تأييد المسيح الموعود باللسان العربي المبين.. وطبيعة اعتراض المعترضين

تأييد المسيح الموعود باللسان العربي المبين.. وطبيعة اعتراض المعترضين

محمد طاهر نديم

  • العربية أمّ الألسنة.. حقيقة علمية
  • محاولة القدح في الآيات السماوية دأب المعارضين
  • سنة الله في إظهار عظمة آياته.

 _____

العربية أمّ الألسنة.. حقيقة علمية

من سنة الله المستمرة أنه يبعث أنبياءه بالحق ويؤيدهم بالآيات والمعجزات، وقد قيل أن المعجزة فعل خارق للعادة من جنس ما تفوق فيه القوم، فإذا كانت العربية مناط تفوق العرب ومجال نبوغهم، فقد أنزل الله تعالى القرآن بلسانهم لا ليتحداهم به، بل ليريهم أنه عز وجل وحده أهل الكمال والجلال، وكان القرآن منذ القرن الأول لنزوله منبعا لعلوم المسلمين، عربا كانوا وغير عرب. وكمسلمين أحمديين، نؤمن يقينًا أن بعثة المسيح الموعود هي ذاتها البعثة المحمدية على نحو البروز والظلية، البروز لكونها ظهورًا جديدًا للأنوار المحمدية، والظلية لكون حضرة أحمد المجتبى، وهو الظل غير قابل للانفصال عن محمد المصطفى، وهو الأصل. وعليه فلما بعث الله تعالى المسيح الموعود في هذا العصر وفق النبوءات الواردة في القرآن الكريم وبحسب أنباء النبي ، فقد أيّده تعالى بالمعارف الروحانیة وكشف علیه من لدنه علومًا ربانیة، من بين تلك التأييدات آية من جنس التأييد القرآني، ذات علاقة وثيقة باللسان العربي المبين، لقد تمثلت تلك الآية في  إعلان حضرته أن الله تعالى قد أخبره أن اللغة العربية هي أم الألسنة، وأنها أصل جميع اللغات، ودلل على ذلك بدلائل عدة منها أن الله اختار أن يبعث نبيه الخاتم في قرية هي أم القرى، وبلسان هي أم الألسنة، وأعطاه كتابًا هو أم الكتب أي القرآن الكريم الذي هو للناس كافة. وقال ما نصّه:  «وتفصيل ذلك أنه صرَف قلبي إلى تحقيق الألسنة، وأعان نظري في تنقيد اللغات المتفرقة، وعلّمني أن العربية أُمُّها، وجامعُ كيفِها وكَمِّها، وأنها لسانٌ أصليٌّ لنوع الإنسان، ولغةٌ إلهاميّةٌ من حضرة الرحمن، وتتمّةٌ لخلْقة البشر مِن أحسن الخالقين.» (1)

والتعليم أيضًا

إضافة إلى ذلك فقد أيّد المسيح الموعود ونصره بالمعجزات والآيات الكثيرة ومنها معجزة تعلمه اللغة العربية من الله تعالى وإحرازه البسطة الكاملة في علومها.

لقد برهن المسيح الموعود   على دعواه هذه بتأليفه 22 كتابًا باللغة العربية الفصيحة من أصل بضعة وثمانين كتابًا، أي ما نسبته ربع مؤلفات حضرته والتي تنوعت لغاتها بين الأردية والعربية والفارسية، وجاءت مؤلفات حضرته العربية في أكثر من 2200 صفحة وتضم في طياتها أكثر من 3500 بيتًا من الشعر باللغة العربية الفصحى.

وستظل هذه الكتب بوجه عام وما ألف منها بالعربية بوجه خاص دليلًا ساطعًا إلى يوم القيامة على حقيقة هذه المعجزة وصدقها.

ومن هذه الكتب سفر هام يسمى بالخطبة الإلهامية وهو عبارة عن خطبة ألقاها حضرته يوم عيد الأضحى ارتجالا بتأييد خارق من الله تعالى على مرأى من صحابته الحاضرين في المسجد، وهي خطبة ملأى بالعبارات البليغة والتعابير الراقية ومفعمة بالنكات الروحانية والمعارف السامية حول فلسفة الأضحية.

محاولة القدح في الآيات السماوية دأب المعارضين

إن قوة سطوع الآيات لم يمنع الخصوم والمعترضين يومًا من محاولات القدح فيها وتسفيهها، وقد اعترض بعض العرب الأقحاح على القرآن وقت نزوله، فلم تحصنهم سلامة قريحتهم اللغوية من الوقوع في زلة الاعتراض على خير الكلام وأفصحه وأبينه، ومما يروى أنه لما قرأ رسول الله على قريش: إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ (2)، امتعضوا من ذلك امتعاضا شديدًا، فقال عبد الله بن الزبعرى: يا محمد، أخاصة لنا ولآلهتنا أم لجميع الأمم؟ فقال : هو لكم ولآلهتكم ولجميع الأمم، فقال: خصمتك ورب الكعبة، ألست تزعم أنّ عيسى بن مريم نبىّ وتثني عليه خيرا وعلى أمه؟ وقد علمت أنّ النصارى يعبدونهما. وعزير يعبد. والملائكة يعبدون، فإن كان هؤلاء في النار فقد رضينا أن نكون نحن وآلهتنا معهم، ففرحوا وضحكوا.(3)

إذن فمن سنة المعارضين وسيرتهم هي أنهم إما يشككون في الآيات والمعجزات التي يأتي بها الأنبياء أو ينكرونها ويكذّبون أنبياء الله تعالى.

فهكذا فعل المعارضون مع جميع الأنبياء بمن فيهم سيد الكونين خاتم النبيين ، الذي أرى معجزات وآيات أعظم وأكثر من جميع الأنبياء، ومع ذلك ظل الكفار في عصره يرددون: لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّه (4).

وكانت النتيجة كما ذكرها الله تعالى:

وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ (5).

وهكذا، لما أعلن المسيح الموعود أن الله تعالى أيّده بالآيات والمعجزات الكثيرة ومن بينها تعلّمه المعجز للّغة العربية وإحرازه الكمال فيها، واجه السيرة نفسها من قبل المعارضين الذين لم يختلفوا عن أمثالهم في الأزمنة السابقة، فقد أنكروا هذه المعجزة وحاولوا التشكيك فيها وإثارة الشبهات حولها، فمرة قالوا إنه لا يعرف اللغة العربية العادية ناهيك أن يملك ناصية اللغة ويصبح نابغة في آدابها وعلومها، واستهزأوا به تارةً أخرى متهمين إياه باستخراج بعض ما زعموا أنها أخطاء صرفية ونحوية، أو بسرقة العبارات القوية والجمل والتعابير الجميلة من بعض الفصحاء والبلغاء القدامى.

لقد بدأت سلسلة اعتراضات المعارضين هذه منذ زمن المسيح الموعود ، فتحداهم أن يبارزوه في مجال التأليف والكتابة باللغة العربية الفصيحة والبليغة لتبيان معارف القرآن الكريم وحقائقه. كما ردّ في كتبه على بعض اعتراضاتهم التي يرددونها لجهلهم أو قلة علمهم.

وبعد وفاة المسيح الموعود ، واصل المعارضون إثارة هذه الاعتراضات من حينٍ لآخر،  وفي كل مرة يأتيهم الرد المبين من خلفاء الجماعة وعلمائها.

إن إلقاء نظرة شاملة على اعتراضات المعارضين يكشف لنا أمرين:

  1. معظم اعتراضات المعارضين تصب في قالب واحد وهو عدم فهمهم لدعوى المسيح الموعود بهذا الخصوص، وبالتالي لو قدّمنا بشكل شامل دعواه حول تعلمه اللغة العربية كآية عظيمة على صدقه لأدت قراءتها إلى تفنيد كثير من الاعتراضات.
  2. ثمة حاجة ماسة لقراءة ما ردّ به المسيح الموعود على اعتراضات المعارضين قراءةً متأنية، لأنه قد ذكر أحيانًا في جملة واحدةٍ ما قد ينتج عن بحوثٍ كثيرة، أو أشار في كلمات وجيزة ومقتضبة إلى منشأ هذه الاعتراضات وطريق الرد عليها. فإنْ جمعنا ردود حضرته في مكان واحد وفصلناها قليلا لأدى ذلك إلى تفنيد الاعتراضات وإبراز عظمةِ دعواه وشوكة هذه المعجزة الكبيرة.

سنة قديمة

من سنة الله تعالى أنه كلما أراد إظهار آية من آيات أنبيائه، جعل المعارضين يطعنون فيها ويعترضون عليها مرة بعد أخرى، مما يدفع أهل الإيمان إلى التمحيص والفحص والتحقيق، فتخرج الكنوز الدفينة نتيجةً لهذا الاعتراض.

وهكذا ونظرًا لاعتراضات المعارضين على دعوى المسيح الموعود بخصوص تعلمه اللغة العربية، قام علماء الجماعة العرب وغير العرب بالبحث في بعض جزئياتها ودقائقها (6)، والغريب أن النتيجة التي خلصوا إليها – بعد التحقيق في كثير من كتب التراث واللغة والقواميس – مذكورة  بين ثنايا كلام المسيح الموعود   قبل أكثر من قرن من الزمان. لكننا لم نتفطن إلى هذه الكلمات أو الجمل ولم ندرك كنهها ونفهم دلالاتها بشكلٍ صحيح إلا بعد هذا التحقيق المذكور.

هذا المقال محاولة بسيطة لعرض دعوى المسيح الموعود بشيء من الشمولية وتقديم بعض الأدلة الهامة على صدقها والرد على اعتراضات المعارضين، والله ولي التوفيق.

الهوامش:

  1. (منن الرحمن، الخزائن الروحانية، مجلد 9، ص 166)
  2. (الأنبياء: 99)
  3. الزمخشري، تفسير الكشاف، تفسير قوله تعالى (وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ * وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ * إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ)
  4. (الأنعام 38)
  5. الأنعام 5)
  6. يمكنكم الإطلاع على ردود الأستاذ تميم أبو دقة حول موضوع تعلم حضرته اللغة العربية:

7. كما يمكنكم الإطلاع على ردود الدكتور أيمن عودة على الرابط التالي:

Share via
تابعونا على الفايس بوك