جيل الألفية الثالثة والتأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي

جيل الألفية الثالثة والتأثيرات السلبية لوسائل التواصل الاجتماعي

ثمر حفيظ

دكتوراه في علم النفس
  • تورط تلك الوسائل الافتراضية في أحدأخطر أمراض العصر، أي الاكتئاب
  • التنمر الإلكتروني أحد دوافع السقوط في فخ الاكتئاب
  • العلاقة الرابطة بين وسائل التواصل الاجتماعي الافتراضية وأمراض سوء التغذية
  • الحلول المقدمة للحيلولة دون الآثار السلبية لتلك الوسائل

_________ 

منذ نشأة وسائل التواصل الاجتماعي، واستخدامها يتزايد بشكل حاد وازداد أكثر بسبب الجائحة.  وكون الأنشطة الاجتماعية الواقعية استبدلت بحوارات وتجارب افتراضية عبر الإنترنت، فإن الخضوع المفرط لوسائل التواصل الاجتماعي له آثار سلبية على الصحة العقلية لدى الشباب والمراهقين. في هذه المقالة سوف نستكشف كيف يمكن ربط وسائل الإعلام الاجتماعية بانخفاض الرفاه العاطفي والعقلي لدى جيل الألفية.

وفي مقال سابق نشر في يوليو 2019 تحت عنوان إدمان من نوع آخَر، تحدثت فيه عن الآثار العقلية الوخيمة التي يسببها الاستخدام غير الواعي لوسائل التواصل الاجتماعي، تلك الآثار التي كان منها إدمان تلك الوسائل، بما يتضمنه مصطلح الإدمان من معان كارثية، تنسحب حتى على المظاهر الحيوية العضوية للجسد، تمامًا كما تفعل المخدرات العقاقيرية (1)،  وفي هذا المقال نتناول الأثر النفسي السيئ الذي تخلفه وسائل التواصل الاجتماعي في نفسية أولادنا شبابا كانوا أو مراهقين.

ويحاول الباحثون في الصحة النفسية معرفة الأسباب وراء تسبب وسائل التواصل الاجتماعي بالعزلة ومن ثم الاكتئاب، وتشير الأدلة إلى وجود صلة وثيقة بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والاكتئاب كأحد أبرز الاضطرابات النفسية وأشدها خطورة، إذ كثيرًا ما يقف الاكتئاب وراء العديد من حالات الانتحار حول العالم، إن لم نقل كلها.

 

عصر الاكتئاب بلا منازع

لا نجانب الصواب إن قلنا أن هذا العصر هو عصر الاكتئاب بلا منازع، على الرغم من مظاهر الرفاهية البادية فيه! نعم.. في الماضي أيضًا كان عامل التقدير يلعب دورا بارزًا في تكوين شخصية المراهق سلبًا أو إيجابًا، ولكن في ذلك الماضي حيث لم تكن وسائل التواصل الافتراضي قد كتب لها الانتشار بعد، كان التقدير أو التوبيخ، أحدهما أو كلاهما سيد الموقف، وكان بمقدور المراهق، إذا تعرض للتوبيخ مثلًا، أن يحافظ على مستوى ثقته بنفسه إلى حد كبير، لا سيما وأنه يلتقي بمن يقدره أو يوبخه وجها لوجه، أما وقد دخلنا عصر التواصل الافتراضي، صار للمقارنة دور رئيس في التأثير على المراهق، على الرغم من أن ما يراه على وسائل التواصل الافتراضي لا يكون حقيقيا في الغالب، غير أنه يسقط فريسة المقارنة مع متفوق موهوم، وتلك هي المصيبة!(2)

وسائل التواصل الاجتماعي واضطرابات التغذية

تؤثر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل كبير على أفكار الشخص وعواطفه وسلوكياته، وهذا ينطبق أيضًا على احترام الشخص لذاته، وصورة جسمه، وسلوكه الغذائي. ومن الممارسات الشائعة التي نراها على وسائل التواصل الاجتماعي نشر نسخة مثالية من الذات.

وهناك فكرة شائعة الآن تقول بأن نسبة غير قليلة من مراهقي العالم غير راضين عن شكل أجسامهم. وهذا يؤدي إلى ازدياد خطر الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ، وهذه المقولة تستند بالفعل إلى دراسات أكاديمية أجريت بهذا الصدد، وهدفت إلى التعرف على طبيعة العلاقة بين صورة الجسم، وتقدير الذات، والاكتئاب، لدي عينة من المراهقين، وتحديدًا من طلاب الجامعة،ذكورًا وإناثًا، وكذلك التعرف على الفروق بين الجنسين في صورة الجسم وتقدير الذات والاكتئاب. وقد شملت عينة الدراسة هذه  287 طالبا وطالبة، بالفرقتين الثالثة والرابعة الجامعيتين، ومتوسط أعمار عينة الذكور والإناث  19.58 عامًا، وقد أوضحت النتائج أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين صورة الجسم وتقدير الذات، وعن وجود علاقة ارتباطية سالبة بين صورة الجسم والاكتئاب(3).

التنمر الإلكتروني

أيضًا التنمر عبر الإنترنت هو فرع آخر غير سار من منصات وسائل الإعلام الاجتماعية. هذا النوع من التنمر موجه نحو شكل الشخص ومظهره ويمكن أن يسبب ضائقة نفسية شديدة، وصورة سلبية أو مشوهة عن الجسم، وعدم رضا عن الجسم وخلل في المشاعر، خاصة بين الشابات اللواتي يتأثرن بسهولة ويتصارعن مع صورتهن الذاتية وتقديرهن لذاتهن.

وقد تكون معالجة المشاكل العاطفية التي تسببها وسائل التواصل الاجتماعي صعبة وذلك لاندماجها الكامل في حياتنا اليومية، لكن أدوات المساعدة الذاتية المذكورة أدناه يمكن أن تجعلك أكثر وعياً وإدراكاً في استخدامك وسائل التواصل الاجتماعي وأن تساعدك في حماية نفسك ضد آثارها السلبية.

حلول مقترحة جديرة بالتجربة

للحيلولة دون تفاقم المشكلات التي تخلفها وسائل التواصل الاجتماعي جرب الاستبطان (أن تتفكر وتراقب ذاتك). فالخطوة الأولى نحو التحسن هي الاعتراف بوجود مشكلة وإدراك ذلك. إذ من المهم أن تفهم ما إذا كان استخدامك لوسائل التواصل الاجتماعي يعزز صحتك العقلية أو يضر بها.

وفي خطوة واعية نحو إخماد اللهفة المفرطة للاطلاع على كل جديد يعرضه «الفيس بوك» قم بكتم إشعارات وتنبيهات الأخبار الجديدة على هاتفك. تبدو هذه خطوة بسيطة لكنها ستساعدك في قطع شوط طويل في إدارتك للوقت الذي تقضيه على وسائل التواصل الاجتماعي. فمن المستحسن جداً القيام بذلك كي تقي نفسك من تشتت لا طائل من ورائه، كي تتجنب مشتتات الانتباه التي أنت بغنى عنها.

ومن الضروري الإقلاع عن متابعة الصفحات السلبية أو الأشخاص السلبيين وانتقاء تجاربك بانضمامك إلى مجموعات دعم تساعد في مواجهة الاكتئاب والوحدة والقلق والاضطرابات التغذوية والتنمر عبر الإنترنت.

أيضًا يعد الانسلاخ التدريجي من العالم الافتراضي والاندماج في العالم الواقعي الحقيقي طريقًا للعلاج، فلنشكل صداقات وعلاقات جديدة خارج الانترنت. ولنحط أنفسنا بأشخاص طبيعيين يشجعوننا ونشجعهم..

ولنتذكر دائماً أن ليس كل ما نراه حقيقياً، فمواصفات الشخص وصورته على الانترنت ليست وصفاً واقعياً لحياته بل تسليط ضوء على الأفضل أو الأكثر إثارة. إن التوقعات المبنية على معلومات كاذبة أو غير صحيحة تسبب لك الحزن وتجعلك تشعر بالعزلة، وقد تؤدي إلى انخفاض تقديرك لذاتك وثقتك في العيش بسعادة وعفوية. كما تؤدي المقارنة إلى منافسة مادية غير ضرورية بل وقد تسبب ضغطاً إضافياً على الصحة المالية.

كن دائماً نفسك الحقيقية والصادقة. كن صادقاً مع نفسك وأفكارك ومشاعرك. إن كونك حقيقياً يتطلب الكثير من الشجاعة، إنه بالفعل عمل شجاع.  ينجذب الناس عادة إلى من هم حقيقيين. فكما يقال الخير يجلب الخير. الصدق يخلق انطباعاً دائماً، لذا فليكن كل ما تنشره حقيقيًا ومبتكرًا، فهذا يساعد كثيراً في بناء وتطوير شخصيتك وشخصية الآخرين. حاول أن تكون التغيير الذي تريد أن تراه في العالم.

عند نشرك لأي محتوى كان لا تعطي أهمية لما ستحصل عليه من إعجاب أو من تغريدات لأن هذا يحرضك للسعي وراء إقرار وإثبات لما نشرته. قد تعتقد أنه كلما حصلت على إعجاب أكبر كنت محبوباً والعكس صحيح. كما لو كانت قيمتك هي بعدد اللايكات التي تتلقاها على محتوى نشرته. وليكن شعارك «على المرء أن يسعى وليس عليه إدراك النجاح»، هذا على اعتبار النشر الفيسبوكي عملية سعي يرجى نجاحها!

انشر رسائل ملهمة عن الاحترام المتبادل والتقبل والصورة الذاتية الإيجابية. كن يقظاً لسلوكك في العالم الافتراضي. حاول أن تكون مسؤولاً في كل ما تنشره. فقبل نشر أي محتوى فكر جيداً فيما إذا كان قد يضر بأي شخص أو يسيء إليه. ولا تشجع أي محتوى بغيض أو ضار.

حول الحسد إلى فرصة للتعلم والنمو. فإذا كان شخص ما قد حقق ما تريد تحقيقه، فمعنى ذلك أن فرصتك في النجاح كبيرة أيضًا.

حد من أخذ الصور الرقمية وتمتع بدلاً من ذلك بعيش تجربة اللحظة بكامل جوارحك لغرسها تماماً في ذاكرتك الحقيقية. فعندما تسرع لتلتقط صورة ولتنشرها للتشارك تضيع فرحة اللحظة الحقيقية وتنسى.

استغن عن وسائل الاعلام الاجتماعية على الأقل 3 أيام في الأسبوع. لاحظ أي تغيير جذري في أفكارك وعواطفك وسلوكياتك.

قم بتمارين التأمل الوقائي مثل التنفس بتفعيل الحجاب الحاجز، واليوغا، والإطالة، وتمارين اليقظة الذهنية الموجهة.

مارس الرياضة ما لا يقل عن 4 أيام في الأسبوع، فهذا السلوك الصحي يبقي عقلك وجسمك في حالة انتعاش.  بل هو أيضًا استراتيجية وقائية موثوق بها لإبعاد الاكتئاب عنك. فالتمرين الرياضي يحرر أيضًا الإندورفين، المعروف باسم «هرمون السعادة»، والذي يبقي هرمونات الإجهاد الأولية الكورتيزول والأدرينالين تحت السيطرة، فيمنع الإجهاد من أن يؤثر على العقل والجسم.

لا تستخدم وسائل التواصل الاجتماعي قبل وقت النوم مباشرة. إننا بحاجة إلى الظلام في المساء لأنه يسمح بإفراز هرمون الميلاتونين (هرمون النوم) الذي يساعد في الحصول على نوم صحي. ولذلك ابتعد عن شاشات LED لأنه ينبعث منها ضوء أزرق يخدع الدماغ فيجعله يظن أننا ما نزال في النهار ويثبط الميلاتونين. هذا من غير الكمية الهائلة من المعلومات والأخبار الملهية  والمقلقة والمثيرة للمخاوف وللترقب التي من شأنها أن تهيّج العقل والجسم.

اعرف متى تتوقف. إذا كانت وسائل التواصل الاجتماعي تسبب في جعلك سلبياً وتؤثر على أداء عملك اليومي في مجالات مهمة من حياتك، مثل المدرسة أو العمل أو الحياة الشخصية، فقد حان الوقت للتوقف والتأمل فيما إذا كنت بحاجة إلى إعادة تقييم لاستخدامك اليومي لوسائل التواصل الاجتماعي أو ما إذا كنت بحاجة إلى مساعدة مهني لتحقيق ذلك من أجل أن يعيشوا حياة تسعدهم أكثر وترضيهم، يجب على الشباب الحد من استخدام وسائل التواصل الاجتماعي. وبتطبيقهم الممارسات المذكورة أعلاه، سيتمكنون من تقليل القلق والاكتئاب والاضطرابات التغذوية والسلوكيات القهرية والإجهاد الناتج عن تجاربهم على وسائل التواصل الاجتماعي أو اتقاء كل ذلك.

ابدأوا بتنظيم وقتك لتحقيق أهداف مثمرة ومرضية في حياتكم. من المفهوم أنه بتغلغل وسائل التواصل الاجتماعي في أعماق نسيج مجتمعنا، يصبح من الصعب للغاية الإقلاع عن استخدامها أو حتى التقليل منها، خاصة إذا كنتم مدمنين عليها. ولكن الأمر يستحق المحاولة من أجل رفاهكم ورفاه عائلتكم النفسي والجسدي والعاطفي.

وعلى الرغم من أن لا أحد يستطيع العودة إلى الوراء ليصنع بداية جديدة، إلا أنه يمكن لأي شخص أن يبدأ من الآن ليصنع نهاية جديدة  سعيدة.

الهوامش:

  1. انظر: مجلة التقوى، يوليو 2019 إدمان من نوع آخر:

2. مجلة التقوى، نوفمبر 2021 الرحلة من المرآة إلى شاشة فيس بوك.. هل نخسر أولادنا المراهقين؟!

3. توصلت دراسة إلى أن المراهقين الذين لديهم صورة سلبية عن أجسامهم قد يعانون من الإكتئاب بعد سن البلوغ:

4. كيف تؤثر صورة الجسد على صحتنا العقلية؟

Share via
تابعونا على الفايس بوك