أزمة الأمة أزمة يقين

أزمة الأمة أزمة يقين

التحرير

  • كيف السبيل إلى رفع درجة يقيننا بالله تعالى؟

___

ها قد طوينا آخر صفحات عام 2023، والتي لُطِّخت بمداد من دماء الأبرياء، لنفتح سِجلا جديدا لعام 2024 سائلين المولى ألا نتجرع مرارة نفس الكأس، لا سيما وقد بدا أن العالم صار أكثر إدراكا للدرس القاسي، عدا فئة قليلة العدد واسعة النفوذ، فنبسط إليه جل جلاله يد الحاجة والمسألة أن يرينا عجائب صنعه في إقرار السلام العادل والدائم والشامل.

لقد أدرك العالم الآن على ما يبدو أن الدم كلَّه سواء، وبدت كلمات المحافل الدولية أكثر صدى وإنصافا، بغض النظر عن صوت «الفيتو» الذي يدعونه حقا وقد أريد به الباطل بعينه. فهل يا ترى بحلول عام 2024 يرى العالم انبلاج فجر جديد لحقوق الإنسان الحقيقية والموحدة؟!

إن من قبيل المفارقات الغريبة أن ما شهدناه في مفتتح العام الماضي يناقض تماما تلك الأحداث الدامية التي وقعت والعام نفسه يجر أذياله مؤذنا بالرحيل!

وفي ظل هذه الأجواء العالمية غير المستقرة، نفتح بقلوب يملؤها الخوف والرجاء صفحة العام الجديد.. الخوف من أن تتسبب أفعال القوى العظمى في دمار العالم، والرجاء أن تُكتب لنا النجاة من مخططات شريرة بتنا نتحسسها ونراها عيانًا بيانًا..

من قبيل المفارقات المُحزِنة أيضًا أن المسلمين من شتى الفرق منذ عقود لا يبرحون يبسطون أكفهم بالدعاء سائلين الله عز وجل أن يؤيدهم بنصره ويُنزِل سخطه على أعدائهم ويفرق شملهم، ومن المفارقات العجيبة أن هؤلاء لا يُؤيَّدون بنصر الله، وأعداؤهم لا يحل عليهم سخط الله ولا ينهزمون، فما السر يا ترى؟!

إن وقائع التاريخ المتكررة تثبت بما لا يدع للشك مجالا سلامة العقيدة الإسلامية التي يبينها القرآن الكريم، وطبقها سيدنا خاتم النبيين وخلفاؤه الراشدون وخادمه المحب الأصدق، فالأزمة التي يعانيها مسلمو اليوم إذن ليست أزمة اعتقاد، بقدر ما هي أزمة يقين، فثمة حال افتقار إلى يقين مثل يقين المصطفى الذي تجلى في كافة شؤونه، وبالأخص في تلك الأوقات العصيبة التي ما كان لعقل إنسان أن يتصور أنه سيخرج منها سالما، من ذلك ما كان في يوم الهجرة النبوية، حين دخل النبي وصاحبه الصديق في الغار وتبعتهما قريش تريد بهما السوء، وكادت أن تبلغ مرادها، فلم يكن بينها وبينه إلا قدر خطوة، حتى إن أبا بَكْرٍ قَالَ:

«قُلْتُ لِلنَّبِيِّ وَأَنَا فِي الْغَارِ لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا فَقَالَ مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا»(1)!

أإلى تلك الدرجة كان يقين المصطفى   بنصر ربه عز وجل؟! إننا مدينون لذلك النبي العظيم الذي لا نزال نحيا كمسلمين ببركة يقينه بربه.

فلا شك أن اليقين في قدرة الله قد تم من خلاله ما حدث وفُتحَتْ له أبوابُ السَّماءِ،  وحرك غيرة الله ومن ثم تم نصرة عبده.

وعلى صعيد الأحداث الجارية، نود أن نشير إلى أن الصراع الناشب في منطقة الشرق الأوسط إنما هو صراع دنيوي بحت مدفوع بتأثيرات سياسية واقتصادية، لكنه يتلبس بثوب الدين بفعل عوامل عدة.. وعلى أية حال، لو أن طرفي الصراع احتكما للمبادئ الدينية المنصوص عليها في مثل هذه الحالات وامتثلا لقضاء الله لكفى الله تعالى الجميع شر القتال، ولانفرجت الأزمة بأسرع مما نتصور، ذلك أن الله أيضًا يقول في حق بني إسرائيل:

وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (2)،

وكذلك يخاطب أمة الإسلام بوصية مشابهة فيقول:

فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ (3).

إننا إذن من أجل إحلال السلام العام لا ينقصنا سوى بعض اليقين المحمدي، والذي لو امتلكنا منه مقدار حبة خردل لحركنا الجبال من مكانها!

عزيزي قارئ التقوى، مع حلول عام 2024 يحدونا الأمل في صلاح أحوال العالم، فعلى ما يبدو ليس المسلمون وحدهم بحاجة إلى تجديد خطابهم الديني، بل الجميع بحاجة إلى التجديد والإصلاح، ومن أجل تلك الغاية نتخير من أرشيف خطب وخطابات خليفة الوقت رافع لواء التجديد في هذا العصر، نتخير خطابا يحدثنا فيه حضرته عن سيدنا محمد المصطفى بوصفه صاحب الحل الأمثل لإحلال السلام الدائم والشامل في هذا العالم الذي مزقته أنياب العداوة والبغضاء إربًا إربًا.

نسأله تعالى أن يشحذ فينا قوة اليقين بأنه يأتي دوما لنجدة ونصرة عباده المتقين، ويرينا بفضله سبيل التقوى والصواب، آمين.

الهوامش:

  1. (صحيح البخاري،كتاب المناقب)
  2. (المائدة: 46)
  3. (البقرة: 195)
Share via
تابعونا على الفايس بوك