خدعوك فقالوا:...!
  • كيف يُمارَس التلاعب بالعقول في هذا العصر؟
  • أبرز القضايا التي يتم تقديم صورة مشوهة للإسلام من خلالها.
  • الحقائق التاريخية والمستشرقين المنصفين يكشفون النقاب عن تزويرات الكارهين للإسلام.

 ___

في كتابه «المتلاعبون بالعقول» والذى صدر عام 1973، يشرح الكاتب الأمريكى «هربرت شيللر» مفاهيم مهمّة، على رأسها التضليل الإعلامى، والوعي المعلّب، وكيفية التحكم في الرأي العام، مبيِّنًا أن التلاعب بالعقول وتضليل الوعي الجماهيري يتم الآن عبر الآلة الإعلامية نظرًا إلى تطور تقنيات الاتصال في هذا العصر. ويخلص إلى نتيجة مفادها أن تطور الإعلام وتعدد وسائله أصبح وبالًا على الشعوب! وفي كتابه هذا يتناول تأثير الآلة الإعلامية على توجهاتنا الاجتماعية وكلامه يصدق بدرجة عظيمة على الحقائق التاريخية والانطباعات النفسية أيضًا، فالسمعة التي يكتسبها المرء أو الدولة سواء كانت سمعة حسنة أم سيئة، هي في أغلب الأحوال محصلة ما يتنادى به المحيطون، من هنا نشرع في التحقيق في ما يوازي تأثير الآلة الإعلامية على الصعيد التاريخي، لنبدأ، كمسلمين، بطرح تساؤل: لماذا حين نقرأ ما خطته أقلام أغلب المستشرقين عن الإسلام لا نرى ما يَسُرُّ، بل لا نقرأ إلا ما يُحْفِظُنا ويقطِّع قلوبنا؟! بحيث إننا كثيرًا ما نقرأ تزويرات من قبيل أن الإسلام دين استبدادي قمعي بالنسبة  للطوائف المستضعفة، كالنساء مثلًا، أو الأقليات الدينية، وما إلى ذلك. علمًا أن الإسلام لم يدع جانبًا من جوانب الحياة إلا وبينه بيانًا شافيًا، وسواء في ذلك الأمور العامة كنظام الحكم والعلاقات الدولية، أو الأمور الخاصة مثل آداب المرء في نفسه وآدابه مع غيره، والحقوق التي له، والواجبات التي عليه، ومما يدخل ضمن هذا الإطار علاقة الزوج بزوجته، وما بينهما من حقوق وواجبات، ويكفينا في ذلك وصايا الله تعالى بالنساء في أكثر من موضع من القرآن، حتى إن الله تعالى خصص لأمورهن سورة سميت بسورة النساء، وكذلك وصايا النبي ، وأهمها الوصية الخاتمة التي كانت في حجة الوداع، والتي قال فيها الرسول ، فيما رواه الترمذي في سننه:

«أَلَا وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّمَا هُنَّ عَوَانٌ عِنْدَكُمْ لَيْسَ تَمْلِكُونَ مِنْهُنَّ شَيْئًا غَيْرَ ذَلِكَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا أَلَا إِنَّ لَكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ حَقًّا وَلِنِسَائِكُمْ عَلَيْكُمْ حَقًّا فَأَمَّا حَقُّكُمْ عَلَى نِسَائِكُمْ فَلَا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ مَنْ تَكْرَهُونَ وَلَا يَأْذَنَّ فِي بُيُوتِكُمْ لِمَنْ تَكْرَهُونَ أَلَا وَحَقُّهُنَّ عَلَيْكُمْ أَنْ تُحْسِنُوا إِلَيْهِنَّ فِي كِسْوَتِهِنَّ وَطَعَامِهِنَّ».

فالشاهد أن الإسلام لم يترك أحدًا يقع تحت مظلته، فردًا طبيعيًّا كان أو كيانًا اعتباريًّا، إلا وأولاه حقوقه كلها كاملة غير منقوصة، بل إن الإسلام تجاوز هذا المستوى الإنساني بمراحل، فلم يكتف بإرجاع الحق المسلوب إلى ذويه المطالبين به، بل حرص على الوفاء بحقوق حتى من لا يحسنون التعبير عن حاجاتهم، لعجز أو لجهل، فقال تعالى في معرض كلامه عن صفات المتقين:

وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (الذاريات: 20)،

والمحروم هاهنا ينطبق على الفقير للوسائل المادية وأيضا المحروم من نعمة السؤال تعبيرًا عن حاجته.

الإسلام دين درج على احترام التنوع الطبيعي في الثقافات والأديان، وفي ظل هذا الجو المرحب بالتنوع والتعددية الثقافية وحتى الدينية، نبغ من رعايا المجتمع الإسلامي علماء أفذاذ من غير المسلمين، ذلك لأن الدين الحنيف كفل حق المواطنة لجميع رعايا مجتمعه ما دام الجميع مطالبون بأداء نفس الواجبات، وهنا ينبغي التأكيد على أن فكرة احترام التعددية التي فشت في المجتمع الإسلامي منذ فجره في القرن السادس الميلادي، لم تكد أوروبا تسمع بها إلا والقرن السابع عشر يجر أذياله، فأي دين هذا الذي يسبق العالم المتحضر بخطوة طولها أكثر من ألف عام؟!

لقد بات من الثوابت التاريخية والأمجاد التليدة التي يتغنى بها مسلمو اليوم أن في القرن العاشر الميلادي كانت قرطبة عاصمة الدولة الأموية في إسبانيا وكانت معروفة في الشرق والغرب بثرائها وتطورها، كما مثلت جسرًا بين الفلسفة اليونانية القديمة وأوروبا الحديثة. وتعرف فترة حكم المسلمين في إسبانيا بـ «العصر الذهبي» للعلم، إذ انتشرت المكتبات والمعاهد العلمية والحمامات العامة وازدهر الأدب والشعر والعمارة وأسهم المسلمون وغيرهم في هذه النهضة الثقافية. وفي بعض الأحيان توصف هذه الفترة أيضا بـ «العصر الذهبي» للتسامح الديني والعرقي بين المسلمين والمسيحيين واليهود، مما دفع البعض إلى الاعتقاد بأن بلاد الأندلس في العهد الإسلامي كانت متسامحة بمعايير أوروبا القرن الحادي والعشرين.

وعلى النقيض من تعامل الإسلام مع غير المسلمين داخل المجتمع الإسلامي، فعندما تكونت جاليات مسلمة في بلاد غربية ذات أغلبية غير مسلمة تفجرت المشكلات، وبدأت حكومات تلك البلاد وشريحة لا يُستهان بها من مواطنيها يرفعون عقيرتهم بهتافات «الإسلاموفوبيا» وضرورة الاندماج بما يمحو ملامح هوية هؤلاء الدخلاء من المهاجرين الذين أتوا من قبل الجنوب والشرق، فمرة تثور أزمات بسبب الحجاب الإسلامي، ومرات بسبب الطقوس الإسلامية من صلاة وصيام وصولًا إلى نحر الأضاحي، فضلًا عما لحق بالإسلام ظلمًا خلال الـ 50 عامًا الأخيرة، من افتراءات وأكاذيب وادعاءات قامت على مفهوم خاطئ نتيجة التعميم الأعمى، وانعدام القدرة على التفرقة بين الإسلام والسواد الأعظم المعتدل من أتباعه من جهة، وبعض الخوارج عليه من جهة أخرى من عناصر اعتمدت العنف أسلوبًا، واختارت طريقًا يعادي الإسلام في باطنه ويرفع شعاراته في ظاهره.

ورغم ذلك فإن هذا لا يعني بأية حال من الأحوال خلو الساحة الفكرية في الغرب من منصفين عشقوا الحقيقة حتى الوله، فراحوا يعلنون تمردهم على هذا المنحى الفكري الظالم إلى خطاب متّزن يدعو إلى ترك التجني على المسلمين، ومحاولة قراءتهم، وفهمهم عن قرب، بل أشار كثير من هؤلاء إلى عدائية الفكر الغربي، وانطلاقه في تقييم العرب والمسلمين من عقد صليبية فوّتت عليه الكثير من المواقف العقلانية، ووصمت موقفه بالعدائية التي تسعى لأسباب غير موضوعية إلى تغييب الآخر ونفيه، واعتبروا ذلك جرمًا كبيرًا في كيان هذا الفكر، فظهر كتاب مثل «شمس العرب تسطع على الغرب» للمستشرقة الألمانية «زيغريد هونكه»، وهى واحدة من عشرات المستشرقين من أهل الاتجاه المنصف الذي بدأ الآن ينمو في أوروبا خصوصًا، وفي الغرب بشكل عام، بعد أن أخذ سحر الساحر الدجال ينقلب على صاحبه في الآونة الأخيرة.

قارئ التقوى العزيز، نهدي إليك هذا العدد، نوفمبر/ تشرين الثاني 2021 متضمنًا صفحات من الحضارة الإسلامية التي أساء السواد الأعظم من المستشرقين تأريخها، فنميط اللثام عن حقائق ودقائق روحانية إسلامية طالما خفيت، حتى على كثير من المسلمين أنفسهم، ناهيك عن غير المسلمين، فعن المرأة، حقها، ودورها، وحجابها، يتحدث حضرة خليفة الوقت (أيده الله تعالى بنصره العزيز). يلي ذلك باقة من المقالات بأقلام نخبة من الكتاب، ليخلص القارئ بالاطلاع عليها إلى أن المساواة بين الجنسين هي مبادرة إسلامية بامتياز، وأن مُحَاوَلاتِ تَشْوِيهِ سُمْعَةِ المُسْلِمِينَ تتم بطرق ممنهجة منذ قرون.

ندعو الله تعالى أن يجعل كل كلمة سُطرت في كل عدد خالصة لوجهه الكريم، وأن يرينا ثمارها اليانعة بفضله وجُوده، آمين.

Share via
تابعونا على الفايس بوك