الحصن الحصين

بشرى لكم يا معشر الإخوان          

طوبى لكم يا مجمع الخلان

قال المسيح الموعود عليه السلام:

“يا أعزّتي، ويا أحبّائي، ويا أيتها الأغصان الخضراء من شجرة كياني، الذين دخلتم جماعتي برحمة الله عليكم، وتضحّون في هذا السبيل بحياتكم وراحتكم ومالكم، إني أعلم أنكم تعتبرون تنفيذ أوامري مدعاة لسعادتكم، ولن تقصّروا في ذلك ما استطعتم، ولكني لا أريد أن أفرض عليكم من نفسي شيئا، كي لا تكون خدماتكم نتيجةً لأوامري لكم، بل برغبتكم الحُرّة.

من هو صديقي، ومن هو حِبِّي؟ إنما هو ذلك الذي يعرفني حقًا. ولكن من يعرفني حقا؟ إنما هو ذلك الذي يؤمن بأنني مرسَل، ويقبلني كما يُقبَل المرسَلون.

الدنيا لن تقبلني لأني لست منها، ولكن الذين وُهبتْ فطرتُهم نصيبًا من ذلك العالَم هم يقبلونني، وسوف يقبلونني. والذي يهجرني إنما يهجر مَن بعثني، والذي يوطد الصِلة بي إنما يوطدها بالذي جئتُ من عنده. إن في يدي سراجًا، فمَن أتاني نال من هذا النور نصيبًا حتما، ولكن الذي يفرّ عني من جراء الشك وسوء الظن فسوف يُلقَى في الظلمات. أنا الحصن الحصين لهذا العصر، مَن تحصَّن بي فقد وقى نفسه من اللصوص وقُطَّاع الطريق والوحوش الضارية. وأما الذي يفضّل البقاء بعيدًا عن أسواري، فسيواجه الموت من كلّ طرف وصوب فلن تسلَم حتى جثّته. مَن الذي يَدخل حصني؟ هو من يَهجُر الرّذيلة ويَختار الفضيلة، ويَتخلّى عن الاعوجاج، ويَسلك مسلك الصدق والسداد، ويُحرّر نفسَه مِن عبودية الشيطان، ويَصير عبدًا مطيعًا لله تعالى. كلّ من يَفعل ذلك فهو مني وأنا منه. ولكن لن يقدر على ذلك إلا الذي يضعه الله تعالى تحت ظل الإنسان المزكِّي، فيضع قدمَه في جحيمِ نفسِ هذا العبد، فتبرُد كأنها لم تكنْ فيها نارٌ قط. ثم يُحرِز هذا العبد تقدمًا إثر تقدم حتى تَسكن روحُ الله تعالى فيه ويستوي رب العالمين على قلبه بتجلٍّ خاص، فتحترق بَشَريّتُه القديمة ويُوهَبُ إنسانيةً جديدة طاهرة، كما يَصير اللهُ تعالى له إلـهًا جديدًا ويؤسِّس معه صِلةً جديدة وخاصة، فينال في هذا العالم نفسه جميعَ الأسباب الطيبة لحياة الجنة.

(فتح إسلام، الخزائن الروحانية ج3 ص34)

Share via
تابعونا على الفايس بوك