نوما هنيئا دون حصر
  • ما الحصر النفسي؟
  • كيف التخلص من الحصر النفسي؟
  • النفسية السليمة في الجسم السليم
  • كيف تطمئن القلوب؟!

___

إذا كنت تشعر بقلقٍ شديدٍ لدرجة أنك تخاف طيلة الوقت مِن أن يحدث أمر فظيع، فقد تكون مُصابًا باضطراب القلق العام. أو ما يسمى بـ «الحصر النفسي»، ويُختصر عادةً بـ (GAD) من المصطلح (Generalized anxiety disorder).

وهذا النوع من القلق يحدث تحسبًا لخطب ما. عندما تفكر في حدث مؤرق أثناء الليل وقبيل ساعات النوم، تتنشط المراكز العاطفية للدماغ (أي اللوزة الدماغية والفص الجزيري). مما يحفز سلسلة من الإجراءات الفسيولوجية التي من شأنها أن ترفع من مستوى «الأدرينالين» والسكر في الدم. فهذا المصدر المفاجئ للطاقة يبقيك في حالة تأهب وتوتر وقلق، كما لو أن مخك قد أعلن درجة الاستنفار والطوارئ القصوى من الدرجة «ج»، مما تسبب لك في المحصلة خللاً في نظام نومك، وتستحيل الساعات القليلة التي من المفترض أن تكون سويعات راحة وهدوء وإعادة تنسيق لخلايا المخ والجسد، وتتحول إلى جهنم صغرى، نعوذ بالله تعالى منها.

عصر الحصر النفسي

ككافة المشاعر السلبية، يشغل الحصر النفسي مساحة عريضة من يومنا، فمن مِنَّا لم يمر بحال من الرهبة الزائدة أو القلق المفرط قبيل تقدمه للامتحان، أو استعداده لخوض مقابلة عمل شخصية؟! مما يجعلنا أكثر توترًا، وأكثر دافعية لإصدار تصرفات أو ردود أفعال لا تحمد عُقباها، مما يسبب خللاً في نشاطاتنا اليومية، ويكون هذا الخلل في النهاية السمة المسيطرة على حياتنا. فالحصر النفسي حالة متمكنة من ملايين الناس حول العالم، وصارت هذه المشكلة أكثر انتشارًا واعتيادًا في هذا العصر الذي ازدادت فيه المخاوف ودواعي القلق لأي سبب كان، صغيرًا أو كبيرًا، حتى إننا يمكننا ودون أدنى تردد أن نطلق على عصرنا الحالي عصر الحصر النفسي. وهناك قاعدة تقول أن مقدار القلق يزداد بازدياد ما نملك، فالفقير مثلاً لا يشعر بنفس درجة القلق التي يشعر بها الثري، لأن الفقير ببساطة ليس لديه ما يقلق عليه، فلنقس على هذا كافة أمور الحياة الدنيا ومتاعها، والتي بازديادها وتراكمها تنشأ دواعي القلق عليها.

كلنا نعاني

من منا أحيانًا لا يتقلب في فراشه ويجافي النوم جفنيه كثيرًا؟! لن نبحث هنا في أسباب ذلك الأرق، ولكننا نحاول توصيف الأمر وقياس مساحة انتشاره.. الجميع تقريبًا يعانون من الحصر النفسي، مقارنة بعصور خلت. الحصر النفسي سمة مميزة لعصر الحداثة والسرعة والرفاهية، ولكنها تبدو رفاهية زائفة والحال كهذه. قد يتكرر الأرق خلال الأسبوع الواحد لأي منا مرة أو مرتين، لقد بات هذا أمرًا عاديًا، بل إن البعض يصفه بالصحي أحيانًا نظرًا إلى أنه لم يتجاوز الحد بعد. المشكلة تظهر حين يكون الاضطراب في النوم لدى البعض أمرًا روتينيًا. علينا ألا نتجاهل حالات اضطراب النوم المتزايدة بسبب القلق. يرتبط القلق والنوم بعلاقة ثنائية متعاكسة الاتجاه، وهذا يعني أن القلق الحاد يميل إلى تعطيل النوم، وكذلك تميل الاضطرابات في النوم إلى زيادة القلق.

فالحصر النفسي حالة متمكنة من ملايين الناس حول العالم، وصارت هذه المشكلة أكثر انتشارًا واعتيادًا في هذا العصر الذي ازدادت فيه المخاوف ودواعي القلق لأي سبب كان، صغيرًا أو كبيرًا، حتى إننا يمكننا ودون أدنى تردد أن نطلق على عصرنا الحالي عصر الحصر النفسي.

تأمين منطقة هامش الشعور

أحداث النهار العابرة، والتي قلما نلتفت إليها، كأن تشتبك مع أحدهم دفعك أو دفعته دون قصد في وسائل المواصلات، أو أحدهم أخذ مكانك في صف الانتظار أو المصعد، أو ما إلى ذلك، ناهيك عن الأمور الجليلة كضغوط العمل، كل تلك الأحداث لا تمر بنا هكذا مرور الكرام، ومن السذاجة أن نظن أنها ستفارقنا حالما نضع رؤوسنا على الوسادة. إن جميع هذه الأفكار تبدو كقصاصات متناثرة تحوم حولنا طيلة النهار في منطقة هامش الشعور، أو ما يسميه البعض بالعقل الباطن، لتتجمع في أكوام ضخمة وثقيلة لتطفو فوق السطح كجبل عظيم من النفايات وسط المحيط. وعادة ما يعتري الفرد تسارع أو ركود في أفكاره القلقة. هذه الأفكار تبنى على بعضها البعض أو تحوم حولنا فتجعل من الصعب علينا أن ننام. قد تؤدي الزيادة المستمرة في مستويات «الأدرينالين» و «الكورتيزول» (هرمون الإجهاد) إلى ظهور المزيد من الأعراض الجسدية.

خطوات بسيطة للتخلص من الحصر النفسي

ذَوِّب القلق بالتأمل الذهني، فالتركيز على نفَسك والأحاسيس الجسدية يمكن أن يساعدك على البقاء في الوقت الحاضر. يمكن أن يساعدك ذلك في التعرف على ماهية أفكارك، سامحًا لها بالمرور في ذهنك دون ردة فعل أو حكم منك.

تعقل ولا تبالغ في سوء الحال، وتقبل الأفكار التي تبدأ بـ «ماذا لو؟» لإبراز العلاقة التي تربط الأفكار والصور المرعبة بالقلق. فوجود فكرة «ماذا لو حصلت كارثة؟» في ذهنك لا يعني أن الكارثة ستحدث، فتصورك لأشياء حقيقية أو متخيلة على أنها فظيعة لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأعراض.

تأمل، استرخ، استرح، وحول نظرتك السلبية إلى نظرة إيجابية: تحدث إلى نفسك بطريقة واقعية مطمئنة. واسترخ جسديًا وذهنيًا، مارس التنفس البطني، فهذه التمارين بسيطة التعلم وآثارها سريعة نسبيًا. تتضمن هذه التقنية التنفس بحيث يتمدد بطنك أثناء الشهيق وينحصر عند الزفير. يصف عالم النفس “جون كارلسون” التنفس البطني بأنه أسلوب مما يرسل إشارات مهدئة للدماغ ويعزز الشعور بالاسترخاء ويحسن القدرة على الانتباه والوعي.

فبالتخيل الإيجابي والاسترخاء، يمكن التحكم في تردد الأفكار القلقة باستخدام الصور الموجهة التي تعمل على توجيه انتباه الناس بعيدًا عن ما يجهدهم وتركيزهم على شيء مختلف، ويكون ذلك فقط عن طريق تخيل صورة ممتعة ومريحة، على الشاطئ مثلاً أو على تل هادئ أو أي شيء قد يهدئ الشخص.  هذا التمرين يمكن تطبيقه في أي مكان لأنه لا يعتمد إلا على خيال الفرد وقدرته على التركيز.

النفسية السليمة في الجسم السليم

التمرين الرياضي المنتظم وسيلة للتنفيس عن الإحباطات ويساعد على إطلاق «الاندورفين» المعزز للمزاج (الهرمونات السعيدة).  ومن التمارين الجيدة التي تمارس في الهواء الطلق «الأيروبيك» وتمارين اللياقة كالجمباز والسباحة وركوب الدراجات والمشي السريع والجري والمشي لمسافات طويلة وتمارين الضغط والعقلة.  كما يساعدك التمرين على الحصول على نوم أفضل مما يقلل بدوره من القلق، ومع ذلك، يجب على الأفراد المصابين بارتفاع ضغط الدم وأمراض القلب استشارة الطبيب قبل البدء بممارسة التمارين الرياضية.

لا تبق في الفراش مستيقظًا

إذا لم تغفُ في غضون 30 دقيقة أو استيقظت خلال الليل وتجد صعوبة في العودة إلى النوم، فإن النصيحة هي الذهاب إلى غرفة أخرى تكون الاضاءة فيها خافتة حيث تقوم بقراءة كتاب، ولكن من دون شاشات ولا بريد إلكتروني، ولا طعام. وعد إلى سريرك فقط عندما تشعر بالنعاس وبهذه الطريقة، يمكن لعقلك أن يرى السرير كمكان للنوم، وليس مكانًا للبقاء مستيقظًا.

قد تشعر بقلق من كل شيء؛ بدءًا من الكوارث القريبة منك، وانتهاءً بالوضع العالمي. وتشعر بأن كل شيء تقريبًا مصدر تهديد، وقد تشعر بحاجة ماسّة للأمان. وهذا الاستنفار الدائم للكرب والقلق قد يُسبب لك متلازمة الإرهاق أو الاكتئاب. وكلما فسحتَ المجال للقلق، ضاقت الفسحة المتاحة لك في نهاية المطاف كي تحيا حياتك كما كنت تتمنى حقًّا.

متى يجب عليّ أن أطلب المساعدة؟

إذا ازداد قلقك وأصبح يعيقك في أمورك اليومية ويقيّد حياتك، فيجب عليك أن تطلب المساعدة، وكذلك يجب عليك أن تطلب المساعدة، عندما تُداوي نفسك بالمشروبات الكحولية أو بالعقاقير المهدئة؛ لكي تستطيع التعامل مع الأوضاع اليومية.

كيف تطمئن القلوب؟!

من الممكن أن يتلاشى القلق تدريجيًا عن طريق العلاج. وهناك العديد من طرق العلاج المختلفة، كالعلاج بالمحادثات والعلاج الدوائي. ويستند هذا العلاج إلى أنك تتعلم التعامُل مع القلق على نحو يجعله لا يؤثر على حياتك أو يحدّها.

وإن كنتَ قد طلبت الرعاية سابقًا بلا جدوى؛ فلا تستسلمْ واطلبْ المساعدة مرة أخرى. وقد أظهرت الأبحاث أن شكل العلاج ليس هو الأمر الحاسم في مدى جدواه؛ بل إن الثقة التي يبنيها المرء مع مُعالِجه هي الأمر الحاسم. وبهذا الشأن نود أن نؤكد على أهمية الصلاة، بوصفها العامل الأول الذي يجلب لنا السلام والهدوء المتجددين، ولديها القدرة على الحد من تواتر الأفكار القلقة، والعواطف السلبية، ونوبات الهلع والأرق، كما تنص الآية القرآنية

الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (1).

يتمكن الكثيرون من العزم والمثابرة والثبات على أداء عمل مميز من خلال الصلاة.  وهناك بالإضافة إلى الصلوات اليومية الخمس أشكالاً أخرى لتذكر خالقنا.  فتلاوة القرآن الكريم بتمعن لها فعالية كبيرة جدًّا.  يشير الله إلى أن القرآن «ذكرى»

أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (2)،

ففهمنا وتأملنا في كلمات الله سيوفر لنا وعيًا دائمًا، والوعي هو مفتاح الحل للأفكار القلقة.

أنت لست وحدك

هناك كثيرون ممن عاشوا مع القلق لسنوات طويلة، ولكنهم وجدوا طريقة تجعلهم يشعرون بتحسُّن.

ومعرفتك بأنه واقع في حبال مشكلة نفسية ما لا يعني نهاية الحياة؛ بل على العكس تمامًا، إذ يمكن أن تتيح لك تلك الأمور فرصة إدراك ذاتك ويجعلك تأخذ نفسك على محمل الجدّ، وتساعد نفسك على فهم ما تريده. كما قد تجعلك أقوى، وتشعر بتقدير ذاتك على نحو أفضل.

ولا تنسَ أنك عندما تدرك الصعوبات التي تواجهها، تتيح لنفسك الفرصة لتنعم بصحة أفضل. وقد يساعدك ذلك مثلاً في أن تتعلم إيجاد طرق تعامُل أخرى تجعلك تضع حدًّا لقلقك، وتبدأ تشعر بالثقة في العلاقات أو في الأطر الأوسع. وكلما نجحت في التخفيف من الرقابة، شعرت أن حالتك أصبحت أفضل.

وجِّه قلقك نحو الخارج، مد يدك إلى قريب أو جار أو متطوع في خدمات مجتمعك. إن مساعدة الآخرين ستأخذ عقلك بعيدًا عن مخاوفك وسوف تساعدك على التركيز على النعم الكثيرة التي تحظى بها بدلاً من العيوب.

  1. (الرعد: 29)
  2. (العنكبوت 52)
Share via
تابعونا على الفايس بوك