ولسعـيه ولجهدهِ

وفي وقته  أفـراسُ  خيلِ محمّدٍ

وكسَّر كسرى عسكرُ الدين شوكةً

وكان بشوكته سليمـانَ وقتهِ

رأيتُ جلالـة شأنه فذكـرتُهُ

وما إنْ أخاف الخَلقَ عند نصاحة

فلما  أجازت حُلَلُ قولي  لُدونةً

فأفتـوا جميعا أنّ  كفرك ثابتٌ

لقد زيّنَ الشيطانُ أوهامَهم لهم

وقد مسخَ القهّارُ  صورَ قلوبهم

وما  بقيتْ  في طينهم ريحُ عفّةٍ

…………………

وساسَ  البـرايا كالمليك المدبّرِ

وشأنٌ عظيم  للخلافة  فانظُـرِ

فيا عجـبًا مِـن عزمه المتشمِّرِ

فـواهًا  له  ولوقتـه المتطهِّـرِ

وأهـلكَ  كلَّ   مبارز  متكبّرِ

فـواهًا لهذا  العبـقريّ  المظفّرِ

مليـكُ  ديار في كساء   مغبَّرِ

وكلَّـمه   الـرحمن  كالمتخيّرِ

فضـائلـه  أجلى  كبدرٍ  أنورِ

وكان  لدين  محمد  خيرَ   مِغفَرِ

أثـرنَ  غبارا  في  بلاد  التنصّرِ

فلم يبق  منهم  غيرُ  صُور التصوّرِ

وجُعلتْ له  جِنُّ  العِدا كالمسخَّرِ

وما  أمدحُ  المخلوق إلا  لجوهرِ

وإن  المرارة  يلـزَمَنْ  قولَ  مُنذِرِ

وغـارت  دقائقُه  كبئرٍ   مقعَّرِ

وقتلك  عملٌ  صالح  للمـكفِّرِ

فتركوا الصلاحَ لأجل غيٍّ  مُدْخِرِ

وفقدوا  من الأهواء  قلبَ  التدبُّرِ

فـذَرْهم  يسبّوا كلَ  بَرٍّ  موقَّرِ

 حضرة علي كرم الله وجهه

في فضائل عليّ ، اللهم آل من والاه وعاد من عاداه.

كان تقياً نقياً من الذين هم أحب الناس إلى الرحمان ومن نخب الجيل وسادات الزمان. أسد الله الغالب وفتى الله الحنان. ندي الكف طيب الجنان. وكان شجاعاً وحيداً لا يزال مركزه في الميدان، ولو قابله فوج من أهل العدوان. أنفد العمر بعيش أنكر، وبلغ النهاية في زهادة نوع الإنسان، وكان أول الرجل في إعطاء النشب وإماطة الشجب، وتفقد اليتامى والمساكين والجيران. وكان يجلى أنواع بسالة في معارك، وكان مظهر العجائب في هيجاء السيف والسنان. ومع ذلك كان عذب البيان فصيح اللسان، وكان يدخل بيانه في جذر القلوب، ويجلو به صدأ الأذهان، ويجلى مطلعه بنور البرهان. وكان قادراً على أنواع الأسلوب. ومن فاضله فيها فاعتذر إليه اعتذار المغلوب. وكان كاملاً في كل خير وفي طرق البلاغة والفصاحة. ومن أنكر كماله فقد سلك مسلك الوقاحة. وكان يندب إلى مواساة المضطر، ويأمر بإطعام القانع والمعتر. وكان من عباد الله المقربين. ومع ذلك كان من السابقين في ارتضاع كأس الفرقان، وأعطي له فهم عجيب لإدراك دقائق القرآن. وإني رأيته وأنا يقظان لا في المنام، فأعطاني تفسير كتاب الله العلام، وقال: هذا تفسيري، والآن أُوليت، فهُنِّيت بما أُوتيت. فبسطت يدي وأخذت التفسير. وشكرت الله المعطي القدير. ووجدته ذا خلق قويم وخلق صميم ومتواضعاً منكسراً ومتهللاً منوراً، وأقول حلفاً أنه لاقاني حباً وألفاً، وألقى في روعي أنه يعرفني وعقيدتي، ويعلم ما أخالف الشيعة في مسلكي ومشربي، ولكن ما شمخ بأنفه عنفا، وما تأتى بجانبه القابل. وافاني وصافاني كالمحبين المخلصين، وأظهر المحبة كالمصافين الصادقين. وكان معه الحسين بل الحسنين وسيد الرسل خاتم النبيين. وكانت معهم فتاة جميلة صالحة جليلة مباركة مطهرة معظمة موقرة باهرة السفور وظاهرة النور. ووجدتها ممتلئة من الحزن، ولكن كانت كاتمة. وألقى في روعي أنها الزهراء فاطمة. فجاءتني وأنا مضطجع، فقعدت ووضعت رأسي على فخذها وتلطفت. ورأيت أنها لبعض أحزاني تحزن وتضجر وتتحنن وتقلق كأمهات عند مصائب البنين. فعلمت أني نزلت منها بمنزلة الابن في علق الدين. وخطر في قلبي أن حزنها إشارة إلى ما سأرى ظلماً من القوم وأهل الوطن والمعادين. ثم جاءني الحسنان وكانا يبدئان المحبة كالإخوان، ووافياني كالمواسين.

وكان هذا كشفاً من كشوف اليقظة، وقد مضت عليه برهة من سنين. ولي مناسبة لطيفة بِعليّ والحسين ولا يعلم سرها إلا رب المشرقين والمغربين. وإني أحب عليّاً وابناه، وأعادي من عاداه. ومع ذلك لست من الجائرين المتعسفين. وما كان لي أن أعرض عما كشف الله عليّ وما كنت من المعتدين. وإن لم تقبلوا فلي عمل ولكم عملكم، وسيحكم الله بيننا وبينكم، وهو أحكم الحاكمين.

(سر الخلافة ص 44-45 الخزائن الروحانية مجلد ص 358-359)

Share via
تابعونا على الفايس بوك