إشارة خفية في اسم يحيي
  • هل استجاب الله تعالى دعاء عبده زكريا؟ وكيف؟
  • ما النبوءة الإلهية التي يحملها اسم “يحيى” عليه السلام؟

 ___

يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا (مريم 8)

شرح الكلمات:

غلام: الغلام: الطارُّ الشاربُّ؛ أو هو مِن حين يولَد إلى أن يشبّ، ويُطلَق أيضًا على الكهل (الأقرب). وكأنّ الغلام يطلق على الأدوار الأربعة من الحياة ما عدا الشيخوخة.

سَمِيًّا: السميّ: مَن كان اسمه اسمَك؛ نظيرُك (الأقرب).

التفسير:

إن الذي دعا كان من المصطفَين الأخيار، فدعا دعاء كاملا، فانظروا الآن إلى المستجيب الذي يملك الكمال كله حيث قال الله تعالى لـه: يا زكريا، إنا نبشرك بابن سيبلغ الكهولة ولكنه لن يرى الشيخوخة.

أما قول الله تعالى اسْمُهُ يَحْيَى .. فاعلم أن الأولاد لما كانوا يُسمَّون بعد الولادة لا قبلها، فالمراد من هذه الجملة أنه إذا وُلد لك هذا الابن فسمِّه يحيى. وليس المراد منها أن الله تعالى قال لزكريا إن ولدك سيبدأ بترديد «اسمي يحيى» بمجرد أن يولد.

وليكن معلومًا أن القرآن الكريم قد سمى الولد يحيى، ولكن جاء اسمه في النسخة الأردية للكتاب المقدس يوحنا، أما في النسخ العبرية واليونانية والإنجليزية فجاء اسمه كالآتي: yohanan, Joannes, و John.

وإني لا أعلم معنى يوحنا في العبرية، ولكن الاسم العربي «يحيى» له معنى ومغزى ويعني الشخص الذي يعيش. إذًا فكان في قوله تعالى اسمه يحيى إشارة إلى أن هذا الولد سيعيش وعليك أن تسميه يحيى. أو المعنى أن هذا الولد صفتُه «يحيى» وسيُكتب لـه الخلود. ويتضح من القرآن الكريم أن الشهداء يعيشون إلى الأبد، إذًا فكأن في اسم «يحيى» إشارة إلى أن هذا الولد سيُستشهد في سبيل الله تعالى، وينال مقامًا عاليًا في الروحانية بحيث يُكتب له الخلود إلى الأبد.

والبديهي أن نبيًّا مثل المسيح لا يمكن أن يموت أبدًا، إذا كيف يموت النبي الذي نبوته منوطة بالمسيح. إن المسيح لا يمكن أن يموت لأنه إرهاص لنبي لا يمكن أن يموت أعني نبينَا محمدًا رسول الله ، وإن يوحنا لا يمكن أن يموت لأنه إرهاص للمسيح الذي لا يمكن أن يموت. وهذا ما قد حصل فعلاً، حيث ترون أن نبينا قد أخبرنا أنه قد جاء قبله مائةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا من الرسل (مسند أحمد، باقي مسند الأنصار رقم الحديث 21257)، ولكنا لا نعرف حتى أسماء مائة منهم. فثبت أن الأنبياء الآخرين قد ماتوا، وأنه ليس بالضرورة أن يعيش كل نبي للأبد، بل إن بعضًا منهم قد كُتب لهم الخلود، وبعضهم قد ماتوا. وكان يحيى من بين الأنبياء الذين كتب لهم الخلود، لأن نبوته منوطة بالمسيح الذي بدوره خالدٌ، لكون نبوته منوطة بمحمد رسول الله الذي هو نبي خالد إلى الأبد.

ثم قال الله تعالى لم نجعَلْ لـه مِن قبل سميًّا[، والسميّ لـه معنيان: الأول: مَن كان اسمه كاسمك؛ والثاني: مَن كان نظيرَك. لقد ظن المفسرون خطأً أن السميّ هنا جاء بالمعنى الأول، أي لم يوجد قبل يحيى أحد اسمه يحيى (البحر المحيط). وهذا خطأ. فقد ذكرت التوراة نفسها عدة أشخاص كانوا يُدْعَون يوحنا. فكان أحد أسياد اليهود يسمى يوحنا (الملوك الثاني 25: 23). كما كان أحد أحفاد سليمان يدعى يوحنا (أخبار الأيام الأول 3: 15)، وكان واحد من الذين رجعوا من إيران مع عزرا النبي لتعمير أورشليم يدعى يوحنا (عزرا 8: 12). فمن الخطأ القول أنه لم يوجد أحد بهذا الاسم قبل يحيى مطلقًا، لأنه خلاف الواقع.

والمسيحيون الذين هم دائمًا بالمرصاد للطعن في الإسلام وجدوا في رأي المفسرين هذا فرصة سانحة للاعتراض على القرآن الكريم، فأخرجوا من التوراة أسماء هؤلاء، ثم راحوا يؤيدون اعتراضهم بقولهم أن محمدًا – والعياذ بالله – سمع من بعض القوم شيئًا مما ورد في الإنجيل. فكان مما سمعه أن زكريا صار أبكمَ لا يتكلم قبل ولادة يحيى، فلما جاءه أقاربه في اليوم الثامن ليختنوا ابنه، واقترحوا أن يكون اسمه زكريا مثل أبيه، قالت أم الولد: لا، بل يسمى يوحنا. فقالوا لها: «ليس في عشيرتك أحدٌ تَسمَّى بهذا الاسم». فأشاروا إلى أبيه الأبكم وقالوا: ماذا يريد أن يسمَّى الابن، فطلب لوحًا وكتب قائلا: اسمه يوحنا. وفي الحال انطلق لسان زكريا وتَكلّمَ (انظر لوقا 1: 57-64). فانخدع محمد بقولهم: «ليس في عشيرتك أحدٌ تَسمَّى بهذا الاسم»، حيث لم يستوعبه محمد ( ) جيدًا، فظن أنه لم يوجد في الدنيا من قبل أحد باسم يوحنا مطلقًا، مع أن ما قال الأقارب لزكريا إنما هو أنه لم يوجد في أقاربه أحد بهذا الاسم. فكتب محمد في القرآن أنه لم يوجد في الدنيا أحد بهذا الاسم قبل يوحنا. (تفسير القرآن لـ «ويري»)

الاسم العربي «يحيى» له معنى ومغزى ويعني الشخص الذي يعيش. إذًا فكان في قوله تعالى اسمه يحيى إشارة إلى أن هذا الولد سيعيش وعليك أن تسميه يحيى. أو المعنى أن هذا الولد صفتُه «يحيى» وسيُكتب لـه الخلود. ويتضح من القرآن الكريم أن الشهداء يعيشون إلى الأبد، إذًا فكأن في اسم «يحيى» إشارة إلى أن هذا الولد سيُستشهد في سبيل الله تعالى، وينال مقامًا عاليًا في الروحانية بحيث يُكتب له الخلود إلى الأبد.

إن القرآن الكريم لم يقل هذا أبدًا. إن كلمات القرآن واضحة تمامًا، وإنما المفسرون هم الذين أخطأوا في تفسيرهم. إن كل ما أعلنه القرآن الكريم إنما هـو لم نجعَلْ لـه مِن قبل سميًّا .. أي لم نجعل من قبل أحدًا سميًّا لـه. فالسؤال الذي يفرض نفسه هنا هو: هل الله تعالى يسمي أولاد الناس أم أن آباءهم هم الذين يسمونهم؟ افحصوا عادات المسيحيين أو الهندوس أو المسلمين؟ الجميع يعرف أن آباءهم هم الذين يسمونهم. ولكن الله تعالى يعلن هنا لم نجعَلْ لـه من قبل سميًّا .. أي لم نُسمِّ أحدًا يوحنا قبل ذلك. فلو ثبت بعد ذلك وجود آلاف الملايين من الناس باسم يوحنا في الدنيا قبل يحيى، فلن يقدح ذلك في القرآن الكريم أبدًا؛ ذلك لأن القضية لا تتعلق بوجود أشخاص باسم هذا الاسم قبل يحيى، وإنما السؤال: هل وُجد قبله أحد سماه الله نفسه بهذا الاسم؟ فمثلاً يوجد في بلادنا الملايين الذين أسماؤهم محمد، أو عبد الله، أو عبد الرحمن، أو عبد الرحيم، وكل هؤلاء قد سماهم آباؤهم ولم يسمهم الله تعالى بهذا الاسم. فلو أن الله تعالى قال بعد ذلك لأحد بالإلهام: لقد سمّينا مولودك القادم عبد الرحمن، فسَمِّه به، ولم نسمِّ أحدًا بهذا الاسم من قبل؛ فسمّى هذا ولده عبد الرحمن، فهل يجوز لأحد بعد ذلك أن يقول له: كلا، أنت كاذب، فهناك الملايين الذين اسمهم عبد الرحمن؟ أفلا يقول هذا الأب: إنهم ليسوا كابني، لأنهم قد سماهم آباؤهم، أما ابني فقد سَمَّاه الله بنفسه. فثبت أن لا اعتراض على قول القرآن هذا. إنما يصح الاعتراض لو قال الله تعالى أنه لم يوجد قبل يوحنا أحد دُعي بهذا الاسم. ولكن ما يعلنه القرآن هو أن الله تعالى قال إنه لم يسم أحدًا بذلك الاسم. وهذا صحيح تمامًا، لأن كل أولئك الذين يشير إليهم هؤلاء المسيحيون إنما سماهم آباؤهم، بينما يعلن القرآن الكريم هنا أن الله تعالى هو الذي أطلق ذلك الاسم  على ذلك المولود. فلا وجه للاعتراض.

هذا، وإن كلمة «السميّ» تعني النظير أيضًا في اللغة العربية، وعليه فقوله تعـالى لم نجعَلْ لـه مِن قبل سميًّا يمكن أن يعني: أننا لم نجعل لـه نظيرًا ولا مثيلاً.. أي أن الله تعالى يشير هنا إلى كون يحيى إنسانًا منقطع النظير.

ولو سُئلنا: كيف صار يحيى منقطع النظير؟ ألم يكن موسى نظيرًا لـه؟ لقلنا: إن الإنسان يمكن أن يكون منقطع النظير في مجاله الخاص. فمثلاً نقول: فلان فارسٌ منقطع النظير، وفلان خطاط لا نظير لـه، وإن فلانًا رسام لا مثيل له، وإن فلانًا مفسر عديم المثال. وهذا لا يعني أن الذي هو منقطع النظير في الفروسية هو بالضرورة عديم المثال في الرسم أيضًا؛ أو أن الذي لا نظير لـه في التفسير هو خطاط منقطع النظير أيضًا. فثبت أن كون أحد عديم المثال في مجال ما لا يعني بالضرورة أن يكون منقطع النظير في كل المزايا والمجالات.

تعالوا الآن لنرى المجال الذي فيه كان يحيى عديم النظير.

يكشف لنا التدبر في الأمر أن يحيى هو أول نبي جاء حاملاً اسم نبي آخر وصفاته أعني إلياس ؛ أي أنه أول الأنبياء الذين جُعلوا إرهاصًا، إذ لا نجد بين جميع الأنبياء السابقين له أحدًا بُعث إرهاصًا لنبي آخر. أما بعد يحيى فجاء عيسى إرهاصًا لنبينا محمد رسول الله . ثم جاء حضرة سيد أحمد البريلوي(1)  إرهاصًا لسيدنا أحمد المسيح الموعود .

إذن فإن قوله تعالى لم نجعل لـه سميًّا يعني أنه تعالى لم يجعل من قبل أحدًا مثيلاً ليحيى، بمعنى أنه أول نبي جاء مثيلاً لنبي آخر. وبالفعل ترون أنه بعد بعثة سيدنا المسيح الموعود لا بد لنا من ذكر اسم يحيى مرة بعد أخرى؛ ذلك لأن الأنباء تؤكد أن المسيح الموعود سينـزل من السماء، وعندما يسألنا المعارضون أين المسيح المزمع نـزوله من السماء نرد عليهم ونقول: لقد سُئل المسيح الناصري السؤال نفسه عندما  أعلن دعواه حيث قال لـه القوم: لقد وُعدنا في كتاب ملاخي النبي بنـزول إيليّا ثانية، وأنه سينـزل قبل ظهور المسيح، فأين إيليا المزمع نـزوله؟ فأجاب المسيح: إن يوحنا هو إيليّا، فاقبلوا أو لا تقبلوا (انظر متى 11: 14). كذلك تمامًا لقد بعث الله تعالى في الأمة المحمدية شخصًا آخر باسم المسيح الناصري المزمع نـزوله من السماء. وهكذا فلا بد لجماعتنا من إحياء اسم يحيى على هذا النحو لأن قضية المشابهةِ لا تنحل إلا بواسطة يحيى.

باختصار إن قوله تعالى لم نجعَلْ لـه مِن قبل سميًّا يعني أننا لم نجعل لـه مثيلاً من قبل. وهذه خصوصية لم توجد في أي نبي قبل يوحنا. فليدلّنا أحد على نبي قبل يوحنا جُعل مثيلاً لإيليا. وما دام اليـهود والنصـارى أنفسهم يعتقدون أنه لم يسبق ليحيى مثيل في هذا المجال فثبت صدق القـرآن الكريم. وإن كون المرء عديم المثال، كما بينتُ، لا يعنى كونه عديم المثال في كل مجال، بل يكفيه أن يكون منقطع النظير في مجال واحد. وكما ذكرنا المجال الذي كان يحيى عديم المثال فيه، فقد يكون فيه خصوصيات أخرى أيضًا جعلته منقطع النظير. وإن الإنجيل أيضًا قد أشاد به بسبب تلك الخصوصية نفسها، حيث قال المسيح: «أقـول لكم إنه بين المولودين من النساء ليس نبي أعظمَ من يوحنا المعمـدان» (لوقا 7: 28).

وهذا يعني أن الإنجيل أيضًا يعدّه منقطع النظير. بيد أن المثال الذي يذكره الإنجيل هنا غلط. إذ يقول: ليس نبيٌّ أعظمَ من يوحنا؟ فمتى كان يوحنا أعظم من موسى مع أنه تابع لـه؟ وهل كان أعظم من إبراهيم رغم أنه كان تابعًا لـه أيضًا؟ فثبت جليًّا أن هذا المثال غلط، لأن موسى وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء الكثيرين – عليهم السلام – كانوا أعظم من يوحنا. ولكن القرآن الكريم لم يذكر هذا المثال لبيان خصوصية يحيى، وإنما اكتفى بقوله لم نجعل لـه من قبل سميًّا .. أي جعلناه منقطع النظير في مجال ما. في حين أن الإنجيل يزعم أن المسيح قال إن يحيى كان عديم النظير لأنه كان أعظم الرسل. مع أن هذا مخالف لعقيدة المسيحيين أنفسهم.

Share via
تابعونا على الفايس بوك