حكمة دعاء نوح عليه السلام على قومه
  • نوح ورده على مطاعن الكافرين له ولأتباعه
  • عناد الكافرين لإنباءات نوح
  • الدعاء للقوم بالهداية، كما يشاء الله
  • تشابه مطاعن الطاعنين
  • نفاذ مشيئة العذاب ونقاء سريرة نوح
  • عين الله
__
وَيَا قَـوْمِ مَنْ يَنْـصُرُنِي مِنَ الله إِنْ طَرَدْتُهـُمْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (هود: 31)

التفسـير:

يستمر سيدنا نوح في ردّه على طعنهم في أصحابه ويقول: إن قصدكم من هذه المطاعن أن أطردهم عنّي، ولكن ألا تفكرون أنني لست بمسؤول أمامكم، بل أنا مسؤول أمام الله عز وجل، فكيف يمكن أن أثير سخطه عليّ بغية رضاكم. ألا ترون أنني لو طردتهم صرت ناكرًا لجميلٍ صنعه الله إليّ من أجل نصرتي، وبالتالي أثرتُ غضبه وسخطه، وأَنَّى لي بعد غضبه عليّ أن أؤدي هذه المسؤولية الجسيمة العظيمة التي ألقاها على عاتقي الضعيف.

وَلا أَقُولُ لَكُـمْ عِنْدِي خَزَائِنُ الله وَلا أَعْلَمُ الْغَيْـبَ وَلَا أَقُـولُ إِنِّي مَلَـكٌ وَلا أَقُولُ لِلَّذِيـنَ تَـزْدَرِي أَعْيُنُـكُمْ لَنْ يُؤْتِيَـهُمُ الله خَيْرًا الله أَعْلَـمُ بِمَا فِي أَنْـفُسِهِمْ إِنِّي إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ (هود: 32)

شرح الكلمـات:

تزدري: ازدراه: احتقره، واستخف به (الأقرب)

التفسـير:

هنا يجيب سيدنا نوح على طعن الكفار بأسلوب آخر ويقول: إنكم تعترضون على كوني بشرًا مثلكم، ولكن الواقع أنه لا تعارضَ بين دعواي وبين كوني بشرًا، إذ ليس ضروريًا أن يكون الرسول مختلفاً عمّن أُرسل إليهم، بل يجب أن يكون مثلهم. فلو أنني ادّعيت مثلاً بأن الله قد سلّم إليّ ملكوته لجاز لكم الاعتراض عليّ قائلين: إنه لمن المستحيل أن يفوّض الله أمر ملكوته إلى بشر مثلنا، ولكني لا أدّعي ذلك أبداً، بل كل ما أقوله هو أن الله تعالى قد أنعم عليّ واتخذني وسيلةً للكشف عمّا يريد كشفه لعباده من علم الغيب.

ويستطرد نوح في رده على ما رموا به أتباعه قائلاً: إنكم تحكمون عليهم وفق حالتهم التي ترونهم عليها الآن من فقرٍ وبؤسٍ، ولكن من ذا الذي يعلم ما يخفيه  لهم المستقبل. أنا لا أدّعي علم الغيب، ولا أجزم بما سيؤتيهم ويوفيهم الله تعالى من خير. وهذا تأكيد لطيف منه على خير الجزاء الذي سيؤتيهم الله، كما أنه يحمل طابع تعريض لاذع بالكفار المعاندين.

وفي الآية نفسها يوضّح سيدنا نوح مراده فيقول: تحكمون عليهم بالرذالة لمجرّد بؤسهم الظاهري، مع أن الفقر الظاهري لا يجعل صاحبه رذيلاً، وإنما هو فساد القلب الذي يجعل صاحبه رذيلاً وبعيدًا عن رحمة الله. وما دام الله هو العليم بذات الصدور فهو الذي سيحكم بيننا فيما بعد، فإذا كان هؤلاء الناس طيِّبـي النفوس في نظره عز وجل، فلا شك في أنه سيجزيهم على خدماتهم وتضحياتهم خير الجزاء.

وقوله إني إذًا لمن الظالمين جاء  ليُنبههم  إلى أن من يزعم لنفسه ما لا يستحقه فعلاً يسحقه الله سحقًا؛ أو أن من يحكم على غيره بدون حق فهو ظالم. وأنا لا أدّعي لنفسي بما لا حق لي فيه، كما أنني لا أتجاسر على أن أحكم على أتباعي بخلاف ما يُظهرونه من أعمال وتصرفات.

إلى هذه الدرجة يرتدع ويتورع الأنبياء من الحكم على الآخرين بخلاف ما يظهر منهم، ولكن الأسف كل الأسف أن الناس عامةً جريئون جداً على أن يحكموا على غيرهم بفتاوى خطيرة عند كل صغيرة وكبيرة، في حين كان الأجدر بهم أن يكونوا أكثر خوفًا وأشد حذرًا.

مع العلم أن الظلم معناه أخذ الحق من صاحبه ووضعُه في يد من لا يستحقه. فالمراد من قول سيدنا نوح هنا: أنني لو ادّعيت بأنني أملك الخزائن وأطّلع على الغيب وأُشارك في ملكوت السماء والأرض، لعزوت لنفسي ما هو مِلكٌ لله وحده جلّ شأنه، وإذا زعمتُ بأنه لن يؤتيهم الله خيرًا كنتُ هاضمًا لحقوق المؤمنين، وفي كلتا الصورتين سأصبح حتماً من الظالمين.

قَالُوا يَا نُوحُ قَدْ جَادَلْتَنَا فَأَكْثَرْتَ جِدَالَنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ (هود: 33)

التفسـير:

كان نوح قد أشار فيما سبق إلى انتصار المؤمنين وازدهارهم، ولما كان انتصارهم هذا يتوقف على هلاك الأعداء، الذي سيمهّد الطريق لرقيهم، لذلك أدرك هؤلاء الكفار على الفور أنه يتوعَّدهم بالهلاك، فقالوا له: حسنًا، دعنا من هذه النقاشات، وأخبِرْنا صراحةً متى موعد هلاكنا الذي تهدّدنا به إن كنت من الصادقين.

قَالَ إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ الله إِنْ شَاءَ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (هود: 34)

التفسـير:

فأجابهم نوح  قائلاً: الآن فهمتم قولي وأدركتم قصدي ومرادي، ولكني لا أملك في أمر العذاب أي خيار أبدًا .

هذه الآية تبين لنا ثلاثًا من سنن الله تعالى فيما يتعلق بالأنباء الإلهية عن العذاب.

أولاها: أنّ موعد تحقق الأنباء الوعيدية يبقى على العموم خافيًا.

وثانيتها: أنه يمكن إلغاء الوعيد كليةً، وذلك بدليل  قول الله إن شاء بمعنى أن نبأ العذاب -رغم الإعلان عنه- يمكن إلغاؤه أصلاً.

وثالثتها: أنه بالرغم من إلغاء الأنباء الفرعية إلاّ أنه من المستحيل أن  يلغى النبأ الأساسي والجوهري وهو أن رُسل الله وأتباعه هم الغالبون في آخر المطاف حتمًا، ومن أجل ذلك قال وما أنتم بمعجزين : أي سواء أتاكم الله بالعذاب أم لا، إلا أنكم لن تُعجزوه  عما يريد، فالمؤمنون هم الغالبون في آخر الأمرحتمًا.

وليعلم القسيس أن هذا الذي يعدّه مفترياً على الله قد صار غالبًا على أعدائه، ولكن الذي يتخذه القسيس وأمثاله ابناً لله سبحانه قد نجح الأعداء في تعليقه على الصليب!

وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كَانَ الله يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ هُوَ رَبُّكُمْ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُون (هود: 35)

َ

شرح الكلمات:

نصحي: نَصَحَه ونَصَحَ له نَصحًا ونُصحاً ونَصاحَةً ونصاحيةً: وَعَظَه وأخلص له المودة، وهو باللام أفصَحُ (الأقرب).

يغويكم: غوى يغوي غيًّا: ضلَّ وخاب وانهمك في الجهل؛ هَلَكَ. وغَوِيَ غَوايةً: ضلَّ. وأغواه: أضلّه. (الأقرب).

 التفسـير:

يقول لهم سيدنا نوح: إنني أتمنى لكم الهدى وأُخلص لكم  المحبة، ولكن حبي لله أكثر وأشد من نصحي لكم ومحبتي إياكم، فإذا كان الله يرى الخير في هلاككم فإنني راضٍ بما يرضى هو جل شأنه.

إن هذه الآية تدحض بكل وضوح وصراحة الزعمَ بأن نوحًا تسرَّعَ في الدعاء على قومه بالهلاك، إذ إنه لم يدعُ عليهم من تلقاء نفسه، بل إن الله تعالى هو الذي أمره بذلك، وإنه يعلن لهم هنا صراحة بأنني لا أملك أي خيار إذا كان الله يريد أن يهلككم.

ثم إنه دفع عن الله تعالى أيضًا أي اعتراض وعيب فقال: هو ربكم .. أي ما دام خالقكم الذي يربيكم قد قضى بهلاككم فلا شك أن هذا هو خير لكم ولمن سواكم.

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ (هود: 36)

شرح الكلمات:

إجرامي: أَجْرَمَ: أذنب؛ عظُم جرمُه (الأقرب)

التفسـير:

هذه الآية أيضًا استمرار لحديث نوح مع قومه ولا تتحدث عن النبي محمد . وهناك فرق واحد هو أن الخطاب من قبل كان موجّهًا من نوح إلى قومه، وأما هنا فمِن الله إلى نوح، حيث أمره أن يردّ عليهم بقوله: إن كنت كاذبًا ما تزعمون بأنني أفتري هذا الكلام من عند نفسي فلا شك أن هذه جريمة كبرى سأعاقَب عليها حتمًا، فلا داعي لقلقكم وهلعكم. أما إذا كنت صادقًا في دعواي فاعلموا أن تكفيركم إياي معصية كبرى ستعاقَبون عليها دونما شك، ولا خوف عليّ من ذلك.

وبقوله وأنا بريء مما تُجرمون قدّم لهم جوابًا لطيفًا آخر على تهمة الافتراء حيث قال: ألا ترون أنني منـزّه تماماً عن كلّ ما أنتم فيه من معاصٍ وجرائم، فكيف تستسيغون إذًا اتهامي بأنني أتجاسر على كبرى الجرائم وهي الافتراء على الله عز وجل. إن العقل السليم لا يُقرّ ذلك أبدًا. فلا شك في أنّ التهمة التي ترمونني بها باطلة تمامًا.

لقد طعن القسيس “وهيري” في هذه الآية حين قال: لقد أخطأ من زعم أن هذه الآية تتحدث عن نوح، بل الواقع أن محمداً كان يختلق القرآن من عند نفسه – والعياذ بالله – مفتريًا على الله، وكان قد نسي هنا ما إذا كان يتحدّث عن نوح أم عن نفسه، ولذلك قال على الفور أم يقولون افتراه متداركًا خطأه ونسيانه (تفسير وهيري).

الحق أن المعنى الأصح للآية هو ما سبق أن ذكرته آنفًا، ولكن بعد اطّلاعي على طعن القسيس أرى أنها تتحدث أيضا عن رسول الله . حيث دحض الله بها مزاعم القسيس ومَن على شاكلته. ذلك أنه سبق أن زعم القسيس عن قوله تعالى ولا أقول لكم عندي خزائن الله … (الآية 32) أن نوحًا لم يتعرض لمثل هذه الاعتراضات، وإنما الواقع أن محمدًا يدافع عن نفسه بلسان نوح ليوهم القوم أن هذه الاعتراضات ليست بدعًا من كفّار مكة، بل لم يزل الناس يثيرونها ضد أنبيائهم. فكأن القسيس اتهم سيدنا محمدا بافتراء هذا الكلام من عند نفسه. فأرى أنه من الممكن تمامًا أن يكون الله الذي هو عالم الغيب قد جاء بهذه الآية كجملة معترضة هنا تفنيدًا لهذه الأفكار المريضة من القسيس وأمثاله، منبئًا رسوله بأنه سيأتي يا محمد في المستقبل قوم سيطعنون في أحداث الماضي هذه، زاعمين بأن نوحًا لم يقل هذا، وإنما افتراه محمد من عنده، فعليك أن ترد عليهم بأنني لو كنت مفترياً فسوف يعاقبني الله على الافتراء لا محالة، ولن أنجوَ من عذابه أبدًا.

وليعلم القسيس أن هذا الذي يعدّه مفترياً على الله قد صار غالبًا على أعدائه، ولكن الذي يتخذه القسيس وأمثاله ابناً لله سبحانه قد نجح الأعداء في تعليقه على الصليب!

فهل يعامل الله المفترين بما عامل به محمدًا ؟! ثم إن صدق النبي متحقق أيّما تحقق أيضا بكونه مبرأً طاهراً من كل ما قد تلطخ به قومه من أرجاسٍ وعيوبٍ ومعاصٍ.

وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ (هود: 37)

شرح الكلمات:

لا تَبتَئِسْ: ابْتَأَسَ: كَرَِه وحَزِنَ. لا تبتئِس أي لا تحزن ولا تشتكِ (الأقرب)

التفسـير:

هذه الآية أيضا تؤكد بكل وضوح وجلاء أن دعاء نوح لقومه، سواء أكان دعاء خير أم دعاء شر، إنما كان بأمر من عند الله تعالى، لا من عند نفسه، لأنه تعالى يأمره هنا (فلا تبتئس بما كانوا يفعلون)، مما يؤكد أنه لم يكن قد يئس من إيمانِ قومه إلى حين نزول هذا الأمر الإلهي، بل كان قلقًا على حالتهم بسبب عدم إيمانهم. فلو اعتبرنا دعاءه (ربّ لا تَذَرْ على الأرض من الكافرين ديّاراً) (نوح:27) دعاءً عليهم، لوجب علينا أن نرى ما إذا كان هذا الدعاء قد صدر عنه قبل أم بعد نزول الآيه التي نحن بصدد تفسيرها؟ فإذا كان قد دعا به بعد نزولها، فلن يُعتبر دعاء شرٍ، بل إنه كان تعبيرا عن استسلامه لقضاء الله فيهم، لأنه تعالى إذا كان قد قرر تدميرهم من قبل، فما كان نوح بحاجة للدعاء لهلاكهم. أما إذا قيل بأنه قد دعا به قبل هذا القضاء الإلهي فلا يبدو هذا قولاً صائباً، لأنه لو كان قد دعا لهلاكهم قبل صدور هذا القضاء فكيف قيل له (لا تبتئس بما كانوا يفعلون). كيف يمكن أن يصاب بالقلق والهمّ على سماع هلاك قوم كان يدعو من قبل لهلاكهم، بل يجب أن يسرّه الخبر؟ فالواقع أن القضاء السماوي لهلاكهم كان أسبق زمناً من دعائه هذا، وأن دعاءه ليس دعاء شر وإنما هو  بمثابة تعبيره عن قبوله قضاءَ الله وانقياده لقرار السماء. وكأنه يقول: يا رب، ما دمتَ قد قضيت بهلاكهم فأهلِكْهم، فأنا راضٍ ومستسلم لقضائك.

أما إذا كان أحد يصرّ على اعتباره دعاء شر فليعلم أن نوحًا لم يدعُ به من تلقاء نفسه بل بأمرٍ من عندِ الله، ومثل هذا الدعاء لا يمس بشأن الأنبياء، لأنه إذا أخبر العليم الخبير بمصيرٍ تعيسٍ لقومٍ فالدعاء بحرمانهم من الهدى لا يمثّل إلاّ بياناً للواقع والحقيقة.

ولو قيل: ما دام الله قد قرر هلاكهم فما الداعي لأن يدعو بهذا الدعاء؟ فالجواب هو أن النبي رغم تلقِّيه خبرَ عذاب قومه، لا يزال يشفع عند الله لهم نظراً إلى رحمة الله الواسعة، عسى أن يلغي وعيده بالعذاب. وهذا ما فعل نوح ، إذ لم يبرح يتوسّل إلى الله تعالى طالبًا لهم الرحمة إلى أن أدرك أن تأخير العذاب أكثر من ذلك ضارّ بمصالح الدّين، وإذّاك دعا ربه قائلاً: فليكن الآن، يارب، ما قررت وقضيت.

فالواقع أن القضاء السماوي لهلاكهم كان أسبق زمنًا من دعائه هذا، وأن دعاءه ليس دعاء شر وإنما هو  بمثابة تعبيره عن قبوله قضاءَ الله وانقياده لقرار السماء. وكأنه يقول: يا رب، ما دمتَ قد قضيت بهلاكهم فأهلِكْهم، فأنا راضٍ ومستسلم لقضائك.

وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُمْ مُغْرَقُونَ (هود: 38)

شرح الكلمات:

الفُلك: السفينة يذكَّر ويؤنَّث (الأقرب)

أعيننا: الأعين جمع عينٍ وهي كلمة كثيرة المعاني ومنها: الباصرةُ؛ وتُطلَق على الحدقة؛ أهلُ البلد؛ أهلُ الدّار؛ الإصابةُ في العين، يقال به عين (أي مرض في عينه)؛ الدَيْدَبان (أي الرسول)؛ الجاسوسُ؛ الجماعةُ؛ حاسّة البصرُ؛ الحاضر من كلّ شيء؛ خيارُ الشيء ؛ الدّينارُ؛ نفسُ الشيء وذاته؛ النقدُ الحاضر؛ السيّدُ؛ الشّمسُ أو شعاعها؛ العتيدُ من المال؛ مطرُ أيّام لايقلع؛ الينبوع. أنت على عيني: أي في الإكرام والحفظ (الأقرب). فُلان بعيني: أي أحفظه وأراعيه. قال: (فإنك بأعيننا)، وقال: (واصنعِ الفلك بأعيـننا) أي بحيث نرى ونحفـظ، ومنه: عين الله عليـك: أي كنت في حفـظ الله (المفردات)

التفسـير:

عندما أخبر الله نوحًا بهلاك قومه أمره أيضاً أن يصنع سفينةً مستعينًا بأتباعه أو أهل بيته.

لقد ذكرنا آنفاً أن من معاني العين أهل الدار، ولا يكون من أهل دار النبي أقاربه فقط، بل إن أتباعه أيضًا يُعتبرون أهل داره، لأن كلّ قرابة له تأخذ طابعًا روحانيًا، فلا يُعدّ من عشيرته المادية قريبًا له إلاّ الذي يؤمن برسالته ويبقى على صلة روحانية به، ولذلك فسرنا قوله تعالى (بأعيننا) بمعنى أقاربنا وأتباعنا.

مع العلم أن قوله تعالى (بأعيننا) بمعنى أهل دارنا لا يعني أن لله تعالى داراً ماديةً، بل قد نسبهم الله تعالى إلى نفسه لأن المخلصين من أتباع النبي هم أيضاً يصبحون من أحبّاء الله تعالى. ونظيره قوله تعالى فادخلي في عبادي وادخلي جنتي (الفجر: 30-31). فالمراد من أهل دار الله تعالى من يستحقون جنته. وقد استخدم هذا التعبير ليلهمهم مزيدًا من السكينة والسلوان لدى اقتراب فاجعة العذاب.

وقوله تعالى (بأعيننا) قد يعني أيضًا أن اصنع السفينة وعينُ الله تكلؤُكَ وترعاك بطرقٍ شتّى، لأن من معاني (العين) الحفاظة والإكرام أيضًا. فالمعنى أنك سوف تتعرض أثناء صنعك السفينةَ لأنواع السخرية والازدراء من قبل القوم، فلا تكترث بما يصنعون، لأننا سوف نحفظك ونكرمك.

وأرى أن قوله تعالى (بأعيننا ووحينا) إشارة إلى سفينتين: سفينة مادية كانت تصنع بمساعدة المؤمنين، وسفينة روحانية تصنع بالتقوى التى تنجي صاحبها من العذاب.

أما قوله تعالى ولا تخاطبني في الذين ظلموا فهو دليل آخر على أن نوحًا لم يدعُ عليهم قبل صدور القرار السماوي بعذابهم، لأنه إذا كان يدعو عليهم قبل ذلك أيضًا فلماذا يخاطبه الله بقوله: (ولا تخاطبني في الذين ظلموا).

Share via
تابعونا على الفايس بوك