ونكتب ما قدموا وآثارهم..

ونكتب ما قدموا وآثارهم..

إبراهيم الراوي

أي كتاب يدون إنسان من البشر ويسطر أفعاله ويكتب ما فعل وما قال لا يمكن له أن يستوعب كل دورة حياته بصورة دقيقة، كالفلم السينمائي الذي يسجل الصورة والصوت، الفعل والقول، ولكن هذا الفلم يعجز أيضاً عن ضبط وتثبيت ما يجول في أعمال النفس البشرية وما هو خارج نطاق المادة والمرئيات والمحسوسات (وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله).

إن عملية تثبيت كل ما يدور في دورة حياة أي إنسان تتم بطريقة الكتابة بشكل يعلمه الله، ويخصص لكل إنسان على هذه الأرض ملائكة تسجل أفعال الخير وأفعال الشر كل حسب اختصاصه (عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد). وتنتهي حياة الإنسان بتأليف كتاب لتاريخ حياته يرتبط بروحه الصاعدة إلى السماء ويحفظ في سجل الغيب لحين موعد اللقاء، لقاء يوم المحاكمة والحساب عن سلوكية الإنسان على هذه الأرض. كتاب مسطور بحروف مدونة على صفحات يفهمها ويقرأها كل قارئ أو أمي، عالم أو جاهل، عربي أو أعجمي، توحيد لغات العالم بلغة يوم القيامة التي يفهمها البشر جميعاً.

ويفتح كل إنسان كتاب أعماله قبل موعد المحكمة بدافع حب الاستطلاع، فيندهش من دقة المراقبة وإخلاص المراقبين وأمانة التقارير المقدمة للمحكمة ويقول في نفسه (ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضراً ولا يظلم ربك أحداً).

وتفيد الدلائل العلمية الحديثة مؤخراً عن اكتشاف العلماء طبقات الأثير المغناطيسي في الجو، مبتدئة من ارتفاع يعلو رؤوس البشر قليلاً، تسجل كلام البشر، وتخزن هذا الكلام في طبقات الأثير آلافاً وملاييناً من السنين، كما تسجل أفلام التسجيل المغناطيسية أصوات الإنسان وتخزنها على أشرطة خاصة لعدة قرون.

ويتفاءل العلماء بقدوم ذلك اليوم الذي يستطيع فيه الإنسان أن يتوصل إلى تحليل كلام البشر على مختلف لغاتهم وعبر آلاف السنين الماضية والتي خزنتها طبقات الأثير المغناطيسية في سماء الحياة الدنيا من فوق رؤوسهم.

إذا نجح العلماء في محاولتهم فسوف يتيسر للإنسان المعاصر أن يضع جهازاً فوق مضيق جبل طارق لتحليل موجات الأثير هنالك والتقاط خطبة القائد طارق ابن زياد بصوته ورنة حنجرته من قبل (1400 عام).

طبقات الأثير منهمكة ليل نهار في التقاط كلام البشر وخزنه. وإذا ما أتى ذلك اليوم الذي سيحلل كلام الإنسان المخزون عبر القرون الطويلة يصرخ جهازه فوق سطوح دار جده القديم ليسمع ماذا كان يتكلم الإنسان جده وأبوه وهو طفل صغير طوال حياة عمر مديد، ولسوف يتوصل إلى الحقيقة الثابتة، أن معظم كلام البشر عبر آلاف السنين وطبقات الأثير منهمكة في التقاطه وخزنه ما هو إلا مجرد لهو وعبث وشحناء وخلاف وتناحر وافتخار كما نرى اليوم في كلام الصحف والمجلات والإذاعة في العالم. والقرآن العظيم أظهر لنا حقيقة كلام الإنسان منذ مئات القرون (لا خير في كثير من نجواهم إلا من أتى بصدقة أو معروف أو إصلاح بين الناس)، ثلاثة مجالات فقط يكون كلام الإنسان بناء وجدياً ونافعاً، وما عداها فما هو إلا مجرد لهو وتبذيل الوقت وصرف للطاقات من دون جدوى، أولها الكلام من أجل حل مشاكل العالم الاقتصادية والمعيشة ورفاهية الحياة وسعادة الدنيا والأمن والاطمئنان، وثانيها الكرم في مجالات الدعوة والعقيدة ونشر الإيمان وتربية الجيل الصالح وتثبيت أحكام الله على أرض الله، وثالثها الكلام من أجل إطفاء الفتن ونيران الحروب والعداوات والفساد في الأرض على المستوى الفردي والجماعي والدولي.

إذا ما سجل إنسان كلامه خلال أسبوع واحد واستمع إلى كلامه خلال هذه المدة القصيرة من عمره فسيرى ما أكثر الساعات التي قضاها في الكلام الفارغ، كلام كثير ولكنه لا يجدي نفعاً بل وبال على صاحبه (من كثر كلامه كثر ذنبه)، (ليقل خيراً أو ليصمت)، (وهل يجر الناس في النار على وجوههم إلا من حصائد ألسنتهم).

إن الاكتشافات المذهلة في الكون والتي يتوصل إليها إنسان هذا القرن وينجح في تسخيرها والاستفادة منها باختراع الآلات والأجهزة العجيبة التي يقف الإنسان أمامها حائراً ومندهشاً، صنعها الإنسان بعقله الجبار الذي هو من صنع الله، كل ذلك يثبت عظمة التصميم المذهل والإتقان العجيب الذي صنفته القوة الإلهية الخارقة، وتكشف هذه الأسرار كل يوم جديداً عن مذهلات الكون التي تجسم حقيقة هذه القوة الخارقة صانعة المعجزات في ملكوت الإنسانية من سماوات وأكوان (ويخلق ما لا تعلمون).

توصل العقل البشري اليوم إلى اختراع الأجهزة الإلكترونية العجيبة في صنعها الدقيق وتصميمها المدهش وعملها المنظم. إذا فتحت ما في داخل الحاسبة الالكترونية كالتي تجمع الأرقام وتضرب بها وتقسمها في زمن أقل من أجزاء الثانية فسوف لا ترى شيئاً سوى نقاطاً وخطوطاً وسطوحاً، وكذلك الساعة الالكترونية وكل الأجهزة في كل مجالات الحياة العملية المعاصرة، إلا أن هذه الأجهزة لم تفعل شيئاً إلا أت سخرت (الالكترون): الخلقة الإلهية العجيبة التي لا ترى بالعين المجردة، كما يسخر الرجل الحيوان المنوي في تلقيح بويضة أنثى لإنتاج المعجزة الإلهية الكبرى (إنسان جديد من العدم)، (أفرأيتم ما تمنون أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون). وكذلك الأقمار الاصطناعية التي تسخر ما خلق الله من عجائب في الكون من دوران وجاذبية وحواجب للصوت. والتلفزيون والراديو واللاسلكي والتلفون في تسخير الموجات الكهربائية والمغناطيسية والصوتية والضوئية التي تحير العقول في قدرها وقابليتها العجيبة في النقل للصوت والصورة بين القارات وبين الكواكب والأجرام السماوية (سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمه ظاهرة وباطنة) فهل أنتم له شاكرون؟؟!!

Share via
تابعونا على الفايس بوك