الرحلة من المرآة إلى شاشة فيس بوك..

الرحلة من المرآة إلى شاشة فيس بوك..

أحمد وائل

كاتب
  • كيف تعرف أن ولدك بلغ سن المراهقة؟!
  • كيف يسهم عامل التقدير في تشكيل شخصية الإنسان في مرحلة المراهقة؟!
  • المراهق قد يكون عرضة للاكتئاب إن لم يحصل على جرعة التقدير الكافية!
  • من الأكثر عرضة للاكتئاب.. الصبية أم الفتيات؟!
  • دور وسائل التواصل الافتراضي المشبوه.

 __

هل نخسر أولادنا المراهقين؟!

 

 

اللهاث وراء التقدير

لا شك أن عنصر التقدير من الأهمية بمكان بحيث لا نستغرب إذا عرفنا أنه سبب في أن يترقى المرء في مجالات الحياة من دراسة وعمل وعلاقات اجتماعية، أو يخر، لا سمح الله، إلى أسفل سافلين.. وكم من تلميذ كان مستقبله مرهونًا بعنصر التقدير هذا، فمنهم من تفوق بسبب كلمة تشجيع، ومنهم من ضلَّ وخاب بسبب التوبيخ، لقد بات هذا من الأمور التي لا جدال فيها باعتبارها من بديهيات التربية.. بالطبع لا نهدف من هذه المقدمة إلى تعليق مسؤولية النجاح أو الفشل على عامل التقدير فقط، ولكن الهدف هو بيان مدى أهمية هذا العامل في تشكيل شخصيات أولادنا، لا سيما في مرحلة المراهقة التي تعد من أخطر المراحل العمرية، لما يعتري أولادنا فيها من تقلبات ومؤثرات نأمل أن يجتازوها بسلام.

كيف تعرف أن ولدك بلغ سن المراهقة؟!

تُعرّف مرحلة المراهقة بأنّها مرحلة عمرية من مراحل النمو تكون بين الطفولة والبلوغ، وتِبعًا لمنظمة الصحة العالمية فإنّ عمر المراهق يُقدّر ما بين 10-19 سنة وقد يمتدّ إلى عمر 24 سنة، وقد اختلف المختصّون في تصنيف الصعوبات المرتبطة بمرحلة المراهقة، فالبعض وصفها بأنّها طبيعية في حين وصفها آخرون بأنّها مُرهِقة ومرتبطة بتصرّفات معيّنة، ويُصاحب هذه المرحلة العديد من التغيّرات، ومن أبرزها التغيّرات الجسدية والتطورات النفسية والاجتماعية والأخلاقية. كذلك من ملامح مرحلة المراهقة الشعور بالحاجة إلى الاستقلالية وتكوين الذات وضعف ارتباط المراهق بوالديه عاطفيًّا. كذلك من علاماتها التفاوت في سرعة التغيّرات الجسدية وطفرات النمو في سن البلوغ من مراهق لآخر، فقد تحدث عند بعضهم ببطء وبشكل تدريجي، في حين أنّها قد تحدث بسرعة عند آخرين؛ لذا فقد تظهر علامات النضج على المراهق في فترة مبكرة أو متأخرة وِفقًا لطبيعة نمو جسمه.. ومع بداية مرحلة المراهقة تزداد مشاعر القلق وعدم الشعور بالأمان لدى المراهق، مما يفسر اتصاف معظم المراهقين بالأنانية لفترة معينة والتي تقلّ عادةً مع التقدم في العمر، كما يعتقد المراهق أنّه موضع مراقبة وتركيز الآخرين سواءً من المقرّبين له أو البعيدين عنه، وهذا مما يفسر اهتمامه الزائد بمظهره.

عامل التقدير في مرحلة المراهقة

هناك فكرة شائعة الآن تقول بأن نسبة غير قليلة من مراهقي العالم غير راضين عن شكل أجسامهم. وهذا يؤدي إلى ازدياد خطر الإصابة بالاكتئاب في مرحلة البلوغ، وهذه المقولة تستند بالفعل إلى دراسات أكاديمية أجريت بهذا الصدد، كالدراسة المجراة بكلية التربية في جامعة بنها المصرية، وهدفت إلى التعرف على طبيعة العلاقة بين صورة الجسم، وتقدير الذات، والاكتئاب، لدي عينة من المراهقين، وتحديدًا من طلاب الجامعة،ذكورًا وإناثًا، وكذلك التعرف على الفروق بين الجنسين في صورة الجسم وتقدير الذات والاكتئاب. وقد شملت عينة الدراسة هذه  287 طالبا وطالبة، بالفرقتين الثالثة والرابعة الجامعيتين، ومتوسط أعمار عينة الذكور والإناث  19.58 عامًا، وقد أوضحت النتائج أن هناك علاقة ارتباطية موجبة بين صورة الجسم وتقدير الذات، وعن وجود علاقة ارتباطية سالبة بين صورة الجسم والاكتئاب(1).

كما يتردد بين الباحثين في مجال الصحة النفسية وعلم النفس النمائي أن عدم الرضا الجسدي يزيد بشكل كبير من خطر إصابة المراهقين بالاكتئاب، بحيث تتراوح درجة هذا الخطر المتزايد من 50٪ إلى 285٪، وفقاً للتقرير الذي نُشر على الإنترنت في 8 من ديسمبر في مجلة علم الأوبئة وصحة المجتمع… وخلص فريق البحث بقيادة الباحثة آنا بورنيولي، من جامعة «إيراسموس» في «روتردام» بهولندا، إلى أن هذه النتائج تظهر أن عدم الرضا عن شكل الجسم لدى المراهقين يجب أن يُنظر إليه على أنه قضية صحية عامة ذات أهمية ملحة.

ومن الأسئلة المترددة بهذا الخصوص ما نشره موقع منظمة الأمم المتحدة للطفولة والأمومة UNICEF على لسان إحدى الأمهات أرسلت تستفسر على مشكلة تعانيها ابنتها، فكتبت تقول: ابنتي تخجل من شكل جسمها ولديها انطباع سلبي عنه، كيف يمكنني مساعدتها على التغلب على هذا الشعور؟

ويتولى مختصون في «اليونيسيف» مسؤولية الرد على مثل هذه الاستفسارات، فجاء الجواب مشتملا على عدة نقاط من شأنها أن تحسن من نظرة المراهق إلى ذاته، مثل أنه يجب التحدث معها عن أهمية العناية بجسدنا وصحتنا، لكن في ذات الوقت، ينبغي ألا يتخطى الأمر حاجز الهوس والإفراط. كما يجب ترسيخ فكرة أن مقاييس الجمال تختلف كثيرًا، واضربي لها أمثلة إيجابية لسيدات حققن إنجازات عظيمة على الرغم من مظهرهن المتواضع، فكن مَحط أنظار من حولهن، بل مثار إعجابهم أيضًا.. كما نبه المختصون إلى ضرورة التأكيد على أن الفتاة المراهقة تفهم أنه على أرض الواقع، ليس كل شيء رائعًا كما يبدو على الانترنت، في إشارة واضحة إلى وسائل التواصل الاجتماعي التي كانت ثغرة واسعة نفذت من خلالها آفة النظرة الدونية إلى النفس عند المقارنة مع الآخرين. وينبغي التركيز على مواطن القوة لديها بالحديث المستمر عن صفاتها الحميدة مثل اللطف والطيبة، والخلق الجيد، والذكاء، وغير ذلك، حتى تقتنع أن هذا هو ما يمثلها حقًّا. كما أن على الآباء تعليم أولادهم المراهقين كيفية الرد على المتنمرين عليهم، وتشجيعهم على وضع أهداف نحو جسد أكثر صحة، وليس بالضرورة أكثر جمالًا، لا سيما وأن عنصر الجمال هو عنصر نسبي دائم التغير تمامًا كتغير الموضة، فليكن التركيز على عنصر الصحة أولا، وكيفية تحقيقه، مثل تناول طعام صحي وممارسة الرياضة.(2)

الأكثر عرضة للاكتئاب.. الصبية أم الفتيات؟!

وبحسب تقرير نشره موقع قناة CNN يمكن أن تهدد صورة الجسم السلبية الصحة العقلية، حيث يميل المراهقون إلى الإصابة بالاكتئاب في حال لم يكن لديهم رضا عن أجسادهم. وأشار التقرير إلى أن الأبحاث السابقة أظهرت أن حوالي 61٪ من المراهقين قد أبلغوا عن شعورهم بعدم الرضا عن أجسامهم إلى حد ما… وعلى مقياس من 5 نقاط، من راض جدّاً إلى غير راض للغاية، صنف المشاركون الذين يبلغون من العمر 14 عامًا مدى رضاهم عن وزنهم، وشكلهم، وبنية أجسامهم، وخصرهم، وشعرهم، وغيرها. وعند بلوغهم سن الـ18، تم تقييم أعراض الاكتئاب لديهم ودرجة تلك الأعراض(3).

وكانت المفاجأة أن واحدة من كل 10 فتيات وواحد من كل 20 فتى أبلغوا عن نوبة اكتئاب خفيفة واحدة على الأقل، وأفاد ما يقرب من 7٪ من الفتيات وما يقرب من 3٪ من الأولاد عن نوبة اكتئاب متوسطة حادة واحدة على الأقل، وأفاد 1.5٪ من الفتيات و0.7٪ من الأولاد عن نوبة اكتئاب شديدة واحدة على الأقل.

ارتبطت كل زيادة في عدم الرضا عن شكل الجسم بين الفتيات في سن 14 بزيادة خطر حدوث نوبة اكتئاب خفيفة واحدة «63٪» ومتوسطة «67٪» و/أو شديدة «84٪» في سن 18.

وسائل التواصل الافتراضي في قفص الاتهام

إن المجتمع قد أدخل وسائل التواصل الافتراضي وثقافة الشهرة والمادية في نسيج الحياة الحديثة حتى أغرقت ثقافة تقليد المشاهير ووهم حياتهم المثالية شبابنا في الاكتئاب والتوتر.

ومما يجدر ذكره أن هذا العصر هو عصر الاكتئاب بلا منازع، على الرغم من مظاهر الرفاهية البادية فيه! نعم.. في الماضي أيضًا كان عامل التقدير يلعب دورا بارزًا في تكوين شخصية المراهق سلبًا أو إيجابًا، ولكن في ذلك الماضي حيث لم تكن وسائل التواصل الافتراضي قد كتب لها الانتشار بعد، كان التقدير أو التوبيخ، أحدهما أو كلاهما سيد الموقف، وكان بمقدور المراهق، إذا تعرض للتوبيخ مثلًا، أن يحافظ على مستوى ثقته بنفسه إلى حد كبير، لا سيما وأنه يلتقي بمن يقدره أو يوبخه وجها لوجه، أما وقد دخلنا عصر التواصل الافتراضي، صار للمقارنة دور رئيس في التأثير على المراهق، على الرغم من أن ما يراه على وسائل التواصل الافتراضي لا يكون حقيقيا في الغالب، غير أنه يسقط فريسة المقارنة مع متفوق موهوم، وتلك هي المصيبة!

لقد أكدت دراسات كثيرة أجريت مؤخراً أن المجتمعات الحديثة رصدت ازديادًا كبيرًا في حالات الاضطرابات النفسية لدى قطاعات كبيرة من أفراد المجتمع خصوصًا المراهقين منهم، والذين يعلقون في عالم من الخيال ويتعرضون نتيجته إلى الاكتئاب والتوتر والحزن. نشرت صحيفة المراهقة في العام 2016 دراسة أظهرت أن المراهقين الذين استخدموا مواقع التواصل الاجتماعي أكثر والذين كانوا متعلقين أكثر عاطفيًّا بمواقع التواصل الاجتماعي كانت جودة نومهم وثقتهم بأنفسهم أقل وكان التوتر والاكتئاب لديهم عاليًا. وهذا يدعم الدليل القائل بأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي متعلق بنواحي عديدة من رفاهية المراهقين(4).

إن المجتمع قد أدخل وسائل التواصل الافتراضي وثقافة الشهرة والمادية في نسيج الحياة الحديثة حتى أغرقت ثقافة تقليد المشاهير ووهم حياتهم المثالية شبابنا في الاكتئاب والتوتر.

ليست المتهم الوحيد!

مواقع التواصل الاجتماعي ليست وحدها السبب في الاكتئاب والقلق، فالمجتمع الذي أفرزه عصر ثورة تكنولوجيا المعلومات هو مجتمع خاو وجشع يعبد صنم المادية.

إن الضغوطات للحصول على أحدث آلة وسيارة وممتلكات لا تنتهي أبدًا. بينما أصبحت الدنيا الآن، كما هو مذكور في القرآن الكريم، الهدف الأساسي في الحياة. وقد كشفت دراسات مقلقة جداً بحثت في أسباب الاكتئاب والقلق (وهي كثيرة) عن أضرار الثقافة المادية خصوصًا على شبابنا. فالمجتمعات، خاصة الغربية منها، تتباهى بشعارات الحرية. مع أن حقوق الإنسان الأساسية متوفرة بشكل أفضل في الغرب، لكن الضغوطات الاجتماعية تستمر في تقييد الشباب مسببة مستويات غير مسبوقة من القلق والاكتئاب وعقدة النقص لديهم. يجب على الشباب والشابات ألا يشعروا بالضغط حيال أشكال أجسامهم وألا يقارنوا حياتهم بحياة الآخرين. لكن من المؤسف أن الضغوطات الاجتماعية عليهم حتى يتوافقوا مع «معايير» المجتمع فيظهروا بمظهر معين ويتصرفوا بطريقة معينة تفسد عليهم حياتهم. ثم يتطور هذا الهاجس عند الشخص فيظهر نفسه على وسائل التواصل الاجتماعي مما يوقعه ومتابعيه في فخ المقارنات والرغبات والعقد. قبل وقت «فيسبوك» و”انستغرام”، كانت الصور الشخصية والذكريات تبقى ضمن حلقة العائلة والأصدقاء ولم تكن متاحة للعالم أجمع، كما لم يكن هناك ضغط اجتماعي لنشرها بل إنها كانت توضع في ألبومات صور وتحفظ في رف المكتب أو في الخزائن. ولكن الناس يستمرون في عرض حياتهم على مرأى من العالم وكأنهم في حالة لا وعي، فتنشأ غرفة صدى على الإنترنت تصبح فيها مجالات حياتنا التي كانت خاصة في الماضي عامة يراها الجميع. وبالطبع فإن عرض حياتنا على الساحة العامة قد خلق سرابًا، إذ إن الناس يظهرون حياتهم على أنها مثالية بينما في الواقع ليست كذلك. فكما تبينه الدراسات باستمرار، إن هذه الثقافة تؤثر سلبًا على الناس، سواء كانوا حذرين أم لم يكونوا، وخصوصًا الشباب والشابات منهم. فالفكرة المطروحة هي أن علينا أن نوعي الشباب للمخاطر التي تحيط بهم ولضرورة استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بمسؤولية، لكن القول أسهل من الفعل.

تؤكد الشركات التكنولوجية الكبرى أن مواقع التواصل الاجتماعي تسبب الإدمان وتمول دراسات تهدف إلى إيجاد المزيد من الطرق للسيطرة على نظام «الدوبامين» لدينا.

إن المجتمعات الحديثة لديها بالطبع ميزاتها كما لمواقع التواصل الاجتماعي أيضًا ميزاتها. لكن علينا أن نتوقف قليلاً ونسأل أنفسنا عمَّا إذا كان نظامنا الحالي صحيًّا وتقدميًّا ونافعًا لمستقبل أطفالنا.

والآن، أما زلنا نريد التحديق في مرآة عصر المادة القبيحة، ممثلة في وسائل التواصل الافتراضي؟ أم ترانا سنسعى إلى أن نحدث تغييرًا إيجابيًّا في قيمنا الأخلاقية ومثلنا؟!

الهوامش:

1. سامية محمد صابر محمد عبد النبي، صورة الجسم وعلاقتها بتقدير الذات والاكتئاب لدى عينة من طلاب الجامعة، بحث صحة نفسية منشور في مجلة كلية التربية، جامعة بنها، مصر.

2. مقال بعنوان “تربية المراهقين”، من الصفحة الرسمية لمنظمة اليونيسيف

3. مقال بعنوان “اكتئاب يلاحق المراهقين حول أجسامهم.. هل يعتبره الباحثون أمرًا مقلقًا؟”

4. صحيفة المراهقة، ح 51 أغسطس 2012 ص41 – 49

Share via
تابعونا على الفايس بوك