غزة توقظ الضمير الإنساني

غزة توقظ الضمير الإنساني

التحرير

  • مظاهر التغير في الموقف العالمي من القضية الفلسطينية؟

___

تدعو أحداث الساعة أولي الأمر، من أرباب نفوذ السياسة والاقتصاد والحرب، من كل حدب وصوب إلى التعليق عليها بغرض التوضيح وتهدئة الرأي العام سعيا إلى تحقيق أكبر قدر من المكاسب على الأرض، وتحقيق مآربهم السياسية ضاربين عرض الحائط بحقوق الأبرياء المستضعفين في الأرض.

ونود أن نوضح أننا لسنا في معرض توجيه الاتهامات أو كشف أسرار المتورطين بل لإشعار الناس بصدى ناقوس الخطر حيث إن الأحداث الراهنة في الشرق الأوسط، وما شهده قطاع غزة من مدة جاوزت الشهرين، ينذر بخطر وشيك، لا يتوقف عند مجرد اندلاع حرب تهدد المنطقة وحسب، بل يمتد هذا الخطر ليهدد أمن الكوكب كله، وكيف لا ونحن نرى قلب العالم يتصدع؟! هذا القلب الذي لو صلح صلح معه العالم كله، ولو فسد فسد العالم كله! أولسنا نعد منطقة الشرق الأوسط قلب العالم، على الأقل وفق الحسابات الجغرافية؟!

أولا ترون أن دول العالم باتت كلها عاجزة عن الوقوف على خط الحياد، ذلك أن المصالح المادية لكل منها تتأثر بصورة ما تبعا لعلاقتها بأي من أطراف ذلك النزاع البالغ من العمر قرنا إلا ربع، وحين نتحدث بلغة المصالح الدنيوية نضطر إلى تنحية مكارم الأخلاق جانبا. مع أننا لو حكمنا نحن وخصومنا مكارم الأخلاق فيما بيننا لخمدت نار الصراع وكانت بردا وسلاما على أولاد إبراهيم!! ولكن، يا أسفاه! إنه الشيطان لا تقر له عين إلا بعد أن يزرع سُمَّه في  الصدور ويوقع بين الناس العداوة والبغضاء!

الآن نطق الحجر!

لقد بلغت الأحداث من السخونة مبلغا حمل الحجر على أن ينطق ونعني بالحجر هاهنا أولئك الساسة ورجال الأعمال المرموقين وكبار الشخصيات العامة في بلاد الغرب، والذين لم تكن أوضاع مشابهة للوضع الراهن فيما مضى تستفزهم كثيرا! لقد كانت قلوبهم كما وصفها القرآن

فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً (1)..

فيبدو أنه آن الأوان لتلك القلوب أن يتفجر منها الماء! وبهذا الصدد يشير حضرة أمير المؤمنين (أيده الله) إلى أن «بعض الذين يكتبون في الصحف في العالم الغربي، بل في الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ويقولون: إن الانتقام له حدوده، ويجب على أمريكا وعلى بلاد الغرب أن تلعب دورها في الحرب الجارية بين حماس وإسرائيل ويجب أن تسعى للصلح ووقف القتال» (2). فمن اللافت للنظر في الآونة الأخيرة أن العديد من الشخصيات الفكرية والسياسية أخذوا يتجرؤون على جريمة معاداة السامية المزعومة، ويشيرون بأصابع الاتهام إلى القادة الذين يساندون إيقاد هذه الحرب. وسمعنا أن مسؤولا كبيرا في وزارة الخارجية الأميركية قد استقال بعدما طفح به الكيل مما يرى من الظلم الـمُنصب على الفلسطينيين على مرأى ومسمع زعماء الغرب المتدثر بعباءة حقوق الإنسان الفضفاضة.

على أية حال، يبدو أن القوم فيهم رجل رشيد، كذلك نجد في بعض وسائل الإعلام في بعض الأحيان أن بعض الربيين اليهود أيضا يتكلمون لصالح الفلسطينيين رافعين أصواتهم ضد هذا الظلم.

كما قال وزير الخارجية الروسي في تصريح له: لو استمرت هذه البلاد في سلوكها هذا فإن هذه الحرب سوف تنتشر في المنطقة كلها.

حتى إن لم يكن بد من الانتقام، فبضوابط وآداب

يقول ممثلو الحكومة الإسرائيلية إن حماسا قتلت أبرياءنا، وسوف ننتقم، ولكن هذا الانتقام قد تجاوز كل الحدود الآن. لقد تجاوزت الخسائر في أرواح الفلسطينيين أكثر من عشرة أضعاف مما حصلت في أرواح الإسرائيليين وفق ما تم التصريح عنه. فانتقام العسكريين الإسرائيليين بهذه الصورة فقَدَ معناه وأصبح عدوانا محققا لسببين اثنين على الأقل، وهما:

الأول: أن الجاني المتمثل في تنظيم حماس بحسب قولهم، لم يتأثر بالقصف الإسرائيلي ولو بخدش، بل على العكس تماما، لقد كسب نقاطا إضافية سياسية وشعبية.

الثاني: إذا كان هدف القادة الإسرائيليين هو القضاء على حماس، كما يقولون، فلماذا يستهدفون النساء والأطفال وكبار السن؟ ولماذا يحولون دون حصول هؤلاء على الماء والغذاء والعلاج. لقد أصبح من المعلوم على نطاق واسع، حتى في الأوساط الشعبية الإسرائيلية نفسها، أن صناع القرار الإسرائيليين لو كانت لديهم نية حقيقية للتخلص من إزعاج حماس لتسنى لهم هذا الأمر بكل سهولة ويسر، ولكن تبقى الأمور على ماهي عليه من حال عدم الاستقرار، إبقاء على مصالح ما! فتبت يدا كل نافخ في أتون الحرب والضغينة.

إن جميع ادعاءات الدول الغربية المتعلقة بحقوق الإنسان ومبادئ الحروب تتبخر وتتلاشى بهذا الشأن. وهناك البعض يلفتون الانتباه إلى ذلك، فقد أعرب عنه «أوباما» الرئيس السابق للولايات المتحدة الأمريكية، وقال إذا كنتم تريدون الحرب فيجب أن تجعلوا مبادئ الحرب نصب أعينكم. ينبغي ألا تصبّوا الظلم على المدنيين. كما تحدث حول ذلك الأمين العام للأمم المتحدة، فأثارت الحكومة الإسرائيلية ضجة على ذلك، وكانت النتيجة أن دعاة السلام هؤلاء والذين يزعمون أنهم بناة السلام وأبطاله في العالم لم يتحدثوا تأييدًا لبيان الأمين العام، بل أعربوا عن عدم إعجابهم به.

ترون أن دول العالم باتت كلها عاجزة عن الوقوف على خط الحياد، ذلك أن المصالح المادية لكل منها تتأثر بصورة ما تبعا لعلاقتها بأي من أطراف ذلك النزاع البالغ من العمر قرنا إلا ربع، وحين نتحدث بلغة المصالح الدنيوية نضطر إلى تنحية مكارم الأخلاق جانبا. مع أننا لو حكمنا نحن وخصومنا مكارم الأخلاق فيما بيننا لخمدت نار الصراع وكانت بردا وسلاما على أولاد إبراهيم!! ولكن، يا أسفاه! إنه الشيطان لا تقر له عين إلا بعد أن يزرع سُمَّه في  الصدور ويوقع بين الناس العداوة والبغضاء!

الدم كله سواء

من دواعي تهييج الحسرات أن الإعلام الغربي يُبرز أخبار أحد الفريقين بكثرة وباهتمام أما خبر الفريق الآخر فيُنشر في زاوية صغيرة لا تكاد تراها عين القارئ. مؤخرا أطلقت منظمة حماس سراح امرأة إسرائيلية من الأسر والتي أدلت ببيان قالت فيه إنها تلقَّت معاملة حسنة، وللعجب العجاب أن هذا الخبر نُقل في زاوية مهجورة، أما مَن قال إن سجن حماس كان جهنم، فنشروه كعنوان بارز. كان العدل أن يعرضوا الأوضاع برمَّتها على سكان العالم ثم يتركوهم يحكمون ويُقررون بأنفسهم من هو الظالم ومن المظلوم، وأنه لأي حد تجوز هذه الحرب ومتى سوف تنتهي. فالأوضاع يجب أن تُعرَض كلُّها على العالم لا أن يُنشَر رأيٌ واحد بانحياز.

ونود أن نشير بهذا الصدد إلى معايير العدالة الانتقائية التي يتبعها القادة الغربيين، خصوصا أن الرائحة الكريهة لهذا النفاق البواح قد فاحت في جميع أرجاء المعمورة. والجدير بالذكر في هذا المقام حادثة رفض زبائن مطعم في في مدينة فنكوفر الكندية لوزيرهم الأول أن يجلس في نفس المطعم ويتناول وجبته حيث اضطروه إلى مغادرة  المطعم وألا يجالسهم  فغادر فورًا!! وكانت ردة الفعل هذه كنتيجة مباشرة لمساندته الممارسات الظالمة ضد المستضعفين الفلسطينيين.. والحق أن هذا المشهد قد لخص فعلا نبض الشارع على الساحة العالمية. ولدينا أمثلة كثيرة من هنا وهناك في الدول الغربية وغيرها تبرز تعاطف عامة الناس مع العُزل المظلومين..

ولقد تخطى هذا التعاطف المشاعر الإنسانية واستمال اهتمام شريحة كبيرة ممن تابعوا الأحداث إلى دراسة مبادىء الدين الحنيف الذي استهوى قلوب الكثيرين الذين دُهشوا خلال مشاهدة الآباء وهم يدفنون أبناءهم بكل ثقة أن خالقهم سيتقبلهم قبولا حسنا. لم يصدقوا ما رأوا وتحرك في قلوبهم الدافع الديني للبحث عن الله.

ومن المؤسف أننا قلما نجد زعيما غربيا يحب أن يتعامل بالعدل في هذا الأمر، وحتى إن كان يحبه فلا يملك الشجاعة للتصريح به والإعلان عن رأيه وقناعته. وبالرغم من كل هذا ينبغي على الأحمديين ألا يخوضوا في الجدل العقيم حول أي من الزعماء جيد وأيهم سيئ، فكل هذا هراء (3). ما لم يسعَ أحد بشجاعة لوقف إطلاق النار، فإنه يتحمل مسؤولية دفع العالم نحو الدمار. لذا بالإضافة إلى الدعاء اسعوا جاهدين لأن تنشروا فيمن حولكم أنه ينبغي إيقاف الظلم. إذا كان لأي أحمدي علاقة بشخصية بارزة فليشرح له ذلك. هذه هي الشجاعة، وهذا هو مقتضى العمل بأمر الله تعالى.

 

الدعاء كإجراء روحاني واجب في كل حين

ينظر سيدنا أمير المؤمنين (أيده الله) إلى الوضع الراهن في غزة منذ بداية تفجر الأحداث في أكتوبر 2023، فيرى حاله باعثة على الدعاء، لا سيما بالنظر إلى حال المنكوبين من أهل غزة من المدنيين العزل، والذين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى الهرب من قصف يطال منازلهم ليقعوا ضحية قصف يطال ملاجئهم حتى، فبمن يلوذون؟! سبحان من لا ملاذ إلا إليه! فيوصي حضرته جماعته قائلا: «أود أن أحثكم على الدعاء ثانيةً بالنظر إلى أوضاع العالم» (4). هذا ومما هو معلوم من عقيدتنا أنه لا يتم لنا أمر بغير الدعاء، لا سيما وأنه مخ عبادتنا ونخاعها.

واجب المسلمين عامة والأحمديين خاصة

كما هو ديدن الخلفاء المسلمين الأحمديين من قبل، كذلك دعا الخليفة الخامس للمسيح الموعود سائر الدول الإسلامية للاتحاد وجمع الكلمة، قائلا إن في العالم بضعة وخمسين بلدا إسلاميا، لو أنها وحدت كلمتها لكانت قوة كبيرة يُحسب لها ألف حساب في المحافل الدولية. هذا هو السبيل لإرساء الأمن والسلام وإنهاء الحرب. لذا على البلاد الإسلامية أن تلعب دورها الفعال في إنقاذ العالم من الدمار (5).

كذلك يوصي حضرته رعاياه المسلمين الأحمديين أن يجتهدوا في الدعاء، فهذه لحظة اضطرار قلما يرجع الداعي منها صفر اليدين، فلا معنى للاستهانة بخطورة الدعاء في هذا الوقت بالذات، ووجه حضرته المسلمين الأحمديين إلى ضرورة تخصيص سجدة واحدة على الأقل من كل صلاة، أو سجدة واحدة في أي صلاة للدعاء من أجل هذا الأمر (6).

ومن المؤسف أننا قلما نجد زعيما غربيا يحب أن يتعامل بالعدل في هذا الأمر، وحتى إن كان يحبه فلا يملك الشجاعة للتصريح به والإعلان عن رأيه وقناعته. وبالرغم من كل هذا ينبغي على الأحمديين ألا يخوضوا في الجدل العقيم حول أي من الزعماء جيد وأيهم سيئ، فكل هذا هراء

ماذا خلف أبواب العام الجديد؟!

أخيرا.. ها نحن نطوي صفحة عام كتبت آخر كلماته بمداد دموي، سائلين المولى جل في علاه ألا يطول أمد المأساة، ويدرك العالم أن الدم كلَّه سواء، ونتطلع بعين الأمل إلى مستقبل أكثر سلما بعدما أضحت الإنسانية منهكة مما مرت به من مشاحنات وصراعات عبر تاريخها الطويل. فهل يا ترى بحلول عام 2024 يرى العالم انبلاج فجر جديد لحقوق الإنسان الحقيقية والموحدة؟!

نسأل الله تعالى أن يعيننا على اجتياز الأزمة، ويوفق قادة العالم لاستيعاب الدرس الأخلاقي أولا، فيقيموا الوزن بالقسط ولا يُخسروا الميزان، آمين.

الهوامش:

1. (البقرة: 75)

2- 4 و 5 (خطبة الجمعة – 20 أكتوبر 2023)

و6 (خطبة الجمعة –  27 أكتوبر 2023)

Share via
تابعونا على الفايس بوك