الهلاك والدمار جزاء الإعراض عن الله تعالى
  • أية نبوءة تقدمها سورة الكهف مصداقا لهذه السنة التاريخية؟
  • ألم يأنِ لأهل أوروبا في هذا العصر إدراك هذه الحقيقة أيضا؟

___________

وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا (الكهف 54)

 شرح الكلمات:

مُواقِعوها: وقَع الشيءُ وقوعًا: سقَط. ووقَع في الشَّرَك: حصَل فيه. (الأقرب). والمُواقِع اسمُ فاعل مِن واقَعَ؛ وقوله تعالى أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا أي هم ساقطون فيها.

مَصـرِفًا: المصرِف اسمُ مكان مِن صرَفه أي ردَّه عن وجهه (الأقرب).

التفسير:

يقرر الله تعالى أنهم لن يروا حينذاك إلا هلاكهم. علمًا أن النار تعني الحرب أيضًا، كما في قوله تعالى كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ .. أي أن اليهود كلما أشعلوا نارَ الحرب أطفأها الله تعالى؛ إذن فقوله تعالى وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفاً يعني أن خطر الحرب لن يزال يهدد هذه الشعوب المسيحية حتى توقن أن لا سبيل للنجاة من الحرب، فستسعى لتفاديها السعي كله، ولكنها لن تنجح في مسعاها.

وأما قوله تعالى فَظَنُّوا فالظن هنا جاء بمعنى اليقين لا الشك، إذ الظن من الأضداد ويعني الشك واليقين كذلك (الأقرب).

وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا الْقُرْآَنِ لِلنَّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا (الكهف 55)

شرح الكلمات:

جَدَلاً: الجَدَلُ: شدةُ الخصومة (الأقرب).

التفسير:

لقوله تعالى وكَانَ الْإِنْسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا مفهومان: الأول أن الإنسان أكثرُ شيءٍ يتأتى منه الجدلُ، أي مهما حاولتَ شرح الأمر لـه فإنه يجد فيه طريقًا للخصومة، ولا يريد أن يطمئن. والمفهوم الثاني هو: جدلُ الإنسان أكثرُ مِن جدلِ كلِّ مجادِلٍ (روح المعاني).. أي أن الله تعالى وهب لـه العقل لكي يحرز الرقي الروحاني وينال معرفته ‍سبحانه وتعالى، ولكنه يتخذ من هذه القوة – التي تميّزه عن سائر الحيوانات – سببًا للمفخرة، ويصبح أحطَّ درجةً من الحيوانات بدلاً من أن يكون بعمله أشرفَ المخلوقات.

علمًا أن كلمة «الناس» في هذه الآية تعني أبناء آدم كلهم، بينما تعني كلمة «الإنسان» النوعَ الخاص منهم الذي مرّ ذكره، والمراد أن الله تعالى قد بين في القرآن الكريم جميع المسائل أيما بيان وبأساليب شتى حتى ينتفع بها البشر، ولكن ذلك النوع الخاص من البشر الذي مر ذكره يتخذ من هذا البيان ذريعة للجدال والنقاش، ويطعن في هذه الأساليب البيانية القرآنية.

وإن في ذلك إيماءة إلى أن المسيحيين سيعتبرون تفاصيل الشرع هذه لعنةً وذلك تنصلاً من العمل بالشرع، مع أنها إنما تستهدف إنقاذ البشر من الهلاك.

وَمَا مَنَعَ النَّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جَاءَهُمُ الْهُدَى وَيَسْتَغْفِرُوا رَبَّهُمْ إِلَّا أَنْ تَأْتِيَهُمْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا (الكهف 56)

شرح الكلمات:

سُنّة: راجع شرح كلمات الآية رقم 14 من سورة الحِجر.

قُبُلاً: القُبُلُ: نقيضُ الدُّبُرِ (الأقرب).

 

التفسير:

أي أن القرآن مليء بدواعي الهدى بحيث يزيل كل عائق في سبيل الهداية. فكان الأجدر بهؤلاء أن يتوبوا من عقائدهم الخاطئة ويهتدوا بهدي القرآن، ولكنهم لا ينتفعون به، وكأنهم قد آلَوا إلا أن يروا العذاب. علمًا أن قولـه تعالى سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ يعني الدمار الشامل النهائي، بينما قوله تعالى أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ قُبُلًا يعني أنواع العذاب الذي سيحلّ بهم قبل ذلك الدمار النهائي. فالله تعالى يعلن أن هؤلاء يريدون بعملهم العذاب بنوعيه.

وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَيُجَادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا (الكهف 57)

 شرح الكلمات:

الباطل: راجع شرح كلمات الآية رقم 73 من سورة النحل.

ليُدحضوا: أَدحضَ القدمَ: أزلَّها. أَدحضَ الحُجّةَ: أَبطلَها وأَزالَها ودفَعها (الأقرب).

 

التفسير:

قولـه تعالى لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ يعني أن الكافرين يخاصمون ويمارون بالباطل كي يمحقوا به الحقَّ ويزيلوه من العالم.

والمراد من قوله تعالى وَاتَّخَذُوا آيَاتِي وَمَا أُنْذِرُوا هُزُوًا أننا نُري الآيات فعلاً ولكنهم يستهزئون بها. وهذا هو دأب الأوروبيين في العصر الحاضر، حيث لا يولون للآيات الإلهية أدنى اهتمام، بل يعدّونها ضربًا من أوهام الحمقى. يهتمّون بالتدابير العقلية،  أما آيات الله فيحتقرونها احتقارًا.

وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ إِنَّا جَعَلْنَا عَلَى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آَذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدَى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذًا أَبَدًا (الكهف 57)

 التفسير:

أي مَن أظلم ممن إذا قُرئت عليه آيات الله تعالى احتقرها معرضًا عنها، ولم يفكّر أن أعماله – التي قام بها معتمدًا على عقله – قد أسفرت عن المزيد من الفساد والفتن والحروب. وبالرغم من أنه قد جرب أنه قد فشل في توطيد السلام بناء على عقله فشلاً ذريعًا، إلا إنه لا يلتفت إلى المعونة الإلهية والهداية السماوية؛ وهذا يدل على أنه يرفض ما جرّبه بنفسه. فكم هي شنيعةٌ جريمةُ وغفلةُ تلك الأمة التي تدّعي أنها تؤسس أعمالَها على التجارب، إذ تولي اهتمامًا شديدًا للتجارب الجزئية، ولكنها لا تنتفع من نتائج الخبرة التي هي خبرة القوم كلهم. إذًا فليس مآل ذلك إلا أن يحرمهم الله من الفهم السليم إذ قد رفضوا عمليًّا أن يستعينوا بالفهم السليم، وأن يتركهم وشأنهم لأنهم لن ينتفعوا من نصح ناصح مهما قدّم لهم مِن نُصحٍ.

وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا (ا 59)

التفسير:

يعلن الله تعالى إنه لو عاقبهم على جرائمهم لأهلكهم من زمان، ولكنه تعالى لا يهلك قومًا بدون إنذار، لذلك سوف يحذّرهم أولاً، وسيؤاخذهم بعد إقامة الحجة عليهم بواسطة المأمور الذي يرسله في ذلك الوقت.

وقولـه تعالى بلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا يعني أنه تعالى قد حدد لهم موعدًا، ولن يجدوا للنجاة منه ملاذًا سوى الله تعالى.

وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِداً (الكهف 06)

التفسير:

أي قد خلت قبلهم كثير من الأمم التي لما ظلمتْ، أي لم تصحح موقفها رغم الإنذار السماوي، دمّرها الله تعالى حسبما أنبأ عن هلاكهم سلفًا. إذًا فينبغي لهؤلاء أيضًا أن يفكّروا أنهم مهما أحرزوا من رقي وتقدم فإنهم بشر على كل حال، فأنى لهم أن ينجوا من الهلاك جراء إعراضهم عن الله تعالى وقد هلك البشر قبلهم للسبب ذاته.

واليوم أيضًا يرى 99 % من الناس أن أوروبا لن تُدمَّر بعد الآن. ولكن الله تعالى ينبئ هنا أنه ظن خاطئ يدل على جهل أصحابه. فمن ذا الذي كان يتصور أن الإمبراطوريات السابقة ستدمَّر في يوم من الأيام. ومن ذا الذي كان يتصور أن إمبراطوريات المسلمين أو الرومان أو الفرس ستزول في يوم من الأيام؟ ولكنها كلها هلكت وبادت. فاستغراب الناس من زوال ملك هؤلاء القوم ينافي العقل.

Share via
تابعونا على الفايس بوك