المسيح الموعود وفاتحة الكتاب
  • ماذا تعلمنا من المسيح الموعود؟
  • لماذا عد المسيح الموعود الفاتحة كنزا؟
  • البراهين الأحمدية دليل صدقه وفاتحة مؤلفات حضرته

 __

ماذا تعلمنا من المسيح الموعود ؟

علمنا الإمام المهديّ والمسيح الموعود علومًا ومعارف، لم يكن الواحد منّا ليتعلمَها من أيٍّ من أهل الأرض، ولو بذل حياته كلها في ذلك السبيل، ومنه أدركنا أن دين الإسلام قصرٌ منيفٌ، وحصن حصين ما لأحد من الدجالين إلى هدمه من سبيل، ومنه تعلمنا أن الفاتحة كنزٌ كان خفيًّا، فأظهره الله على يديه، وأعطانا مفاتيح خزائن ذلك الكنز، ووضعها في أيدينا، وحتى نتيقن من أن تلك المفاتيح هي نفسها مفاتيح الكنز الحقيقية، وليست مزيَّفة، أخرج لنا بعض الجواهر والدرر، ووضعها في أيدينا، تلك كانت تفسيراته التي علمه الله إياها لهذه السورة المفتاحية لكتاب الله تعالى، التي من معانيها أنها هي المفاتيح التي لن يستطيع دخول القصر مَن فَقدها، ولن يكون صاحبَ كنزٍ سماويٍّ من لم يسْعَ للحصول عليها، ولن يُفتح له أي باب من أبواب القرآن والدين والعلم المتين من أهمل حيازتها، فقد كانت الفاتحة هي الكنز القرآنيّ الثمين عديم النظير، الذي تقدَّر الجوهرة الواحدة منه بملايين الأفدنة، وآلاف العمارات والأبراج وناطحات السحاب الشاهقة، والمليارات من أوراق النقد العالمية التي يحلم الناس بامتلاك ولو ورقة واحدة منها، أما كنز الإسلام، وفاتحة كتابه، فلو امتلك الإنسان ما بها من جواهر ولآلئ، لحيزت له الدنيا بحذافيرها، بل والآخرة أيضًا، ولم يكن من فضلٍ إلا مَلَك، ولا من علم إلا وُهب، ولا من أسئلة إلا أجاب، وطلبَه وقصده وهاجر إليه كلُّ من كان من أهل الأرض والسماء، فصار هو مقصدَهم وضالتَهم.

كنز الفاتحة

كذلك علَّمنا أن الفاتحة لم تكن إلا ذلك الكنز الهائل الذي افتتح الله تعالى به كتابه ليقول لقارئه: هذا هو الكنز كله، ثم ما يعقبه هو تأويله وتفسيره، وفك أجزائه وتعداد محاسنه، جوهرةً جوهرةً، بل ذرةً ذرة، ولذلك قال تعالى

وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ (1)

فخص الفاتحة بالذكر وهي السبع المثاني، ثم أتبعها بالقرآن العظيم الذي يَفُك المدمَج، ويفصِّل المجمَل، ويشرح للأفهام التي تدرِك بالتحليل ما لا تدرِك بالتركيب.

محمد صلى الله عليه وسلم كنز النبوَّات

كذلك علَّمنا أن محمدًا   كان للنبيين كالفاتحة للقرآن، فحوى كل فضيلة عرفوها جميعًا، ونال كل خُلق تخلقوا به، وامتلك كل علم علمهم الله إياه، وحاز كل تعليم ربانيٍّ يمكن لنبيٍّ أو رسولٍ أن يكون قد حاز شيئًا منه من لدن آدم حتى قيام الساعة، وكان قربه من الله تعالى بكل القرب الذي وصل إليه كافة النبيين من قبله، وكان هو الكنز الذي نال كلُّ رسول منه جوهرة، ومجمع الأخلاق الذي حظي كل واحد منهم بخُلق منه، والبحر الذي رشف كل منهم من مَائه رشفة، والقصر المنيف الذي سكن كل واحد منهم في إحدى غُرَفِه فترة، وكان كل واحد منهم قد أُرسل إلى شريحة من القوم الذين أُرسل إليهم محمدٌ كافة، فكما أن الفاتحة قد حازت مقاصد القرآن وكمالاته جميعًا، فصارت فاتحة الكتاب، كذلك حاز النبيّ محمدٌ   كمالات الأنبياء وحقق مقاصدهم جميعًا، فصار خاتم النبيين، وشمس العالمين، وكما أن الشمس تلقي بأشعتها على العالم كله، كذلك الفاتحة تلقي بأشعتها على القرآن كله، وكذلك محمد هو شمس النبيين الذي يلقي بأنواره وأفضاله على الأنبياء جميعًا، من أجل ذلك كان خاتم النبيين، وكان للناس كافة، وكان رحمةً للعالمين، وكان الإسلام للناس جميعًا.

دليل صدقه وفاتحة مؤلفات حضرته

وعلمنا أيضًا أن كتاب البراهين الأحمدية كان لسائر مناظراته ومقالاته وجميع مكتوباته وملفوظاته التالية كالفاتحة لسائر القرآن الكريم، بمعنى أنه    بمشيئة الله تعالى قد اتبع منهج القرآن الكريم بكل سماته وتفاصيله، لأنه قد ذاب فيه عشقا، وشغفه حُبًّا، فشاءت حكمة الله تعالى أن يكون منهج حياته كمنهج القرآن، وأن يؤسس الهندسة المعمارية لمؤلفاته على طراز عمارته وبنائه، فأجمل في كتابه الرائق هذا  بتأييد خارق من الله تعالى كل ما كتبه من بعدُ في كتبه المتعددة، فلم تكن الكتب التي كتبها في تاريخ حياته كله فيما بعد إلا شرحًا للذي ضمّنه البراهينَ الأحمدية من قبل، فقد كان كتاب البراهين الأحمدية إجمالاً لكل ما كتبه فيما بعدُ تفصيلاً، تأثرًا بالقرآن الكريم وروعة نسيجه، فإنه كان قد وعَد أن يكتب في هذا الكتاب الأدلة الوافية على حقيَّة كتاب الله القرآن وصدق النبوة المحمدية، فلم تخرج موضوعات سائر كتبه عن هذا السبيل، ولا حادت عن هذا المضمار؟ بل إنه قد زاد وفاض عما كان قد وعد به عشرات بل مئات الأضعاف. فقد سجل بمشيئة الله في هذا الكتاب الذي – إن صح التعبير – قد قابلتْه الأمة الإسلامية والكثرة الكثيرة والسواد الأعظم – قياسًا إلى عدد المسلمين في العالم في ذلك التوقيت في بلاد الهند – بالقبول والترحيب والارتياح، ولم ينكروا جملةً ولا كلمة ولا وحيًا ولا إلهامًا مما جاء فيه، فقد أكد المسيح الموعود أنه  يتلقى من الله الوحي والإلهام ويرى الكشوف، ويحظى بمخاطبته والاستماع إلى كلامه، ويدعوه ويستجيب، ويسأله ويجيب، ويطلب منه ويعطي. وقد ذكر من الإلهامات التي ألهمه الله إياها أنه مريم، عندما خاطبه الله قائلاً: «وهُزَّ إليكَ بجذع النخلة تساقط عليكَ رطبًا جنيًا»(2)، وأيضًا «يا مريم اسكن أنت وزوجك الجنة».(3) ولم يعترض أحدٌ من المعترضين على ذلك قائلا: كيف تدعي أن الله يلهمك ويوحي إليك ويدعوك مريم؟!

ولم يتوقف الحال عند ذلك، بل قال أيضًا أن الله تعالى قال له: «إني مع عيسى»(4) بالإنجليزية، كذلك كان هو عند الله عيسى بلا أي لَبسٍ في الفهم، كذلك كتب أن الله تعالى خاطبه قائلاً: «أنت وجيه في حضرتي»(5)، وليس من الصعب أن نعرف أن الوجاهة في القرآن الكريم كانت الوعد الذي وعد الله تعالى به رسوله عيسى بن مريم ، حيث قال تعالى في حقه

اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (6)

أما إلهام «ينقطع آباؤك ويُبدأ منك»(7)، فيؤكد بكل يقين أحدَ أوجُه الشبه القوية بينه وبين المسيح ابن مريم، إذ لم يكن له أب من بني إسرائيل، كذلك هو، ينقطع آباؤه وينتهي ذكر نسله إليه، كأنْ لم يكن له آباء، فضلاً عن كونه لم يكن له معلمون من أمة العرب ولا من مشايخ زمانه.

كذلك ورد إلهام: «نُصرتَ بالرعب»(8) ولم تكن هذه العبارة إلا إشارةً لما أنعم الله به على سيدنا محمد ، ولم يكن لأيٍّ من النبيين السابقين، وكذلك إلهام «دنا فتدلَّى فكان قاب قوسين أو أدنى»(9)، كذلك إلهام «فبما رحمةٍ من الله لِنتَ لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك»(10) ذلك الذي لم يكن عسيرًا على أحد أن يدركه، فقد قال أن الله حباه بما كان قد حبا به سيده ومولاه خاتم النبيين محمدًا ، إذ قد جاء ظلاً له، فكلَّمه بذات الكلام الذي كان يكلمه به، وفي هذا الأسلوب البياني حسٌّ روحيٌّ مرهف، وفي حال عشق الخادم لسيده ثم الفناء فيه ثم إذا تلاشى كيانه في كيان سيده تمامًا، فيصبح كأنه هو، وقد أومأ القرآن الكريم إلى مثل ذلك فقال تعالى:

وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى (11)،

فبالرغم من أن ظاهر الفعل للرسول إلا أن حقيقته تعود إلى الله تعالى، وفي هذا السياق جعل الله محمدَ أحمدا، لأنه يحمل جوهر محمدٍ في الحقيقة، وليس له جوهرٌ منفصلٌ عنه، فضلاً على أنه جعله المسيح ابن مريم، فقال له: «إنا جعلناك المسيح بن مريم»(12)

كذلك علَّمنا أن محمدًا   كان للنبيين كالفاتحة للقرآن، فحوى كل فضيلة عرفوها جميعًا، ونال كل خُلق تخلقوا به، وامتلك كل علم علمهم الله إياه، وحاز كل تعليم ربانيٍّ يمكن لنبيٍّ أو رسولٍ أن يكون قد حاز شيئًا منه من لدن آدم حتى قيام الساعة، وكان قربه من الله تعالى بكل القرب الذي وصل إليه كافة النبيين من قبله، وكان هو الكنز الذي نال كلُّ رسول منه جوهرة، ومجمع الأخلاق الذي حظي كل واحد منهم بخُلق منه

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد في كونه محمدًا وكونه عيسى بن مريم عليهم السلام، بل إنه أعلن للناس أن الله كلّمه ووصفه أنه هو المهدي الذي وُعدت به هذه الأمة، فقال له في إلهام: «إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ردَّ عليهم رجلٌ من فارس»(13)  ولم يعترض عليه أحد من أهل زمانه في حينها قائلاً: ولكنك لست من فارس! مما يدل على أن كونه فارسيّ الأصل هي حقيقة مسلم بها.

كل تلك الإلهامات التي سجلناها هنا، كانت غيضًا من فيضٍ مما تلقاه حضرته في البراهين الأحمدية، ولم يكن حضرته يدرك حقيقة مدلولاتها لولا أن كشف الله عليه في حينه، فكان  يظن أن ذلك من باب المجاز والاستعارات، وليس على سبيل الحقيقة، حتى جاء أمر الله كفلق الصبح وشمس الظهيرة.

كل تلك الإلهامات وأكثر التي تؤكد كونَه آدمَ ومحمدًا وعيسى بن مريم والمهديّ الذي هو من آل البيت ومن أبناء فارس، فإنه حتى ذلك الوقت لم يكن قد ادعى أنه شيء غير أنه بشر يُوحى إليه، وقبِل الناس ذلك، وقال أن الله يدعوه آدم ومحمدًا وعيسى، وقبِل الناس ذلك أيضًا، ببساطة لأن ذلك من تراث الأمة وصحيح الدين، ومما وقر في القلوب وسلَّم  به الجميع، واستقبلوه بالتصديق والقبول، لأن كل مسلم بوسعه أن يكون آدم ومحمدًا وعيسى وموسى وأيَّ نبيٍّ من الأنبياء إذا استطاع أن يصل إلى مقامه الروحاني، ويرقى رقيَّه الإيمانيّ، وينال درجته التي نالها من القرب الربانيّ، فمن كان كذلك، كان اسمه عند الله آدم أو محمدًا أو موسى أو عيسى لأنه وصل إلى ما كان هذا النبيُّ أو ذاك قد وصل إليه، وبلَغ ما بلَغه، وحاز ما حازه. ولكن المسيح الموعود لما صَدع بما أُمر وأعلن بين الناس أنه عيسى بن مريم لأمة الإسلام على وجه الحقيقة، وأنه هو المسيح الموعود الذي جاء ذكره في الأحاديث وتستغيث لنزوله الأمة وترفع أكُفّ الضراعة، ثارت ثورة الذين غلبت عليهم شقوتهم، وكان شيطانهم مالكَ مِقْوَدِهم، وكانت فطرتهم قد أمست خلقًا آخرَ مشوَّهًا، خلاف ما فطر اللهُ الناسَ عليه، ومالت إليه الأنفسُ المطمئنة، وهوت إليه أفئدة كثيرٍ من الناس، الذين طهر الله باطنهم، وتعاملوا معه بحسن الظن، وتبينوا حتى لا يصيبوا قومًا بجهالة، فيصبحوا على ما فعلوا نادمين، فقد لبث فيهم من عمره سنين، وما جربوا عليه كذبًا على المخلوقين، فكيف يدَّعون له كذبًا على الخالق رب العالمين؟

فقد أكد لنا كتاب البراهين الأحمدية بما لا يدع مجالاً لمثقال ذرة من شك، أنه فاتحة كتب المسيح الموعود ، الذي جاءت كل كتبه من بعدُ ترجمةً له، وتفصيلَ إجماله، والذي أكد أيضًا أن كاتبه فاتحة جميع الأولياء وخاتَمهم، لأنه من أمة فاتحة الكتاب، وتابع لخاتم النبيين.

الهوامش:

  1. (الحجر 88)
  2. من إلهامات البراهين الأحمدية – عام 1881م
  3. 4، و5. من إلهامات البراهين الأحمدية – عام 1883م
  1. (آل عمران 46)
  2. 8، 9 و10. من إلهامات البراهين الأحمدية – عام 1883م
  1. (الأنفال: 18)
  2. من إلهامات البراهين الأحمدية – عام 1891م
  3. من إلهامات البراهين الأحمدية – عام 1896م
Share via
تابعونا على الفايس بوك