مسيحهم النازِل، مسالم أم مقاتل؟!

مسيحهم النازِل، مسالم أم مقاتل؟!

حلمي مرمر

كاتب
  • ما هي جذور عقيدة مجيء المسيح الدموي آخر الزمان؟
  • هل يحتاج ذلك المسيح إلى خوض المعارك واستلال السيف بعد أن وضعت الحرب أوزارها؟

___

عجبا للكثرة الكثيرة من الآيات التي تفيض بالرحمة والشفقة والحب والود من الله للمخلوقات ثم تجد من يقول أن الإسلام يكره الناس على الدخول فيه، ويكرههم على عدم الخروج منه، ثم من خرج قُتل بسيف الإسلام الذي طالما نادى بالحرية وعدم الإكراه!

أما مسألة حد الردة فقد اجْتُثت من أصولها، ولم أجد لها أساسا تركن إليه، وأن كل ما توهموه عن ذلك أمسى هشيما تذروه الرياح، فما أوهى الدين الذي يجبر الناس على الدخول فيه! فإنه هو دين المشايخ الذي لا يعرف العقلَ والمنطق، وما أوهى الدين الذي يُكرِهُ الناس على البقاء فيه ويتوعدهم بالقتل لو راودهم خيالهم تركه والتخلي عنه! فإنه دين يفتقر إلى أسباب التمسك به وعدم وجود سبب واحد وجيه لتفضيله على غيره، إنه دين المشايخ وليس دين الله، فإن دين الله يُدخل الناسَ فيه بتأثيره في القلوب، وحسنِ وقْعِه على النفوس، ويَنهَى عن الإكراه حيث نص صراحة على أنْ لا إكراه في الدين، وسيرة النبي صلى الله عليه وسلم حافلة بإثباتات تدحض إكراههم المزعوم، ومنها أن الرسول لم يمارس حد الردة المزعوم هذا يوما في حياته، لأنه كان داعي رحمة، أما هؤلاء فدعاة عذاب وقتل باسم الدين على أبواب جهنم، وآياتٌ أخرى يضيق المقام عنها، وكأن المشايخ لا يرونها، أو لا يفهمونها رغم أنها يسيرة الفهم، واضحة كالشمس، إنما يبدو أن الولاء للسلطان والكراسي والمناصب والأموال والعطايا والهبات والوجاهة الاجتماعية أقوى من الولاء لله وكلام الله ودينه عز وجل.

ومن جملة ما كان مبعثا لحيرتي قديما أن المسيح النازل من السماء ينزل محاربا مقاتلا في آخر الزمان وقد كان في أوله متسامحا رحيما حليما يوصي أتباعه أن يديروا خدهم الأيسر لمن لطمهم على الأيمن، أهذه نتيجة جوار الله في السماء، كان الرجل طيبا سمحا لينا على الأرض، فإذا صعد إلى السماء وجاور ربه انقلب إلى النقيض فمن أين له بتلك القسوة وقد كان مجاورا ربا رحيما؟!  ومن زاوية أخرى يكون وكأنه قد اكتشف أنه قد أخطأ بحسن معاملة قومه في البعثة الأولى، فقرر تدارك الأمر في البعثة الثانية واختار السوء والفحش والإكراه والتقتيل والتدمير منهجا له، ومن أين أتى بهذا المنهج العجيب الذي لا وجود له في القرآن الكريم ولا هو تعليم علمه الله إياه؟ لأنه لو كان من تعليمه لمارسه في حياته، ولا وجود له حتى في ديانات منحولة من خيالات البشر فضلا عن قوانين الممالك والدول، فضلا عن أنه (عيسى عليه السلام) صار خاتم النبيين وليس رسول الله محمدا على هذا الفهم الغريب، أُشهد اللهَ أني استنكرت تلك المفاهيم جميعا وما قبلتها، ولكن لم يكن لديّ بديل لها أقنع به ويرتاح له فؤادي ثم إن النظرة العامة عن نزول المسيح وظهور المهديّ كما يقال غيرُ مستساغة، ولماذا شخصان لو كانت المهمة يقوم بها واحد؟! لقد جاء رسول الله محمد ، وفَنَّد عقائد اليهود، وفند عقائد النصارى، وفند عقائد المجوس، وفند عقائد الوثنيين، وكلَّ العقائد في زمانه، وقدم للناس التوحيد الرائع الجميل، ولم يرسل الله لكل مهمة من تلك المهمات معه أشخاصا كثيرين، إنما هو مرسَل واحد فقط يعطيه الله من القوى والقدرات ما يعطي لجيش من الناس، إذن هو مبعوث واحد يكون مسيحا ومهديا لأنه لا مسيح على ضلالة، فما دام مسيحا فإنه ـ بالتبعيةـ مهديّ، وخاصة أن الأحاديث أكدت أن المسيح والمهديّ شخص واحد، حيث قال الرسول الكريم عليه صلوات الله «كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم إماماً مهديا وحكما عدلا».. كلمات واضحة لا تحتاج إلى شرح وتعقيد، فلماذا اللف والدوران على الناس بدعوى أن الدين صعب يحتاج إلى شرح وتفصيل وبيان، وأن هذا الشرح ليس إلا في دكاكين المشايخ، ومن أراده فلابد له أن يذهب إليهم ويلتمسَه من عندهم؟! مع أن الله تعالى قال في محكم تنزيله:

وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ،

فلماذا، هداكم الله، تُعسّرون ما يسَّره الله؟! فحسبنا الله ونعم الوكيل.

إن المسيح النازل لن يحارب ولن يقاتل لأنه ببساطة جاء ليضع الحرب، فلن يحارب ولن يحمل سيفا، ولن يرمي قنبلة ولا أحزمة ناسفة، وليس بحاجة إلى مقاتلات وأسلحة نووية، إنما سلاحه العلم الرباني والهداية السماوية والمنطق والحجة، فعندما حذرنا  رسولُ الله أمتَه من المسيح  الدجال قال: “فإن ينزلْ وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن نزل ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه”، إذن هي الحُّجة بالعلم وتأييد السماء ، وقد غَلَبت الحجةُ الدجالَ  وأردته صريعا، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

Share via
تابعونا على الفايس بوك